أرشيف

ضحايا الجهل والقبيلة في اليمن.. دموع على أرصفة المدن

واقع الطفولة في اليمن براءة مثقلة بالآلام والمتاعب يغتالها التشرد والحرمان وهي في تزايد مستمر لتتحول إلى ظاهرة حقيقية ينبغي التعاطي معها بمصداقية وجدية من قبل السلطات المعنية لرفع هجوم الشقاء الشرس والمبكر على فلذات الأكباد.

بداية التقينا بالطفل هاني علي الخولاني الذي يبلغ من العمر 13 عاماً والذي بدأ حديثه قائلا:درست إلى صف ثالث ابتدائي وبطلت , ولي أعمل هنا سنتين في محل التشليح الذي يملكونه أولاد عمي "

يقول هاني:" المدرسة ضبح ولن أعود إليها, صحيح أنني أتعب هنا دائما أولاد عمي يحملوني الثقيل ويطعنوا رأسي بأدوات العمل  ".

يتدخل أحد أبناء عمه الذين يعملون معه في الورشة نافياً ما اتهمهم به هاني ويضيف:" بيحمل وعلى أمه؟

– عن الأخطار التي تعرض لها هاني في عمله يقول :" زرت مستشفى الثورة أكثر من عشرين مرة وأصبت بعدة حوادث , أنظر إلى أنفي مخروم بسبب حادث في الورشة .

عندما سألته عن العائد المادي الذي يحصل عليه يومياً , أجاب هاني قائلاً:" أحصل كم يحول الله لي , أحياناً 500 ريال وأحياناً 600 ريال لكني لم أجمع منها ريالاً واحداً كل هذا يذهب مصاريف وقات .

 هكذا هو حال هاني في صنعاء  وهي العاصمة التي يذهلك المشهد المفروض عليها ..هنا حمى غزيرة الانتهاك لحق مشروع طفولة آمنة.

عند الحديث عن أسباب هذه الظاهرة يجب ان نعرف متى وكيف بدأت هذه الظاهرة في الاستفحال والانتشار بهذا القدر المريع ..فحسب الدكتور في  علم النفس ،جامعة عدن اليمنية /عبد الرحمن عبد الوهاب علي في كتابه الذي صدر عن مركز الدراسات لشؤون المرأة   بعنوان "ظاهرة أطفال الشوارع في اليمن" يذكر فيه ان  "الظاهرة تعود جذورها  إلى مطلع التسعينات من القرن الماضي حيث شكلت عودة المغتربين اليمنيين اثر حرب الخليج الثانية إلى جانب عوامل أخرى منها الانفجار السكاني وهبوط سعر النفط وضغوط اقتصادية

عمالة الأطفال في صنعاء جزئية كبيرة من سلسلة لشقاء الفلذات في اليمن.. البلد الذي تأخر كثيراً في الاعتراف بهذه الظاهرة.. إلا بعد أن فاحت رائحة الموت لجيل لا يعرف إلا الشقاء.. فانتهت بنظر القائمين على أمر هذه البلد إمكانية من شأنها تساعد في القضاء على هذا الذي يدعى (شقاء الأطفال)..

هناك زهرات طفولية مثل عمر المختار عبد الله مهيوب 13 الذي يحكي بمرارة معاناته التي سطرتها السنون فيقول: اشتغل مع والدي منذ أن كان عمري 3 سنوات في ورشة المكانيك التي يملكها , أنا لم أترك دراستي فأنا أدرس وأشتغل "

ويضيف عمر:" أنا أكره نفسي يوميا بسبب هذا العمل الذي عانيت منه كثيراً , أحس بالتعب يا أخي "

وعن ما تعرض له من مشقة وتعب وأخطار واجهها خلال عشر سنوات من العمل يقول عمر :" إصابتي من جراء هذا العمل شبه يومية , غصباً عني أحمل الثقيل من الحديد في الورشة التي أعمل بها وأصاب بالنزيف " الرعاف " خصوصاً إذا واجهت دقة في الأنف أو حين أجلس كثيراً بين الشمس "

أحسست من حواري مع عمر المختار أن لوالده الذي يقف إلى جوارنا مستمتعاً بما يدور بيننا , أحسست أن في كتف هذا الأب ذنب فكان علي أن أواجهه بسؤال عن سبب رضاه بعمل ابنه فقال:" ابني تعقد من الدراسة , هو يعمل فيحب العمل أكثر من حبه للدراسة بسبب تسلط المدرسين على الطلاب وتغيبهم عن المدرسة كثيراً..

