أرشيف

الوطن المدفون في  الصحراء ..قصةحزينة لثمانية عشرة شابا تاهوا في  رمال الشقيقة

مثلما يفعل البحر بالصوماليين الهاربين من جحيم الحرب والاقتتال في بلادهم، تفعل صحراء العربية السعودية باليمنيين الهاربين من جحيم الفقر والبطالة.. ومثلما يفعل المهربون وتجار البشر في البحر بالصوماليين، يفعل المهربون نفس الشيء باليمنيين في الصحراء، فالصوماليون يموتون غرقاً في البحر، ومثلهم يموت اليمنيون ظمأً وجوعاً في هجير الصحراء الملتهبة حين يتركهم المهربون لهذا المصير دون وازع من رحمة أو ضمير.. وفي هذه الحكاية المأساة يحكي عبد الجبار حمود من أهالي مسور عمران حكاية الموت الذي يتلقف اليمنيين في الصحراء في طريق الأمل بالوصول إلى السعودية والحصول على فرصة عمل تقيهم الجوع والبهذلة في شوارع الوطن، وإن كان هذا الطريق محفوفا بالمخاطر والهلاك.. عن طريق الحدود في صعدة، عبر عبد الجبار وآخرون إلى السعودية وبدأت رحلة العذاب حيث يقول: سرنا على الأقدام لمدة أربعة أيام إلى أن وصلنا إلى خميس مشيط ومن هناك اتصلنا بالمهرب فجاء إلينا في اليوم الثاني وتحركنا صباحاً مع المهرب وكان عددنا ثمانية عشر شخصاً على سيارة جمس نحو مدينة بيشة في طريق صحراوي، كانت السيارة، من نوع "جمس" تغرق في رمال الصحراء وفي كل مرة كان يطلب منا هذا المهرب أن نقوم برفع السيارة وتكررت العملية كثيراً حتى أُنهكت قوانا فلم نعد نستطيع رفع السيارة فقلنا له في المرة الأخيرة لا نستطيع لقد "تعبنا" والجوع والعطش قد اشتد علينا، فقال لنا إذا لم ترفعوها ما لكم شيء عندي وتركنا وذهب إلى السيارة الأخرى التي كانت ترافقنا وأخذ معه الأكل والماء واختفى علينا في رمال الصحراء لا ندري أين ذهب..

كانت المسافة من المكان الذي نحن فيه والخط المسفلت حوالي 260 كم.. فسرنا على الأقدام لمدة ثلاث ساعات ونصف إلى جبل الشوك، وهناك تفرقنا ثلاث فرق حيث ذهب ثلاثة أشخاص في طريق وذهب شخص واحد في طريق آخر والبقية وعددنا أربعة عشر شخصاً ذهبنا في طريق ثالثة لعل وعسى نجد الماء والأكل وننجو من الموت فلم نجد شيئاً، وفي طريق عودتنا من جبل الشوك مات أحدنا ونحن في طريقنا إلى السيارة التي تركها صاحبها غارقة في الرمال.. مات رفيقنا من الظمأ والجوع والتعب ونحن ننظر إليه ولم نستطع أن نفعل له شيئا.. تركناه ومشينا إلى أن جاء المساء وافترشنا رمل الصحراء إلى اليوم الثاني وبدأنا بالمسير ونحن لا نعرف أين الشرق من الغرب في بحر من الرمال المتحركة، وعندما انتصف النهار ووصل بنا الحال إلى الانهيار التام.. كان القدر حاضراً حيث أن زملاءنا الثلاثة الذين ذهبوا لوحدهم سلكوا طريقاً فوجدوا بعد معاناة شديدة إبلاً ترعى فقرروا مهاجمتها للحصول على اللبن، خافت الإبل وهربت ثم ظهر الراعي السوداني وأخذهم إلى مكان وأسقاهم وأطعمهم وبالصدفة جاء شخص سعودي يبحث عن ناقة له فحدثه السوداني فأخذ زملاءنا إلى الشرطة وبلَّغوا عنا وقالوا للشرطة إن لنا زملاء تائهين في الصحراء وممكن أن يموتوا من الجوع والعطش فتحركت الشرطة والدفاع المدني والمجاهدين، والبحث الجنائي واستمروا لساعات يبحثون عنا وفي الوقت الذي أيقنا بالموت ولم نعد قادرين على الحركة أو الكلام أطلت سيارات الشرطة فأغاثونا بالماء والعصير وأخذونا إلى مستشفى الملك عبد الله في مدينة بيشة، وأحد زملائنا شرب الماء ثم مات بعدها مباشرة.. وبعد ذلك تحركت السيارات للبحث عن الشخص الذي مات من الظمأ في الصحراء، واستمرت العملية أربعة أيام تقريباً إلى أن وجدوه وهو في بداية التحلل .. فأخذوه إلى ثلاجة مستشفى بيشة مع الشخص الثاني الذي شرب ومات.. وبعد كل هذه المعاناة والعذاب وقد رأينا الموت حاضراً في الصحراء أخذتنا الشرطة إلى الجوازات ثم إلى الترحيل عن طريق منفذ حرض..

هذا ما حدث لهذه المجموعة التي روى قصتها عبد الجبار حمود وثمة حكايات لم يروها أحد لأن المجموعة ماتت بكاملها، فمنهم مجموعة من خمسة وعشرين شخصاً ماتوا في الصحراء مع المُهرب ومجموعة من ستة عشر شخصاً .. وغيرها من المجموعات..

زر الذهاب إلى الأعلى