أرشيف

من دستور دولة الوحدة الى دستور دولته وحده!!

لم تكن التعديلات الاخيرة التي طرحها الرئيس على البرلمان والتي بموجبها سيتم إلغاء عداد الرئاسة مفاجئاً لأحد، إذ ان هذا العداد قد جاء اصلاً بمبادرة من الرئيس عام 1994م بهدف التغطية على التعديلات الدستورية التي عززت هيمنته على مؤسسات الدولة، ولم يكن الرئيس يوماً مقتنعاً بهذا العداد وهو ما يدل عليه تعامله معه تفسيراً وتمديداً وتصفيراً وإلغاء فأول مرة تمت المغالطة في قراءة العداد الذي كان يفترض ان يبدأ في اكتوبر 1994 بانتخاب الرئيس من قبل البرلمان، وينتهي في 2004م.
 
لكن القراءة المؤتمرية بدأت من عام 1999م- الانتخابات الرئاسية الاولى- وفي 2001 تم تمديد العداد من 5 سنوات الى 7 سنوات عبر مسرحية تبادل معها الرئيس والبرلمان الرشوة كما اسماها في مقابلته مع الجزيرة عام 2006م حيث مدد فترة البرلمان الى 6 سنوات ليمددوا له الى 7 سنوات ومنذ الانتخابات الرئاسية 2006م تبنى الرئيس اعادة العداد كما كان اول مرة 5 سنوات لدورتين ولكن بعد الغاء المدد السابقة وعندما رفض المشترك الموافقة على هذه العملية العبثية قرر الحاكم ان يمضي بها منفرداً ويلغي العداد من اصله، اذ لم يعد له مبرر بعد ان ادى مهمته على اكمل وجه وتمكن الرئيس بواسطتة من الانتقال من دستور دولة الوحدة الى دستور دولته وحده كما سنرى فيما يلي:
 
دستور دولة الوحدة :النظام السياسي
الى البرلماني اقرب
تم الانتهاء من اعداد مشروع دستور دولة الوحدة عام 1981م من قبل لجنة مشتركة من شطري اليمن آنذاك، وقد حاول المشروع مراعاة التباين بين نظامي الشطرين وعلى الرغم من ان دستور دولة الوحدة قد اكد الفصل بين السلطات وحدد مهام وصلاحيات كل من السلطة التشريعية “البرلمان” والسلطة التنفيذية “الرئاسة والحكومة” بما يوحي لأول وهلة ان الدستور قد اخذ بالنظام المختلط “برلماني رئاسي” إلا ان المتأمل في الوضع الدستوري للسلطتين الشتريعية والتنفيذية ومهام وصلاحيات كل منهما سيجد ان النظام السياسي في دستور دولة الوحدة كان اقرب الى النظام البرلماني، اذ البرلمان منتخب مباشرة من قبل الشعب مالك السلطة ومصدرها وهو الذي ينتخب ويراقب بموجب الدستور- السلطة التنفيذية بفرعيها “الرئاسة والحكومة” اذ هو من ينتخب اعضاء مجلس الرئاسة، ومن يمنح الحكومة الثقة وله حق مراقبتها ومساءلتها وسحب الثقة منها ان اراد، اما السلطة التنفيذية فكانت موزعة بين الرئاسة والحكومة، وداخل الرئاسة بين الرئيس ونائبه واعضاء مجلس الرئاسة.

وقد حدث خلاف اثناء الفترة الانتقالية بين مكونات السلطة التنفيذية لعدم وجود تحديد دقيق لمهام وصلاحيات مجلس الرئاسة ورئيس المجلس ونائبه واعضاء المجلس والحكومة.
 
