أرشيف

الرئيس اليمني ثالث زعيم عربي مهدد بالسقوط


تتجه الأنظار العربية والدولية إلى اليمن كثالث دولة عربية مهيأة للحاق بمصر وتونس مع تصاعد السخط الشعبي جراء سياسة حكم الرئيس صالح الممتد منذ 32 عاماً.


ويعيش اليمن حالة طوارئ غير معلنة منذ أسابيع، تتجلى بوضوح من خلال الاجتماعات المتكررة لمجلس الدفاع الوطني واللجنة الأمنية العليا وفي أيام الإجازات الرسمية برئاسة الرئيس “علي عبد الله صالح”، وما يصدر عنها من قرارات هي في الأصل من اختصاص الحكومة.


وصنفت مجلة التايمز الأمريكية مؤخراً الرئيس صالح في المرتبة الثانية بعد حسني مبارك ضمن قائمة أعلى 10 زعماء في العالم مستبدين ومهددين بسقوط أنظمتهم، إلا أن المحاولات الحثيثة للرئيس صالح لتجنب السقوط المحتمل قد تنجح في بلد كاليمن.


ويواصل الرئيس صالح هذه الفترة إصدار المزيد من التوجيهات التي يرى أنها ستنأى بنظام حكمه عن الحالة التي وصلت إليها أنظمة الحكم في تونس ومصر، بعد أسبوع من تعهده بالتنحي عن السلطة عند انتهاء ولايته الرئاسية الحالية في 2013م وعدم توريثها لنجله، وهي إجراءات لا تزال حتى اللحظة فاقدة لأي قيمة فعلية من شأنها تخفيف حدة غضب اليمنيين الذين ضاقوا ذرعاً بعقود من القمع والجمود وتردي الأوضاع المعيشية.



تخمينات مصر تتكرر في اليمن


وعلى غرار ما ردده المسؤولون المصريون بأن مصر ليست تونس، يتكرر السيناريو نفسه في اليمن، وبدأ ذلك الرئيس صالح حيث أعلن أيضاً أن اليمن ليست تونس أثناء خطاب ألقاه أمام قادة عسكريين قبل أسابيع، لتنتقل هذه المهمة مؤخراً إلى وزراء حكومته.


ودافع رئيس الوزراء علي مجور، الاثنين، عن حكومته قائلا “إنه لا توجد هناك أسباب تدعو لاندلاع مظاهرات على غرار ما جرى في مصر”. وأضاف في تصريحات لـ”سي أن أن” أن “اليمن ليست تونس أو مصر، فاليمن لديه وضع مختلف.. اليمن بلد ديمقراطي عبر كل العقود، فقد أجريت انتخابات، لهذا فالنظام ديمقراطي”. وبدوره، قلل وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي من شأن أحاديث عن أن اليمن سيسقط في أزمات سياسية مماثلة لتونس ومصر قائلا: إنه على عكس الدولتين العربيتين فإن الحكومة اليمنية أجرت دائما حوارا مع المعارضة.


وفي مقابلة مع محطة فرانس 24 يوم الثلاثاء وصف أبوبكر القربي التكهنات بأن الرئيس علي عبد صالح هو الزعيم العربي التالي الذي سيواجه تمردا بأنها “لعبة تخمين” وأن المظاهرات الأخيرة في اليمن ليست جديدة.


وقال القربي أثناء زيارته لباريس “لا أعتقد أنه تقرير صحيح (إن صالح هو التالي)”.


وخلافاً للتصريحات الحكومية، يبقى اليمن في نظر الخصوم السياسيين للسلطة والشركاء الدوليين لها مهيأ أكثر من غيره للحاق بمصر وتونس، ما لم يُعجل الرئيس صالح بإجراء إصلاحات جذرية ومعالجات جادة وشاملة لمختلف الأزمات الوطنية بمظاهرها المتعددة في الشمال والجنوب، والبدء بإجراءات عملية لتنفيذ ما تعهد به الأربعاء 2 فبراير الجاري في مبادرة نجحت إلى حد ما في امتصاص غضب المعارضة التي كانت قد بدأت بتنظيم مظاهرات مناهضة للسلطة استطاعت وعلى مدار شهر أن تحشد لها مئات الآلاف في العاصمة والمحافظات.


