أرشيف

ثقافة السلام في مواجهة ثقافة الكراهية والعنف عادل أمين

 من يمتلكون ولو قدراً ضئيلاًً من الوعي السياسي لا يحتاجون في الغالب إلى كثير عناء كي يتفهموا ويستوعبوا ويتقبلوا من ثم تلك الحوارات والتحالفات السياسية التي تنشأ عادة بين مختلف القوى والأحزاب السياسية التي تبدو للكثيرين متناقضة ومتصادمة مع بعضها البعض ويصعب عليها الالتقاء والعمل سويةً، لكن تلك هي طبيعة الحياة السياسية المتجددة والمتغيرة، والتي ليس بمقدور أحد إعاقة حركتها أو توجيه مسارها في الاتجاه الذي يريد طالما والساحة ملئيه باللاعبين من مختلف التوجهات سواء كانوا متحالفين أو متنافسين، السياسة بطبيعتها حركة إنسانية دؤبه ومتسارعة، دائمة التجدد والتطور، والذين يتخلفون عن اللحاق بها ويخفقون في التكيف مع متطلباتها والتعامل مع مستجداتها يعزلون أنفسهم عن واقعهم، ويظلون جزءاً من الماضي لا شأن لهم بحاضر الناس ومستقبلهم، فمن لا يتقدم يتقادم، أما أولئك الذين يسعون لأن يكونوا فاعلين ومؤثرين ومشاركين حقيقيين في صنع المستقبل فهم حتماً ينظرون إلى أبعد مما تراه أعينهم وتطأه أقدامهم، فهم لا ينساقون وراء الأحداث بل يصنعونها، ولا يتركون شيئاً للمصادفة بل يخططون لما هو آت، كما أنهم لا يتخلون عن مسئولياتهم ودورهم الوطني حينما يتطلب الأمر ذلك، بل يعمدون إلى امتلاك قرارهم وتحمل تبعاته. وفق هذا المنطق ظهر تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض، الذي جمع مختلف الأطياف والمشارب السياسية والفكرية اليمنية، لكن السلطة التي تستلهم دائماً منطق فرّق تسد ذهبت تعزف على نغمة هل أسلم الاشتراكي أم كفر الإصلاح؟ والحق أن خلافاتنا كيمنيين هي سياسية بالأساس، فنحن في بلد لا يختلف فيه اثنان على الإسلام عقيدة وشريعة، لكن السلطة تحاول أن تضفي على تلك الخلافات- وقتما تريد- صبغة دينية ليسهل إثارتها واللعب بها، على أن التحالفات السياسية ذاتها لا تخضع لمنطق الكفر والإيمان أو الولاء والبراء، بل تخضع لمنطق جلب المصالح ودرء المفاسد، وإلاّ لما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم يهود المدينة، ولما كتب معهم وثيقة عهد وتحالف!!

*****

حين أعلن مجلس التضامن الوطني تحالفه مع لجنة الحوار الوطني عبر اتفاق سياسي لم يقل أحد حينها أنه أضحى عضواً في تكتل أحزاب اللقاء المشترك، وهو بالفعل ليس كذلك، وكل ما حدث أنه صار أحد شركاء اللجنة التحضيرية للحوار الوطني التي فتحت باب الشراكة والحوار مع كافة أبناء الوطن ليسهموا معها في إنقاذ البلد من المأزق الذي يعيشه، لكن مع توقيع اللجنة التحضيرية للحوار الوطني اتفاقاً مماثلاً مع الحوثيين بغية تكريس المصالحة الوطنية، وعودة السلام إلى ربوع الوطن، وإزالة آثار الحرب والصراعات الدامية، ونبذ العنف، والاحتكام للدستور، والاعتراف المتبادل بحق الآخر في الحياة الآمنة المستقرة، حقناً للدماء ووقفاً لدورات العنف التي تواصلت لستة حروب متوالية، ساعتها جن جنون السلطة، وصبت جم غضبها على المشترك، واعتبرت ذلك الاتفاق بمثابة توظيف انتهازي لما أسمته بـ " المناخات الديمقراطية"، بل لقد عدته فساداً سياسياً، وركضاً وراء اختلاق الأزمات وتسميم الحياة السياسية، وإشعال الحرائق، وتحللاً من كل الضوابط الدستورية والديمقراطية! وقالت صحيفة الثورة الرسمية- لسان حال المؤتمر الحاكم- إن القوى الحزبية المتحالفة صارت شريكاً في الخراب والدمار الذي لحق بمحافظة صعده! وأنها وضعت نفسها أمام مسئولية مباشرة عن كل الدماء التي سُفكت، وصار من حق الشعب أن يلاحق قضائياً أولئك المغامرين والمقامرين من قيادات تلك الأحزاب والقوى السياسية والحزبية.

بكل بساطة تحاول السلطة غسل جرائم حرب صعده وإخلاء مسئوليتها الأخلاقية والقانونية في الاتفاق الجديد بين لجنة الحوار والحوثيين، وهي محاولة للتذاكي على المعارضة وللتعمية على الرأي العام، واستغفال ساذج للمواطن البسيط والجندي المسكين الذي قالت السلطة أن بمقدورها استبداله- في حال وقوعه صريعاً- في صعده مثلما تستبدل قطعة سلاح، لا مشكلة! الحملة الإعلامية التي تحشد ضد المشترك وتحاول تحمليه أوزار حرب صعده بكل مآسيها ومصائبها هي جزء مخطط له من الحملة الانتخابية المبكرة للحزب الحاكم الذي يبدو أنه قرر العزف على هذه الأسطوانة كشعارات انتخابية ستُرفع لتضليل الجمهور وإظهار براءته من حرب صعده من خلالها.

*****

ربما يتعين تذكير الحزب الحاكم أن المشترك ليس هو من أشعل ستة حروب عبثية مدمرة في صعده، وليست اللجنة التحضيرية للحوار من فعل ذلك أو حرض عليه، أما تجار السلاح المتورطين في استيراده وبيعه لطرفي النزاع فهم قيادات في الحزب الحاكم لا في المشترك! وبالتالي فالملاحقة القضائية التي يلوح بها الحزب الحاكم ينبغي أن تطاله قبل غيره، فالتقارير المحلية والدولية التي تتحدث عن جرائم الحرب ضد الإنسانية، والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في الشمال والجنوب، والمأساة الإنسانية لأكثر من 350 ألف نازح من محافظة صعده، تُحمّله وشركاءه وزر كل تلك الجرائم والانتهاكات، وتضعه تحت طائلة الإدانة والمساءلة والملاحقة القانونية،أما المشترك فقد رفض منذ اليوم الأول الانجرار وراء دعاوى الحرب والقتل والدمار، وعن الاتفاق مع الحوثي فالسلطة كانت أول من وقّع معه اتفاق سلام مماثل لاتفاق لجنة الحوار قبل حوالي عامين برعاية خارجية تمثل في اتفاق الدوحة الذي أنهى الحرب الرابعة واعترف بهم كجماعة فرضت نفسها كأمر واقع، كما أن السلطة باشرت وقف الحربين الخامسة والسادسة باتفاق مباشر مع الحوثيين عبر وسطاء ولجان محلية شارك في عضويتها ممثلون عن الحوثي، وأخيراً استضافت قادتهم الميدانيين في لقاء خاص جمعهم بأركان النظام داخل مؤسسة عسكرية من المفترض أنها معنية بحسم  النزاع معهم!! فما معنى كل ذلك ؟ من المؤكد أن السلطة ستقول أنها فعلت  ذلك لأجل السلام، وحقناً لدماء اليمنيين، ولوقف آلة الحرب التي أهلكت الحرث والنسل، وهي الأهداف نفسها التي سعت لأجلها لجنة الحوار الوطني من اتفاقها مع الحوثيين. على أن هذا الاتفاق لا يمنح بالضرورة جماعة الحوثي العضوية في تحالف اللقاء المشترك، وهو لا يحمل مضامين من هذا القبيل، وهم من الناحية العملية ليسوا بحاجة لذلك، علاوة على أن الاتفاق لا يغير من مبادئ المشترك ولا من سياسته في شيء، ولا من موقفه الثابت الرافض للحرب والعنف من أي طرف كان، وما يبعث على التساؤل هو تزامن حملة السلطة ضد اتفاق لجنة الحوار مع الحوثي مع حملة أخرى متصاعدة تقرع طبول حرب سابعة باتت عناوينها المستعرة تتصدر صحف الحزب الحاكم! في الوقت الذي تتهم السلطة أحزاب المشترك بالنزوع نحو التطرف، والحقد الأعمى على المشروع الوطني الحضاري الذي ينعم في ظله الوطن بالأمن والتنمية والرخاء!! في حين أن هذا المشروع الحضاري الذي تتباهى به السلطة حدد معالمه بوضوح كبار مسئوليها الذين بشر بعضهم بمجاعة من المحتمل أن تتعرض لها اليمن في غضون عامين من الآن، فيما بشر بعضهم الآخر بالصوملة كنتيجة حتمية في حال لم يسارع المجتمع الدولي لتقديم مساعداته لليمن، وهو ذات المشروع الحضاري الذي تنبأ به حلفاء النظام وتوقعوا نهايته في نتيجة واحدة هي انهيار وشيك لبلد يرزح تحت وطأة الفساد والفشل السياسي والفوضى العارمة.

 ****

من السخف وصف اتفاق لجنة الحوار الوطني مع الحوثيين على أنه محاولة للعودة إلى أزمنة الانقلابات، وإلى ما قبل الديمقراطية والتعددية السياسية كما تروج السلطة، فالاتفاق هو أحد تجليات التعددية ذاتها التي كفلها الدستور واعتبرها أحد ركائز النظام السياسي القائم، وتبعاً لذلك فما تقوم به اللجنة التحضيرية من حوارات واتفاقات يتناغم مع جوهر الدستور ولا يعارضه، ولا معنى هنا لمزاعم الانقلابات وما قبل التعددية، إذ أن حوارات المشترك تهدف بالأساس لتعزيز ثقافة السلام والتعايش والقبول بالآخر تجنباً لعودة المشاريع الانقلابية، وتعميد لمشروع الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، واللجنة التحضيرية للحوار الوطني هي إطار واسع لكل المؤمنين بفكرة الحوار وبوثيقة الإنقاذ كمشروع سياسي قادر على انتشال اليمن من أزماته، بعبارة أخرى، هي أشبه ما تكون بهيئة شعبية أو منظمة جماهيرية تستقطب كل المؤمنين بالتغيير والنضال السلمي تحت سقف الوحدة والجمهورية، فإذا قرر الحوثيون أن يكونوا من هؤلاء فليس من الحكمة صدهم ودفعهم ليعودوا إلى كهوف الجبال ليكونوا وقود حرب جديدة، بل الأولى تشجيعهم على نبذ العنف، والانخراط في العمل السلمي الذي أخفقت السلطة طوال الفترة الماضية في استمالتهم إليه، وبالتالي فثمة مصلحة وطنية متحققة حتماً نتيجة استقطابهم إلى دائرة العمل السياسي السلمي، إلاّ إذا كانت السلطة تخطط لأشياء أخرى لا علاقة لها بالأمن والاستقرار والتنمية في صعده وفي البلد بأكمله!!

الصحوة نت

زر الذهاب إلى الأعلى