أرشيف

22 يوماً في الحجرية أوصلت صالح إلى الكرسي المهزوزة

 28 / 4 / 1978 م رتل عسكري يعبر شوارع صنعاء.. وتحديداً بعد سبعة أشهر من اغتيال الحمدي.. بينما عضو مجلس القيادة السابق وقائد قوات الصاعقة والمظلات الرائد عبد الله عبد العالم يغادر صنعاء وسط صمت ذكي من الغشمي ، ويعبر الرتل مدينة تعز رغم معارضة قائد اللواء الرائد علي عبد الله صالح.. وحين يصل الموكب إلى القريشة يستقبله الأهالي استقبال الأبطال.. لكن قائد الأمس حين وصل إلى التربة لم يكن سوى خربشات قلقة تاه بين ليل الكون ونهاره وشخصية الأمس القوية توارت خلف شخصية مسكونة بالشعور بقلة الحيلة.. الجماهير تصفق والعسكري الهمام سارح ماذا سيعمل غداً.. وفي الغد خرج الى شرجب وتحديداً إلى منزل الشيخ أحمد سيف الشرجبي. لماذا غادر صنعاء

 الرائد عبد الله عبد العالم شريك الرئيس الحمدي في حركة 13 يونيو فهو من أوكلت اليه مهمة السيطرة على الإذاعة وعدد من المؤسسات الهامة ليلة 13 يونيو 1974
 وبعدها أصبح عضو مجلس القيادة والرجل الأقرب للحمدي بعد عبد الله الحمدي ، وجد نفسه محاطاً بسياج من العزلة والوحشة وغدا هدير الأمس الصاخب مسكوناً بالعزلة والاغتراب.. الرجل الذي كان يحمل أثقالاً من المناصب ابتداء من عضو مجلس القيادة مروراً بقائد المظلات وليس انتهاء برئيس هيئة تعاون الحجرية صار اليوم بدون رقم لم يتبق له إلاّ قائد معسكر بالإسم وراتبه يمكن توقيفه بجرة قلم من الرئيس الجديد، ولم يقف التهميش والإقصاء عند نقطة معينة بل طال الرعب حياته وملأت الهواجس أخيلته وظن أنه مقتولاً لا محالة وملحوقاً بصاحبه الحمدي وخصوصاً حين أرسل له الغشمي بسيارة يطلب منه أن يحضر إليه لتكريمه، وعند عودة السيارة تعرضت لإطلاق نار.. لكن عبد العالم لم يكن بداخلها، فقد رفض الحضور كما رفض من قبل مائدة الغداء التي أطاحت بالحمدي. عبد الله عبد العالم الشخصية التي كانت ترغب بحفر وجودها ووضع بصمتها في تاريخ بلاده يرى الآفاق تضيق أمامه والعزل يطال من تبقى من مناصري النظام السابق، فقرر الرحيل، وقيل إنه اعتذر بمرض ابنه وإن الغشمي إعطاه مليون ريال وأذن له أن يأخذ ما يريد من العتاد والعدة. ربما هذا صحيحاً لأن الغشمي كان يريد أن يزيح إحدى الكماشتين اللتين تحيطان بصنعاء، إما عبد الله عبد العالم أو مجاهد القهالي. عبد العالم في التربة 22 يوماً تحولت فيها التربة والحجرية وتعز كلها إلى جحيم وشهدت المنطقة مآسي تمزق نياط القلب.. انهزام وبلطجة حقيقية لا يمكن القفز عليها.. إنها أسوأ أيام في تاريخ الحجرية.. وليس من حق أبناء تلك المناطق التفاخر بتلك الساعات من الزمن لأنها كانت بداية للحظة انكسار داخلي للشخصية التعزية التي كانت تناطح عنان السماء بفضل بطولة عبد الرقيب عبد الوهاب وشجاعته.. وليس صحيحاً من يدعي البطولات ويفاخر بها في تلك العاصفة الهوجاء. فالضعف والخسران كان سمة تلك اللحظة من تاريخ أبناء الحجرية وما يدعيه البعض من أن قوات عبد الله عبد العالم فرضت سيطرتها حتى نجد قسيم هو ضرب من علاج النقص.. فعبد العالم غادر صنعاء لانقاذ روحه ليس إلاّ وكان الثمن غالياً، وأغلاها هيبة الإنسان التعزي التي توارثها بعد ذلك مشائخ لا يجيدون سوى الاصطفاف أمام مكتب شؤون القبائل لاستلام 4000 ريال من شيخ مطلع.
الحجرية في قبضة صالح

