أرشيف

بائعـــــــــــــــــــة الملـــــــــــــــــوج الطاهــــــــــــــرة.. أم قـــــبـــــــــــــــل أن تتـــــــــــزوج

 ستة أولاد وبنت واحدة وأب يسكنون منزلاً متواضعاً في حي مسيك بالعاصمة. الأب منبوذ في الحياة لما عرف عنه من الصفات السيئة وأشهرها أنه سارق هذا الأب سار بعد نزواته وتناسى واجباته نحو أولاده وخصوصاً بعد وفاة الأم وكان يغيب عنهم أياماً وأسابيع وأمام هذا الوضع الصعب وجدت فاطمة نفسها أمام مسؤولية الحفاظ على إخوانها من التشرد والضياع فهي أكبر اخوانها فشمّرت عن ساعديها وخاضت البدايات العسيرة وغطت مكان والدتها وكانت تعد الخبز (الملوج) وتخرج تبيعه في السوق كي تنفق على إخوانها لتقيهم شر التسول وذل الفاقة والجوع.
ومرت الأيام وفاطمة تغتال أحلامها وتخنق غرائزها وفي نفس الوقت تملأ كيانها ووجدانها حباً لأخوتها. وذات
يوم علمت أن والدها مسجون ورغم معرفتها بسوء سلوكه إلاّ أن عواطفها المسكونة بالرحمة دعتها لمساعدة
والدها وزيارته وإرسال الطعام إليه والبحث عن محام يترافع عنه وبعد أشهر خرج من السجن ويا ليته لم يخرج. فقد قام صاحب المنزل باخراجهم لأن والدهم غير مرغوب فيه فاستأجروا منزلاً شعبياً في أطراف العاصمة واستمرت فاطمة تغالب الوجع وتركض في الحياة وتقاوم بريقها وإغراءات المتربصين في الأسواق.
 وفي إحدى الأيام خلى المنزل من الإخوة ولم يبق فيه إلاّ الأب وفاطمة أريج النقاء وصيرورة البقاء..

وبعيون السفاح أخذ الأب يتربص بالجسد الذابل من كآبة الزمن وأحزانه الثقيلة.. وخرج إلى البقالة وأشترى عصيراً وقدم لفاطمة كوباً منه كان قد وضع فيه (حبة منوم) من تلك التي يستخدمها للهروب من أزماته وما هي إلا لحظات حتى غابت وجسمها المتهالك في نوم عميق وعندها بدأ الذئب يفترس ابنته بهوس مجنون ويغتصب براءتها وأنوثتها وهي التي سهرت الليالي على موافي الملوج، ونست نفسها من أجل رعاية إخوانها..

هي التي أخرجته من السجن وليتها ل? تفعل.. الأرض تهتز من بشاعة الجريمة وشاء القدر أن تستيقظ فاطمة ووالدها في وضع يملأ الكون قبحاً فصرخت وبكت لكن الأب أوغل في وحشيته وقام بضرب ابنته حتى كادت أن تفارق الحياة.. فصمتت فاطمة وتدثرت أوزار القهر كلها وكتمت أنينها في صدرها واستقبلت ذلك المساء التي اختفت نجومه حياءً ورفضت أجفان فاطمة أن تسدل أستارها وحين لاحت خيوط الفجر حملت أتراحها وجراحها وبحزن الصامتين أعدت الخبز وخرجت إلى السوق إلا أن الدموع كانت لا تفارق عينينها وعندما يسألها إخوانها لم تجد إجابة سوى اشاحة وجهها عنهم وكفكفة الدموع..
 
ومضت تكمل م?وارها مكتئبة .. تتجرع العلقم وتواصل التضحية رغم جراحاتها الغائرة. أما الأب فقد غاب عن المنزل ولم يعد يزورهم.. لكن الأيام لم تكتف بذلك وتسارعت الأحداث المكتظة بالمرارة على فاطمة فالحيض انقطع عنها وآثار الحمل بدأت عليها والأحزان العاصفة تتقاذف الجسد الواهن حتى كاد أن يسقط أو سقط فلم تجد من خيار يطفيء بؤسها سوى أن تخبر أخاها الأكبر لعله يختصر لها الطريق إلى الموت ويريحها ويريحهم من العار..
 
وبصوت مبحوح وكلمات مخنوقة وعبرات دافقة تسيل بغزارة على وجنتيها الشاحبتين سرت فاجعتها لأخيها الذي كان يرتجف من أخمص قدميه حتى شعر رأٍسه وهو يرى فاطمة التي قدمت نفسها قرباناًً له ولإخوته مر?عدة ضعيفة مهزومة من والده..
 
فلم يطل التفكير وحمل شهادة وفاة والده في يده ودعا إخوته وتفرقوا يبحثون عن والدهم حتى وجدوه فحاكمه الإبن الأكبر محاكمة عاجلة حتى أعترف بجريمته ونفذ عليه حكم الإعدام بيده وباشر بتوجيه طعنات متتالية على جسد والده بجنبيته دون توقف حتى بعد أن تأكد من موته وبقية إخوانه يتفرجون ولسان حالهم يقول هذا لا يكفي.. وبعدها أُلقي القبض على أولاد القتيل وما زالت القضية أمام المحكمة أما فاطمة فقد أنجبت طفلة أسمتها أمل.

زر الذهاب إلى الأعلى