واثناء الازمة السياسية التي اندلعت بعد انتخابات 1993م وتشكيل لجنة الحوار الوطني من كافة القوى والتنظيمات السياسية والشخصيات الوطنية، كان من ضمن قضايا الخلاف التي ناقشتها اللجنة، تنازع الصلاحيات بين رئيس مجلس الرئاسة ورئيس مجلس الوزراء، اذ كان الاول يرى ان من حقه- دستورياً- التدخل في قرارات وسياسات الحكومة في حين كان الثاني يرى ان الحكومة هي المسئولة عن برنامجها امام البرلمان، وبالتالي فلا يحق لاحد ان يتدخل في شئونها، وقد شكلت لجنة مصغرة لحل هذا التنازع بموجب نصوص دستور دولة الوحدة ولعبت قيادات معارضة دوراً كبيراً في حسم هذا النزاع لصالح اعمال الحكومة لا تزيد عن صلاحياته في اعمال البرلماني، فللرئيس حق ابداء الرأي او الاعتراض على أي قرار حكومي وطلب تعديله لكن القرار النهائي بيد الحكومة، تماماً مثلما للرئيس حق اقتراح القوانين التي يقرها البرلمان والاعتراض على الحكومة، تماماً مثلما للرئيس حق اقتراح القوانين التي يقرها البرلمان والاعتراض عليها وردها الى البرلمان لطلب التعديل، لكن القرار النهائي للبرلمان، فاذا اصر على موقفه فان القانون يعتبر نافذاً بحكم الدستور، وقد تم تضمين ذلك في وثيقة العهد والاتفاق، والتي قبلها الرئيس مضطراً في محاولة للخروج من الازمة السياسية وتجنب الحرب ولكن ذلك لم يحدث للأسف!!
 
تعديلات 1994م النظام السياسي
 
إلى “البرلماسي” أقرب
 
بعد حرب صيف 1994م واختلال التوازن السياسي بدأت اول تعديلات دستورية شهدتها اليمن، وكان هم حزب المؤتمر تأكيد وترسيخ سلطة الرئيس علي السلطة التنفيذية، حيث تم الغاء صيغة مجلس الرئاسة بسلطة الرئيس، وترك مهمة اختيار نائب للرئيس من صلاحيات الرئيس وحده، كما تم التأكيد على حق الرئيس تعيين رئيس لمجلس الوزراء ومشاركته في اختيار الوزراء وبرنامج الحكومة، وتم تجاهل الضوابط التي وضعتها وثيقة العهد والاتفاق لتوزيع الصلاحيات بين الرئيس والحكومة، وبهذه التعديلات اصبحت السلطة التنفيذية باكملها تحت هيمنة الرئيس، لكنها تظل- نظيراً على الاقل- في مرتبة ادنى من مرتبة السلطة التشريعية “البرلمان” الذي يمتلك حق انتخاب رئيس الجمهورية باغلبية اعضائه.
 
ورغم ان ذلك لم يكن يثير اي اشكالية في الواقع، الا ان ذلك قد يثير تحديا للرئيس في المستقبل في حال تمكنت المعارضة من الفوز باغلبية البرلمان، وقطعاً لمثل هذه الاحتمالات وحتى لا تكون شرعية الرئيس رهناً بالبرلمان، تم اضافة مادة جديدة تنص على انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، وبهذا اصبح الرئيس في منزلة دستورية واحدة من البرلمان، فكلاهما منتخب من الشعب مالك السلطة ومصدرها ولان احدهما لا يمكنه- دستورياً- التدخل في صلاحيات الاخر او حله، فان النظام السياسي اصبح اقرب الى النظام المختلط “برلماسي”.
 اثناء اجراء تعديلات 1994م كان الاصلاح مهموماً ومنشغلاً “بأسلمة” الدستور وتعديل المواد التي كان يراها ضرورية لتحقيق هذاه الاسلمة خصوصاً المادة الثالثة، ولذلك لم يعترض او ينتبه الى التتعديلات التي عززت من صلاحيات الرئيس بل رأها شيئاً طبيعياً، خصوصاً انها جاءت مغلفة بغطاء ديمقراطي يتمثل في تحديد فترة الرئيس بدورتين انتخابيتين مدة كل دورة خمس سنوات فقط، اما احزاب المعارضة الاخرى فلم يكن موقفها يختلف كثيراً عن موقف الاصلاح فقد شارك اعضاؤها في البرلمان بالتصويت على هذه التعديلات، ورغم ان صحف المعارضة وتصريحات قياداتها ظلت تؤكد على ان بعض ما تضمنته التعديلات قد مثل تراجعاً عن النهج الديمقراطي الا انها لم تكن تعني ما يتعلق بصلاحيات الرئيس، اذ لم تكن ترى في تلك الفترة ما رأته بعد اكثر من عشر سنوات من ان مشكلة اليمن هي في تركز السلطة في يد رئيس الجمهورية، وان النظام البرلماني هو الحل، لقد كانت مشكلتها مع سياسات الرئيس الحالي وليس مع صلاحياته الدستورية الواسعة، وهذا ما ادته احاب المعارضة في برنامج مرشحها للانتخابات الرئاسية 1999م قبل ان يتم حجب التزكية عنه في البرلمان- اذ اكد البرنامج اهمية موقع “رئيس الجمهورية من حيث كونه رئيس الدولة ومجدد الارادة الشعبية” ولهذا راى البرنامج ان “التجديد في القمة- اي في منصب الرئاسة- هو المدخل الواقعي لتنامي قوة مجتمعنا وتماسكه وتجاوزه للاحزاب والخرائب والازمات التي خلفتها سنوات طويلة من القسوة والعنف والحرمان.. بحسب نص برنامج مرشح مجلس التنسيق الاعلى للانتخابات الرئاسية 1999م- المنشور في صحيفة الثوري العدد (1538) بتاريخ 29/7/99م.