 20مايو 1978 هدير الطائرات تهز فضاء الحجرية والقذائف تهد الجبال وقائد لواء تعز الرائد علي عبد الله صالح يدخل التربة دون أن تطلق على قواته رصاصة واحدة .. أين الهنجمة أين المغاوير أين العسكري الهمام.. لا أحد موجود من يحمي منازل الحجرية وعارها لا أحد.. الحملة لم تجد سوى مباني خاوية تم مسحها وتسويتها بالأرض للعبرة ليس إلاّ.. الغشمي يصفق لتيس الضباط ويتفق معه على تناول غداء النصر ونخوته في معسكر المخاء.
من قتل المشائخ؟ وكيف؟

من زج بمشائخ تعز في هذه الأحداث ومن دفعهم إلى المحرقة؟ ومن قتلهم؟ وكيف؟ ماذا كان موقف هؤلاء المشائخ من الأحداث؟ هل كانوا مع السلطة أم مع عبد الله عبد العالم؟ ولمصلحة من تصفيتهم؟ ولماذا لا نسمع الحقيقة إلى الآن؟ ولماذا تعددت روايات قتلهم؟ فالإنسان لا يمكن أن يموت أكثر من مرة واحدة .. نحن مقتنعون أن رواية المنتصر هي التي تسود بعد الأحداث وهو من يكتب التاريخ إلى حين لأنه يملك العصا والمال والبوق وتزييف الحقيقة ومع هذا تعددت روايات المنتصر في مقتل مشائخ الحجرية . والمثير للدهشة أيضاً أن المهزوم لم يستقر على رواية واحدة أيضاً.. حداً جعل هذه القضية من أكثر القضايا غموضاً في تاريخ الصراعات اليمنية. المنتصر يقول: إن المشائخ تم تصفيتهم في سائلة الزريقة أو في تلة الزريقة ثم يقول إنه تم أخذهم كدروع بشرية حتى عبروا الحدود الجنوبية ، فتم تصفيتهم ويأتي ممن يروون أن كل شيخ قتل على يد أحد من رعيته .. وهكذا في حين يأتي الطرف الآخر ويقول: إن الحملة التي اجتاحت التربة هي من أخرجت المشائخ من السجن وقامت بتصفيتهم، ثم يأتي برواية أخري إن المشائخ كانوا في منزل الشيخ الأصبحي وبعد صلاة الجمعة دوى أزيز الطائرات الحربية في أجواء المكان وبدأت بالقصف وعند محاولتهم الهروب تم قصفهم بقذيفة قتلتهم جميعاً وأكثر الروايات حزناً من هذا الطرف أن المشائخ بعد لقائهم بعبد الله عبد العالم، وأثناء عودتهم قتلوا بكمين غادر من الطرف المرسل…الخ. والباحث عن الحقيقة عليه أن يتجرد من رواية الطرفين وتبريراتهما ويبدأ يتساءل من المستفيد من قتلهم. حسب روايات جماعية إن هؤلاء المشائخ كانوا على صداقة حميمة مع عبد الله عبد العالم وحين وصل إلى التربة حظي باستقبال وترحاب كبير منهم وأن موائد الغداء من الشيخ الأصبحي ومنصور شائف كانت لا تتوقف لعبد العالم وأفراده ويبقى احتمال اتخاذهم كدروع بشرية لتجنب قصف طائرات الغشمي وصالح وأراد أما اتهام السلطة بقتلهم فله مبررات عدة منها إثارة أبناء الحجرية وتعز على عبد الله عبد العالم، وايجاد مبرر لشن الحرب عليه، وأيضاً من أقدم على قتل الحمدي غدراً فهو على استعداد لتكرار العملية في أكثر من مكان وزمان وخصوصاً عندما يكون الهدف تمهيد الطريق للوصول إلى السلطة أو المحافظة عليها، وإذا كان عبد الله عبد العالم افترضنا أنه قتل المشائخ فمن قتل الشيخ أحمد سيف الشرجبي بعد عام من أحداث 1978، فهل يقبل عاقل بتهمة عبد العالم فيها وهو المنفي الشريد حبيس قصر السلطان بلحج، أم أن قتل الشرجبي كان لاستكمال المخطط الذي نجا منه الشرجبي في المرة الأولى.
اسطوانة الدم <