متابعون: صالح سيلحق حتماً بمبارك وبن علي


ووسط تحذيرات عربية ودولية لليمن من مغبة تجاهل الأزمة السياسية القائمة منذ العام 2006م، والتي تهدد وحدة الوطن وحاضره ومستقبله، أكد الدكتور فؤاد الصلاحي –أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء– أن اليمن لن يكون بمنأى عن الثورة الشعبية كتلك التي نجحت في إسقاط الرئيسين “مبارك وبن علي”.


وقال الصلاحي في تصريح لـ”إسلام أون لاين” من منظور علم الاجتماع السياسي يمكن للثورات الشعبية أن تنتقل من مجتمع لآخر وتتبادل التأييد والدعم والمساندة، خاصة ونحن نعيش ثورة معلومات يستطيع من خلالها الشباب التعرف على ثقافة الغير وأساليب ثوراتهم بدقائق معدودة.


وأضاف: “لا يستطيع أي نظام سياسي أو أي حاكم عربي أن يقول إن بلاده بعيده عن تلك الأحداث.. ستصل حتماً”، لافتا في السياق ذاته إلى وجود ظروف موضوعية ومحلية لقيام تلك الثورات وعوامل خارجية داعمة لها، ذكر منها الاستراتيجية الأمريكية لإعادة ترتيب الشرق الأوسط، التي قال إن أمريكا تسعى من خلالها للتخلص من جميع الحكام الذين عملوا معها في الثلاثين عاما السابقة لأنهم قدموا لها كل ما احتاجت إليه، وبدأت بدعم نخب سياسية لمرحلة ما بعد إعادة ترتيب الشرق الأوسط”.


وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء إن الأنظمة العربية بسياساتها الاقتصادية التي أفقرت المجتمعات وبإهدارها لحقوق الناس وتبعيتها للغرب شكلت عوامل لخروج تلك الثورات، معتبرا ثورة تونس وانتفاضة مصر جاءت في وقتها وفي إطار ظروف اقتصادية وسياسية محفزة للناس للخروج لها.


وأضاف الصلاحي: الجديد في هذه الثورات الشعبية أنها شبابية.. فإذا كانت النخب الحزبية والعسكرية هي التي قادت في السابق الثورات، فنحن اليوم إزاء شباب لم يتجاوز عمره الـ25 عاما غير منظم وغير مؤدلج، فهو قادر على الإطاحة بالأنظمة وسحب البساط من تحت أقدامها، معيدا إلى الأذهان ثورة الطلاب بفرنسا التي قادها الشباب في مايو 68 ثم انتقلت إلى كل أوروبا وأمريكا وترتب عليها تغييرات في النظام الرأسمالي وآليات عمله ومنظومته الأيدلوجية والقيمية”، مؤكدا في السياق ذاته أن ما حدث في فرنسا وأوروبا وأمريكا عام 68 يحدث اليوم في المنطقة العربية “فهذا الشباب يؤسس لدولة مدنية وديمقراطية حديثة تقوم على المواطنة المتساوية وتمنع التوريث”.


وتخوف الأكاديمي اليمني على تلك الثورات الشبابية المتوقع حدوثها في اليمن ودول عربية أخرى من أحزاب المعارضة في تلك البلدان ومعها من وصفهم بـ”الانتهازيين السياسيين”.


وقال الصلاحي في تصريحه لـ”إسلام أون لاين” الخطير في هذه الثورات التي من الممكن حدوثها في اليمن والسودان وسوريا أن أحزاب المعارضة “المتبلدة” ومعها الانتهازيون السياسيون هم الذين سيعملون على إضعافها وإضعاف قوتها.. فلا تستطيع أي من القوى السياسية إسلامية كانت أو يسارية أن تدعي اليوم أنها خططت للاحتجاجات في تونس ومصر أو دعت لها.. فهذه القوى تحركت بعد تحرك الشارع”.


وأكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء أن عملية التغيير السياسي في اليمن لم تعد مطلباً لليمنيين فقط، بل أصبحت رغبة عربية ودولية. لافتا في السياق ذاته إلى أن “أمريكا والسعودية مقتنعتان بالتغيير السياسي في اليمن ومنتظرتان وقتاً معيناً لتنفيذه”.


وقال الصلاحي إن بإمكان النظام اليمني استباق محاولات تغييره بالقوة من خلال إحداث تغيرات واسعة وتشكيل حكومة جديدة تلبي تطلعات الشعب، وإجراء حوارات واسعة المدى مع المعارضة ومع كل الناس العسكريين والسياسيين والمنظمات المدنية، والعمل على إظهار وجوه سياسية جديدة ورموز اجتماعية وأكاديمية نظيفة اليد.. فذلك يمكن أن يغير الوضع، على حد تعبيره.


