أرشيف

قراءة في كتاب:نقاط حاسمة

تأليف: جورج دبليو بوش

 

بعناية شديدة وملحوظة كان ظهور الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن على مختلف وسائل الإعلام الأمريكية في لقاءات استهدفت الترويج لكتابه “نقاط حاسمة”، الذي صدر مؤخراً ليحكي فيه عن منعطف حاسم في حياته خلال توليه منصب الرئاسة للقوة الأكبر في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية)، هذه العناية في اختيار برامج وصحافيين بعينهم غير معروف عنهم انتقادهم لإدارة بوش، عكست حقيقة واضحة حاول بوش في كتابه تثبيتها في الأذهان ولدى الرأي العام الأمريكي تحديداً، وهي الدفاع عن النفس، وتقديم المبررات كافة اللازمة لتنقية صورته “كرئيس”، حملتها صفحات هذا الكتاب التي بلغت 528 صفحة، تضمنت كمّاً من التناقضات الصارخة التي لا ينافسها في مضمون هذه السيرة سوى السطحية المباشرة والتبسيط المبالغ فيه، وهو ما يؤكد أنه بالفعل صاحب هذه السطور مقارنة بشخصيته وعدم ولعه بالقراءة، إذ من غير المعروف عنه العمق أو الذكاء المفرط، لدرجة قول أحد المعلقين الكبار عندما سألوه عما إذا كان قرأ كتاب بوش، إنه سيقرأه عندما يقرأ بوش نفسه كتابه .

 

هذا الكتاب حظي بنسبة مبيعات لا بأس بها بين مؤيدي سياساته ومنتقديها، وهم يتراوحون بين الغاضبين من حروبه وأدائه إزاء إعصار كاترينا، والانهيار الاقتصادي الكبير، الذي ظهرت بوادره في عهد بوش الذي تميز بالحروب وتنفيذ سياسات لمصلحة الشركات الكبرى وتحالفات المال والأغنياء على حساب الطبقة المتوسطة، ما أدى إلى أزمة اقتصادية مازالت الولايات المتحدة تعاني منها، وكذلك العالم، إضافة لسجله، أي سجل إدارته في مجال حقوق الإنسان، وبين مؤيدين هم في أغلبيتهم إما عملوا في إدارته أو استفادوا من فترة حكمه، أو الذين لديهم أيديولوجيات يمينية أو توجهات رافضة لإدارة أوباما الديمقراطية الحالية .

 

عموماً، فإن ما جاء في صفحات هذا الكتاب جدير بالفحص، لا سيما ما ذكر حول القضايا التي تهم عالمنا العربي، أو تلك التي تتعرض لمواقف على أساسها اتخذ هذا الرئيس قرارات كان من شأنها التأثير في مصير ملايين البشر بحكم منصبه .

 

لكن، وقبل أن نستعرض أهم النقاط أو الوقفات الحاسمة التي تشكل مضمون هذا الكتاب المثير للجدل، فإنه ينبغي علينا التوقف عند كتاب أخطر هو عبارة عن تحليل نفسي دقيق لهذا الرئيس، وذلك لنفهم دوافعه وحكاياته وآراءه، وهذا الكتاب صدر عام ،2004 أي خلال وجوده في الحكم وحمل عنواناً مثيراً هو “بوش على الأريكة  داخل عقل رئيس” من تأليف الدكتور جوستين فرانك، (المقصود بالأريكة هنا هو أريكة الطبيب النفسي) .

 

تكمن أهمية هذا الكتاب الصادر قبل ستة أعوام من صدور كتاب سيرة بوش الابن، في أنه حمل تحليلاً خطيراً لنفسية جورج بوش الابن والأمراض النفسية والأعراض التي يعانيها هذا الرئيس، بناء على أسلوب تحليل نفسي مطابق للتحليل النفسي للزعماء والقيادات، وهو التخصص الذي برعت فيه وكالة الاستخبارات الأمريكية منذ عقود وحتى الآن، بل وعرف عن أحد زملاء الدكتور جوستين مؤلف  الكتاب خبرته في هذا المجال، أي أن كتاب جوستين الذي تم التعتيم على مضمونه وقت صدوره كان تطبيقاً عملياً وعلمياً لما دأبت وحدة متخصصة في ال “سي . آي . إيه” على ممارسته ومازالت منذ عقود بعيدة .

 

المدهش أنه وبمضاهاة ما جاء في كتاب بوش الأخير مع ما ذكره الدكتور جوستين في كتابه، سنصدم بمدى صدق وحرفية تحليل جوستين لشخصية بوش الابن لدرجة مخيفة .

 

ففي كتاب جوستين نجده قد طبق الآلية النفسية التي سبق ذكرها لفحص حالة وشخصية الرئيس بوش الابن وذلك  حسب قوله  بأنه بحكم الظهور الدائم للرؤساء عبر وسائل الإعلام كان تحليل شخصيتهم أسهل من وجود الشخص أو المريض بنفسه أمامه وعلى الأريكة .

 

ويصل جوستين إلى نتيجة في نهاية دراسته ليؤكد أن بوش الابن يعاني مشكلات نفسية كبيرة وفي حاجة للعلاج . ويضيف “إذا كان بوش هو دمية في يد ديك تشيني، فإنه دمية تختار محرك الدمى أو العرائس التي يحركها، فهو يتخذ قراراته الرئاسية بإيمان واضح وذاتي بأنه صاحب القرار وأن السلطة بيده ولديه قناعة ذاتية بأنه الرئيس الفعلي” .

 

عوارض خطرة

 

ويقول “لو أن أحد مرضاي قرر قول شيء وفعل شيئاً آخر، فأنا كطبيب نفسي يهمني أن أعرف السبب، وأن أعرف ما إذا كان يستخدم كلمات تخفي المعنى الحقيقي لما يريديه فعلاً، وما إذا كان يخلق لنفسه شخصية تخفي طبيعة أفعاله، وهذا ما يزعجني، فلو وجدت لدى المريض هذا  يقصد جورج بوش  نظرة غير مرنة بالنسبة للعالم وتتميز بالتبسيط الزائد عن الحد  ضحالة  وتبسط الصح والخطأ والخير والشر والحلفاء والأعداء، ساعتها سيكون التساؤل حول قدرته على مواجهة الواقع، وما إذا كانت أفعاله تكشف عن لا مبالاة تصل إلى حد السادية، وعدم الاعتراف أو التعرف إلى معاناة الناس في نفس الوقت الذي يغلف نفسه بإدعاءات التعاطف والتدين، ساعتها  كطبيب نفسي  سأكون خائفاً على أمن وسلامة من هم حول هذا المريض، ولكن هذا المريض ليس أحد مرضاي، إنه رئيسنا، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية” .

 

ويمضي الدكتور جوستين ليشخص حالة بوش الابن ليفاجئنا بصورة لرجل يعاني عدداً من العوارض السيكولوجية الممكن علاجها، ولكنها عوارض خطرة وجادة للغاية، فهو لديه قدرة ضعيفة على التركيز “ليست لديه قدرة على التركيز”، يعاني من حالة إدمان كحول “لم تعالج ولم يشفى منه”، لديه عقدة “القوة” بمعنى محاولة الظهور بمظهر القوي، ويعاني من بارانويا وعقدة “أوديب” والسادية ومتلازمة عصبية سيكولوجية موروثة من الطفولة، عوارضها الرعشة وبعض الحركات اللاإرادية، حيث كان لبوش طفولة بائسة، نتلازم مع أصوات لا إرادية، كما أنه لديه قدرة ضعيفة على التفرقة بين الواقع والخيال .

 

هذا كان ملخص الكتاب الذي يحلل بشكل علمي وصارم في الوقت نفسه شخصية بوش، وبالمناسبة فكل العوارض التي تحدث عنها هذا الطبيب ونصح بوش في نهايتها بضرورة العلاج أرفقها بحوادث وأحداث بعينها، بمعنى أنه أرفقها بأدلة تدلل على ما توصل إليه من تشخيص .

 

الإقلاع عن الإدمان

 

وعودة إلى كتاب بوش الابن “نقاط حاسمة”، سنجد مضاهاة تصل إلى حد التطابق مع ما توصل إليه الدكتور جوستين من نتيجة، لا سيما تلك المتعلقة بفترة طفولته أو بفترة قراره الإقلاع عن إدمان الكحول، والتي خصص لها أول 80 صفحة من كتابه .

