أرشيف

جماهير عشقت الوحدة وقوبلت بالانفصال..تسونامي المحافظات الجنوبية

مازال الوضع في المحافظات الجنوبية متوتراً..تظاهرات ،ومواجهات وأنتشار أمني وعسكري كثيف أكثر من 22 قتيلا و133 مصابا بجروح  خطرة،( 450 ) مصابا بجروح طفيفة و3200 شخص زج بهم في المعتقلات في مراحل متفاوتة،منهم 25 شخص اتهموا بالحرابة،و 8 أشخاص اتهموا بالخيانة العظمى،وأكثر من 10.000 مواطن تكبدوا خسائر مادية ورموز وقيادات وطنية وسياسية في السجون..كل هذا هو حصيلة الغليان الشعبي والحراك الجماهيري في المناطق الجنوبية حتى الآن .

كانت البداية في قرار حكومي يخلو من أي مسوغ قانوني تمخض في إغلاق جمعية ردفان في تاريخ 15- 1 – 2006 بعد تبني الجمعية اجتماع التسامح والتصالح، قلب المواجع وأظهر وجه السلطة قبيحاً أمام براءة أبناء المناطق الجنوبية الذين فسروا دوافع قرار السلطة رغبتها في استمرار تنازع وتناحر أبناء الجنوب،وكانت ردة فعلهم بإعلان تماسكهم والنهوض بالمطالبة بحقوقهم ونبذ خلافاتهم.

ومن غير المتوقع فؤجئت السلطة أن الجماهير في الضالع حملت صور (علي ناصر محمد ) وهذا أمر يعد فاجعة لكل من كان يستثمر أحداث يناير ويذكر بها لشحن النفوس بالكره والضغينة.

وكان يوم 2 – 8 – 2007 يوم تعميد المطالب بالدم حين رفضت السلطات الأمنية السماح للعسكريين تنظيم إعتصام في ساحة العروض بخورمكسر وقامت القوات الأمنية بإطلاق الرصاص،ما أسفر عن سقوط 3 قتلى (كانو باكورة قافلة الشهداء ) و11 جريحاً ومئات من المعتقلين،وبعد 30 يوماً فقط تلاها اعتصام آخر أسفرعن سقوط قتيلين و13 جريحا من جراء طلقات الأسلحة النارية للسلطات الأمنية واقتيد عشرات المواطنين إلى السجون وتوالت الاعتصامات في جميع المحافظات الجنوبية وشهدت مدينة حضرموت في 1 – 9 – 2007 تظاهرات سلمية تضامناً مع  المعتقلين في عدن أسفرت كذلك عن 3 قتلى و5 جرحى و 266 معتقلا أبرزهم ناصر باقزقز وبامعلم وباعوم ثم تلتها تظاهرات في الضالع في 5 – 9 – 2007 وفي ردفان وفي الحوطة.

أن قضية المتقاعدين العسكريين الذين تم تسريحهم وإقصاؤهم بعد حرب صيف 94 كانت القضية التي حركت المياه الراكدة وأبرزت حجم التهميش والإقصاء والاستحواذ الذي يكابده أبناء المناطق الجنوبية خاصة حين أعترفت الحكومة اعترافا غير مباشر في قرارها بإعادة المنقطعين العسكريين إلى معسكراتهم فقد كان هذا الأمر حجة على السلطة التي استضعفت جزءا من أقليم الوطن ..

حمى الانفصال

لم تهدأ الأمور وفتحت ملفات كثيرة من جراء تداعيات قضية المتقاعدين العسكريين وبرزت قضية نهب الآراضي في المناطق الجنوبية من قبل قيادات سياسية وعسكرية وكذا العبث بالوظيفة العامة والاستحواذ عليها ما جعل الهيجان الجماهيري في المناطق الجنوبية يستمر في الغليات حتى وصل الأمر إلى رفع البعض أعلام دولة الجنوب التي كانت قبل قيام دولة الوحدة كما طالب البعض بالإنفصال وأطلق صفة الاستعمار على السلطة حيث رددت هتافات منها: (برع ، برع ، يا استعمار).

هذه الجماهير هي نفسها التي خرجت الشوارع مبتهجة عند تحقيق الوحدة ولكنها اليوم تشعر أنها خدعت وغدر بها من قبل شطرها الآخر..لهذا خرجت تطالب بحقوقها وتعبر عن رفضها بقوة واستماتة بعد أن قطع أملها ورجاؤها في سلطة تلغي الآخر وتنكر الشريك .

فقدان الرشاد

باتت هناك قناعة عند كل أفراد الشعب أن السلطة تطرح شرطين كأنهما متلازمان (بقاؤها في الحكم وممارسة الاستبداد أو التفكك والتشرذم ) وقد جسدت هذين الشرطين عند مواجهتها أعتصامات المبعدين العسكرين بالقمع والتخوين وعنما عجزت عن إخماد حراكهم خضعت لبعض مطالبهم وقدمت كشوفات بأسماء من تم إستبعادهم لتدين نفسها بالجرم المشهود في حق أبناء المناطق الجنوبية الذي نفذ صبرهم وهاج حراكهم لمطالب عديدة.

السلطة أصبحت مدانة بحقائق لا يدحضها أي تكذيب في تهميش أبناء المناطق الجنوبية ولم تعد تملك خطابا سياسيا تقدمه للجماهيرالمطالبة بحقوقهاغير قولها أن هناك مخططا تآمريا على الوحدة اليمنية وهذا الخطاب قد أصبح أسطوانة مشروخة تعودت الجماهير على سماعها.

