أرشيف

12500 زائر حضروا قداس عيد الميلاد هذه السنة

بعد سنوات طويلة من التوتر،غصت شوارع بيت لحم اليوم بالالاف من المسيحيين الذين اتوا رغم رداءة الطقس للاحتفال بعيد الميلاد في المدينة التي شهدت ميلاد المسيح. واعطت عودة الزوار باعداد كثيفة الامل لسكان المدينة الواقعة جنوب الضفة الغربية والتي عانت لفترة طويلة من الركود بعد انطلاقة الانتفاضة الثانية في العام 2000. فالفنادق محجوزة بالكامل وساحة المهد غصت بالسياح والفلسطينيين والمدينة ازدانت بكل انواع الزينة في حين تولت الشرطة الفلسطينية مسؤولية حفظ النظام في المدينة وبالنسبة لسكان المدينة فان احتفالات عيد الميلاد لهذا العام هي الافضل منذ سنوات.
لكن المدينة كغيرها من مدن الضفة الغربية، لا تزال تعاني من الاضطراب والتوتر المتمثلة في الجدار الفاصل الذي تبنيه اسرائيل ويبلغ ارتفاعه ثمانية امتار، ويتوسطه عند مدخل المدينة حاجز عسكري يمر عبره الزائرون.
ولم يكن بإمكان البطريرك اللاتيني فؤاد طوال أن يصل إلى المدينة سوى بعد مروره عبر باب حديدي مسلّح ضخم في الجدار الإسمنتي الذي يطوق مدينة بيت لحم من جهاتها الثلاث ليفصلها عن مدينة القدس.
وكان المئات من الفلسطينيين والسياح الاجانب في انتظار طوال لدى وصوله الى مدخل مدينة بيت لحم ومن ثم مرافقة موكبه إلى داخل المدينة.
طوال نفسه اعتبر في رسالة الميلاد أن “الحصار والحواجز وبناء الجدران تولد القهر والعنف ومشاعر العداء”. وقال “بهذا العيد نصلي لأجل مدن وقرى الأراضي المقدسة التي تعاني ضيقا وشدة لصعوبة المواصلات بينها. وبألم وحسرة نشاهد ضرب الحصار على المدنيين ونصب الحواجز وبناء الجداران، مما يولد القهر والعنف، فتتنامى مشاعر العداء والبغضاء بين الشعوب، ونحن أشد ما نكون بحاجة إلى هدوء وسكينة وثقة متبادلة وتعاون”.
الرسالة ذاتها صدرت عن رئيس بلدية المدينة، فكتور بطارسة الذي قال “بصفتي رئيسًا لبلدية بيت لحم أرى من واجبي أن ألفت إنتباهكم إلى العذاب والآلام التي يتعرض لها أهل هذه المدينة، إلى الإذلال والظلم من قبل الإحتلال، إلى القيود المؤلمة التي ُفرضت عليهم لوجود هذا الجدار الذي تم بناؤه لمنعهم من التحرك بحرية ولمضاعفة بؤسهم”. وتابع “آمل أن تكون النجمة التي قادت المجوس الثلاثة إلى بيت لحم خير دليل للقوى العظمى لإنارة طريقها نحو السلام الحقيقي وأن تجتث الظلم والطغيان من جذوره كي يحل محله العدل والمحبة.. فلنصلي ليكون عام 2009 عام ازدهار واستقرار بدلاً من الحروب والأزمات السياسية”.
بدوره قال ادواردو روبلس جيل، الكاهن المكسيكي الذي جاء مع عائلته “انها لحظة شديدة التاثير. التواجد في بيت لحم ليلة الميلاد يحمل مغزى كبيرا”.
وانطلقت الاحتفالات بعيد الميلاد صباحا مع عزف موسيقى فرقة الكشافة بقرع الطبول والنفخ في المزامير والقرب، في ساحة المزود امام كنيسة المهد، في حين دخل بطريرك اللاتين فؤاد طوال الذي تسلم مهامه في حزيران/يونيو الماضي، الى المدينة على راس جمع من رجال الدين انطلق من القدس.
ويحضر الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض الاحتفالات التي تختتم بقداس منتصف الليل في كنيسة القديسة كاترين المحاذية لكنيسة المهد.
واستعادت المدينة رونقها مع الزينة والاضواء واشجار العيد البلاستيكية والقطن الابيض والعاب “بابا نويل”.
وفي ساحة المزود، بدأ باعة التذكارات سعداء بالعدد الكبير من الزوار الذين كانوا يشترون الايقونات والمسابح والمغارات المصنوعة من خشب الزيتون، وغيرها من التذكارات الدينية.
لكن الساماري الدنماركية التي اعتنقت الكاثوليكية قبل خمس سنوات، اعربت عن عدم ارتياحها بسبب الحركة التجارية، التي قالت انها حولت المدينة الى “اشبه بسوق كبير”.
غير ان هذا لم يقلل من حماسها وتوقها لحضور قداس منتصف الليل على بعد بضعة امتار من المكان الذي يعتقد ان مريم العذراء ولدت فيه السيد المسيح.