 صحيح إنها دماء أريقت بثمن بخس وتم توظيفها لغاية غير أخلاقية.. والأسوأ من هذا أن نرى من يلعق قيح هذه الجروح بصورة غير مسبوقة ولا يريدها أن تندمل لأنه لا يتغذى إلاّ عليها.. فتعز والحجرية والتربة هي نفسها المنطقة التي ينتمي اليها عبد الرقيب عبد الوهاب قائد فك حصار السبعين عن صنعاء والذي قتل في ليلة غادرة وسحب في شوارع صنعاء سحباً.. فلماذا لا نسمع من يطالب بمحاكمة قاتليه كما نسمع في قضية دم مشائخ الحجرية.. لماذا هذا الكيل المطفف،؟ وهل هو جبن أم زندقة وارتزاق؟ وبحسب قول أحد أبناء الساخرين إذا وجد أبناء تعز قاتل عبد الرقيب فسيقول له (لموه قتلته)..
كيف نجا هائل من القتل

هائل سعيد أنعم تصالح مع كل حكام اليمن في حياته وكان الحمدى يعزه كثيراً ولم يختلف مع الغشمي وأرتبط بصالح بعلاقة قوية أيضاً.. وكان هائل سعيد أنعم ضمن الوفد الذي سيذهب للتحاور مع عبد الله عبد العالم لكنه استثني من الوفد في آخر لحظة. ويرى محللون أن استثناء هائل من الوفد يؤكد أن الطرف المرسل كان يدبر أمراً مخططاً لم يكن ضمن أهدافه هائل سعيد أنعم.. وهناك فرق بين نجاة هائل سعيد أنعم ونجاة الشيخ أحمد سيف الشرجبي.. فهذا الأخير هو من استبعد نفسه قائلاً الحلم ولا الشجاعة، رغم تهديدات قيادة المحافظة له بضرورة السفر.. ويرى البعض أن استثناء هائل سعيد كان الهدف منه صرف النظر وإبعاد الشبهة التي تقول إن النظام يصفي كل المقربين من الحمدي.
علاقة صالح بعبد الله عبد العالم <