وأخذت من جانب آخر تخوض تحالفات هشة وتدخل صراعات تشكيكية غبية بعد أن خاب ظنها في قدرة شخصيات جنوبية ركزتها في واجهة الحكومة وتحسبها دائما على أنها تمثل أبناء المناطق الجنوبية.

وأخذت السلطة تحيي وتستجدي حلفاء قدامى لها هم ذو جذور إنفصالية من بواقي المشايخ والسلطنات الجنوبية الذين كانوا يستلطفون نظام صنعاء أيام حكم الحزب الاشتراكي الذي قضى على سلطناتهم ،ولم تكن السلطة موفقة في أحياء تلك التحالفات مع هذه الشخصيات التي أخذت تستثمر الحراك الجماهيري وتدفع به إلى الأمام على أمل استعادة سلطناتها بعد انفصال الجنوب ولهذا سعت إلى تحريض الجماهير على سلخ حراكها من القيادات المحسوبة على الفكر ذي التوجه الديمقراطي .

كذلك من المحاور التي أعتمدت السلطة عليها في إخماد حراك الجماهير هي مناصب الترضية وأبتكار مقاعد إضافية لتسميات مناصبية وتعيين فيها كل من يدين الحراك مثل تعيين لحسون ابن الشهيد المناضل صالح مصلح الذي أدان الحراك الجماهيري فتم ترفيعه من مدير ناحية إلى وكيل محافظ في الضالع الذي لم يغير تعيينه شيئا بل تضاعف الهيجان وازدادت دهشة الجماهير من توجه السلطة التي أصبحت تصرف المناصب لكل من يدين حراكها ومطالبتها بتقرير مصيرها.

ومن المعروف أن الجماهير الجنوبية تعشق الوحدة ولكن عشقها للوحدة قوبل بسلطة تمارس الانفصال واقعا باسم الوحدة من خلال استبعاد كل ما هو جنوبي.

الأحزاب

أحزاب اللقاء المشترك هي أكثر الأحزاب التي تملك إمكانيات وقدرات في تحريك الجماهير ولكنها في موضوع الحراك الجماهيري الجنوبي لم تكن صاحبة  التأثير الأكبرعلى الحراك.

أما الحزب الاشتراكي الذي وقع على وثيقة إتفاقية دولة الوحدة ممثلاً للمناطق الجنوبية مازال يعاني من تهمة التخوين والانفصال من قبل السلطة التي مازالت تعمل على تدميره وتهميشه.

 والاشتراكي هو الحزب الذي يعتبر قادراً على حشد الجماهير في الجنوب وعاجزاعن تفريقها وتخفيف هيجانها ويملك قاعدة جماهيرية في أوساط المثقفين في المناطق الشمالية أكثر من أي تنظيم آخر .

تداخل الخطى

تداخلت خطى مصالح الاحزاب ورغبات السلاطين بخطى حراك الجماهير في المناطق الجنوبية بعد أن أصبحت تلك الجماهير ترحب بكل من يرغب الصعود فوق موج حراكها بشرط أن يخلصها من نظام صنعاء وبرزت في السطح قيادات وطنية تؤيد حراك الجماهير التي أصبحت تطالب بحقها في العمل والصحة والتعليم  وأن تكون موارد البلاد خبزاً  للجميع ولكن تلك القيادات الوطنية وجهت لها تهم متنوعة مثل التكفير والإنفصال والخيانة مثل أحمد سيف حاشد وباصرة وغيرهم .

وتبنت وسائل الإعلام السلطوية عبر التلفزيون والراديو وميكرفون المسجد والجرائد خطاباً هشاً وتكفيريا ساعدها الجناح السلفي في حزب الاصلاح في ترويج خطاب تكفيري زاد الطين بلة وتضاعف هياج الجماهير التي لم تعد تثق بمشائخ التكفير المتحالفة مع السلطة والتي تؤمر بأمرها .

إن الحراك الجماهيري في الجنوب لن يتوقف بعد أن أفلت لجام صبر الجماهير إلاّ بمعالجات حقيقية ومشاركة فعالة لأبناء المناطق الجنوبية في مفاصل إدارة مؤسسة البلاد واستئصال الحشائش الضارة التي تلتهم موارد البلاد ولجم اندفاع الفاسدين والمهيمنين والناهبين لحقوق الشعب وهذا الأمر صعب على السلطة التي أصبحت لا تستطيع امتلاك سلطان الصلاح لأنها تمثل بحكومة بائسة لا تملك آليات التغيير وتدير وزارة شكلية بعضها  أشبه بمكاتب العلاقات العامة مثل وزارة الدفاع حيث صلاحيات الوزير لا تتعدى مكاتب الوزارة بينما الجيش تحول إلى بولكات عديدة كل بلك رهن شخصية معينة وكذلك الداخلية وعدد من الوزارات..حكومة مثل هذه لا تستطيع أن تصحح أي خلل.

ولهذا سعت السلطة إلى سلسلة من التعيينات لمناصب الترقية مرة أخرى مجدداً وصرفت الهبات المالية لغرض إفشال حراك الجماهير وسعت إلى تعديل قانوني من أجل أنتخاب المحافظين بتكتيك يشوبه مغالطات واضحة.

والحصيلة في نهاية المطاف أن السلطة لم تقدم أية حلول حقيقية لأنها لا تملك أي حلول وسيبقى الحراك الجماهيري في المناطق الجنوبية مستمراً وربما تصل تأثيرات الحراك إلى المناطق الشمالية حيث أخذ الكثير من أبناء المناطق الشمالية يبدون إعجابهم بالحراك الجنوبي .

زر الذهاب إلى الأعلى