أرشيف

حوكمة المؤسسات المالية وتنبؤات إفلاسها.

مؤشر اقتصادات البلدان العالمية بصفة عامة ، جراء الأزمة المالية التي انطلقت من أمريكا، أعادت إلى الذاكرة تداعيات ما حدث في العام 1929م ،إلا أن الأزمة الحالية تبدو أسوأ مما سبقتها، من قبيل أنها ضربت أسس الاقتصاد العالمي بسرعة فائقة.

فمن خلال متابعة مؤشرات الأسواق المالية والداعم الرئيس لها من بنوك استثمارية وشركات تأمين، فإنها تنبئ بمصير للاقتصاد العالمي غير متوقع إن لم يُمنى خلال الفترة القادمة بانتكاسات لا تحمد عقباها، وبالتالي غدت الأزمة المالية الحالية حلقة تواصل لأزمة الرهون العقارية الأمريكية،طالما والاقتصاد الأمريكي يعتمد بدرجة أساس على نشاط السوق- بمعنى أن السوق يقود الاقتصاد، ولعدم نجاح هذا المفهوم الليبرالي،سطع النموذج الأوروبي الشامل المخول للدولة الدور المالي الأكبر بشقيه الرقابي والاستثماري، في حين أن حدة الاضطرابات بسعر صرف الدولار مقابل عملات دول اقتصادية تشير إلى تمكنها من قلب ميزان النظام إلى طريق يؤكد قدرتها على الوقوف بالتوازن مع القطب الواحد.

وللعودة إلى مجريات الأحداث الاقتصادية التي شهدها العالم "دول شرق أسيا ،وأمريكا اللاتينية،وروسيا"في عقد التسعينيات من القرن العشرين وكذلك الانهيار المالي والمحاسبي للاقتصاد الأمريكي خلال العام 2002م،كما أن اتجاه كثير من دول العالم إلى النظم الاقتصادية الرأسمالية بحسب محللين أسيويين التي يعتمد فيها بدرجة كبيرة على الشركات الخاصة بهدف تحقيقها معدلات مرتفعة ومتواصلة من النمو الاقتصادي،قد ساعد هذا حد قولهم بعد ارتفاع حجم تلك المشروعات على انفصال الملكية عن الإدارة،وبدأت تلك المشروعات باحثة عن مصادر للتمويل أقل تكلفة من المصادر المصرفية ، متوجهة إلى أسواق المال التي شهدت تحررها في انتقال رؤوس الأموال،مما أدى انفصال الملكية عن الإدارة إلى ضعف آليات الرقابة على تصرفات المديرين وصولاً إلى وقوع كثير من الشركات في أزمات مالية منها شركتي "أنرون، وورلد أرم"في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001م.

على الرغم من رؤيتنا حالة الذعر التي تمالكت المستثمرين في دول العالم ،والإخفاقات التي رافقت تفعيل خطط وبرامج الإنقاذ المالي،بدا للعيان أن الاقتصاد العالمي،  قد  يصاب بالركود في أية لحظة،طالما وتلك الخطط لم تفلح في استعادة ثقة المستثمرين بإيجابيتها وكذلك طمأنتها المودعين على سلامة ودائعهم، فالأزمة المالية جاءت بالفعل مخيبة لآمال الأمريكيين وبمنأى عنهم تبدو هوة سقوط القطب الواحد.

فالحالة الراهنة شخصت مدى غياب دور الرقابة والإشراف على آلية التضارب التي تتسم بها البورصات والتي بدونها أفرزت فوضى ضارية من جانب اتساع حجم القروض العقارية وشراء السندات المالية بضمان الديون العقارية،وكذلك الارتفاع الواسع في أسعار العقار والتي على ضوئها برزت نوعية العلاقة بمفهومها الطردي لواقع الاقتصاد العالمي الرابط بالنظام الرأسمالي.

ولأننا قد أشرنا في موضوع سابق عن وضعية الدولار في ظل تهيؤ وصيفه الأوروبي ،فالمعطيات كانت في محلها إذا ما يزال الدولار عرضة للانخفاض كما أن اليورو هي الأخرى كذلك،والدال على ذلك أن أنتجت إرهاصات الأزمة الحالية تأثيراتها على مجمل أسواق العالم وبقوة على أسواق دول منطقة اليورو التي سارع قادتها لعقد قمة مصغرة في باريس تضم بريطانيا،وألمانيا،وإيطاليا،والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل ،وكلودي تريشه محافظ البنك المركزي الأوربي الذي ما يزال متحفظاً منذ فترة وجيزة  على سعر الفائدة حتى لحظة عقد اجتماع القمة برئاسة فرنسا،فأتت نتائجها تخفي تنبؤات الأوروبيين من حدة الأزمة على اقتصادهم طالما الكونجرس الأمريكي قدم خطة أقرها مجلس النواب لإنقاذ نظامه المالي بقيمة 700 مليار دولار بدافع أنها-الأزمة-  جدا ًخطيرة.

وانطلاقا من إفلاس بنوك عملاقة كبنك" ليمان براذرز" الأمريكي وشركات تأمين أخرى يتطلب من واضعي السياسات الاقتصادية في كل دول العالم إرساء مفهوم الحوكمة من منطلق ضرورة حوكمة المؤسسات برؤية تعزيز برنامج الدولة حول كيفية تدير نشاطها الاقتصادي في ظل الأحداث الوخيمة للإعصار المالي على مجمل القطاعات.

 

زر الذهاب إلى الأعلى