في عينيه تتقاطر البراءة  على طفولة تنهش على أرصفة القهر ،يقول سمير عبد محمد علوان  12سنة  ،حين سألته عن الأسباب التي جعلته يترك دراسته فقال : "يا أخي أبي وأمي بالغصب يدبروا حق نصف كيس دقيق وأنا لا استطيع أن اطلب منهما قيمة دفتر"، وأضاف وهو يروي لي أيام عاشها في قريته " درست إلى الصف السادس الابتدائي، كنت أمشي إلى المدرسة مسافة 4ساعت ذهابا وايابا، المدرسة في قرية بعيدة من قريتنا ، كمان المدرسين كانوا يستغلوننا ، كل يوم يطلبون مننا حق القات ، لايوجد معي قيمة دفتر فكيف أجيب لهم مائتين أو ثلاثمائة ريال  " ، وعن والده يحكي سمير بمرارة : أبي خباز ويستلم 2000ريال يوميا، لكنني لا احب ان ابقى في القرية وهو يصرف علي ..

سمير يتمنى أن يعود إلى القرية " ، هل يرضي أبي ما تعرضت له أمامك من ضرب ، اصحاب الشغل  يحملوني دبة غاز مليانة  وأذا مقدر تش يرجع يضربني (هذك) الضرب كله ، يضيف " أنا تعبت .. تعبت كثير يا أخي ، أريد أن أعود أدرس القرية لكن الدراسة تشتي فلوس مني".

وقعت اليمن على العديد من القوانين الدولية للعمل مع العالم اجمع للحيلولة دون تعرض الأطفال للقسوة والمذلة في العيش ،لكن لا شيء مطبق على أرض الواقع، بمعنى أن الاتفاقيات التي وقعت عليها والتزمت بها اليمن في مجال حماية الطفولة خصوصا لا تطبق وأجهزة الضبط في البلد ضعيفة الى الحد الذي تكون فيه غير قادرة على ممارسة واجبها ولو البسيط منه  . ومن خلال احتكاكنا ببعض الأطفال الكثر ، نسمع شتى صنوف الامتهان والابتزاز من قبل أرباب العمل مثل الذي حدث للطفل سمير .

 حسب إحصائية الجهاز المركزي للإحصاء في دراسة هي الأخيرة له قالت أن عدد الأطفال العاملين في صنعاء وحدها فقط يصل عددهم مابين 13 إلى 15 ألف طفل. والكثيرين يشككون بهذه الإحصائية كون ماينظر هو أضعاف هذا العدد.

زهرتان من الوهلة الاولى تبدوان  علاقة القرابة واضحة بينهما ..لكن ان يكونا اخوين  لهما اقارب آخرين في شارع اخر من صنعاء هو ما كنت غير مصدقا له ..

سمية يحيى البرعي سبع سنوات وشقيقها سامي 10 سنوات يجوبان شارع خولان في العاصمة صنعاء ويتحدثان عن والدهما الذي انشغل عنهما واخوانه الأربعة الذين يعملون في شارع آخر من العاصمة تاركاً لهم مساحات من الألم.

تقول سمية: أبي في السعودية ولا يرسل لنا إلا أحيانا, معي اثنين اخوان يعملون في شارع الزبيري , وأنا وسامي نعمل هنا قريبين من بيتنا نبيع البيض في الصباح. ونذهب الظهر إلى المدرسة .

سمية  تتحدث عن معاملة البيت والشارع مع طفولتها تقول : إن الشارع والناس يشفقون عليها بعكس أقاربها فإنهم لايرحمونني أحيانا "

 يتحدث الأستاذ جمال الشامي رئيس المدرسة الديمقراطية:" إن الأطفال في صنعاء يتزايدون في الانخراط في سوق العمالة, وهؤلاء هم ضحية المجتمع كونهم من صنع المأساة وسكت عنها كثيراً إلى أن أصبح الأطفال ينتقمون من مجتمع لاعتقادهم أنه مسئول عن ماوصلوا إليه.

يتحدث نائب مدير ملجأ الأمان في صنعاء جمال شوغة فيقول: " شهدنا خلال الأعوام الخمسة الماضية تزايداً في تسرب الأطفال إلى الشوارع , وانخراطهم إلى أعمال قاسية عليهم, كما زادت معدلات استغلالهم جنسياً وهناك أسباب رئيسية لذلك تتلخص في انتشار الفقر والعنف المنزل ".

عن مركزه ملجأ الأمان يقول:" المركز يأوي 27 طفلاً من أطفال الشوارع تعرض 14 منهم إلى اعتداء جنسي وهذه إحدى كوارث هذه الظاهرة التي تتزايد في صنعاء وهي العاصمة للجمهورية فما بالكم في المحافظات الأخرى.

