أرشيف

عبد الرحمن سيف إسماعيل: عذبوني وأشاعوا خبر موتي ودقوا المسامير في أيدي المسجونين

هذا الحوار جزء من ملف مفتوح عن التعذيب في اليمن تتبناه منظمة التغيير للدفاع عن الحقوق والحريات التي يرأسها النائب المستقل احمد سيف حاشد،وقد رأت المنظمة نشر هذا الملف في صحيفة (المستقلة)..و رأينا نحن في «يمنات» إعادة نشره تباعا بالتنسيق مع (المستقلة ) لإيماننا بأهمية إطلاع الناس على ما حدث من أجل العمل معا على ألا يحدث مجددا…….«يمنات»

مساحة خضراء بخطوط حمراء

 فكرنا كثيراً في منظمة التغيير قبل أن نقدم على فتح أكثر الملفات سرية وخطورة.. ورغم الكثير من التحذيرات التي جاءتنا من محبين وأصدقاء يذكرونا بالخطوط الحمراء محظورة  الاقتراب  إلاّ أننا قررنا أن نحول الخطوط الحمراء إلى مساحات خضراء تمتد بامتداد خارطة الوطن .. مساحات تتسع لأن يعيش فيها الجميع بكل أخطاء الماضي كشركاء وإخوة..

وكم أدهشنا أن نجد  مساحة التسامح واسعة في قلوب ضحايا هذا الملف ووعيهم المتقدم لأهمية شيوع ثقافة البوح والاعتراف.. والاعتذار والتسامح حول الماضي بكل أخطائه.

إننا في هذا الملف لا نريد إدانة جهاز معين أو أشخاصاً معينين.. لكننا نفتح مساحة للضحايا كي يعبروا عما في أنفسهم .. نريد من الذين قاموا بالانتهاكات أن يسمعوهم كي يشعروا بمقدار الألم الذي عانوه وما ترتب عليه من آثار مازالت ظاهرة حتى الآن.. عسى يكون ذلك سبباً دافعاً نحو احترام حقوق سجناء آخرين..

جميع الضحايا الذين التقيناهم حتى الآن أفادوا أنهم لا يحملون حقداً .. وليست لديهم أية رغبة في الانتقام.. ولا يحتاجون إلى إعتذار كل ما يطلبونه من الأجهزة الأمنية ألاّ تتكرر الانتهاكات التي مورست ضدهم بحق مواطنين آخرين..

لدينا في المنظمة مشروع مستقبلي للعدالة الانتقالية يبدأ من عرض شهادات الضحايا دون تشهير بأحد من  الذين قاموا بتعذيبهم وسيكون لدينا في المراحل المقبلة برامج وفعاليات خلاصة أهدافها نشر ثقافة التسامح.

إن الوطن بحاجة إلى وقفة تغسل جراح الماضي لا إلى تعميقها باضافة جراح جديدة… إننا نؤمن أن الجميع باستطاعتهم أن يعيشوا بشكل أفضل إذا ما امتلأت قلوبهم بالمحبة واحترام حقوق الانسان وتقديس كرامته.

في صحيفة(المستقلة) سنقرأ حوارات مؤلمة لبعض الضحايا لاتخلوا من بعض النوادر التي لا نستطيع وقراؤنا إلاّ أن نبتسم لها من قلوبنا الطافحة .. محبتنا للجميع.

عبد الرحمن سيف إسماعيل

عبد الرحمن سيف إسماعيل، ناشط سياسي قديم، عضو سابق في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني. عضو الهيئة الإدارية لنقابة الصحفيين اليمنيين عام 1980 .. شارك في أول وفد لتوحيد النقابة بين جمهورية اليمن الديمقراطية والجمهورية العربية اليمنية. له ثلاثة مؤلفات مطبوعة وأخرى تحت الطبع .. يعمل حالياً مديراً لإدارة الإعلام في وزارة الإدارة المحلية.

في البداية استاذ عبد الرحمن  نرجو أن تتحدث لنا عن تجربتك في الاعتقال والتعذيب :

لقد تعرضت للاعتقال اربع مرات كانت المرة الأولى في عام 1978م وقد تم اختطافي وحبسي في دار البشائر لمدة سبعة أشهر وكانت المرة الثانية في عام 1980 وقد تم اعتقالي في كمين مكون من اربعين عسكرياً في محافظة المحويت أثناء قيامي بمهمة حزبية لأنني كنت كنت عضواً في اللجنة التحضيرية (لمؤتمر الشهيد عبد السلام الدميني للسلام والديمقراطية).