 

وكان صادقاً  أي بوش  وهو يحكي تفاصيل الإقلاع عن الإدمان، لأنها النقطة الحاسمة في حياته التي قاده إنجازها إلى أن يصبح رئيس الولايات المتحدة، فهو في الكتاب يقول إنه لو لم يفعلها (أي الإقلاع عن ادمان الكحول) في عمر ال،40 لما أمكن أن يصبح حاكماً ولفترتين لولاية تكساس، ولما أصبح أبداً رئيساً لفترتين .

 

كما يذكر كيف أن الكشف عن حادثة قديمة تم القبض عليه فيها بسبب ضبطه يقود سيارته مخموراً في عطلة عيد العمل عام ،1976 وبسرعة عشرة أميال في الساعة على الرصيف، قد كلفه خسارة مليوني صوت انتخابي في هذه الانتخابات (التي فاز فيها بفارق ضئيل “نحو مئتي صوت” على منافسه الديمقراطي آل جور) .

 

هذه الحادثة وحادثة أخرى، وهي وفاة شقيقة صغيرة له وهو طفل  وهي  الحادثة ذاتها المذكورة في كتاب جوستين، وعرض فيها تأثير قيام الأبوين بوش الأب وزوجته باربارا بترك مراسم دفن وجنازة طفلتهما ليذهبا للعب الجولف في ولاية أخرى ، والقصد عزيزي القارئ من الإسهاب في سرد الوقائع الشخصية في هذا الكتاب لأنها تمهيد مهم للغاية لفهم ما جاء من تناقضات في سرد الرئيس بوش الابن لحوادث خطرة شكلت تقريباً معظم فترتي رئاسته، ومنها على سبيل المثال لا الحصر وقائع حول نومه أثناء المحاضرات عندما كان طالباً في جامعة اييل المرموقة، ووصفه لإيمانه بمثل دارج في ولاية تكساس، مفاده أن الدارسين والمثقفين يتمتعون بالذكاء المبني على علمهم لكنهم لا يعرفون التعاطي مع واقع الحياة العملية، وأيضاً سرده لأيام إدمان تعاطي الكحول، وواقعة توجهه بسؤال لإحدى ضيوف والديه عن “كيفية  وماهية ممارسة الجنس بعد سن الخمسين وكيف أرسلت له بعد فوزه بانتخابات الرئاسة ووصوله لسن الخمسين، رسالة ذكرته بالواقعة وتساءلت “إذن كيف هي الحال بعد سن الخمسين يا جورج؟” .

 

وإلى جانب هذه الحوادث التي تعكس شخصية هذا الرئيس المثير للجدل تبدو محاولاته للظهور بمظهر الزعيم والتأكيد على زعامته التي لن تدركها سوى الأجيال القادمة وبعد مرور عقود، ومحاولاته أيضاً لإظهار الصلابة والإرادة، عبثاً .

 

على أية حال، وعودة للمحطات الأهم في هذا الكتاب وصاحبه المثير للجدل، سنجده وقد قسمه إلى 14 نقطة أو محطة حاسمة بعد مقدمة ومدخل طويل يمثل النقطة الأولى، وهي إقلاعه عن الكحول، ودور الدين وإيمانه بأن اقترابه من الرب والإقلاع أوصله إلى الرئاسة، وهو ما يفسر لاحقاً كلماته السريعة التي تراجع عنها لاحقاً حول الحرب الصليبية أو إيمانه كمسيحي، أو كيف ساعده الرب .

 

بعدها قسم الكتاب إلى نقاط تشمل:

 

– مرحلة الانتخابات الرئاسية

 

– علاقته بأعضاء إدارته وكبار موظفيها واختياره لهم

 

– موقفه بالنسبة لقرار السماح باستمرار أبحاث الخلايا الجذعية

 

– أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها

 

– الاستعداد للحرب

 

– حرب أفغانستان

 

– حرب العراق (غزو العراق)

 

– تأثير ظاهرة لازاراس في حياته، أي لا زاراس الذي أحياه المسيح من الموت، القيادة، كارثة كاترينا، سياسة التصعيد في العراق، أجندة العراقة، الأزمة الاقتصادية، ثم خاتمة الكتاب التي حاول فيها أن يصور نفسه فيها على أنه عاد إلى مكانه كمواطن عادي يحمل كيساً بلاستيكياً في يديه وهو يهرول ليزيل فضلات كلبه، الذي عاش مدللاً في البيت الأبيض .

 

وإذا كان بوش يقول في كتابه انه ورث عيون والده وفم أمه  في اشارة إلى لسانها وما هو معروف عنها من طول اللسان وسرعة الغضب، فإن تحليل وقائع هذه النقاط الفارقة في حياته وتعاطيه على المستوى العالمي مع زعامات ورؤساء وملوك الدول وحبه لبعضهم، وكرهه أو احتقاره للبعض الآخر يظهر صدقية هذه المقولة .

 

أحداث 11/9

 

أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كانت بالنسبة لجورج بوش منعطفاً مهماً، ذلك لأنها كانت بداية تفاعله “الحاسم” مع الهجوم الذي تعرضت له أمريكا، ونراه يسرد كيف أنه لدى وصوله إلى المخبأ بقاعدة “أوفت” في نبراسكا  أي بالقرب من قيادة الحرب النووية في أوماها بالولاية ذاتها – كان أول ما فعله هو التطلع إلى شاشة التلفاز واصدار أوامره إلى جورج تينت رئيس الاستخبارات باحضار كل المعلومات الاستخبارية الممكنة . ويقول بوش “جعلتها واضحة أنني أنوي استخدام العسكر في هذه الحرب عندما يحين الوقت، وأن الهدف والعملية لن يكونا بمثابة شكة دبوس أو اهدار صاروخ كروز ثمنه مليون دولار لنسف ضحية قيمتها 5 دولارات، وذلك عندما ترد أمريكا على هذه الهجمات” .

 

وفي سرد الرئيس الأسبق بوش لتداعيات الحادي عشر من سبتمبر نلحظ محاولته الإيحاء بأن التاريخ فقط سيحكم عليه وعلى أفعاله التي تمت كتداعيات ل 11/،9 وعما إذا كانت حروبه اثر 11/9 في أفغانستان والعراق عمليات ناجحة أو فاشلة .

 

ثم نجده يحاول الاستمرار في إلقاء اللوم على الاستخبارات الأمريكية، تماماً كما فعل وادارته بعد ظهور كذب مبرر غزو العراق من وجود أسلحة دمار لدى هذا البلد العربي، فهو في ما يتعلق بفضيحة التعذيب في غوانتانامو وأبوغريب نجده يلتمس لنفسه العذر في عدم معرفته بحقيقة ما كان يحدث، ونجده تارة يتحدث عن جهله بما حدث (الأسبوع الفائت قالت مديرة سجن أبوغريب المتقاعدة العقيد جاينت كاربينسكي إنه كان يعلم ووصفته بالجاهل) .

 

ثم نجده تارة أخرى يدافع عن استخدام وسائل الإغراق في الماء في تعذيب المعتقلين بتهمة الإرهاب، ذلك لأنه أمر باستخدامه بعد أن قال المحامون (أي مستشاروه القانونيون بالبيت الأبيض) ان هذا الأمر مجاز قانونياً، ويتمسك بأن تعذيب خالد شيخ محمد منع حدوث أعمال إرهابية في لندن (الحكومة البريطانية نفت الأسبوع الفائت حدوث هذا الأمر، بمعنى أنها كذبت بوش)، الغريب أن بوش لدى سرده لوقائع خياراته بالنسبة لقضية التعذيب، المحرمة دولياً، ذكر أن مستشاريه قدموا له نوعين آخرين من التعذيب رفض ذكر تفاصيلهما، مؤكداً أنه رفض استخدام هذين النوعين من التعذيب رغم إبلاغ مستشاريه له بقانونيتهما .

