أرشيف

نبيل الصوفي للديمقراطية: نحن جيل جديد، وعينا على خطابات الجميع بحق الناس في الحكم والقرار، ولم يعد يكفينا الخطاب

 

لم يكد نبيل الصوفي يقدم استقالته إلى رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح (بالوكالة) محمد اليدومي، حتى بدأ تحليلاً لواقع السياسة اليمنية وصل فيه إلى أن التسويات بين الأطراف الرئيسية تكشف لآلاف النشطاء إما إنهم أخطأوا حين ساروا بعد مشروع لمجرد إنه ضد الآخر، مكتشفين إن كلا المتصارعين ليس شريكاً حقيقياً لهم، أو إن تصدرهم ذلك المشروع حولهم لمجرد مرتزقة عاطلة عن العمل،.. ومع أن النشطاء ظلوا قادرين على التزاحم تحت أو خلف هذه النوافذ، لا يتأخرون كلما فتحها طرف، فإنهم كانوا في كل مرة يندفعون لنافذة تفتح يكتشفون، إما إنها أصغر من أن تستوعبهم، أو إن كل طرف فتحها فقط لتخويف الآخر، أو لتجاوز مأزق محدد لديه..ومن هذا التحليل ذهب إلى البحث عن نافذة أخرى، يمكن القول من خلالها لفريقي الجدل السياسي: إننا لا نحتاج لنوافذهم. لسنا ضدها بل إننا مؤمنون بأهمية نافذة أخرى.

فدار نقاش كثير بعد ذلك حول هذه النافذة، وإسهاماً منه في النقاش ذهب الديمقراطية يستكشف ملامح تلك النافذة، وبالتحديد إلى صاحب فكرتها فكان هذا الحوار:

 

< ما هي الرسالة التي قصدتم إيصالها بتقديم استقالتكم إلى اليدومي مباشرة، وليس إلى المسؤول التنظيمي المباشر عليكم..؟ ولماذا حدث هذا التجاوز في استقالتكم؟؟

  • – هذه نقاشات فنية.. ربما هي نوع من تأثيرات الصرامة التنظيمية في عهد ما قبل الديمقراطية.. أنا قدمت استقالة سياسية إعلامية.. والطبيعي توجيهها لرئيس الهيئة العليا.. أما مسئولي التنظيمي فأنا لا أريد أن أتحدث عن مسئول غير مسمى علناً وأصدقك القول إني لم أعد أعرف من هو مسئولي التنظيمي.. أتمنى أن الأحزاب تراجع هذه التسميات فنحن نحتاج لمنسق تنظيمي ليس إلا. وطبعاً بمهام مختلفة وحتى توصيف مختلف.

 

< يعلم الجميع إنه لم يكن لكم نشاط تنظيمي في الإصلاح خلال الفترة الماضية، ويرجح البعض أنكم كنتم خارج أدائه التنظيمي؟ فما الداعي لتقديم الاستقالة بهذا الشكل، وفي هذا الوقت بالذات ؟

– استقالتي كانت استقالة موضوعية وليست شخصية، وفضلت أن تنشر على أن تكون مراسلات غير معلنة ربما لا يقرأها حتى من ستتوجه له..

لا أدري لماذا لا تزال الوسائل القديمة هي الطريقة الوحيدة لكي لا نواجه بالأسئلة إذا استخدمناها.. يعني من قال: إن الاستقالات تكتب بطريقة محددة وترسل بآلية محددة.. و… و…نحن ننتقد الأداءات التقليدية ليس لأنها قديمة ولا تقليدية بل لأننا نتهمها بأنها عجزت عن إحداث تحولات في الوعي والثقافة.. دعني أقول لك: إني سعيد بأني قدمت استقالة حرصت أن تكون معبرة بالضبط عن رأيي وبموضوعية واحترام..

ثم متى كان التوقيت الذي لن يكون مثيراً للأسئلة عنه.. ومع ذلك أنا سعيد بأن استقالتي حظيت بالنقاش العام.. وبغض النظر اتفق معي أو اختلف.. نوقش معي بطريقة مختلفة عن غيري أم أدير معي الحوار بذات اللغة العتيقة عن الولاء والبراء فالمهم أن استقالتي حظيت بنقاش ولو في حد أدنى.

 

< حتى الآن .. ما هي الملامح التي يمكن القول أنكم توصلتم إليها من خلال النقاش حول شكل العمل الجديد أو التيار السياسي الجديد..؟.. وما المنتظر منكم خلال الفترة القادمة -قبيل الانتخابات- من إجراءات وأعمال تنظيمية أو لقاءات أو ندوات أو أنشطة ميدانية؟

– مازال النقاش في بدايته.. نحن (وعددنا أقل من عدد أصابع يديك) متفقين على أن لدينا ما نرى أهليته لنناقش الناس بشأنه..