تعديلات 2001م النظام السياسي

الى الرئاسي اقرب
 
ظل هاجس امكانية حصول المعارضة على الاغلبية البرلمانية يؤرق الحزب الحاكم رغم حصوله على الاغلبية المريحة في انتخابات 1997م اذ ان الوضع المتكافئ بين الرئيس والبرلمان، قد يحدث تنازعاً وخلافاً في حال كانت الاغلبية البرلمانية من المعارضة “كما حدث مثلاً في التجربة الفلسطينية بين رئيس السلطة – رئيس حركة فتح- المنتخب من الشعب وحكومة حماس ذات الاغلبية البرلمانية المنتخبة من الشعب ايضاً” ودرءا لمثل هذه الاحتمالات اقرت الاغلبية المؤتمرية تعديلات دستورية جديدة، رجحت كفة وهيمنة الرئيس- دستورياً على السلطة التشتريعية “البرلمان” من خلال منح الرئيس حق انشاء مجلس الشورى الذي يعين كافة اعضاءه ويشارك البرلمان عدداً من صلاحياته التشريعية وعلى رأسها تزكية المرشحين للرئاسة، بالاضافة الى منح الرئيس حق حل البرلمان عند الضرورة، وتمديد فترتي الرئاسة الى سبع سنوات تبدأ بعد اقرار هذه التعديلات، وبهذا اصبح الرئيس هو المتحكم دستورياً بالسلطة التشريعية ليصبح النظام السياسي اقرب الى النظام الرئاسي، ولأن الزمن قد يكشف عن رغبة جديدة في التعديلات الدستورية فقد منحت تعديلات 2001م الاغلبية البرلمانية (الحزب الحكم) حق اجراء تعديلات للعديد من مواد الدستور دون حاجة لاستفتاء شعبي.

كانت تعديلات 2001م اكثر خطورة ووضوحاً في تركيز السلطة بيد الرئيس وهيمنته على بقية السلطات، ولهذا كان من الطبيعي ان يأتي رد الاصلاح ومجلس التنسيق سريعاً على هذه التعديلات في بيانين منفصلين، ثم جرى حوار بينهما انتهى بإصدار بيان مشترك باسم “احزاب اللقاء المشترك” اكد رفض المشترك القاطع لهذه التعديلات ومطالبة رئيس الجمهورية بصرف النظر عن هذه التعديلات المقترحة منه وعقد الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد في 27 ابريل 2001م، وبعد ذلك يمكن الدخول في حوار وطني عام يتناول موضوعات الاصلاحات الدستورية التي تحتاجها اليمن وتستطيع ان تقدم معالجات بناءة لمشاكلها، بيد ان هذا الموقف المشترك لاحزاب المشترك لم يستمر طويلاً للاسف، اذ سرعان ما لجأ الحزب الحاكم الى اجراء حوار ثنائي مع الاصلاح انتهى بقبول الحزب الحاكم بادخال بعض التعديلات المقترحة من الاصلاح على التعديلات المقدمة من الرئيس، مقابل موافقة الاصلاح وتصويته لصالحها في البرلمان والاستفتاء الشعبي!!
 