 

غزو العراق

 

وفي سرد بوش لفترة ما قبل وخلال، وبعد غزو العراق، نجد الكثير من الوقائع المثيرة، ومنها تلقيه اخباراً “سارة” عن فوز توني بلير يوم الثلاثاء 18 مارس 2003 بتصويت البرلمان، وبالتالي فقد سر جورج بوش لأن ذلك يعني أن “بريطانيا العظمى ستكون بجانبنا”، وحكى بوش كيف كان رئيس الاستخبارات “سي آي إيه” ومعه كولن باول وزير الخارجية آنذاك يقومان بدأب بإطلاعه على التطورات، وكيف كان لديهما أمل في أن يوافق صدام حسين على الخروج إلى المنفى كحل، وذلك بقبوله عرضاً من حكومة “شرق أوسطية” كان تعرض خروج صدام مقابل مبلغ يتراوح ما بين 1  2 مليار دولار إلى دولة بعيدة (أوكرانيا)، إلا أن بوش يستطرد في مفارقة حمل فيها بشكل غير مباشر صدام حسين سبب قرار الغزو، ليقول “إنه بينما كان لدينا شعور باحتمال قبول صدام لهذا العرض، فإنه  أي صدام  قام باتخاذ قرار آخر من قراراته حين قطع لسان أحد المعارضين وتركه ينزف حتى الموت، وبهذا فإن “دكتاتور العراق” اتخذ قرار الحرب، ففي صباح الأربعاء قمت بعقد اجتماع لمجلس الأمن القومي في غرفة “الموقف” وأعطيت الأوامر بإطلاق عملية “حرية العراق”، وبعدها ب 6 ساعات وصلتني مكالمة غير متوقعة من دونالد رامسفيلد يقول فيها إنه في الطريق إلى المكتب البيضاوي لأمر عاجل، وعندما دخل سألته: ماذا يحدث؟ قال  أي رامسفيلد “نعتقد أن لدينا فرصة لقتل صدام حسين، بعدها عقدنا واحداً من أكبر الاجتماعات غرابة في رئاستي حضره كل أعضاء مجلس الأمن القومي، وكان النقاش حول معلومات استخبارية تفيد باعتزام صدام حسين وبعض من أفراد عائلته قضاء عطلة في مزارع الدورة، وكان الاقتراح قصف المكان، وبالتالي تحقيق إمكانية إزالة رأس النظام العراقي، وأنا  الكلام لجورج بوش  “كان لدي شكوك حول هذا التصور”، لأنه لا وجود لخطة محكمة بعمليات سرية قبل بدء القصف (أي عبر عمليات تخريب قبل الغزو)، ذلك لأن قيام طائرتين من طراز “شبح F117A” من دون غطاء جوي أو حماية فوق مدينة محصنة بدرجة كبيرة أمر خطر . ويضيف بوش واصفاً مخاوفه من أن تكون هذه المعلومات الاستخبارية مجرد فخ، وأن يقوم صدام بإرسال حافلة مملوءة بأطفال عراقيين أبرياء، بحيث يكون أول ما سينقل من مظاهر الحرب هي تصوير الأمريكان وهم يقتلون أطفالاً أبرياء، لذا فقد رأى بوش أن يتم الاستمرار في الخطة الأساسية، بدلاً من قتل صدام وانهاء الحرب بذلك قبل أن تبدأ . وأن يتم انقاذ أرواح لدرجة أنه سأل رئيس أركانه الجنرال مايرز حول الأمر فأبلغه أن الطائرتين الشبح على استعداد وعليهما صواريخ ال “توماهوك” مبرمجة وجاهزة للإطلاق، ويقول بوش: استدرت نحو الجالسين من حولي وقلت لهم “لنبدأ، وفور انتهاء مهلة ال 48 ساعة المقدمة لصدام للخروج بدأ القصف، وفي اليوم الثاني جاءت كوندي (كوندوليزا رايس) وأبلغته بالعثور على شبيه لصدام حسين بين الأنقاض، وبمرور الأيام تغير الأمور، وبدأت تصل معلومات تدلل على خطأ التقديرات الاستخبارية (نلاحظ هنا مرة أخرى محاولة إلقاء بوش اللوم على الاستخبارات)، ثم نجده يعرج على مبرر آخر مدللاً بقيام “رئيس عربي بإبلاغ توني فرانكس أن العراق لديه أسلحة بيولوجية وانه من المؤكد أنه سيستخدمها ضد قواتنا” .

 

ويقول بوش “ان هذا الرئيس كان يرفض قول هذا الكلام في العلن خشية تهيج الشارع العربي، لكن المعلومات الاستخباراية من هذا الزعيم مهمة لأنه كان يعرف صدام جيداً”، ويؤكد بوش “ان تلك المعلومة كان لها تأثير في تفكيره لأنها تؤكد انه طالما كانت هناك مخاطر تتعلق بالعمل العسكري فإن هناك مخاوف من مخاطر من عدم القيام بهذا العمل العسكري مع وجود صدام المسلح بسلاح بيولوجي يمثل تهديداً لنا جميعاً” .

 

ويسرد بوش كيف جلس للاستماع إلى الآراء من مصادر مختلفة، منها أكاديميون وعراقيون في المنفى وآخرون خارج الإدارة، إلا أن أحد الذين انبهر بآرائهم كان ايلاي وايزل (74 عاماً) أحد الناجين من الهولوكست الحاصل  على جائزة نوبل للسلام، والذي تأثر بنصيحته حين نظر إلى عينيه ولمح تأثره وهو ينصحه مقارناً بين وحشية صدام ووحشية الإبادة النازية قائلا “السيد الرئيس عليك واجب أخلاقي بأن تتحرك ضد الشر” . هذه الجملة أثرت في جورج بوش بعمق  حسب وصفه  وهو الرأي إياه الذي شرحه لاحقاً إيلاي وايزل في مقال ذكر فيه أنه مع معارضته للحرب، إلا “أنني مع التدخل في حالة صدام حسين من دون تردد أو تأجيل، لا يوجد خيار آخر” .

 

ويعلق بوش على كلامه فيقول “أنا دائماً أتساءل لماذا ان كثيرين من منتقدي الحرب لم يفهموا نقطة النقاش الأخلاقي تلك التي طرحها أناس مثل وايزل”؟

 

واستمر بوش مدافعاً عن قرار الحرب على العراق ليقول “انه بعد الطلقة الأولى نحو مزارع الدورة فإن نشاطاً عسكرياً أمريكياً كبيراً بدأ عند حدود العراق مع الكويت بانطلاق الجيش والمارينز نحو بغداد، فيما كانت قواتنا الجوية تقوم بقصف العاصمة، وفي أول موجة هجوم أطلقت أكثر من 300 صاروخ من طراز “كروز” أطلقناها بالتوازي مع موجة من قاذفات الشبح، وهذا قضى على أكثر مراكز القيادة العسكرية لصدام، وعلى خلاف القصف Fire Bombing يقصد القذف الشديد في قلب منطقة، فإن الخراب طال مربع هذه المنطقة، كما حصل من قبل وتم محو مدينة دردسن الألمانية، أو استخدام النابالم في فيتنام أو الضربة النووية في هيروشيما ونغازاكي والكلام مازال لبوش “فإن هجومنا ترك الكثير من القتلى والدمار في البنية التحتية” .

 

ونجد بوش يصنف بكل “فخر وعظمة” هذه الغارة بأنها “كانت واحدة من أوسع الغارات إن لم تكن أفضلها دقة في التاريخ” .

 

 

بعناية شديدة وملحوظة كان ظهور الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن على مختلف وسائل الإعلام الأمريكية في لقاءات استهدفت الترويج لكتابه “نقاط حاسمة”، الذي صدر مؤخراً ليحكي فيه عن منعطف حاسم في حياته خلال توليه منصب الرئاسة للقوة الأكبر في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية)، هذه العناية في اختيار برامج وصحافيين بعينهم غير معروف عنهم انتقادهم لإدارة بوش، عكست حقيقة واضحة حاول بوش في كتابه تثبيتها في الأذهان ولدى الرأي العام الأمريكي تحديداً،

 

وهي الدفاع عن النفس، وتقديم المبررات كافة اللازمة لتنقية صورته “كرئيس”، حملتها صفحات هذا الكتاب التي بلغت 528 صفحة، تضمنت كمّاً من التناقضات الصارخة التي لا ينافسها في مضمون هذه السيرة سوى السطحية المباشرة والتبسيط المبالغ فيه، وهو ما يؤكد أنه بالفعل صاحب هذه السطور مقارنة بشخصيته وعدم ولعه بالقراءة، إذ من غير المعروف عنه العمق أو الذكاء المفرط، لدرجة قول أحد المعلقين الكبار عندما سألوه عما إذا كان قرأ كتاب بوش، إنه سيقرأه عندما يقرأ بوش نفسه كتابه .