< مثل ماذا؟

– نحن نتفق مع المعارضة أن ما تريد السلطة قوله من أنها تأتي بما لم يأت به الأوائل.. ولكننا نقول ذلك ليس مناكفة للسلطة بل رفضاً للمبدأ الذي تنتقده المعارضة وتلتزم به بشكل غريب للأسف الشديد.

نحن جيل جديد، وعينا على خطابات الجميع بحق الناس في الحكم والقرار و… و…، ولم يعد يكفينا الخطاب ونريد أن نجرب قدرتنا على تأسيس شكل جديد يمنحنا هذه الحقوق مباشرة.

نعرف أننا لسنا أبناء مشائخ ولا رؤوس أموال.. لكننا نعتقد أن كوننا كذلك قوة لم تستخدم لأن من ذكرتهم لم يقدروا على تمثيلنا..

نسعى لنجرب اختبار أن اليمن بلد يمر بمرحلة تحول مثله مثل كل بلدان العالم من حولنا وأنه قادر على أن يستخدم وسائل جديدة وخطاباً جديداً لينجز تحولات جديدة على أرض الواقع.

مقتنعون أن سائقي الباصات، والعمال في محلات الحلاقة والجزارة والبقالة والحدادة.. جنباً إلى جنب مع المعلمين في المدارس، والممرضين والمرضى في المستشفيات، والفنانين وأعضاء الأندية الرياضية.. هؤلاء جميعاً لا يوجد لهم ممثل في سوق السياسة اليمنية التي لا يزال كبار يحكمونها نحن نحترمهم ونجلهم ولكنهم لا يمثلون مصالح هؤلاء..

نريد أن يستمع لنا سائق البيجو بين صنعاء وتعز عبر الإذاعة لأنه يعرف أننا سنناقش قضاياه.. سنناقش كيف نوفر له كسياسيين أجواء آمنة مطمئنة ليخدم هذه البلاد عبر وسلته تلك التي تعد أكثر آلة تخدم التنمية والتغيير في اليمن.

نريد أن نتناقش مع الفتيات اليمنيات بين الـ51 والأربعين سنة، حول كيفية تغيير العلاقة داخل الأسرة بحيث يتمكن الأخ من التشارك مع أخته لصناعة حياة أسرية ممتازة.. حتى يقدر كل منهما على أن يتعاون بعد ذلك مع حبيبه وشريكه في الشارع في بيت الزوجية بطريقة أفضل من هذه التي تقتل صباح اليمنيين كلما فتحوا عيونهم بعد النوم على سلوكيات تهدر كرامة بعضهما البعض.

نريد أن نقول لليمنيين: إن حياتهم وتغييرها نحو الأحسن ليست النقاش على النظام البرلماني أو موعد الانتخابات أو العلاقة بين المؤتمر والإصلاح، بل هي في مناقشة أداء مدرسي الصف الأول الابتدائي، وثقافة العمل والتملك..

وهذه نقاط ومثلها التمويل الاستثماري، والاهتمام بالحاجات ذات القاعدة الأوسع من الناس، وأداء مدينة عدن، وأهمية احترام التنوع المذهبي بين شافعية تريم وزيدية ذمار وعلمية زبيد وجبلة، وأهمية دعم الانفتاح الاجتماعي، بحيث لا تعتدي الجنبية على روح عدن، ولا تفرض مدينة إب القديمة روحها على خمر أو المحويت.. كل هذه القضايا والنقاط ومثلها العشرات والعشرات هي التي سنلتحم بها ونتناقش على أهمية تمثيلها.

 

< ما الذي يضمن لكم كتيار جديد أن يكون نشاطكم ومنهجكم وعملكم متميزاً ومتفرداً عما في الساحة من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني ونقابات وقبائل وتحالفات من كل هذه المسميات أيضاً..؟

  • – لا شيء ضامن.. لكننا ندرك تماماً إننا لا نملك أي سند ثقافي أو سياسي أو اجتماعي سوى تحدي أن نقدم الجديد.