وقد حبست على إثرها لمدة اربع سنوات موزعة بين دار البشائر والسجن السري وزنزانة انفرادية في السجن المركزي. وبعد خروجي بسنتين تقريباً تم اختطافي من اللجنة العليا للتجنيد وحبست  اسبوعين تقريباً في زنازين اللجنة وفي عام 94 تم اختطافي من الشارع وحبست في الأمن السياسي لأقل من شهر وغالباً كانت الزنزانات صغيرة ومظلمة وأحياناً لا تكفي للاستلقاء على إمتداد الجسد.

 ماهي الطرق التي استخدمتها الأجهزة الأمنية لتعذيبك؟

– يتم التعذيب بواسطة الضرب الشديد أثناء التعليق على طريقة (كنتاكي) .

–  أحياناً استخدام بركة الماء أثناء البرد القارس.

– كسر اليد ونزع الأظافر واستخدام الكهرباء والضرب على الوجه والجسد واستخدام الحرب النفسية وحبسنا في زنزانات انفرادية.

– التهديد بالقتل وايهامنا أحياناً بالاعدام عن طريق اطلاق الرصاص.

 ما هي أثار التعذيب التي لا زالت حتى الآن على جسدك؟

– آثار كسور في يدي اليسرى وضعف حاد في السمع وآثار الربط بأسلاك الكهرباء.

ما شعورك وأنت تنظر إلى من قاموا بتعذيبك وهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي؟

أنا أنظر إلى المسألة بأنها ظرف سياسي كان قائماً وأعتقد أن هؤلاء الأشخاص ليس عليهم ذنب،المشكلة الحقيقية أن هؤلاء الأشخاص ما زالوا يمارسون نفس السلوكيات كل واحد منهم لا زال يكتب التقرير بنفس التقرير ويتعامل معك بنفس الطريقة.. أنا أرى أن أي مشروع للتصالح والتسامح  يجب أن ينبع من رؤية وطنية شاملة لأنه لا يجوز أن يفكر كل ضحية بأن يأخذ حقه بيده فهذا يقودنا إلى كارثة.

هل كان رفاقكم في الجنوب يحاولون الوصول إلى اتفاق عبر التفاوض مع السلطة لتحسين التعامل معكم أو إطلاق سراحكم؟

كان الرفاق في الجنوب يولون قضيتنا اهتماماً خاصاً من خلال طرح موضوعنا في كل جولة مفاوضات مع السلطة وكذلك قيادة الجبهة لم تتخل عنا وقد طرح اسمي في أحدى المفاوضات لتبادل الأسرى مقروناً مع كثير من المعتقلين منهم علي داحش ومحمد داحش وفرحان بن فرحان وكانت السلطة مهتمة بسبب وجود ابن خال الرئيس أسيراً لدى قيادة الجبهة.

ماذا سيكون موقفكم إذا طرح مشروع للتسامح بشكل جاد؟

نحن متسامحون بالفطرة، لكن بالنسبة للسلطة يجب أن يكون التسامح مشروع رؤية وطنية، رؤية إستراتيجية لمعالجة مشكلة الوطن.

هل تعرف أسماء الذين عاشوا معكم في الزنازين؟

كان معنا الأخ علي قلهيز وهو من محافظة إب واستخدموا معه أقذر أنواع التعذيب دقوا المسامير في يديه وقد وقد شاهد آثار المسامير الصليب الأحمر وحين سلمت الجبهة أسلحتها كان هو من ضمن المفاوضين وألقوا القبض عليه وكان هناك شخص آخر لكسر أحد  أضلاعه وهو عبده الكوري  وشخص آخر اسمه العبادي تم تعذيبه بطرق بشعة حتى أصيب بالجنون كذلك كان معنا الأخ عبد القوي  رافع وقد حبس 12 سنة وكانوا يحققون معه ويضربون بجانبه الرصاص وهو معصوب العينين وأذكر أيضاً كان معنا الأخ علي بشر عضو اللجنة المركزية وكذلك خالي عبد الحفيظ جازم وهو نقابي معروف وكانوا يطرقون رأسه بالمطرقة وهو مشلول حالياً وكل هذه الاعتقالات كانت تتم عبر جهاز الأمن الوطني .