 

في مقطع آخر من كتابه، نجد أن بوش يتحدث عن وصول القوات الأمريكية إلى مشارف بغداد، وكيف أنها تعرضت لعواصف رملية وحرارة شديدة مع اضطرارها لارتداء ثياب خاصة ثقيلة لحمايتها من أي هجوم كيمياوي أو بيولوجي، وكيف واجهت هذه القوات مقاومة شديدة من قبل قوات صدام حسين “الذين كانوا يهاجمون القوات الأمريكية التي كان جنودها يوزعون الحلوى والأدوية على الأطفال ويخاطرون بحياتهم لحماية المدنيين العراقيين”!!، وكيف كانت قوات صدام تقوم بمهاجمة القوات الأمريكية وهي ترتدي ملابس مدنية وتقود عربات مدنية . (مرة أخرى نجد بوش يحاول تبرير الحرب في محاولة تصوير المدنيين العراقيين الذين دهستهم وأبادتهم آلة الحرب الأمريكية على أنهم من فلول قوات صدام وليسوا مقاومةو وذلك في مفارقة مع ما تقوله الوقائع بالفعل وهو أن عدد العراقيين الذين قتلوا في حرب بوش على العراق يفوق كثيراً بأضعاف من قتلهم هولاكو منذ قرون طويلة من العراقيين) .

 

عدي وقصي

 

ويستمر بوش في تبريره لحربه فيقول إنه لا يوجد شيء منحه الثقة أكثر من القوات الأمريكية التي وجه لها الشكر على فضلها، وحين تم اعتقال أغلبية قيادة نظام صدام حسين أو جرى قتلها بحلول نهاية عام ،2003 نجده يتحدث عن كيفية علمه في يوليو/ تموز 2003 بإخبارية تؤكد وجود ولدي صدام (عدي وقصي) في منطقة بالموصل، وكيف قامت القوات بمشاركة من القوات الخاصة تحت قيادة الجنرال ديفيد بترايوس، أحد القلائل الذين نعتهم بوش بلقبه كاملاً، حيث لوحظ تقريباً في كل الكتاب أنه لا يذكر المسؤولين في إدارته إلا باسمهم الأول ومن دون ألقاب، يكمل بوش “هؤلاء حاصروا المبنى وقتلوا عدي وقصي بعد 6 ساعات من الحصار وضرب الناس، كان قصي وعدي ميتين، وبعدها وصلتنا معلومات استخباراتية تتحدث عن قيام صدام حسين بإصدار أوامر بقتل باربارا وجينا، أي ابنتي جورج بوش، وذلك رداً على مقتل ولديه، (يلاحظ هنا أيضاً ملامح تبرير أخرى فلا يعقل أن يصدق أحد هذه المعلومات حتى لو كانت أطلقت في وقت كان صدام فيه مختفياً بعيداً عن الأنظار، وحتى لو كانت صحيحة فكيف يمكن تصور تنفيذ مثل هذا الكلام)، وفيما بدا كأنه محاولة تصوير أو تبرير الحرب، ولاحقاً قتل صدام الذي سبق أن حاول “قتل والدي”، كما نقل بعد ذلك هذا القول عن بوش نفسه . ثم يستمر بوش في إلقاء اللوم على الاستخبارات فيتحدث عن اللحظة المهمة في حياته، وهي تلك التي علم فيها بأنه لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل بالعراق، وهي المشاعر ذاتها التي مازالت لديه للآن حيث مازال يتساءل في كل مرة يفكر فيها في الأمر، كيف لم يعثروا على أسلحة دمار بالعراق!! ثم يعاود بعد إلقاء لوم غير مباشر هذه المرة على معلومات الاستخبارات ليحكي كيف رفض العفو عن سكوت ليبي كبير مساعدي ديك تشيني، الذي ثبت تورطه في قضية عميلة الاستخبارات فاليري بليم عندما أفشى طبيعة عملها نتيجة قيام زوجها الدبلوماسي الأمريكي بكتابة تقرير أكد فيه عدم صحة المعلومات حول محاولة صدام حسين الحصول على اليورانيوم من النيجر، وذلك بعد بحث استقصائي منه في اطار مهمة كلف بها، وكيف أن ديك تشيني غضب، وقال له ساعتها “كيف ستترك أحد جنودك على أرض المعركة”، “ونجد هنا أيضاً محاولة من بوش التأكيد على انه الزعيم الذي يقرر بنفسه السياسات ويصدر الأوامر” . الغريب ان منتقدي بوش وتشيني ذكرا عقب نشر هذا الكتاب أن كليهما لم يخدم في حرب حقيقية، واستعار بعضهم ما تردد عن تشيني وهو عسكري بالأساس وكيف تهرب بشكل غير مباشر من المشاركة في حرب فيتنام، فقام بطلب استكمال دراسات عليا وظل يجدد حتى انتهاء حرب فيتنام، وكذلك بوش الذي أسهم نفوذ والده الطيار العسكري في حصوله على مكان مريح وغير خطر لأداء الخدمة العسكرية .

 

وتجد بوش مع ذلك في حديثه حول عدم وجود أسلحة الدمار الشامل تأكيده على أن ازاحة صدام حسين كانت القرار الصحيح .

 

وفي كتابه الانتقائي في مراجعة الحوادث والأحداث التي هزت العالم على مدى سنوات، حكمه نجده يتفادى المواضيع الشائكة والجادة التي فيها إساءة استعمال الاستخبارات، ونجده ضمن نفس التوجه يرفض نصائح العسكريين ووزارة الخارجية، ويتحدث عن “سياسة التصعيد” بفخر كأنها احد إنجازاته الكبرى، ويحكي كيف أنه عين الجنرالين اوديرنو وبترايوس للسيطرة على الوضع في العراق بعد 3 سنوات من الغزو لينفذا خطة التصعيد، ويقارن قيامه بذلك بما فعله الرئيس التاريخي إبراهام لينكولن، وهو أيضاً كان رئيساً “أثناء الحرب الأهلية” حين اختار كلاً من القائد جرانت (أصبح رئيساً أمريكياً في ما بعد) والقائد مشيرماز (وهذا الأخير كان معروفاً بدمويته . وبتدميره) .

 

ويقول بوش “انتظرت أكثر من 3 سنوات لأحصل على استراتيجية ناجحة”، ويشير إلى أن دونالد رامسفيلد كان ضد التصعيد وكذلك الجنرالان كيسي وأبو زيد، إلا أنه أصّر على رأيه .

 

أبو غريب . . مفاجأة

 

وفي ذكاء نادر، نجد شيئاً يحسب له حيث لم يحاول بوش في الكتاب أن ينتقد أياً من خصومه .

 

أما بالنسبة لوقائع وصور التعذيب المخجلة في أبو غريب نجد بوش يعود ليؤكد أنه فوجئ بها، وأن رامسفيلد كان قد أبلغه بأن هناك تقارير حول تحقيقات عن وجود إساءة للمعتقلين في أبو غريب، وأنه، أي بوش، لم يعرف أنها منفرة إلا عندما شاهد لأول مرة الصور التي عرضها برنامج ستين دقيقة .

 

أيضاً لم يغفل بوش حادثة ضربه بالحذاء من قبل صحفي عراقي، بل وحرص على نشر صورته وهو يحاول تفادي الضربة، ووصف الواقعة بأنه شعر بها كأنها مشهد بطئ (SLow motion) وقال “الرجل – يقصد الصحفي العراقي – كانت لديه ذراع قوية جداً فرمى الفردة الأولى، ثم الثانية فخفضت رأسي وتفاديت الحذاء “بصعوبة”، وكان بودي الإمساك بها، أي فردة الحذاء وهي تقذف باتجاهي، وحدثت فوضى في القاعة، الكل كان يصيح ورجال الأمن كانوا يجرون في كل اتجاه، والفكرة التي سيطرت في تلك اللحظة، هي ما حدث يوم ابلغوني بأحداث سبتمبر/أيلول (كان يزور مدرسة أطفال) عرفت ساعتها أن ردة فعلي ستذاع حول العالم، فأشرت إلى دون هوايت رئيس الأمن الخاص بي إلى أنني لم أكن أريد أن يتم تصويري وهم يقومون بسحبي والجري خارج القاعة، ونظرت للمالكي الذي كانت آثار ما حدث على وجهه، والصحفيين العراقيين كانوا يشعرون بالإهانة وغاضبين، أحدهم كان يهز رأسه بأسف ويعتذر رفعت يدي وطلبت منهم أن يهدأوا” .

