أرشيف

أحرقوا رياحينها بكراً فأحرقت نفسها بالبنزين

من سن مبكر بدأ اهتمامها بالورود والرياحين وهي لا تعي شيئاً من معاني هذا الاهتمام سوى أن الورود والرياحين تستحق كل هذا بالفطرة، ولأن الجمال يجبر كل ذي نفس نقية أن يتعاطى معه لذات النقاء، لا شيء غير ذلك، لا شيء قبله ولا شيء بعده.. مرت الأيام وكبرت الفتاة وكبرت كل معاني الجمال وعرفت أنواعاً شتى من الورود والرياحين وبدأت تزرعها حول المنزل وفي أوعية في سطوح الدار وفي الشبابيك والممرات، فهذا عشقها الذي اختارته بالفطرة وللناس في ما يعشقون مذاهب كما يقال، لهذا كان مذهبها عشق الزهور والرياحين في بيئة لا تعترف بالكثير من شروط البراءة أو مذاهب العشق.. في بيئة يجري فيها تأويل كل شيء لصالح السوء القادم من براثن الشك الملعون.. في البدء لم تدرك أن عشقها للورود والرياحين سوف يصبح يوماً تهمة في نظر الأقارب والأباعد على حد سواء.. توالت فصول الربيع ووصل بها العمر إلى عنفوان الربيع الذي يصل إليه كل من يعيش من البشر، وفي الربيع كان عشقها أكبر لما تعشق وتحب، حيث بدأت تجمع من الورود والرياحين كل يوم باقة وتضعها في جانب أحد خدودها لتزين بها كما تتزين سائر الصبايا بالـ: (مشاقر)، إلا أن علاقتها بالمشاقر كانت أكثر حميمة من غيرها.. هنا بدأ الشك الملعون ينطق وبدأ السؤال عن سر اهتمامها بالرياحين والمشاقر، بدأ التأويل يأخذ مسارات متعددة وربما قال قائل أنها وقعت في شباك الحب والدليل في نظرهم ذلك الاهتمام بالمشاقر والرياحين، وفي حضور التهمة والدليل لا مجال للإنكار، لا أحد يسمع ما تقول.. هكذا حين تتصحر النفوس وتجدب القلوب يصبح الحب تهمة وإن لم يكن حاضراً بالمعنى الذي يوصف به.. ذات صباح مر الشر على خمائل وردها وأزهارها ورياحينها ولم يترك منها شيئاً، استيقظت على ضجيج الأصوات ورأت ما زرعته وسقته وربته من ورود ورياحين قد أصبح هشيماً تذروه الرياح.. رأت مذبحة عشقها الأول وأشلاء أحلامها قد تناثرت في كل مكان هنا وهناك، كانت صدمتها أكبر من كل وصف وأكبر مما يتوقع الغير، كانت خسارتها لا تعوض ومصابها كبيراً ورأت سيل التهم بالحب ينهال عليها فتعاظم المصاب وضاقت الدنيا وهي ترى وتسمع كيف تحول الواقع إلى غابة من حولها، وجرى اختلاق المشكلة من العدم، وفي لحظة استسلام للهزيمة انسحبت وصبت البنزين على جسدها وأشعلت النار لتحترق وتموت وتترك الحياة التي لم تعد تطاق في ظل ما حدث.

زر الذهاب إلى الأعلى