أرشيف

مستقبل واعد بسنوات عجاف  

آخر واحدث تحذير للبنك الدولي  لليمن  تمثل في تحذير  خطر نضوب النفط   عام 2012 واثر ذلك النضوب على انهيار ما تبقى من رصيد طاقة  الاقتصاد المأزوم أصلا في  كافة  مؤشراته الكلية   والقطاعية  ومتغيراته الداخلية ، والخارجية .وقد سبق للبنك أن حذر من  مخاطر ذلك النضوب في الأعوام السابقة . وكان كذلك  قد أشار   في الأسبوع المنصرم من شهر ديسمبر 2006 م إلى أن اليمن ثاني أفقر دولة في الشرق الأوسط ، وشمال إفريقيا  .  وفي وقت سابق من عام 2005 م أشارت العديد من التقارير الدولية إلى مغبة مخاطر الفشل والفساد  والحكم غير الرشيد ، وسقوط اليمن في معايير صندوق الألفية . كل تلك الحقائق تلخص اتجاه  حالة الاقتصاد اليمني المنهار وحركته صوب حتمية الفشل  والانهيار المحتوم لما تبقى من طاقة قطاعاته ،  وبالتالي عدم قدرته على تحمل صدمة كبرى أخرى قادمة ، ممثلة في معضلة  نضوب النفط   الذي يمد الاقتصاد بعوائد مالية وصلت عام 2006 نحو 3.8 مليار دولار .

دعونا نرى ماذا اتخذ النظام السياسي الفاشل  من بدائل ، وخيارات ،  وإجراءات بديلة  مضادة   وقائية لحماية الاقتصاد من  مخاطر ذلك الانهيار التام المتوقع القادم  ،ومدى  دعمه بموارد ، ومصادر مالية جديدة مضافة  مضمونة العائد ،  تعوض الاقتصاد ذلك الفقد ، وتلك الخسارة القادمة المتوقعة  .

للنظر في حجم   مساهمة عوائد النفط، وأثرها على   بعض المتغيرات والموازين الاقتصادية الكلية  للعام المالي 2005 م  إذ تكاد تهمين  مساهمات عوائد النفط والغاز على هيكل الموارد الاقتصادية  والتجارة الخارجية ، وعوائد العملات الصعبة  وتشغيل الطاقة الاقتصادية .

 

مؤشرات مساهمة النفط

في بعض المتغيرات والموازين الاقتصادية لعام 2005

 

البيان

%

مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي

27.8

مساهمته في الموازنة العامة

76

مساهمته في التجارة الخارجية / التصدير

95

مساهمته في النقد  الأجنبي

85

مساهمته في تشغيل الطاقة الاقتصادية

11

مساهمته في الناتج  نهاية الخطة الخمسية الثالثة 2010

 

9

 

ومن ضمن موارد الخزانة العامة تأت الضرائب العامة بمختلف شرائحها، وفئاتها ، ومصادرها ، وأوعيتها  لتشكل نسبة7% من الناتج المحلي الإجمال، ونسبة 24 % من موارد الموازنة العامة  عام 2005 م ( النفط 76 % ) .

 

 

الموارد البديلة للنفط

إذن من المسؤولية السياسية ، ومستوجبات ، وضرورات الإدارة الاقتصادية ، والمالية ، والنقدية عموما أن تأخذ الحكومة اليمنية على عاتقها ، وفي قلب مسئولياتها ،  تحذيرات البنك الدولي  بمسؤولية ، وبجدية  ومثابرة  وجهد ، وقلق ،  وان  تبذل أقصى ما في وسعها  لمجابهة ذلك الخطر المتوقع القادم المحدق بالاقتصاد  ، وان تضع له الحلول ، والبدائل الناجعة ،  وبما  يكفل تجاوز تلك الكارثة المدمرة المحدقة المحققة .  وان تكون قطعا  قد أدرجت آثار  ذلك الخطر الداهم اقتصاديا ، وماليا    ونقديا  واجتماعيا ضمن  طيات ، أهداف  وسياسات  الخطة الخمسية الثالثة 2006-2010 ، على الأقل ،  فصممت لذلك الخطر الأسود الفادح  ،   أنجع  المعالجات  وانجح الخيارات ، وأفضل  البدائل ، واضمن  المصادر  ،  ورصدت لذلك  الحال الموارد المتوقعة اللازمة  وحددت له المصادر المحتملة  ،  بحيث يتم توليد عوائد مالية بديلة تعوض عوائد النفط الناضب ، عبر تنمية  وتطوير وتحديث   مختلف طاقات قطاعات الاقتصاد الوطني   وتنويع مصادره المالية ، بناء على قواعد تأمين  وتوفير  مناخا ت وموارد الاستثمار ، والأمن والاستقرار  ،  وتقليص النفقات الحربية  والنفقات الترفية غير الضرورية .

موقع الخطة الخمسية من انهيار عوائد النفط .