< بعض الناشطين في أحزاب اللقاء المشترك، والإعلاميين يحملون استقالتكم ومبادرتكم معاني أخرى غير ما أوردتموه فيهما، ومن ذلك انحيازكم بطريقة غير مباشرة إلى جانب السلطة ضد المشترك؟ ما هو ردكم على ذلك؟

– عدوانية طرفي العملية السياسية ضد بعض ليست مما تخفى ولا تحتاج إلى عوامل مساعدة لها.. وقد سمعنا أن اللقاء المشترك ناقش مبادرتي بالدعوة وأن الإخوة في قيادة التجمع اليمني للإصلاح كانوا الأكثر حماساً في التفسير غير الموضوعي لها.. وكما تلاحظ فإنه لو قدم أحد استقالته من المؤتمر تحتفي به صحافة المعارضة ليل نهار، لكنها ترى أن من الفتنة أن تكتب خبراً ولو موضوعياً وصغيراً عن استقالة من حزب آخر غير المؤتمر، وهو تفسير للانتقائية التي تؤكد أن هذا أو ذاك ليس ديمقراطياً لمجرد إنه ينتقد من هو غير ديمقراطي.

 وبعيداً عن الأسف من هذه التصرفات والتحليلات، فإن التفسير العلمي لها يظهر حالة الإحباط التي يمر بها النشاط السياسي في البلاد. لقد أصبح الجميع يفضل الاستمرار في الشك والشكوى والتبرم.. الكل يطالب من الكل شهادات براءة. الكل يشك من الكل، والكل يطالب الكل أيضاً.. نأمل أن تساعدنا الظروف لنقول: إن اليمن تستحق شيئاً آخر غير كل هذا.. يستحق اليمنيون أن يثقوا ببعضهم دون أن يعني ذلك أنهم ملائكة.

 

< أليس لكم علاقة بالسلطة؟

– سيكون من المثير للغرابة أن أقول لك: إن وزراء ومسئولين اتصلوا بي يسألون وينصحون خلافاً لقادة المعارضة باستثناء أمين عام الحزب الاشتراكي الدكتور ياسين سعيد نعمان الذي أعتقد أنه السياسي الوحيد الذي اشتبك مع نقاشاتنا علانية عبر صحيفة الشارع ودعانا للتعبير عن أنفسنا.

ومع ذلك نحن (عاد نحن الا نتناقش).. السلطة لها علاقات بكل الناس، لو أتيح لك أن تجلس عشرة أيام أمام القصر الجمهوري لرأيت الجميع.

لا نريد أن ننشغل كثيراً في الدفاع عن أننا خصوم للسلطة ولا للمعارضة ولا أتباع لهما.. إننا نسعى أيضاً لعلاقات مع الجميع والتعاون مع الجميع حتى نحمي قدرتنا على الاختلاف مع الجميع أيضاً.

 نحن معترضون على الحالة السجالية التي تزداد قبضتها تحكماً بعلاقة السلطة والمعارضة، ونأمل أن يجد الطرفان الفرصة ليعودا إلى طاولة الحوار فهما معاً كبارنا الذين قد يجعلوا جميع أهل هذه البلاد أذلة لو لم يتحلوا بالمسئولية.

 

< إذا كان تنظيمكم الجديد سيتميز عن الأحزاب الموجودة الآن في السلطة والمعارضة؛ ما هي سبل ووسائل العمل بالقرب من المواطنين والبسطاء الذين ملوا من الاثنين بسبب عدم شعورهم بقربهما منهم؟ وكيف يمكنكم كسب ثقة الناس الذين لم يعد بمقدورهم الثقة بالسياسيين أصلاً؟

– قلت لك سابقاً إننا سنعمل على تمثيل الوظائف غير الممثلة في الجملة العامة، ثقافية أو سياسية.

الناس لم يملوا الحزبية لكن حياتهم لم تنتظر الأحزاب، بمعنى أن الشباب في اليمن اشتبك مع حياته التي تتغير كل يوم ولم ينتظر الأحزاب التي لم تستوعب هذا التغير.

وإذا كان هناك شباب في صنعاء أو المكلا أو عدن أو تعز حصل على فرص جديدة حتى للتسكع، فإن آخرين لم يحصلوا على شارع جديد لهذا التسكع..

وإذا كانت مسرحية سيدتي الجميلة في كريتر، ومنتخب الناشئين، وحفلات محمد حماقي، أو محاضرات عمرو خالد ومشاركات حنان ترك بالحجاب، تمكنت من استقطاب شباب بعيداً عن النشاط الحزبي، فإنه في المقابل مقايل القات نهاراً والتشرد الليلي أمام المحلات في الضالع وتعز، فعلت ذات الشيئ ولو باتجاه مختلف. نحن نريد أن نلتحق بهؤلاء وهؤلاء انتقالاً لحالة أخرى يمكنهم من خلالها العودة للحياة السياسية اليمنية.