ويضيف شوغة: إلى  ان تواجد الأطفال في الشوارع لفترات طويلة فإن إمكانية تعرضهم للتحرش الجنسي ترتفع بنسبة 90 %.

 يتحدث جمال الشامي في سياق حديثه حول هذه الظاهرة ,: إن هناك أطفال يتم الاتجار بهم إلى السعودية في كثير من الأحيان فيتعرضون للاهانات والضرب والعمل في البغاء وفي بعض الأحيان القتل.

وأضاف : أنه قبل عدة أشهر عاد أحد الاطفال الذين تم الإتجار بهم إلى السعودية وهو يحمل فيروس الإيدز "

في العاصمة صنعاء حيث تتواجد أكثر  وأكبر المنظمات الأهلية والحكومية التي تهتم بالطفولة وكذلك الوزارات والأموال , إلا أن الأطفال وتشردهم في شوارعها الطويلة هم من يفضحون الجهود المبذولة التي يدعون أنهم يبذلونها من أجل براءة آمنة..

في عدن المدينة التي لا تمتلك إلا أرثاً مدنيا ميزها كثيراً في جهودها المبذولة من قبل الجمعيات العاملة فيها للحد من عمالة الأطفال فقد تمكنت حملة توعوية تبنتها جمعية حماية وراعية الأطفال العاملين في محافظة عدن من اقناع 300 طفل بالعودة للالتحاق بالعملية التعليمية في مدارس مديرية البريقة , وترك العمل في الاصطياد البحري وتتحدث السيدة فاطمة يسلم رئيس الجمعية أن الجمعية تبنت خلالها العام الجاري حملة توعوية مكثفة استهدفت الأطفال العاملين وأسرهم في المناطق الساحلية بمديرية البريقة وركزت خلالها على شرح مخاطر عمل الأطفال في البحار.

وهكذا هو الوضع يئن من انفلاتة في ساحات الفقر والجوع ليخلق الضياع. وتنزوي منه براءة طالما احتاجها المجتمع في الحفاظ على ماتبقى من ستر له.

ليس في صنعاء فقط.. وإنما هناك المآسي التي تتعدد وبنفس الشكل والظاهرة وإن هناك اختلاف في العدد. لكنها المأساة وحيدة هي من تطاردنا الآن.. لنبقى حريصين على أن لا تفوح …

 قوانين ضائعة :

غيبت مواد القانون رقم 45 لعام 2002م بشان حقوق الطفولة ، ولم يعمل بالقدر اليسير منها حتى صار البعض ينادي بتأهيل القانون أولا قبل تأهيل دارسيه .فمن هذه الناحية ، ساعد عدم وجود قانون يضمن عدم المساس  بحقوق الأحداث  إلى انتشار هذه الجريمة بحق البراءة أولا والإنسانية ثانيا … وان تحديد قانون الأحداث اليمني سن الحدث بين 7-15 ما يزال بحاجة إلى تعديل بحيث يكون بين 7-18 لان هذه الفئة العمرية بحاجة إلى رعاية حقيقية، وهذا ما أكدته اتفاقية الطفل العالمية ونفذته كل الدول العربية والأجنبية ماعدا اليمن وإحدى الدول العربية  أيضا هناك قصور  في قانون العقوبات اليمني الذي تبلغ فيه عقوبة تهريب الأطفال – كما يحدث الآن في اليمن حين يتم تهريبهم إلى دول الجوار 6 أشهر فقط،  وهذه العقوبة تمثل بذرة لجريمة أخرى ولابد من  إعداد نصوص قانونية من الحكومة تشدد العقوبة ضد مهربي الأطفال بما يردعهم ويعزر بمنتهكي الطفولة أمام الجميع .

وعلى السلطة الحاكمة في اليمن  رفع مستوى الدعم للأسر الفقيرة مما يقلل من ظاهرة عمالة الأطفال  في إطار رؤية منهجيه شاملة لمعالجة الفقر والبطالة والظروف الصعبة الأخرى ، والعمل على توفير المزيد من الإمكانات المادية والفنية لمؤسسات إيواء الأيتام والأحداث . وضرورة جعل التعليم مجانيا كما ورد في قانون رعاية الأطفال الصادر في 2002 م أو العمل على تنفيذ  قرار وزير التربية والتعليم  الذي صدر في بداية العام الجاري 2008م ، والذي بنص على  ان يكون التعليم مجاني للطلاب من الأولاد من الصف الأول وحتى الثالث والطالبات حتى الصف السادس.

زر الذهاب إلى الأعلى