 

وأضاف بوش حول الواقعة جملة أراد أن يمزح بها فقال مخاطباً قراء كتابه “إذا كنتم تريدون الحقيقة فالحذاء كان مقاس 15 . . وكان أملي أن أهمش هذه اللحظة وأمنع قاذف الحذاء من تحقيق هدفه لإفساد المناسبة عليّ، وبعدها ذهبت أنا والمالكي للعشاء وكان مهزوزاً إزاء ما حدث وأخذ يعتذر بشدة وأنا أخذته جانباً ومعنا المترجم الخاص بي وطلبت منه أن يتوقف عن القلق ويسترد رباطه جأشه .

 

وعلى العشاء فضل التحدث معي وقال كلاماً مفعماً بالعاطفة على نخب العشاء، حيث أكد أن قاذف الحذاء لم يكن يمثل الشعب العراقي، وأن العراقيين شاكرين لأمريكا فضلها على العراق، وكيف قدمت أمريكا للعراق فرصتين لأن يصبحوا أحراراً الأولى بتحريرهم من صدام حسين والأخرى في مساعدتهم على تحرير أنفسهم من العنف الطائفي ومن الارهابيين” . ووصف بوش ما حدث تحديداً في هذه الواقعة بأنها كانت “إحدى التجارب غير العادية التي مرت عليه” .

 

واستمر بوش في معظم سرده عن غزو العراق في أسلوب الانتقائية والدفاع، ليصور أنه ما كان ليحدث أفضل مما كان، وكيف كان يحرص على استشارة الخبراء وكبار الموظفين، مع انه وبشهادة كثير ممن عملوا في ادارته ومنهم ريتشارد هاس وكان يشغل منصب مدير تخطيط السياسات في الخارجية الأمريكية وحالياً يترأس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، الذي أكد أنه لم يتم إجراء تقييم قط لمكاسب وخسائر تلك الحرب بالعراق .

 

قرار القذافي

 

إلا أن بوش المجادل في صحة كل قراراته وقدراته لدرجة الهوس أراد ومن معرض دفاعه عن نفسه تأكيد صحة قرار الحرب فقال: “كما كنا نأمل في أن تحرير العراق سيكون له وقعه، فإنه وبعد ستة أيام من القبض على صدام حسين فإن العقيد معمر القذافي خصم أمريكا لزمن طويل والدولة الراعية “للإرهاب” اعترف علانية بأنه كان يطور أسلحة كيمياوية ونووية وتعهد بأنه سيقوم بتفكيكها وإزالة برامجها وذلك تحت اشراف دولي ملزم .

 

وأضاف بوش كأنه يتباهى بالغزو بأنه من الجائز أن يكون توقيت اعلان القذافي هذا قد جاء مصادفة، و”لكنني لا أعتقد هذا” . وحاول بوش إظهار نفسه على أنه زعيم تقدمي وصلب الارادة، فحكى ما أظهر عكس ذلك تماماً بوقائع أظهرت سلبيته وافتقاده إلى فضول الزعماء الحقيقيين وحرصهم على طرح الاسئلة والتقصي عن الأمور، وأظهر لا مبالاة اتضحت في مواقف داخلية وخارجية على السواء، فمثلاً نجده أقر بأنه كان يريد تغيير وزير دفاعه دونالد رامسفيلد بعد انتهاء فترة رئاسته الأولى إلا أنه أبقاه في منصبه لأنه لم يجد له بديلاً (!!) ثم عاد ليضيف أن الهجوم والانتقادات التي شنتها مجموعة من الجنرالات المتقاعدين على رامسفيلد في العام ،2006 كانت سبباً للتمديد لرامسفيلد وقال بوش: “كان لا يمكن أن اسمح لمجموعة من المتقاعدين بأن يزيحوا وزير الدفاع . . كان شكلها سيصبح كالانقلاب العسكري وهو منظر سيئ لشكل أمريكا” . باختصار كانت حرب العراق بالنسبة لبوش مدعاة للفخر وميدالية على صدره كقائد لأمريكا .

 

غوانتانامو

 

بقي أن نقول أن بوش الابن في كتابه قفز فوق حقائق كثيرة متعلقة بمبررات الغزو، لعل أبرزها محاولاته هو وادارته ولفترة في الربط بين صدام حسين وتنظيم “القاعدة”، وما يؤكد انتقائية ما جاء في كتابه حول غوانتانامو، فحكى كيف جاء قرار فتح معتقل هناك لوضع المتهمين بالارهاب بعد أن أصبح صعباً الاحتفاظ بهؤلاء المعتقلين لوقت أطول، حيث تم وضعهم في سفن تابعة للاسطول الأمريكي في بحر العرب، لذا فكروا أولاً في نقلهم إلى جزيرة جوام بالمحيط الهادئ لكن بسبب أن جوام أرض أمريكية تم في النهاية اختيار عوانتانامو لأنها قانونياً ليست أرضاً أمريكية لأنه لو تم نقلهم إلى أراض أمريكية لأصبح لهؤلاء الارهابيين حقوقاً دستورية وحماية . الغريب انه قال إنه فكر في بداية فترة رئاسته الثانية في اغلاق غوانتانامو بطريقة مسؤولة ومع ذلك عاد ليكرر “اعتقد أنه كان من الضروري افتتاح ذلك المعتقل”، (منتهى التناقض)، وعاد مرة أخرى ليدافع عن نفسه في ما يتعلق بتعذيب معتقلي غوانتانامو وغيرهم فعادت رنة التباهي وعظمة قراراته ليشرح كيف أن أبو زبيدة شرح للمحققين انه عاد ليجيب عن اسئلتهم أي يتجاوب معهم بسبب معتقده وفهمه الإسلامي الذي يلزمه “أي أبو زبيدة” بمقاومة استجوابه حتى حد معين، بمعنى أن الرئيس الأمريكي يشرح فوائد التعذيب التي أوصلت أبو زبيدة إلى مدى معين كان “التعذيب بالإغراق” هو الحد الذي أوصله إلى الدرجة التي يعترف بعدها أو يدلي بالمطلوب منه (!!) . واستمر بوش يتباهى وهو يتحدث عن حكمه الذي أتى بالحرية إلى كثيرين، وقال إنه بعد انتخابات 2004 الرئاسية قرأ كتاب ناثان شرانسكي الوزير “الإسرائيلي” الأسبق حول قضية الديمقراطية، وأنه أي بوش، بعدما قرأ الكتاب فكر في مسؤولية الولايات المتحدة لوضع ضغط على الطغاة المستبدين حول العالم، ورأى أنه لابد أن يكون هذا الأمر محوراً مركزياً لسياستنا الخارجية وهذا كان “من أهم قراراتي كرئيس” حسب قوله، ليضيف بعدها كيف أن مد التحرر العظيم الذي سرى خلال القرن تفادى منطقة واحدة هي الشرق الأوسط، ثم قفز بوش ليتحدث عن إمكانية الدمقرطة، فقال إن هذا الكلام كان سراباً في إمكانية تنفيذ هذه البلاد للدمقرطة، وأنهم “أي تلك الدول لن تنجز شيئاً من تلقاء نفسها” لذا فالحل في رأيه هو أن تكون بؤرة أجندة الحرية “تلك هي الشرق الأوسط” . ونسي بوش هنا أن يذكر ان ناثان شرانسكي كان وراء الايحاء لبوش بحل الدولتين، وهو ذات الحل الذي يتم تلخيصه وشطب ما يمكن أن يكون إيجابياً فيه في مطبخ مكتب وزير الدفاع على يد باحث هناك كان يعمل تحت إمرة بول وولفويتز وهو ديفيد شنكر وهو يعمل حالياً في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط التابع لمنظمة “ايباك” .

 

ويذكر هنا أيضاً أن وولفويتز كان أول من اقترح ضرب العراق وأفغانستان معاً في أول اجتماع للنظر في الرد على هجمات 9/11 .

 

هذا الوزير “الإسرائيلي” شرانسكي الروسي الأصل والذي انبهر به بوش هو مخترع نظرية القضاء على الطغيان لهدف واحد ووحيد وهو ادخال الفلسطينيين في دوامة لا تنتهي تكسب بها “إسرائيل” وقتاً تتمكن فيه من تأمين الهاجس الديموغرافي عبر طرد غير اليهود من فلسطين ،1948 وذلك عبر إجبار العالم على الاعتراف ب”إسرائيل” كدولة يهودية .

 

حرب لبنان أثلجت صدره

 

وكما هو معروف فإن بوش كان من أحرص الرؤساء الأمريكيين على علاقة حميمة مع “إسرائيل”، فنجده يفرد جانباً كبيراً لوقائع بعينها لاسيما الحرب “الإسرائيلية” على لبنان، بدا فيها كأنه في ما يتعلق بمصالح “إسرائيل” ملكياً أكثر من الملك، فحكى كيف علم باشتعال الحرب قائلاً: “بينما كنا في طريقنا إلى ألمانيا لحضور اجتماعات قمة G8 أبلغت بأن “ارهابيي” حزب الله في جنوب لبنان شنوا غارة ضد “الإسرائيليين” وخطفوا جنديين واشعلوا ازمة أخرى في السياسة الخارجية، وردت “إسرائيل” بالهجوم على أهداف حزب الله في جنوب لبنان كما قصفت الطائرات الرابضة في مطار بيروت وهو نقطة عبور وترانزيت لأسلحة حزب الله، والأخير رد بصواريخ اطلقها على المدن “الإسرائيلية” فقتل وأصاب المئات من المدنيين (لاحظوا الصياغة والمعلومات الخاطئة)، ويكمل بوش “ومثل حماس حزب الله الذي كان لديه حزب شرعي سياسي وجناح ارهابي مسلح يتم تمويله من إيران وتؤيده سوريا”، ويكمل بوش في استطراد لمعلومات تبدو مألوفة للمتابع لأنها نفس ما يردده اللوبي “الإسرائيلي” في الولايات المتحدة فيقول “حزب الله كان خلف تفجير معسكر المارينز الأمريكي في لبنان عام ،1983 كما قتل غواصاً أمريكياً من البحرية الأمريكية كان على متن رحلة TWA في العام ،1985 وقام بهجمات على سفارة “إسرائيل” ومركز يهودي في الأرجنتين خلال عامي 92 و،94 وادعى أنه كان وراء تفجيرات أبراج الخبر في السعودية العام 1996 (!) .

 

واستطرد بوش في وصفه لحزب الله متحدثاً عن كيفية مواجهة حزب الله ل “إسرائيل”، وحيث كانت ردة الفعل لدى الزعماء الحاضرين لقمة ال G8 في المانيا هي اعتبار حزب الله قد بدأ الصراع، وأن ل “إسرائيل” الحق في الدفاع عن نفسها، لدرجة قيام الزعماء بالقمة بإصدار بيان مشترك حول العناصر المتطرفة وهؤلاء الذين يؤيدونهم والذين لا يمكن السماح لهم بإلقاء الشرق الأوسط في الفوضى أو القيام بالاستفزاز والتحريض على صراع أوسع .

 

ويمضي بوش في تأكيد ملكيته الأكثر حماساً من الملك متحدثاً عن إهدار “إسرائيل” لفرص اقتلاع حزب الله فيقول “إن “إسرائيل” كانت لديها فرصة توجيه ضربة كبيرة ضد حزب الله ومؤيديه ورعاته في كل سوريا وإيران، وللأسف اهدرت “إسرائيل” هذه الفرصة (!!) فاستهدف القصف “الإسرائيلي” أهدافاً مشكوك في قيمتها العسكرية بما فيها أهداف في شمال لبنان بعيداً جداً عن قواعد حزب الله، فانتشرت مظاهر التدمير على شبكات التلفزة حتى يراها الجميع . ولتعقيد الأمور أعلن أولمرت رئيس الوزراء “الإسرائيلي” أن سوريا لن تكون هدفاً (!) .

 

وقال بوش وهو يأسف على ضياع الفرصة وأكمل “اعتقد أن ذلك كان خطأ، لقد ازاح سوريا من على الخطاف فشجعهم على الاستمرار في مساعدة حزب الله مع استمرار العنف للأسبوع الثاني، فدعا الكثير من زعماء ال G8 الذين كانوا يؤيدون “إسرائيل” إلى وقف اطلاق النار، وأنا لم اشاركهم (!)، وذلك أن وقف اطلاق النار سيكون مؤثراً في المدى القصير، ولن يحل جذر الصراع إذ سيستمر حزب الله المسلح جيداً في تهديد “إسرائيل” من الجنوب اللبناني، وسيكون السؤال عن الفترة التي سيستغرقها للاستعداد للقتال مجدداً، واردت أن اشتري وقتاً ل “إسرائيل” لإضعاف قوات حزب الله وايضاً لإرسال رسالة لإيران ولسوريا وهو أننا لن نسمح لهم باستخدام منظمات “إرهابية” كجيوش بديلة لمهاجمة “ديمقراطيات” من دون أن يدفعا الثمن، وللأسف فإن “إسرائيل” جعلت الأمور أكثر سوءاً في الأسبوع الثالث من الصراع حين دمرت القاذفات “الإسرائيلية” مبنى سكنياً في بلدة قانا (!) يضم 28 مدنياً أكثر من نصفهم كانوا أطفالاً، وكان فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان انذاك في منتهى الغضب وكذلك الزعماء العرب الذين ادانوا القصف بشراسة، وانشغلت التلفزة في الشرق الأوسط على مدى 24 ساعة بهذا الموضوع، وأنا بدأت اقلق من أن يؤدي هذا الهجوم “الإسرائيلي” إلى اسقاط رئيس الوزراء السنيورة وحكومته الديمقراطية، وقد دعوت لاجتماع مجلس الأمن القومي لمناقشة استراتيجيتنا وكانت اجواء عدم الاتفاق حولها من قبل أعضاء المجلس محتدمة، وقال ديك “تشيني” “نحن نحتاج إلى أن نترك “الإسرائيليين” كي يقضوا على حزب الله”، وردت كوندي “رايس” “إذا فعلت هذا فستكون الولايات المتحدة ميته في الشرق الأوسط”، واقترحت القيام بتقديم مشروع قرار إلى الأمم المتحدة يدعو لوقف اطلاق الناس وارسال قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات .

 

 

بعناية شديدة وملحوظة كان ظهور الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن على مختلف وسائل الإعلام الأمريكية في لقاءات استهدفت الترويج لكتابه “نقاط حاسمة”، الذي صدر مؤخراً ليحكي فيه عن منعطف حاسم في حياته خلال توليه منصب الرئاسة للقوة الأكبر في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية)، هذه العناية في اختيار برامج وصحافيين بعينهم غير معروف عنهم انتقادهم لإدارة بوش، عكست حقيقة واضحة حاول بوش في كتابه تثبيتها في الأذهان ولدى الرأي العام الأمريكي تحديداً، وهي الدفاع عن النفس، وتقديم المبررات كافة اللازمة لتنقية صورته “كرئيس”، حملتها صفحات هذا الكتاب التي بلغت 528 صفحة، تضمنت كمّاً من التناقضات الصارخة التي لا ينافسها في مضمون هذه السيرة سوى السطحية المباشرة والتبسيط المبالغ فيه، وهو ما يؤكد أنه بالفعل صاحب هذه السطور مقارنة بشخصيته وعدم ولعه بالقراءة، إذ من غير المعروف عنه العمق أو الذكاء المفرط، لدرجة قول أحد المعلقين الكبار عندما سألوه عما إذا كان قرأ كتاب بوش، إنه سيقرأه عندما يقرأ بوش نفسه كتابه .

 

حتى الخيار الذي اقترحته كوندوليزا رايس الذي يحمل في مضمونه اكتساب مزيد من الوقت ل “إسرائيل” لم يعجب بوش الذي أراد أن يرى حزب الله ومقاتليه اصيبوا بأضرار جسيمة على المدى البعيد، وهو في رأيه مدى يسمح باستراتيجية تتيح عزل إيران وسوريا وتشجيع قيام قلاقل داخلية في هذين البلدين . ويستمر بوش في استعراض رؤيته التي تشخص للمدى البعيد حيث الوصول إلى هدف عزل إيران وسوريا . وفي تناقض اعتاد المرء عليه في قراءة هذا الكتاب فإن بوش بقراره استخدام “الفيتو” تلو الآخر ضد مشاريع قرارات مجلس الأمن الدولي وضع أمريكا نفسها في عزلة، بدلاً من عزل سوريا وإيران، لذا قام بإرسال وزيرة خارجيته إلى الأمم المتحدة للتفاوض على مشروع القرار 1701 والذي دعا إلى وقف فوري “للعنف ونزع سلاح حزب الله والميلشيات الأخرى في لبنان، ومحاصرة ومنع وصول شحنات أسلحة إليها وأن يتم ارسال مجموعة من القوات الدولية إلى جنوب لبنان .