 

وعند  العودة إلى أرقام الخطة الخمسية الثالثة وفي نهاية عامها الأخير 2010م ومراجعة توقعات الموارد العامة الضريبية   لم نقف على أية معالجات مادية ، كمية ، ومعطيات اقتصادية  رقمية جادة  وواضحة ، ذات أهداف ، ومواصفات ، ومعايير كمية ،   مادية قابلة  للرقابة ، والقياس ، والحكم بحيث    بقدر ما صدمنا بعبارات وصفية ، وصياغات لغوية بائسة تخرج الخطة عن مفهوم ، ومعنى   واشتراط  التخطيط العلمي الوارد في المادة " 9 "  من الدستور  !!  بل المشاهد من أرقام الخطة تناقص عوائد معدلات الضرائب  والموارد العامة حيث انخفضت عوائد النفط والغاز  من نسبة 26.3  %  من الناتج المحلي عام 2006 إلى  % 9.3 نهاية عام الخطة 2010 بانخفاض يناهز 17.0 %  .  كما أن إيرادات الضرائب العامة يتوقع لها أن تزيد من 6.6 % من الناتج   لنفس الفترة إلى 6.8 % نهاية عام 2010م   بزيادة طفيفة تناهز 0.2 % ، مقابل 3 % زيادة سنوية للسكان ، وذلك معدل نمو للسكان يدفع إلى مزيد من القهر  والفقر ، والبؤس . ويعني عدم زيادة موارد الضرائب ، والموارد العامة الأخرى عقم السياسات   الاقتصادية ، والمالية ، والنقدية  والتنموية ، وهي سياسات   لا تحرك سكونا  ، ولا تحفز نموا ،  ولا  تلغي انكماشا  ، ولا تحسن دخلا .   هذا وفي نفس الوقت انخفضت الإيرادات العامة والمنح من  34.9 % من الناتج عام 2006 م إلى مستوى 18.7 % عام 2010 م ولعل ذلك الانخفاض الظاهر في  النسب السابقة يعزى إلى انخفاض عوائد النفط ( 17 % ) كما أن ذلك الانخفاض إلى الناتج لا يبرره زيادة الناتج الوطني سنويا بنسبة 7 %  في المتوسط .  مما يشير إلى تدهور الموارد العامة مقرونا بتدهور  عوائد النفطية واختفائها بدءا من عام 2012 م  وهو ما يؤكد تحذير البنك الدولي.

ولعل قائل يقول أن عوائد تصدير الغاز المسال عام 2008 سيحقق عوائد سنوية تصل إلى 800 مليون دولار ويشكل هذا المبلغ نسبة 22.8 % من أصل عوائد النفط والغاز  لعام 2006 البالغ حجمها 3.8  مليار دولار . إذن سيكون هناك نقص متوقع   في موارد النفط ستصل إلى  3.0مليار عند نهاية عام 2012 م  . من أين ياترى يتم تعويض ذلك الفقد والانهيار في الموارد السيادية ؟ طالما أن أرقام الخطة الخمسية تظهر انهيارا مقابلا في عوائد الموارد العامة .!! ولا نعلم على ماذا تراهن الحكومة ، ومن أين ستعوض ذلك النقص الكبير الفادح  ؟

تسويق الوهم ، وترويج الرفاهية الكاذبة

 

وطالما أن الخطة الخمسية الثالثة قد فشلت فشلا ذريعا مروعا في البحث عن  موارد بديلة  ومصادر  مالية  حقيقية  ، بل  أن النقص في الموارد العامة هو السمة الغالبة على  الموارد العامة في الخطة ، فان الخطاب السياسي ، والإعلامي طفقا يسوقان أوهام ، وأمال سوداء كاذبة  خائبة ، تشير إلى أن استكشافات النفط لم تبلغ سوى 20 % من ارض الاستكشافات ، ثم  بدا الإعلان بين الحين والأخر عن اكتشافات نفطية وهمية  لا تليق بمبدأ ، وشرط  الشفافية المعلن عن التزام الحكومة بإدارة الشؤون النفطية بموجبها  بوضوح ،  وإفصاح  وشفافية . ومن جانب أخر يعمل ذلك الخطاب المأزوم تكثيف   وتهويل   تأثير اندماج اليمن مع الاقتصاديات الخليجية   ويروج  آن   ذلك الاندماج سيحل معضلات اليمن الاقتصادية ، والاجتماعية  وانه سيقود إلى حياة الرفاهية . فضلا عن أهمية مؤتمر المانحين  وما يتوقع الحصول عليه اليمن من هبات وقرض بلغت 3.7 مليار دولار ستساهم بحل المعضلة الاقتصادية والاجتماعية  .

وبالرغم من عدم مصداقية ذلك الطرح  وذلك الزعم ،  وذلك التناول ، حتى على افتراض تحقيق ذلك الاندماج البعيد المدى  ، فانه لن يمنح ذلك التفاؤل عمقه ، وجوهره  ومداه ، وصدقتيه ، هذا مع التأكيد  أن ذلك الاندماج لن يتحقق في المدى الطويل ، لأنه مرهون بشروط صعبة ، وقاسية وبعضها غير قابل للتحقيق ، ولن يتمكن النظام من الوفاء بها ـ وتنفيذها والعمل بموجبها  من حيث   التعاطي مع شروط الاندماج التي منها التغيرات السياسية ، الديمقراطية ، والتخلص من كارثة القات، وخطر الأسلحة المدمرة للحياة التي تعج بها عواصم   ومدن ، وقرى اليمن ، والتخلص من مختلف إشكال الفوضى والهمجية ،والتوحش ، والفساد الماحق .  ولنا في فشل مؤتمر باريس عام 2002 م عبرة حيث منح   ذلك المؤتمر  نحو 3.2 مليار دولار لم يدفع منها غير 20 % نظرا لعدم التزام النظام بشروط المانحين ، وفشله في إدارة الحياة .

وتأسيسا على ما تقدم فان استمرار المراهنات الخاسرة على احتمالات ضعيفة التحقق ، وتسويق الأوهام الزائفة ، وترويج وعود الرفاهية القادمة ، تمثل دعوة للشعب اليمني  بليال شتاء سياسات  باردة قارصه  وسنوات اقتصادية عجاف ، ومزيد من التسول ، والذل ، والمهانة ، والتنطع على أبواب دول العام المانحة . !!!

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى