أرشيف

أما آن للحكمة أن تحكم؟

انفجارات إرهابية بروح فتنوية وبألوان مذهبية، في العراق وأخرى في إيران، واقتتال دامٍ يسقط معه عشرات الضحايا والمصابين في الصومال، نتيجة انقسامات سياسية بروح تعصبية وبألوان قبلية، وجيوش نظامية تقاتل جزءا من شعبها أعلن التمرد ورفع السلاح لأسباب قد تبدو مبررة لهم وغير مبررة لغيرهم، باسم الدين أو المذهب أو القبيلة

كما في باكستان وكما في اليمن، لكنها في النهاية تحقق أهدافا غير وطنية ولا قومية، حين تشعل الحروب الأهلية في بلاد العرب والمسلمين، لتقسمها أو لتستنزف قوتها، وغير إسلامية حين يقاتل المسلم أخاه المسلم، بينما دم المسلم على المسلم حرام، وفي الاقتتال فالقاتل والمقتول في النار، أيا كان عرقه أو مذهبه

مشاهد الفتن الدوارة والاقتتال الدامي وحالات الانقسام والخصام المؤلمة والمؤسفة، على مستويات عربية وإسلامية مختلفة، تتطلب ضرورة السعي للإصلاح والتحرك من أجل جمع الأطراف، وهو الجدير بجامعة عربية أن تجمعه.

خصوصا وهي تمثل وطنا عربيا مقسما ومجزأ، يشكل جوهره الحضاري الإسلام، وبمنظمة إسلامية لأمة يدعو دينها شعوب المسلمين للأخوة، ويدعو ولاة المسلمين للتوحيد بين المنقسمين، والجمع بين المتباعدين، وبعدم الوقوف موقف المتفرج من النزاعات بين المسلمين، أبناء الدين الواحد والوطن الواحد والأمة الواحدة.

كما يأمرهم وفق منهج محدد وخارطة واضحة، بالتحرك الإيجابي والفوري النزيه والعادل، للمصالحة بين المتقاتلين والمتخاصمين، دولا أو قبائل أو طوائف أو مذاهب..

خارطة طريق لا تضل ولا تظلم، وتصل بنا إلى الهدف، هي ما أمرنا الله به في مثل هذا التحرك، في ما نصت عليه الآيات الكريمة من كتاب الله العزيز: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين» صدق الله العظيم

ومن أهم المشاهد الجديرة بالمبادرة وبنفس المنهج، هو المشهد اليمني والفلسطيني، والصومالي، والعراقي، والسوداني.

ويستوقفنا في المشهد اليمني الدامي، إضافة إلى الاحتراب حول صعدة اليمنية، تدخل أطراف إقليمية على خطوط الأزمة.

حيث تتهم إيران بالتورط السياسي والإعلامي إلى جانب الحوثيين اليمنيين، رغم نفيها دعم التمرد وإعلانها الاستعداد للتوسط لوقف نزيف الدم بين الجانبين، حرصا على وحدة اليمن واستقرار المنطقة.

وإذا كانت الوساطات القطرية والليبية والإيرانية ووساطة الجامعة العربية، لم تحقق النتائج المرجوة منها، بسبب تباعد الشقة بين أطراف الصراع، فإن استمرار اعتماد الحل العسكري وحده دون حسم، واستبعاد الحل السياسي دون أفق لإنهاء الاقتتال المأساوي، من شأنه أن يزيد المخاطر من اصطفاف إقليمي يهدد استقرار المنطقة

والمطلوب من حكماء القادة العرب والمسلمين هو المبادرة بتحرك جاد، يضع ما هو إنساني وإسلامي جامع فوق كل ما هو سياسي أو مذهبي مفرق، لوأد الفتنة ولوقف نزيف الدماء بين الأشقاء، ووقف معاناة السكان والنازحين الذين يدفعون ثمن الفتن القبلية والمذهبية والسياسية الدامية..

والمطلوب أيضا رفع الحصار الظالم عن الشعب الفلسطيني في غزة، ودعم جهود المصالحة الفلسطينية، والصومالية، والعراقية، والسودانية، وذلك بوضع الصيغة العادلة للمصالحة الوطنية التي لا تجزئ الشرعية، ولا تنحاز سياسيا بغير حق إلى طرف على حساب طرف، بما يضمن سرعة جمع القوى الوطنية تحت مظلة الوحدة والشرعية والديمقراطية.

والمطلوب لكل ذلك، هو لجنة حكماء وطنية وعربية وإسلامية من كل ألوان الطيف السياسي والمذهبي، محايدة وعادلة تنبع من داخل الأوطان ومن القمة العربية والقمة الإسلامية، لوقف نزيف الدماء المجانية، وقطع الطريق على الفتن المذهبية، وجسر الهوة بين الانقسامات السياسية.

وذلك بالحياد والعدل في التحكيم بين الجميع.. والمطلوب من هذه اللجنة، هو أن تسعى أولا لعدم تحكيم السلاح لحل الخلافات أو لفرض المطالب، وليكن السلام هو الهدف، والحوار هو الوسيلة، ومبادئ الدستور وأحكام الدين هي المرجعية، وذلك باتباع خارطة الطريق الإسلامية، بالصلح أولا، وبالوقوف ضد الطرف الباغي والرافض للسلام العادل ثانيا، ثم بفرض الصلح بالعدل أخيرا.

* نقلا عن "البيان" الإماراتية

 

زر الذهاب إلى الأعلى