أرشيف

بين الحاجة والمهنة..  فتيات يلتحقن برصيف التسول

 لم تعد ظاهرة التسول في اليمن تقتصر على العجائز والمرضى والقصر من الناس، بل تعدت ذلك لتطال في الآونة الأخيرة فتيات ونساء أصحاء على غير العهد.. دفعتهن الحاجة لركب رصيف التسول،كان كثير منهن قطع شوطاً في العمل في مهن هامشية، كعاملات لدى أرباب وربات بيوت، بيد أن الاضطهاد الذي طالما واجهنه في حقوقهن، حملهن على رفض العمل أو بالأحرى الوجه الآخر للبطالة، لدى أولئك الذين استغلوا ظروفهن المعيشية الجائرة، مفضلات التسول، الحاجة فالمهنة، الذي طالما يدر عليهن بعوائد أفضل بكثير مما كن يحصلن عليه سلفاً..

محاولة فاشلة

جاءت البداية مع الأخت (فتحية حيدر) والتي قالت: "لقد أشفقت عليهن في البداية وهن يقفن في شارع صنعاء يتسولن أصحاب السيارات، فتحدثت مع إحداهن وعرضت عليها العمل براتب شهري وقدره عشرة آلاف ريال، لكنها رفضت هذا العمل وفضلت مد يد التسول فتركتها وانصرفت وأنا كلي دهشة واستغراب لأني اعتبرت عرض العمل لتلك الفتاة هو بمثابة فرصة لانتشالها من ذل السؤال.. على العموم كانت تلك محاولة فاشلة للإنقاص من عدد المتسولات لكن يبدو أن أعداد المتسولين سيزداد، والتسول هو عادة وأكثر من ذلك مهنة".

لا يا هانم التسول أحلى

أما (وداد)، تعمل موظفة، فقد قالت: "في شهر رمضان المبارك العام الماضي كنت في أمس الحاجة لفتاة تساعدني في عمل المنزل، وعندما لم أجد، عرضت على فتاة شابة متسولة العمل في منزلي لمدة أربع ساعات مقابل سبعة آلاف ريال وبدلاً من أن تفرح كما كنت أتوقع وجدتها تسخر مني، ومن جملة ما قالته لي: سبعة ألف ريال لا يا هانم ، التسول أحلى، في اليوم الواحد بس أصفي ألفين وأحياناً ثلاثة".

بين الحاجة والتسكع

  وكان لـ (حسن أبو ماجد) هذا الرأي: "بالنسبة لتسول الفتيات فإن له أكثر من غرض، فهناك فتيات يتسولن للحاجة وفتيات لغرض التسكع والحديث مع الطرف الآخر وهناك متسولات لديهن قضايا آداب خصوصاً اللواتي يتسولن في المقوات".

 متسولة شابعة خير من خادمة جائعة

إحدى المتسولات التي رفضت ذكر اسمها قالت: "بأنها لا تستطيع العمل لأنها أمية ومريضة".

وأما (سلمى) فقد قالت: "بعض النساء يطلبن مني أن أعمل لديهن خادمة وأنا دائماً أرفض هذا العرض لأن متسولة شابعة خير من خادمة جائعة، فالمرأة التي تعرض علي العمل تريد مني أن أشتغل في منزلها شهر كل يوم تكسر ظهري غسل وكنس ومسح وكوي وغسيل  في الصباح والمساء وعند نهاية الشهر تقدم لي خمسة أو ستة ألف ريال.. ماذا أفعل بها؟! أكسر ظهري شغل وأموت نفسي جوع !! والله إنني أتسول وأطلع في اليوم ألف أو ألف ومائتين وأنا مرتاحة"..

عمل البنت في البيوت  مش تمام..

أما (أم علي) فقالت: "حتى لو وافقت أشتغل لابد من أن أتسول بعد انتهاء فترة العمل، فالنساء اللواتي يتسولن هن أميات، والأمية أفضل عمل يعرض عليها فراشة والفراشة كم سيكون مرتبها خمسة أو سبعة ألف، قيمة كيس دقيق، وقد جربت هذا العمل وكنت أعود إلى منزلي وكل عظمة في جسدي تصرخ من الألم لأن صاحبة البيت تذبحني في العمل وبخصوص عمل البنت في البيوت "مش تمام" لأن هناك بنات تعرضن لتحرشات واعتداءات جنسية وحمل بعضهن من ابن صاحبة البيت أو زوجها أو أحد أقاربها.. فنحن لا نتسول إلا بعد أن نكون قد ذقنا المر في العمل".

كيف تصبح متسولا في دقائق؟

 ولأن البعض يرى أن التسول عادة وليس حاجة وأن المتسول حتى وإن حصل على عمل أو ثروة فإنه سيظل مستمراً في التسول، فقد طرحنا هذا الموضوع على الدكتور عبد الرزاق محسن رئيس قسم علم النفس بكلية التربية جامعة الحديدة حيث قال: "يقال أن رجلاً ثريا قتل شخصا فجاء القوم إلى والد القتيل ليرضى بالدية فرفض هذا الرجل أن يأخذ المال مقابل دم ابنه لكنه طلب أن يقوم قاتل ابنه بالتسول أمام مسجد الحي لمدة أربعين يوماً، فوافق القاتل وظل لمدة أربعين يوماً يتسول فلما انتهت مدة التسول ظل القاتل على التسول رغم أنه غير محتاج إلى ذلك لأنه وجد أنه قد اعتاد على ذلك الشيء حتى أنه يقال بأن إبليس قد مارس المهن كلها وأن أطول مهنة بقي فيها هي مهنة التسول، فالتسول يفقد الإنسان كرامته ولكن هذا ليس مبرراً لأن نمنع الناس من السؤال لأن في القرآن الكريم ذكر الفقير والمسكين والذين لا يسألون الناس "المتعففين"، ونحن كبشر لا نستطيع أن نميز بأن هذا المتسول على حق وهذا على باطل ولا نستطيع أن نمنع التسول حتى لا ندخل في الآية الكريمة "ولا يحضون على طعام المسكين"، فنحن نعطي الصدقة ولكن إذا أردنا أن نحللها نفسياً ونعرف لماذا بعض الأشخاص يفضلون التسول على العمل فإننا سنقول بسبب الاعتياد على التسول أولاً ولأنه رزق سهل وربما يحصل فيه المرء على أكثر مما قد يحصل عليه في العمل، وأذكر هنا أن إحدى القنوات الفضائية في برنامج يقدم جوائز مالية، طلبت في هذا البرنامج من أحد الأشخاص أن يتسول لمدة 15 دقيقة وكان هذا الشخص لديه ما يسمى بـ: "البسطة" يبتاع منها بعض الأشياء والحاجيات وعندما تسول هذا الشخص لمدة ربع ساعة وجد أنه في هذه المدة البسيطة قد جمع مبلغاً لا يستطيع جمعه في يوم كامل من عمله في  "البسطة"، فكان هذا الشيء السبب في أن يمتهن هذا الشخص مهنة التسول، ومشكلة هؤلاء الذين يفضلون التسول على العمل أن المروءة قد سقطت منهم وكذلك الحياء، وهناك من يقول "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

زر الذهاب إلى الأعلى