أرشيف

انقاذ اليمن والخليج راجح الخوري

التحدي الاساسي الذي يواجه مؤتمر لندن الدولي، الذي سيعقد اليوم على مستوى وزراء الخارجية، هو كيف يمكن نقل اليمن من حافة الانهيار الى دولة الاقتدار التي تستطيع ان تواجه ثلاث مشاكل معقدة وصعبة هي:

الحرب ضد التمرد الحوثي في صعدة والجوار. ومواجهة الحراك الانفصالي المتأزم في الجنوب، ومعالجة ركام مخيف من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في بلد تجاوزت البطالة فيه نسبة 40 في المئة، حيث صار الفساد ازمة تهدد اي قرار بتقديم مساعدات خارجية لاستنقاذ الوضع الذي يهدد بالوقوع في الفوضى، او باستنساخ "الصوملة" حيث لم يعد هناك وجود للدولة او سلطة للقانون !

بالتأكيد تواجه الدول التي تشارك في اجتماع لندن مهمات عسيرة وصعبة حيال اليمن، الذي تم نسيانه وعومل بكثير من الاهمال، حتى وصل الى ما هو عليه الآن. فلا عملية اصلاح الاوضاع فيه سهلة ومتيسرة بحيث يتجاوز مشاكله واخطاره الكامنة، ولا عملية تركه على ما هو عليه ممكنة او مضمونة، لأنه سرعان ما قد يتحول بؤرة للفوضى والارهاب والصراعات التي تهدد مساحة الخليج النفطية، التي تشكل منطقة حيوية لأمن العالم، وتجعل منه افغانستان اخرى، ولكن في المفاصل الحيوية المتقدمة بين آسيا وافريقيا واوروبا.

لقد تأخر العالم كثيرا على الاهتمام باليمن "السعيد"، الذي باتت تعاسته المتزايدة هذه الايام تهدد سعادة الدول الغربية كلها. والقصة الآن لا تتوقف عند حادث الهجوم على المدمرة الاميركية "يو. اس. اس. كول"، ولا على محاولة عمر عبد المطلب نسف الطائرة الاميركية فوق ديترويت الشهر الماضي، بل انها تصل الى حد تهديد الحضارة كلها من خلال اشاعة الفوضى والارهاب في منطقة الخليج.

ما قيل عن مؤتمر لندن لا يبعث كثيرا على الامل، فنحن لسنا أمام مؤتمر مانحين يقدم المليارات دون اي ضمان بحسن انفاقها او بالقدرة على انفاقها، بل أمام "مؤتمر اصلاحي" هدفه مساعدة الحكومة اليمنية في جهودها الرامية الى معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بما يتيح لها استطرادا مواجهة خطر "القاعدة" المتزايد بين القبائل، وترتيب الاوضاع مع المطالبين بالانفصال في الجنوب، وانهاء الصراع مع الحوثيين !

لكن الوصول الى تحقيق هذه الاهداف، او حتى جزء يسير منها، يحتاج الى وقت كثير والى جهد اكثر. هذا يعني ان هناك ما يشبه السباق بين الرغبة الدولية في استنقاذ اليمن وعناصر الفوضى والعنف المتزايدة في داخله.

واذا صح الافتراض ان الغرب تعلم درسا من افغانستان والعراق، وانه يحاذر التدخل الآن في اليمن وارسال قوات الى هناك كي لا يعطي ذرائع تساعد "القاعدة" من جهة والحوثيين ومن يساعدهم من جهة ثانية، فإن تقوية النظام اليمني لمواجهة التحديات ومنع الدولة من الانهيار والحيلولة دون قيام الفوضى النارية يتطلب سهرا حقيقيا وتعاونا دوليا واقليميا جادا لانتشال الوضع وفرض اصلاحات داخلية تساعد في انجاح اي حلول اقتصادية يتم اقتراحها، وفي توفير الوظائف والخدمات للمواطنين، وفي محاربة الفساد المستشري، وهذه امور ليست سهلة على الاطلاق وتحتاج كما قلنا الى كثير من الوقت والجهد واستعداد النظام للقيام بالاصلاحات المطلوبة وعلى وجه العجلة.

ولأن اليمن بات يشكل هماً متقدما وهاجسا طاغيا في حسابات اميركا والدول الغربية، كان من الواضح واللافت ايضا ان تسارع واشنطن الى الترحيب بكلام عبدالملك الحوثي عن "الانسحاب الكامل" من كل المواقع السعودية، وهو امر بدا مثيرا ومستغربا لأكثر من سبب !

اولا – لأن السعودية سبق لها ان اعلنت مرارا عن طرد "المتسللين والمعتدين" الى خارج حدودها. وكان الامير خالد بن سلطان قد اعلن قبل يومين من صدور بيان الحوثي ان "السعودية تبسط سيطرتها على كل حدودها منذ اكثر من شهر، بعدما تمكنت من دحر زمرة المتسللين وهم بالمعنى الآخر الحوثيين".

كانت هذه المرة الاولى التي يشير فيها مسؤول سعودي صراحة الى الحوثيين، لأن البيانات والتصريحات السعودية كانت تتحدث عن "المتسللين والمعتدين"، لكن مساعد وزير الدفاع حرص هذه المرة على القول "إن مواجهة الحوثيين فرضت علينا ولم نسع اليها. فقد ظنوا ان حدودنا مستباحة. ولكننا نحرص على التأكيد ان لا طائفية خلف قتالنا لهم كما حاولت ابواق خارجية ان تقول زاعمة ان الامر صراع طائفي يستهدف جماعة بعينها"!

ثانياً – لأن اعلان عبدالملك الحوثي عن الانسحاب من الاراضي السعودية يعني انهم هم الذين قاموا اصلا بالاعتداء. وهو امر لم يحصل في الحروب الخمس السابقة التي نشبت بينهم وبين النظام اليمني، ثم ان كلامه على الانسحاب يناقض كل ما سبق ان صدر عنه من ان القوات السعودية دخلت الاراضي اليمنية حيث الحوثيون.

ثالثاً – وهو الاهم سياسياً. جاء الترحيب الاميركي ببيان الحوثي على خلفيتين دقيقتين. الاولى تكتيكية، وهي تؤكد رغبة واشنطن في حصر الصراع بحيث لا يتعدى حدود اليمن. والثانية استراتيجية تمثلت بالقول إن اميركا لا ترى تورطا ايرانيا في اليمن، خلافا لاشارات بدرت منها سابقا(!)، وذلك بهدف اشاعة اجواء تساعد على تفكيك اي تحالف قد يقوم بين "القاعدة" وايران في اليمن بما يجعل الخطر مضاعفاً.

*نقلاً عن "النهار" اللبنانية

زر الذهاب إلى الأعلى