اكتفى الاصلاح بالزام كتلته البرلمانية بالتصويت لصالح التعديلات دون الزام اعضائه اثناء الاستفتاء، الامر الذي دفعهم مع اعضاء احزاب المعارضة للتصويت ضدها ومع انشغال الحزب الحاكم بالانتخابات المحلية، جاءت النتائج الحقيقة للاستفتاء مخيبة للأمال، فتم تغييبها عن انظار الجميع بما في ذلك اعضاء اللجنة العليا للانتخابات الذين فوجئوا كغيرهم باعلان رئيس اللجنة “مؤتمر” لنتائج لم يعرفوا بها، الامر الذي استفز الاستاذ محمد حسن دماج نائب رئيس اللجنة “اصلاح” فانسحب فوراً من المؤتمر الصحفي ليعلن للملأ ومن على قناة الجزيرة “ان الذي ادى الى انسحابي من المؤتمر الصحفي هو اعلان نتائج الاستفتاء دون ان تعلم اللجنة العليا عن ارقام الاستفتاء قبل المؤتمر الصحفي، فاصبحت اللجنة العليا هي اخر من يعلم، والمفروض ان اللجنة العليا من رئيسها الى اعضائها هم مصدر المعلومات لكل الجهات، ولا ادري هل احتكرها الاخ رئيس اللجنة العليا وابداها لنا يوم اعلنت في المؤتمر الصحفي “صحيفة الصحوة بتاريخ 6/3/2001م).
 
ولم يجد رئيس اللجنة ما يرد به على تصريحات نائبة سوى عبارة واحدة: نتائج الاستفتاء خط احمر!!
 
تعديلات 2011 النظام السياسي
 
الى النظام الامامي اقرب
 
من اجمالي التعديلات التي لحقت دستور دولة الوحدة، اصبح الرئيس هو المتحكم بكافة سلطات الدولة، فهو رئيس السلطة التنفيذية والمتحكم بها، وهو المتحكم بالسلطة القضائية من خلال ترأسه مجلس القضاء الاعلى- او تعيينه رئيساً للمجلس- ومنحه حق تعيين وعزل القضاة- وهو المتحكم بالسلطة التشريعية من خلال “مجلس الشورى وحق حل البرلمان”، وهو المتحكم كذلك بالسلطة المحلية من خلال منحه_ في تعديلات 2001م_ حق تعيين رؤساء المجالس المحلية “محافظي المحافظات ومديري المديريات” وهو المتحكم كذلك باللجنة العليا للانتخابات اذ منحه القانون حق اختيار اعضاء اللجنة “7” من بين قائمة يرشحها له البرلمان، واذا تم اقرار التعديلات الاخيرة بالغاء عداد الرئاسة وتأبيد منصب الرئيس فان النظام السياسي سيكون اقرب الى النظام الامامي بعد ان افضت هذه التعديلات الى تركيز السلطة في يد رأس الدولة بدون توفر الحد الادنى من التكافؤ بين الصلاحيات والمسئوليات فلا محاسبة ولا مساءلة في ظل وجود سلطتين تشريعية وقضائية غير مستقلتين ومسيطر عليهما “بحسب نص مشروع المشترك للاصلاح السياسي”. اذا كانت التعديلات الدستورية السابقة قد مرت برضا او عدم اكتراث احزاب المشترك- كلها او بعضها- فان الامر يختلف هذه المرة اذ لا اعتقد ان احزاب المشترك ستتخلى عن مسئوليتها الوطنية ازاء قضية وطنية كبرى لا تتحمل التلاعب التكتيكي بهدف تحقيق مكاسب آنية ضيقة لفرد ما في السلطة لأن الدستور هو اهم مرجعية قانونية في حياة البلاد، باعتباره العقد الاجتماعي الناظم لكافة الشئون السياسية والاقتصادية وللعلاقات بين الحكام والمحكومين، صحيح انه بحاجة الى تعديلات جوهرية تعالج العبث الذي تم خلال سنوات التفرد بالسلطة الا ان هذه التعديلات يجب ان تتم عبر توافق الجميع وتوازن مصالحهم من خلال حوار وطني شامل لا يستثني احداً بحسب اتفاق فبراير 2009م الذي مدد للبرلمان من اجل انجاح هذه المهمة وليس من اجل اجهاضها والتفرد بالتعديلات وبدون ذلك فان الخلل سيدب في نسيج المجتمع وينتهك مقومات وجوده، مما ينذر بخطر عظيم يهدد مصير البلاد بأسرها.

نقلاً عن صحيفة الأهالي – زايد جابر

زر الذهاب إلى الأعلى