……………………..

قطة  وزلزال

  • في عام 1982 وعندما كنت في السجن السري .. خرجت وقت الظهر للوضوء وكان البرد قارساً فقررت أن اغتسل رغم البرد وما أن بدأت حتى بدأ العسكري يصيح «هيا.. سريع» وكنت أصلح جوارب القيد وأنا ارتجف من البرد .. وبدأت أرى الجدران تهتز والسقف يتحرك واسمع صوت «شيولات» فاعتقدت أنهم يريدون اغتيالي فبدأت أصيح « يا … حاكمونا… أو أعدمونا » ثم هدأت الأصوات وفتح العسكري الباب وهو يضحك ليبلغني أن زلزالاً ضرب مدينة ذمار.
  • بعد عودتي إلى الزنزانة من الحمام وجدت فوق بطانيتي قطة تتألم بشكل غريب واستغربت ما الذي اصابها .. وكانت تدور في الزنزانة وتصرخ .. وبعدها بلحظات فهمت أنها في حالة مخاض ثم انجبت ثلاث قطط .. عندها دقيت على العسكري وقلت له : «لوسمحت اعطيني بخور .. أنا عندي حالة ولادة»

حيل متبادلة

  • استدعى أحد كبار المشائخ ثلاثة من أعضاء الجبهة وطلب منهم اغتيال بعض الكوادر القيادية للجبهة مقابل ستمائة ألف ريال سعودي لكل واحد وبندقية كاتم صوت وثلاث فلل ويستلمون نصف المبلغ مقدماً والباقي بعد التنفيذ .. وكان في مقدمة المطلوبين صالح هندي دغسوس .. نسق هؤلاء معنا وطلبنا منهم أن يستلموا المبلغ ويوهموه بتنفيذ العملية وبالفعل استلموا الدفعة الأولى .. وذبحوا خروفاً في سوق الطلح بصعدة وأطلقوا الرصاص بالجو، وعندما تجمع الناس وشاهدوا الدم أبلغوهم بمقتل صالح هندي ورفاقه .. وهكذا أشيع الخبر وذهبوا بعدها لاستلام الدفعة الثانية وتم لهم ذلك .. وظل الناس في حزن شديد .. إلى أن فوجئوا بصالح ورفاقه في مؤتمر الشهيد عبد السلام الدميني وهم يشرحون العملية ويسلمون المبالغ لقيادة الجبهة..
  • بعد تعرضي لأكثر من ست كمائن في المناطق الشمالية كان آخرها في منطقة الطويلة في محافظة المحويت حيث اعترضني أكثر من أربعين جندياً .. واعتقلوني هناك.. وأشاعوا بأن أحد قيادات التخريب وقع في الأسر وقتل، وأنزلوا صوري بعدها وأنا في حالة إغماء .. فقام الرفاق في الجنوب بعمل حفل تأبين لي. لأن كل من شاهد الصورة ظن أنني قتلت.

………………………………

قصيدة كتبها عبد الرحمن في السجن السري

لا لن آتي.. سأنتظر حبيبتي هنا

سأنتظرها كثيراً أو قليلاً ..

تعالي أيتها الحبيبة..

أدخلي صدري.. هاهو ذا

مفروشاً لك ياقوتاً ومرجاناً..

تعالي إليّ واعشقيني جمالاً..

إلهاً .. وجسداً طاهراً يحب العشق

يا امرأة تحب جمال العاشقين..

تعالي إليّ.. ها أنذا كتلة ..

من الدم واللحم..

في السجن .. في زنزانة ظلماء كالقبر

مكبل بالقيود والسلاسل والأغلال..

تلهبني سياط الجلادين..

ونعالهم الحقيرة،

أموت في كل ثانية مرة واحدة

أو مرتين ..

وأنت حية في ذاتي وفي ضميري

تكتبين بأحرف من نور..

    ونار

آية الحب والميلاد..

وعلى شفاه المحرومين والتعساء..

تنتصبين..

وردة ..

  وابتسامة ..

زر الذهاب إلى الأعلى