عبد الله عبد العالم كان رجل الحمدي وعلي عبد الله صالح رجل الغشمي.. ولأن الغشمي كان قد تخلص من الحمدي فقد جاء الدور لكي يتخلص صالح من عبد الله عبد العالم، فلذلك أغلق الرائد علي عبد الله صالح كل الأبواب واختار الحسم العسكري والمتتبع لمسيرة العلاقة بين الشخصيتين يجد أنها مسيجة بعدم الرضى من الطرفين وسنورد لكم هنا بعض الأمثلة. < حين خرج عبد الله عبد العالم بقواته من صنعاء سمح له الغشمي ولم يعترضه لكن علي عبد الله صالح اعتبر مرور قوات عبد العالم في مدينة تعز هزيمة له فذهب يستنفر قواته لمنع عبد الله عبد العالم من المرور بالمدينة.. لكن الأخير صمم وواصل سيره ومرّ بمدينة تعز متجهاً نحو التربة. < عبد العزيز عبد الغني نزل من صنعاء ممثلاً عن الغشمي للقاء عبد العالم.. لكن الرائد علي عبد الله صالح التقاه ومنعه من مواصلة وساطته وقال له أبلغ الغشمي أني منعتك من هذه المهمة بالقوة.. وهذه الرواية عكس الرواية الأخرى التي تقول إن عبد العالم لم يحضر للقاء عبد العزيز في نجد قسيم. < كان الغشمي خلال الأزمة يطالب عبد الله عبد العالم إما بالعودة إلى مركزه العسكري في صنعاء أو اختيار أي بلد ليعينه سفيراً فيها بينما أغلق علي عبد الله صالح أمام عبد العالم كل الأبواب سوى باب الاستسلام دون شروط. < في حين كانت الوساطات تذهب وتأتي من وإلى التربة كان علي عبد الله صالح يضع اللمسات الأخيرة للحملة العسكرية التي سيجتاح بها الحجرية. < حين تيقن الرئيس من انهيار قوات عبد العالم جراء الحصار المفروض عليها سعى إلى إفشال كل الوساطات وبدأ بالزحف . < الحملة دخلت الحجرية دون أي مقاومة ومع ذلك قامت بدك منازل عبد الله عبد العالم وعبد الرقيب القرشي وأحمد محسن. < علي عبد الله صالح حارب عبد الله عبد العالم لأنه من الحجرية الذين يعتبرهم صالح أنهم دمويون حسب قول نجل الشيخ أحمد سيف الشرجبي الذي قال إن هذا كان سبب خلاف والده مع صالح. < أثناء أزمة 94 حط عبد العالم في مطار عدن والتقى بعلي سالم البيض نائب الرئيس آنذاك كدعم من عبد العالم للبيض وقيل حينها إن عبد العالم كان يتحين هزيمة الرئيس في تلك الحرب. < الأحكام الصادرة ضد عبد الله عبد العالم ورفاقه لم تصدر في عهد الرئيس الغشمي كما يظن البعض وإنما في عهد الرئيس علي عبد الله صالح وتحديداً في اغسطس 1978 وصادق عليها الرئيس صالح. < الشاعر العربي يقول : «وليس رئيس القوم من يحمل الحقد.. إلاّ أن الرئيس أصدر قرارات عفو في كل النزاعات التي خاضها دون العودة لأولياء الدم إلاّ عبد الله عبد العالم لم يصدر قرار عفو بحقه رغم أن مادار في الحجرية لا تساوي جولة واحدة من حرب صعدة. < عبد الله عبد العالم لم يطلب عفو من الرئيس وانما طالب باعتذار رسمي من الرئيس وإرجاع كل ممتلكاته وتعويضه عن كل ما لحق به من أضرار جراء تشويه سمعته أثناء سنوات المنفى.. وهي رسالة لا يفهمها إلاّ الرئيس.
إغلاق الملف
 
رصاصة سكنت رأس عبد الرقيب القرشي في ظهيرة 25 يونيو 2010 في العاصمة صنعاء.. كانت كافية لاغلاق ملف عبد الله عبد العالم ورفاقه إلى الأبد، إغلاق على الطريقة اليمنية.. فبعد هذه الرصاصة لن يفكر عبد الله عبد العالم بالعودة ولن يدعوه لذلك حتى أكثر المتفائلين لأن المخرج عادة ينهي الفيلم بقتل البطل. صندوق الذاكرة إذا خلد إلى نفسه وصدق مع تاريخه وكتب مذكراته.. وحده الأستاذ عبد العزيز عبد الغني وليس غيره من يستطيع تصحيح الذاكرة اليمنية على الأقل وخلال الأربعين العام الماضية.

زر الذهاب إلى الأعلى