أرشيف

ذهب عنه الملاك فخسر حبه ونفسه

سيطر الحب على كيانه واستولى على كل تفكيره وأصبح لا يعيش إلا على خيال محبوبته ليلاً ونهارا .. كانت الحياة كلها بالنسبة له تعني الحبيبة ولا شيء غيرها..

هي وحدها التي استطاعت أن تفتح أبواب قلبه وتقيم فيه من بين كل الصبايا الحسان .. رأى فيها ما لم يره في غيرها من جمال الوجه يكمله جمال الروح الذي أكمل الصفات فيها، فغدت في نظره كاملة حسباً ونسباً وجمالاً.. وهكذا ينظر الحبيب إلى محبوبه عندما يسيطر عليه الحب، وبذلك أصبح يراها بعين الحُسن والجمال، ويسمعها بآذان من محبة ، فصارت ملاكاً يمشي على الأرض ، وأين يجد للملاك مثيلاً؟ لم يتصور يوماً ولم يخطر على باله أنه سيعيش إن غاب عنه هذا الملاك، فربط بين حياته وأمنيته باللقاء بمحبوبته وعصر أيامه وفاءً لأمنيته وعشقه، وعاهد حبه أن لا حياة له بعيداً عنها، لكن الأمنيات لا تتحقق دائماً، وكثيراً ما تخيب، وعندما تخيب في الأمور المادية تهون الخسارة غير أنها لم تهن عند هذا العاشق الولهان عندما خسر حبه وذهب عنه الملاك مكرهاً وصار محبوباً لغيره وملكاً له.

اختلطت عليه الأوراق وسرى في كيانه إعصار مدر كل شيء وحول أيامه إلى حطام متناثر على مساحة العمر الذي صار بلا قيمة عنده، وبدأ يسأل نفسه ما قيمة هذا العمر وقد غاب الحبيب..

كانت الصدمة فوق قوة احتماله لها ولم يصدق أن كل شيء قد انتهى إلى غير رجعة وأن الأمنيات التي رسمها طول السنين الماضية صارت سراباً، وهون الظمآن الذي يوشك أن يموت.. بدأت تظهر عليه علامات الانكسار وآثار الخسارة التي لا تساويها خسارة ولا يمكن تعويضها.. وانقسم الناس من حوله بين من يرى أنه مخطئ ولا ينبغي له أن يستسلم لهذه الهزيمة العاطفية وعليه أن يبحث عن حب آخر يداوي خسارته ويعيد له الأمل في الحياة وبين من قدَّر له ما هو فيه.. وانتصر أصحاب الرأي الأول ودفعوا به إلى مرحلة جديدة وأقنعوه بالزواج لعل وعسى ينسى الخسارة، ومضى معهم نحو ما أرادوا لكن الدمار كان قد حل في نفسه وعقله ، ومع الأيام ظهرت النتائج واضحة للعيان إذ لم تفلح الأيام أن تنسيه حبه الأول ولم يستطع أن يتخطى حدود الانكسار والألم الذي أصابه.. حاول جاهداً العيش في واقعه الجديد فعاش هزيلاً والأيام تمضي عليه طويلة والليالي أطول، فوصل إلى دائرة التمزق الذي يسمونه بالجنون لكنه كان جنوناً من طراز مختلف يعرفه التاريخ. كان جنونه هذا معروف السبب، كتب في عينيه لمن يقرأ، ومرت الأيام وزادت وحشته وتعاظم وقع الهزيمة في قلبه ووجدانه وفشلت الأيام في معالجة جروحه، وجاء دور العهد الذي قطعه على نفسه عندما ربط بين حبه وحياته وقد ذهب الحب فما قيمة الحياة عنده.. هكذا خاطب نفسه وأخذها نحو الموت منتحراً في سبيل حبه الذي أخلص له ثم لم يجده يوماً إلى جانبه ، "وللعشاق في عشقهم مذاهب".

زر الذهاب إلى الأعلى