عدد قياسي للزوار هذا العام

وامتلأت فنادق المدينة بالزوار. وتوقع المسؤولون الفلسطينيون حضور نحو 12500 زائر ليلة الميلاد. وتجاوز عدد زوار بيت لحم خلال سنة 2008 مليون زائر، وهو عدد قريب من حصيلة العام 2000.
ووصف رئيس الغرفة التجارية سمير حزبون، لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء الفرق بين الوضع في بيت لحم هذا العام مقارنة مع السنوات الماضية بأنه “كالفرق بين السماء والأرض”. وقال “هناك عمل حقيقي فالفنادق محجوزة تماما وبالكاد يتم ايجاد غرفة فندقية واحدة فارغة والاسواق ممتلئة بالسياح والزوار”. وأردف “يمكن القول إن الاحتفال في هذه السنة حقيقي رغم ان العقبات كالجدار والمستوطنات واغلاق المدينة ما زال قائما”.
وينتظر سكان المدينة وعددهم نحو 185 الفا قدوم السياح للنهوض باقتصادهم الذي انهار بعد الانتفاضة لتصل نسبة البطالة بينهم الى 45% في 2002 و2003. لكن هذه النسبة تراجعت هذه السنة الى 23%.
وتعتبر مدينة بيت لحم من بين ثلاثة مواقع أساسية في الضفة الغربية يقصدها السياح والحجاج الاجانب اضافة الى مدينتي القدس واريحا.
ويقول رجل الاعمال سامي ابو ديه، الذي يملك شركة نت للسياحة، لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء إن “العام الحالي كان الافضل سياحيا بكل المقاييس”، مشيرا إلى أن مئات السياح الاجانب حجزوا للاقامة في مدينتي بيت لحم والقدس خلال فترة الاعياد مشيرا الى ان الضغط السياحي سيستمر حتى شهر شباط المقبل.
وثمة 19 فندقا في مدينة بيت لحم تشمل اكثر من 5 الاف سرير تم حجزها بالكامل من قبل السياح الاجانب فيما توقع بطارسه ان يشارك 30 الف شخص في احتفالات عيد الميلاد هذا اليوم مشيرا الى ان الاحتفالات ستستمر حتى الشهر المقبل.
وقال الياس الاعرج ، الذي يملك فندق في المدينة، أن كافة غرف الفندق البالغة 200 غرفة تم حجزها بالكامل متوقعا استمرار هذا الضغط لعدة اشهر قادمة.
وذكر ابو ديه، الذي يملك فندقين في القدس الشرقية، انه بسبب الضغط الهائل وعدم توفر ما يكفي من الغرف الفندقية في بيت لحم ومحيطها فضلا عن طلب السياح مستوى معين من الخدمات فان العديد من السياح يقيمون في فنادق في القدس الشرقية والغربية.
وكانت الحكومة الفلسطينية قررت تعطيل المؤسسات الرسمية خلال الاعياد المسيحية وهي 25 كانون الأول الجاري للطوائف المسيحية التي تسير حسب التقويم الغربي، والأول من كانون الثاني 2009 لمناسبة رأس السنة الميلادية، والسابع من كانون الثاني لمناسبة عيد الميلاد للطوائف المسيحية التي تسير حسب التقويم الشرقي.
ولاحظ الصراف عز شقيرات، الذي يملك محلا للصرافة في وسط بيت لحم، لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء حركة تجارية نشطة في المدينة مقارنة مع السنوات السابقة. وقال “هناك أعداد كبيرة من السياح وايضا من فلسطينيين قدموا من انحاء مختلفة في الضفة الغربية وبالاجمال فان الاسواق منتعشة”.
يشار الى ان بلدية بيت لحم اعدت برنامج للاحتفالات بدأ نهاية الشهر الماضي وبلغت ذروته اليوم بسلسلة واسعة من النشاطات تتكلل بقداس منتصف الليل في كنيسة المهد الذي يشارك فيه عادة الرئيس محمود عباس.
وشملت النشاطات سوق الميلاد السنوي الثامن في ساحة المهد والذي يتضمن حلويات وهدايا عيد الميلاد من جميع أنحاء العالم ومحليًا بالإضافة إلى ترانيم وموسيقى عيد الميلاد وعروض خاصة للأطفال اضافة الى سلسلة من الحفلات والعروض الموسيقية، فيما كان المعلم البارز في هذه الاحتفالات هو شجرة عيد الميلاد الموجودة وسط ساحة كنيسة المهد التي تمتليء في مثل هذا اليوم من السنة بالالاف الفلسطينيين والسياح الاجانب.
اما عروض الاربعاء فتشمل جوقة الكنيسة المعمدانية الأمريكية وأوركسترا معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى والفرقة الفلكلورية الأولي في مقاطعة بوليا الإيطالية، اما الختام فيكون مع المجموعة الإسبانية “نساء من أجل السلام”.
وتشير الاحصاءات الفلسطينية الى ان 40 في المائة من أصل اثنين وثلاثين الف فلسطيني يسكنون مدينة بيت لحم هم من المسيحيين.
وخلافا للوضع في بيت لحم فان احتفالات الميلاد لنحو 3 الاف مسيحي يعيشون في قطاع غزة بدت مأساوية نظرا للظروف الخاصة التي يمر بها القطاع اذ تقرر إلغاء قداس منتصف الليل في الكنيسة في غزة احتجاجا على الحصار والتهديدات الإسرائيلية التي يشهدها القطاع فيما سمحت اسرائيل لنحو 300 منهم الاربعاء بالخروج لمدة اسبوع بمناسبة الميلاد، كما اعلن بيتر لرنر المتحدث باسم منسق الانشطة الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية.

زر الذهاب إلى الأعلى