 

واستطرد بوش بأن كلاً من حكومة لبنان وحزب الله قبل بالقرار، وذلك قبل أن يضيف بحزن واضح المعاني “أن حرب “إسرائيل” ضد حزب الله في لبنان كانت لحظة فارقة في الصراع الايديولوجي (انظروا من يتحدث عن الايديولوجيات!) وبينما يظل بنان هشاً في مواجهة ضغوط من سوريا فإن الديمقراطية الشابة خرجت من تلك الحرب أقوى لأنها استطاعت تحمل الاختبار، ويستمر بوش في تنظيره للحرب “الإسرائيلية” على لبنان شارحاً كيف اضعفت الحملة “الإسرائيلية” على لبنان حزب الله وساعدت “إسرائيل” في الوقت ذاته على تأمين حدودها الشمالية، وذلك قبل أن يعاود انتقاداته لرئيس الوزراء “الإسرائيلي” أولمرت ولأداء الجيش “الإسرائيلي” المهزوز الذي اضاع مصداقية “إسرائيل” الدولية .

 

وحمل بوش المسؤولين عن بدء الصراع في هذه الحرب وتحديداً حزب الله وسوريا المسؤولية عن سفك الدماء (!!) ويضيف “لقد أدرك الشعب اللبناني ذلك، واستدل على هذا باعتذار رئيس حزب الله حسن نصر الله للشعب اللبناني بعد أسبوعين من وقف إطلاق النار بقوله “إذا كنا نعرف أن خطف الجنود “الإسرائيليين” سيؤدي إلى هذا ما كنا فعلناها” .

 

وفي قسم آخر من كتاب بوش وتناول فيه لبنان أيضاً، نراه يعترف بعدم اتفاقه قط مع الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الذي كان – في رأي بوش – يعارض ازاحة صدام حسين، ويصف عرفات بأنه “رجل شجاع”، كما يعتبر أوكرانيا جزءاً من روسيا، وبالتالي فقد اندهش بوش كثيراً لدى لقائه شيراك في باريس في أوائل العام 2004 عندما فتح الرئيس الفرنسي موضوع الديمقراطية في الشرق الأوسط وحينها  شعر بوش بأن عليه أن يستعد لمحاضرة أخرى – من تلك المعتاد عليها من شيراك – ولكنه ولدهشته وجد شيراك يكمل قائلاً: “في هذه المنطقة لا توجد إلا ديمقراطية واحدة قوية وهي  “إسرائيل”، وأخرى هشة وهي لبنان” .

 

ويعود بوش للتأكيد غير المباشر على “إنجازه المهم” بغزو العراق زاعماً أنه لم يرغب حينها في تذكير شيراك بأنه نسي الديمقراطية الجديدة (الوليدة) بالعراق!

 

إلا أنه استمر في الاستماع إلى شيراك الذي بدوره قام بوصف معاناة لبنان تحت وطأة الاحتلال السوري، وحيث كان في لبنان عشرات الآلاف من الجنود السوريين الذين كانوا “يشفطون” أموال الاقتصاد اللبناني ويحاولون خنق محاولات توسيع الديمقراطية في لبنان، واقتراح شيراك عليه العمل سويا لمنع سوريا من الاستمرار في السيطرة على لبنان .

 

واستطرد بوش قائلاً: “فوراً وافقت، وقررنا سويا أن نبحث عن فرصة لتقديم مشروع قرار إلى الأمم المتحدة، وفي اغسطس/آب من العام 2004 فتح الرئيس اللبناني أميل لحود لنا الطريق حين أعلن أنه سيمدد فترة رئاسته في خرق للدستور اللبناني، فقدمت شيراك وأنا مشروع القرار 1559 لمجلس الأمن الدولي واحتجاجاً على قرار لحود وأصررنا على أن تسحب سوريا قواتها من لبنان، وتم اصدار القرار في الثاني من سبتمبر/أيلول 2003 وخلال ستة أشهر كان رد الفعل السوري هو الرفض والتحدي .

 

وفي 14 فبراير/شباط 2005 عندما أنفجرت قنبلة كبيرة في موكب رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وهو من مشجعي الاستقلال “اللبناني” كانت كل الأدلة تشير إلى أنها مؤامرة سورية، فقمنا بسحب سفرائنا من دمشق وأيدنا إجراء تحقيق بواسطة الأمم المتحدة، وبعد اغتيال الحريري بأسبوع اجتمعت مع شيراك على عشاء عمل في بروكسل وأصدرنا تصريحاً مشتركاً قلنا فيه أنه كان عملاً ارهابياً، مؤكدين دعمنا للبنان السيد المستقل والديمقراطي، وقمنا، شيراك وأنا، بتشجيع الدول العربية على الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد ليقبل بقرار الأمم المتحدة، وبعد مرور شهر على حادث اغتيال الحريري خرج حوالي مليون لبناني وهم ربع عدد السكان للتظاهر في ساحة الشهداء في بيروت احتجاجاً على الاحتلال السوري، وبدأ الحديث عن ثورة الأرز وهو اسم الشجرة التي تتوسط علم لبنان، ووصلت الرسالة إلى سوريا التي بدأت تحت ضغط المجتمع الدولي والشعب اللبناني في سحب قواتها من لبنان وذلك في أواخر مارس/آذار، وبنهاية إبريل/نيسان كانوا قد عادوا إلى سوريا .

 

وفي مقطع آخر نجد بوش يتحدث عن فؤاد السنيورة وثيق الصلة بالرئيس الحريري والذي أصبح رئيساً لوزراء لبنان بعد فوز قوى 14 مارس بأغلبية المقاعد في البرلمان، وهو ما اعتبره بوش “أحد النجاحات المهمة على أجندته للحرية وحيث طبقت في بلد متعدد الديانات بأغلبية مسلمة وتمت بضغط دبلوماسي قوي من جانب العالم الحر ومن دون أي تدخل عسكري أمريكي (!!) وحيث أراد اللبنانيون أن يكونوا أحراراً (!) .

 

واستشهد أيضاً بوش في هذا الأمر بموقف وليد جنبلاط (لم يكن ساعتها قد غير أراءه) ثم عاود بوش مجدداً ليدخل “إسرائيل” في الموضوع ليؤكد مرة أخرى بأن سوريا وحزب الله يتحملان مسؤولية سفك الدماء عندما قامت “إسرائيل” بتوجيه ضربتها الأخيرة(!!) .

 

أنثى الديك الرومي

 

وفي جزء آخر من كتابه نجد حديث بوش عن بعض من الملوك والرؤساء تعكس أداء مرتبطاً إلى حد كبير بتقييم الدكتور جوستين وتحليله لشخصية بوش كما أسلفنا في بداية هذه الدراسة، واتوقف هنا عند روايته عن لقائه الأول بولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، يقول بوش، إنه عندما زاره الأمير عبدالله في مزرعته في “كراوفورد” كانت خطط السلام في الشرق الأوسط على الرف، وكان الأمير عبدالله في منتهى الغضب من تصرفات شارون “ويقصد هنا محاصرته للرئيس الراحل ياسر عرفات في رام الله” وساعتها شعر بوش بأن الأمير عبدالله لديه مشاعر احباط تجاهه – أي تجاه بوش – ووصف بوش الأمير عبدالله بالرجل المتواضع لدرجة الخجل واللطيف المعشر ولا يشرب الكحول ويصلي خمس مرات في اليوم، وفي خلال فترتي رئاسته لم يشهده بوش قط من دون الزي السعودي التقليدي” . ويحكي بوش واقعة لقائه الأول وكيف طلب الأمير عبدالله بعد مناقشة قصيرة مع بوش – كانت بالطبع حول ممارسات شارون – طلب ان ينفرد بلقاء مع وزير الخارجية السعودي وسفيره لدى واشنطن في اجتماع خاص، وبعدها بدقائق فوجئ بوش بمترجم الخارجية الأمريكية والاضطراب على وجهه يبلغه بأنه يعتقد أن السعوديين يستعدون لمغادرة المكان، ويكمل بوش “ساعتها كنت مندهشاً للغاية، لقد كان لدي شعور بأن كل شيء على ما يرام ولكن مترجم الخارجية الأمريكية أبلغني بأن السعوديين كانت لديهم توقعات أن يقنع شارون بالانسحاب من رام الله قبل وصول ولي العهد إلى الولايات المتحدة، وأنهم تصوروا أن بوش سيحادث شارون في الأمر فوراً – ويقول بوش: “لم تكن في نيتي أن أفعّل الدبلوماسية بهذا الشكل فأرسلت كولن باول إلى غرفة المعيشة ليستكشف الأمر، فعاد باول ليؤكد بأن ضيوفنا بالفعل كانوا، يتجهون نحو الباب لمغادرة المكان، فطلبت ان اتحدث بمفردي مع الأمير عبدالله، وكنت قد علمت شيئين عنه عبر بيان خلفيته، وهما متعلقان بإيمانه الشديد وتدينه كذلك حبه لمزرعته، فدخلت وقلت له ياسمو الأمير أود أن أناقش أمور الدين معك وجلست أتحدث عن المسيحية والدور الذي لعبه الدين في حياتي، وكنت آمل أن يتبادل الحديث معي ويرد بالتحدث عن دينه لكنه لم يود التحدث في هذا الأمر وكمحاولة أخيرة مني قلت له قبل أن تغادر هل يمكنني أن أدعوك لتفقد مزرعتي، فهز رأسه موافقاً، وركب معي “البيك آب” ومعنا مترجم الخارجية وطفنا بالمزرعة وشرحت له أنواع الأشجار الخشبية، والمرج الذي زرعته لورا زوجتي (النجيل) والأبقار التي ترعى في المكان .

