أرشيف

عن فجوة منعدمة بين منتديين للمستقبل

لم يكن ثمة فجوة بين منتدى المستقبل الرسمي الخامس، ونظيره المكون من منظمات المجتمع المدني سوى في التسميات، ولم يقدم المنتدى الموازي شيئا جديدا، لكنه مضى في ترديد إكليشيهات تعودنا عليها كثيرا، وكرر حضور شخصيات بعينها لم تقدم في المنتدى أكثر مما تقدمه كل مرة. ويعود السبب في ذلك إلى كون الدولة التي استضافت المنتدى لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالمجتمع المدني أو الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكل تلك المصطلحات والمفاهيم التي تعمل عليها ومن أجلها منظمات المجتمع المدني ونشطائها وفقائها.

بدا الأمر وكأن أصابع خفية تتحكم من وراء الستار بمسار المنتدى الموازي وقراراته وتوصياته، ويؤيد هذا الاحتمال إقصاء الدكتور محمد صالح القباطي الذي مثل محور حول الإصلاح السياسي، والدكتور عبد القادر البنا عن محور تمكين المرأة من المشاركة في المنتدى الرسمي برغم انتخابهما عن المحورين الذين شاركا فيهما، وتوقع المشاركون من اليمن إشاعات أن يكون ذلك بسبب قلق رسمي من مشاركة عدد من القادة في الحزب الاشتراكي اليمني في المنتدى، برغم أنه تم انتخاب تلك الشخصيات للمشاركة من المنتدى الرابع، وتم انتخاب عدد منها في هذه النسخة من المنتدى، وبالتالي ذهبت لتمثيل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولم تذهب لتمثل اليمن أو حزبا فيها، وتم إقصاؤها بحجة ارتفاع نسبة تمثيل اليمن في المنتدى الرسمي، وهي حجة مثيرة للسخرية خصوصا مع الإبقاء على شخصيات يمنية أخرى لم يتم انتخابها، وإنما فرضت من قبل جهات أخرى في المنتدى لعدة اعتبارات، وكأن الأمر كان موجها تماما ضد شخصيات بعينها بسبب الخوف من صوتها المناهض للسلطة ومنهجها المعادي للحريات والمناقض للديمقراطية وحقوق الإنسان، فأية إصلاحات ديمقراطية يمكن أن يطالب بها المناضلون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهم يسمحون بتلك الاختلالات تمر عليهم مرور الكرام.؟!

فوجئ المشاركون في المنتدى أيضاً بإلغاء توصيات محور البيئة التشريعية المنظمة لعمل المجتمع المدني في المنطقة العربية، وفيما اعتقد القادمون من اليمن أن السبب في ذلك ورقة الدكتور محمد المخلافي، والتوصيات التي طالبت بالإصلاحات السياسية والديمقراطية في البلدان التي يمثلها المنتدى الرسمي، ومن ضمن ذلك سير التحضيرات للانتخابات البرلمانية اليمنية المقبلة من طرف الحزب الحاكم، وإقصاء بقية الأطراف، وربما نقد التهديدات الرسمية التي أطلقها رئيس الجمهورية بإلغاء الهامش الديمقراطي وما خرج به هذا المحور من قرارت وتوصيات ومطالب للحكومات بإصلاحات حقيقة بشأن ذلك، وهي القرارات والتوصيات التي لم يتم الالتفات إليها في البيان الختامي للمنتدى؛ أوضح الدكتور محمد المخلافي أن هذا الالتفاف لا يخص اليمن وحدها، وإنما جميع الأنظمة التي تحكم المنطقة.

تمثلت توصيات ومطالب الإصلاحات المقدمة من المنتدى الموازي إلى المنتدى الرسمي بمحورين شمل الأول حريات الرأي والتعبير، عبر إلغاء القيود على حريات الإعلام ووسائله، وإلغاء العقوبات الجنائية ضد الصحفيين والإعلاميين، وإلغاء القيود والعوائق القانونية على منح الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والأفراد حق امتلاك وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، فيما تطرق الثاني إلى البيئة القانونية للمنظمات غير الحكومية، وفي هذا تمت التوصية والمطالبة بإلغاء التراخيص المشروطة لإنشاء وتأسيس المنظمات، وإلغاء العقوبات الجنائية على أفرادها، ووقف الرقابة عليها، وتمكينها من الحصول على الدعم اللازم لممارسة أنشطتها.

يتعلق الأمر هنا بالسلطات، التي من المؤكد أنها تعمل وتبذل جل جهودها لتدجين المجتمع المدني، وفعالياته والتي يمثل المنتدى الموازي أحد أهم هذه الفعاليات على الدوام، لكن المحير في الأمر أن يصمت المشاركون في المنتدى من شخصيات ومنظمات المجتمع المدني عن ذلك الإقصاء ضد أطراف المفترض أنها شريكة لهم في العمل المدني، والنضال من أجل الإصلاحات الديمقراطية والسياسية في البلاد العربية والشرق أوسطية، وأن يسمحوا بإهمال التوصيات التي يفترض أنها تمثل طموحاتهم ونضالهم.

يقول المشاركون في المنتدى الموازي أن المسؤولين في وزارة الخارجية الإماراتية مارسوا ضغوطا كبيرة لأجل ذلك الإقصاء الذي طال الشخصيات اليمنية، والالتفاف على القرارات والتوصيات التي كان يفترض أن تشكل ضغطا على الحكومات والأنظمة، ولا يستبعد أن تلعب الدبلوماسية دورا هاما ورئيسا في ذلك، فالإمارات هي الدولة الوحيدة في الخليج والجزيرة العربية التي لم تطرقها بعد مصطلحات ومفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولم تنشأ فيها حتى الآن منظمات مجتمع مدني، ومثلتها في المنتدى الموازي جمعيات خيرية، وتجارية أيضاً لا علاقة لها بكل ما دار في المنتدى، ومن المستحيل أن تعمل لأجل تلك المسميات التي لا شك وأن القائمين عليها ينظرون إليها على أنها دخيل وغريب على ثقافتهم وبيئتهم، إن لم يكن لهم نصيب من العداء لها، ولم يشاركوا فيها إلا لأن الظروف، وربما المصالح تقتضي ذلك. حيث والإمارات الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم يحدث فيها أي حراك أو طموح نحو الديمقراطية، ومتطلباتها كما حدث في الدول المجاورة لها، وسيكون ما يسمى اعتباطا بالمجتمع المدني فيها صنيعة النظام الحاكم، لا يقدم للمجتمع سوى الهبات والصدقات.

ويرى الدكتور محمد المخلافي أنه كان واضحا أن المجتمع المدني في الإمارات لم يجد أرضا لنشأته بعد، بعكس الدول الأخرى التي انعقد فيها المنتدى سابقا، وهو ما يعده أهم أسباب القصور الذي اعترى هذه النسخة منه، وتفاءل كثيرا بالنسخة السادسة التي ستنعقد في المغرب، حيث للمجتمع المدني هناك خبرة وعراقة مشهودتين.

ويؤكد المخلافي أن انعقاد المنتدى لم يكن في بيئة مواتية، ذلك أنه عزل عن الإعلام بصورة تامة، ولم يسمح لوسائل الإعلام بحضوره وتغطيته كما حدث في المنتديات الأربعة السابقة.

 شارك في التحضير والإعداد لمنتدى المستقبل الموازي الخامس لجنة إقليمية من منسقي المنتديات السابقة، وممثلي الحوار الديمقراطي (داد)، وذلك بحسب قرارات المنتدى الموازي الرابع بصنعاء.

 

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى