أرشيف

 صوت داخلي يقوده لقتل أمه

(CNN) —  من خلال تفكيك حيثيات جريمة أسرية أجهز فيها رجل في الأربعين من العمر على أمه الأرملة، ينخرط فيلم ” My Son, My Son, What Have You Done?” في مغامرة فنية لاستقصاء الأغوار المظلمة للنفس البشرية وحدودها اللامعلومة المفتوحة على انحرافات سلوكية عصية على التفسير.

الفضاء الرئيس للفيلم ساحة الجريمة من الخارج وهي مطوقة بعناصر الأمن التي أتت لتعقب الجريمة لكنها تبقى عاجزة عن التدخل في ظل اعتصام قاتل أمه داخل المنزل والخوف من وجود رهائن في يد روح فقدت بوصلتها الانسانية. أما الباقي ففضاءات ثانوية لاسترجاع صفحات من ماضي القاتل الغارق في متاهات الهذيان.

“الرب معي. لقد شاهدته. أحسست بوجوده معي، هنا في المطبخ”. ذلك نموذج من هذيانات براد (مايكل شانون) التي تكشفها خطيبته إنغريد (كلوي سيفينيي) للمحقق هانك هافنهارت (وليم دافوي). يبدو براد كتلة احتقانات نفسية سحيقة تتمحور حول أفق الانتقام لموت أبيه وتتوق للانفلات من المعايير والمحظورات البشرية المتعارف عليها. نسمعه يقول لانغريد “لا أريد أن أكتشف حدودي. أريد أن أكبح نموي الداخلي الطبيعي”.

المفارقة أنه ما من مؤشر كان يسمح بتوقع جريمة مثل هذه على يد ابن محب لوالدته، الأم الحانية لكن الحاضنة والمتملكة التي تتعامل مع ابنها كطفل. لقد كان براد حتى يوم الجريمة مصمما على رعاية أمه الأرملة ويدافع عنها تجاه شكاوى خطيبته المتضايقة من تدخلاتها الفجة، لكن الانقلاب المريع لا يلبث أن يقع. طريق الهذيان يقود الابن البار الى الاجهاز على أمه بسيف طالما استخدمه كأكسسوار في مسرحية اغريقية لعب فيها نفس الدور: الابن القاتل لأمه.

ينضم صديق القاتل، وهو أيضا مخرج المسرحية، ليي مييرز (أودو كيير) الى مشهد محاصرة بيت الجريمة، كمصدر آخر يستعين به المحقق هانك لفهم دوافع الجريمة. بالنسبة اليه، كان براد يبدي استعدادا للعدوانية، موهوبا لكن مضطربا في نفس الآن.

اضاءة خافتة في جل المشاهد: ظلمة الأعماق في ظلمة الإطار، وموسيقى تصويرية ذات طابع جنائزي أحيانا، باردة ومحفزة لمشاعر الاضطراب والتوجس من الشرور القادمة من أعماق الانسان. أما بروفايل الممثلين المساعدين فكان موفقا من حيث المساعدة على الدفع بالتعبيرات السيكولوجية غير السوية الى الواجهة. النتيجة فيلم رعب بدون دماء ولا أشلاء، حيث المراهنة على جماليات السينما لاستفزاز حس الخوف الساكن.

أخيرا حقق وارنر هيرزوغ حلمه باخراج فيلم ظل طي الورق سنوات طويلة (منذ 1995) في غياب منتج متحمس قبل أن ينتزع موافقة السينمائي الكبير ديفيد لينش على انتاج العمل المستلهم من قصة واقعية عرفتها ضاحية سان دييغو. وبفيلم قوبل بترحاب نقدي لابأس به في المهرجانات الدولية، تقدم هيرزوغ خطوات الى الأمام في طريق النجاح الذي حصده فيلمه الآخر الذي صدر بوقت قصير قبل فيلمه هذا تحت عنوان “الضابط السيء” الذي لعب بطولته نيكولاس كيج.

زر الذهاب إلى الأعلى