 

وكان هو صامتاً، ولم أكن أحقق أية نتيجة، وفي نهاية المزرعة فوجئت بأنثى ديك رومي واقفة على الطريق ترفض المغادرة، وشرعت في التحدث عن الديك الرومي وكيف أن الرئيس الأمريكي الراحل بنيامين فرانكلين كان يحب بشدة هذا النوع من الطيور لدرجة أنه كان يريد أن يجعلها شعاراً رسمياً بدلاً من النسر الأمريكي، وفجأة شعرت بيد الأمير عبدالله تربت على يدي وقال يا أخي “هذه علامة من الله، علامة جيدة” ساعتها والكلام مازال لبوش “شعرت بأن التوتر بدأ يقل وعندما عدنا إلى المنزل كان مساعدونا مندهشين حيث كنا جاهزين للغداء، في اليوم التالي تلقيت مكالمة هاتفية من والدي حول زيارة الأمير عبدالله “الملك عبدالله بعد ذلك” والذي توقف لزيارته في هيوستن وقالت لي أمي إن عيون الملك كانت مغتبطة عندما جاء الحديث عن الوقت الذي قضاه في كراوفورد وتحدث عما يمكن أن نحققه سوياً، وبعد أن أصبح ملكاً كنا قريبين جداً جداً، ويضيف بوش في نهاية هذا الجزء جملة نضعها هنا بلا تعليق “يقول: لم أر قط انثى الديك الرومي في المزرعة من قبل، وبعد هذا اليوم لم أر أياً منها قط” وحتى الآن (!) .

 

أيضاً يأتي بوش على ذكر الملك عبدالله ولكن في جزء آخر مغاير للجزء الخاص بعلاقته مع السعودية، فنجده في نهاية حديثه عن عملية السلام، يذكر كيف قال له متسائلاً في العام ،2002 “متى سيغادر الخنزير رام الله”؟ وكان يقصد بالخنزير شارون الذي كان يحاصر الراحل عرفات الذي تعرض لانتقادات كثيرة من بوش الابن إلى درجة أنه أعلن صراحة بأن السلام لن يكون ممكناً طالما بقي عرفات في السلطة .

 

وفي مقطع مهم يتحدث بوش عن عملية السلام بالقول بأنه كان مقتنعاً وبدرجة كبيرة بأن دولة فلسطين ديمقراطية بقيادة فلسطينية جديدة هي الطريق للوصول إلى السلام الدائم، (أي أن الرئيس الأمريكي قرر أن يتخذ نيابة عن شعب بأكمله أي الفلسطينيين قراراً بتغيير الرئيس . . هل كان يجرؤ على أن يفعل بالمثل مع “الإسرائيليين”!!) وواصل بوش كلامه مردداً ما كان اللوبي “الإسرائيلي” يردده في ذلك الوقت فقال: “قلت في خطاب 2 يونيو/حزيران 2002 أنه لا توجد طريقة توصل إلى هذا السلام إلا إذا حاربت كل الأطراف الإرهاب، ووجهت الدعوة للشعب الفلسطيني كي ينتخب قيادات جديدة غير ضالعة بالإرهاب وبناء دولة فلسطينية قائمة على القبول بالآخر والحرية، وخرجت “النيويورك تايمز” بمقال رأي تطالب بطرد عرفات، وبعد خطابي هاتفتني أمي وسألتني عما اشعر به كأول رئيس يهودي (!)، استشعرت إنها لا توافق على ما افعله، وهذا معناه أن أبي أيضاً غير موافق، وبينما كنت انظر لعرفات كزعيم فاشل، فإن الغالبية في عالم تحديد السياسات الخارجية تقبلوا وجهة النظر التي تعتبر عرفات ممثلاً لأفضل أمل للسلام، لقد ضحكت من تعليق أمي لكنني أدركت المعنى، وهو أنه سيكون أمامي معارضة قومية، اتذكر أن توني بلير في مؤتمر ال G8 والذي عقد بعد ذلك مباشرة قال لي “لقد تسببت بعاصفة ياجو”، بينما كان من الواضح أن جاك شيراك ورومانو رودي ورئيس الوزراء الكندي غير موافقين، وفي هذا المؤتمر ولدت خارطة الطريق .

 

من بين بعض الشخصيات الفلسطينية التي جاء ذكرها على لسان بوش في كتابه المثير للجدل هذا محمد دحلان مسؤول الأمن الفلسطيني، والذي وصفه بأنه دوماً كان يحب أن يذكر من حوله بأنه تعلم العبرية بطلاقة في السجون “الإسرائيلية” .

 

أيضاً ومن خلال طريقة سرد بوش لأحداث عملية السلام في عهده بداية من تجميل المواقف “الإسرائيلية” لدرجة استخدام اوصاف واسماء عبرية لمواقع بما فيها تسميته للحرم الشريف للمسجد الأقصى بجبل المعبد، نتوقف عند توصيفه لانتفاضة الأقصى والتي هاجمها شارحاً كيف تسببت زيارة قام بها شارون إلى جبل المعبد في القدس بانتفاضة ثانية قام بها متطرفون فلسطينيون، إذ إن كثيراً منهم لهم علاقات مع المنظمة الإرهابية حماس، فقاموا بموجة من الهجمات الإرهاربية ضد الأبرياء في “إسرائيل”، ويقول “أنا لم ألم الرئيس كلينتون لفشل مفاوضات كامب ديفيد، ولكن بعد هذا العنف الذي حدث القيت باللوم على عرفات، لقد اغرقت أمريكا وأوروبا والأمم المتحدة الأراضي الفلسطينية بمعونات التنمية (!!) وجانب محترم من تلك المساعدات كان يتم تمريره إلى حسابات عرفات البنكية (!!)، وهو وصل إلى احتلال موقعه في قائمة أغنى الملوك بينما شعبه يعاني الفقر واليأس والتطرف، وهو كشخص حاصل على جائزة نوبل للسلام كان من الواضح أنه لا يهتم البتة بالسلام .

 

ويستطرد بوش “لقد تحدثت مع عرفات ثلاث مرات في أول سنة كرئيس وهو كان مهذباً وأنا كنت مؤدباً بالتالي، لكنني جعلت من الواضح له جداً بأن يتحكم في التطرف وذلك في فبراير/شباط 2001 . وأسهب بوش في شرح مشاعره تجاه الرئيس عرفات ووجهة نظره تجاهه لدرجة تقترب من “التحقير”، هكذا بدا من كلامه لاسيما وهو يشرح كيف أن عرفات كذب عليه في إطار قصة الأسلحة التي ضبطت في سفينة بالبحر الأحمر، وكانت “إسرائيل” تردد ساعتها بأن شحنة الأسلحة هذه كانت مرسلة من إيران باتجاه غزة وارسل عرفات ساعتها إلى واشنطن خطاباً يتبرأ فيه من تهمة تهريب الأسلحة، ومؤكداً التزام السلطة الفلسطينية بعملية السلام، ويضيف بوش، ولكن لا نحن ولا “إسرائيل” استطعنا التثبت من هذا “أي لا الولايات المتحدة ولا “إسرائيل” وجدت أدلة على صدق ما يقوله عرفات” .

دار الخليج

زر الذهاب إلى الأعلى