نريد أن نخدم أنصار نادي التلال، ومشجعي أهلي صنعاء وشعب إب، بأن ندافع عن حظوظ الرياضة من النقاش العام.. هل تتخيل كيف يمكن لبلاد أن تركن على سياسيين لايعرفون ولا ساعة واحدة خلال العام الرياضة

اقتصاديا، نريد أن نمثل حاجة مزارعي الطماط في جهران والحسيني، والبرتقال في مأرب والجوف، ومناحل شبوة وحضرموت وصيادين لاتنفق عليهم الدولة ولا حتى 01% مما تنفقه على مرجعيات اجتماعية لا تقدم للبلد خدمة سوى شراء مزيد من السلاح لمزيد من المرافقين. نريد أن يتساوى شباب تعز إناثا وذكورا في القدرة مع شباب النخبة في صنعاء، ولهذا سنتجه نحو هؤلاء الشباب لنقول لهم إن اليمن تحتاجهم لكي لا نراها بكلها أمام صيدلية الديزبام تنتظر أن تموت بجرعة زائدة.

 

< هل تظنون أنكم ستتسلمون الحكومة عبر هذه الانتخابات حتى تتحدثون عن مثل هذه المطالب العريضة؟

–   نحن نتحدث عن خطاب سياسي وليس أداءاً انتخابياً.. شخصياً أستعد لحملة انتخابية تبدأ من محلات بيع التجزئة وصوالين الحلاقة وفرزات النقل، في الدائرة 51 بأمانة العاصمة، لكن هذا ليس أملاً لمثل هذا الخطاب.. الانتخابات القادمة هي برلمانية وليست رئاسية ولو وافق معي زملائي في النقاش المشار له لكي يترشحوا جميعاً فإننا لن نكون إلا مرشحين رمزيين لخدمة اللافتة التي نريد أن نعمل من خلالها أثناء وبعد الانتخابات.

لكن حديثي هو عن خطاب عام نريد أن يكون هو شغلنا الشاغل، نريد أن نعيد للبيانات الحزبية قدرتها على أن تمثل مصالح الناس وأن تحظى في الوقت ذاته بمتابعتهم، قل لي أنت ما هو آخر بيان قرأته بكامله للمؤتمر أو للمشترك؟ لقد سئمنا بيانات يمكن أن نعرف ما تريد من عنوانها.. ولدينا أمل وقناعة أن الخطاب العام في اليمن هو من يصنع الأولويات لدى السلطة والمعارضة في وقت واحد.. ولذا فإن خطابنا يمكنه أن يجر هذه الأطراف لذات القضايا التي نتحدث عنها، ولا أظن أن أحداً يقول: أن التصدي لهذه القضايا لا يعدل في الأداء العام للدولة.

سيكون انتصاراً لنا لو تمكنا من فرض النقاش الاجتماعي على الإعلام العام أو الخاص.. أنت تعرف أن آخر دراسة اجتماعية للدكتور عبد الناصر المودع أظهرت أن الاهتمام بهذه القضايا في الإعلام العام والحزبي لا يصل إلى 01% إجمالاً..

نريد أن تسمع الفتاة العدنية أو التعزية أو اللحجية سياسييها وهم يتناقشون كيف يحسنون حياتها مادياً ومعنوياً، كي تحترم السياسة والديمقراطية. وهذا ما سنعمل لأجله.

 

< تحلمون كثيراً.. هل تدركون كم تحديات أمامكم؟

ـ التحديات هي هواء يومي نستنشقه أنا وأنت حتى بدون أحلام.. خاصة نحن الذين لا يشغل آباؤنا لا منصباً سامياً، ولا مكانة اجتماعية.

ولا أظن أن الحلم أسوأ من الإحباط.. لنحلم.. وكل النجاحات بدأت أحلاماً.

أما التحديات فصدقني لولا القصور الذي يحكم نقل الخطاب العام للناس لكنا نتحدث عن فرص أكبر بكثير من أن نؤثر خطابياً في أداء الكبار.

لو إن إذاعة صنعاء وصحيفة الصحوة وتلفزيون السعيدة وغيرها فتحوا لنا باب النقاش إيماناً بأننا إن لم ننفع لن نضر لكان يمكنني القول: إننا سنعيد ترتيب المعادلة السياسية في اليمن.

هذه البلد شهد تغيرات في الشارع لا يساعدك العمل من خلال الأحزاب الحالية ولا حتى عبر مؤسسات الدولة الراكدة أن تراها..

هذا التغيرات إن لم تواكب بتغير في الأداء السياسي فإنها ستخنق الديمقراطية والدولة والأحزاب وستكون حملاً ثقيلاً لا يمكن لهذا البلد أن تتحمله.

زر الذهاب إلى الأعلى