سياسيون: لا خطر على النظام اليمني


رئيس منتدى التنمية السياسية في اليمن، المحلل السياسي المستقل “علي سيف حسن” قلل من جهته من إمكانية حدوث ثورة مدنية قادرة على التغيير في اليمن كتلك التي شهدتها تونس ومصر، وعزا أسباب ذلك إلى خطر التفكك الذي يواجه هذا البلد، إضافة إلى عوامل أخرى منها: عدم وجود مشروع وطني واحد متفق عليه، وأن الشعب لن يستطيع البقاء في الشارع لعدة ساعات دون عنف، في إشارة منه إلى ظاهرة التسلح التي يتسم بها المجتمع اليمني دون غيره من المجتمعات، يقدرها البعض بنحو ثلاث قطع سلاح لكل مواطن.


وقال حسن في تصريح لـ”إسلام أون لاين”: اليمن كغيره من الدول العربية لديه إشكالية في الأنظمة السياسية تتمثل في “تمكين الأبناء”، وهي أقبح السياسات التي تمر بها الأنظمة المعاصرة، وتشكل الدافع الأساسي لتظاهر الشباب”، الذي قال إنهم يمثلون ثلثي السكان في اليمن وتتوفر لديهم مبررات التظاهر أكثر من أي شعب عربي آخر.


وتوقع استمرار الاحتجاجات والتظاهرات في اليمن وبحدة أخف مما كانت عليه بعد مبادرة الرئيس التي وصفها بأنها “خطوة إيجابية في طريق طويل” وغير كافية لتهدئة الشارع اليمني.


وتمنى السياسي اليمني المستقل على مكونات السلطة في اليمن تنفيذ رؤية الرئيس المعلنة بشأن رفضه للتمديد والتوريث والتعاطي معها بشكل إيجابي، وخاصة فيما يتعلق بـ”الحكم المحلي” باعتباره قضية مهمة وتواجه مقاومة ومعارضة في أوساط السلطة أقوى بكثير من أي جهة أخرى.


وكانت العاصمة صنعاء وعدد من المدن اليمنية شهدت مساء الجمعة مسيرات ومهرجانات ابتهاجية بعد نجاح الثورة المصرية، وإعلان الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك تنحيه عن الحكم.


وفيما عبرت الحكومة اليمنية عن احترامها لخيار وإرادة الشعب المصري الشقيق، اعتبرت أحزاب المعارضة اليمنية “تكتل اللقاء المشترك” ما حدث بمصر أعظم ثورة سلمية يشهدها العالم المعاصر سيكون لها ما بعدها في رسم ملامح المستقبل لعالم عربي جديد.


وقال الناطق الرسمي باسم المشترك الدكتور محمد القباطي إن سقوط مبارك أثبت أن القمع والبلطجة والرصاص الحي ليس بمقدوره بث الحياة في مومياء الأنظمة المحنطة. وبارك المشترك للشعب المصري ثورته المباركة التي أكدت للعالم أن النضال السلمي أقوى من أدوات قمع الأنظمة البوليسية المستبدة.


ودعا التجمع اليمني للإصلاح –أكبر أحزاب المعارضة اليمنية- من ينتمون إلى مدرسة مبارك من الزعماء والقادة أن يبادروا إلى انتهاز فرص الإصلاح والتغيير وسرعة التصالح مع شعوبهم والاستجابة لمطالبهم العادلة والانتقال بأوطانهم نحو تحول ديمقراطي حقيقي قبل أن تقول الشعوب كلمتها كما قالها الشعب المصري لنظام مبارك المندحر. معتبرا ما جرى في مصر اليوم انتصارا عظيما باللحظة الفارقة في تاريخ مصر والأمة.


وهنأ الإصلاح كافة أبناء الأمة العربية والإسلامية وجميع أحرار العالم بالانتصار الكبير الذي تحقق في مصر اليوم، والذي أكد أنه يفتح أبواباً مشرقة للحرية والديمقراطية في مصر وفي المنطقة بأسرها.


معتبراً أن الأمة اليوم وبنجاح ثورتي مصر وتونس تضع أقدامها على أعتاب مرحلة التمكين للشعوب والسقوط المريع للديكتاتوريات المتحجرة والتي يستوجب على من تبقى منها أن تستوعب الدرس جيداً، وأن تصغي لكلمة الشعوب وإرادتها التي لا تقهر.


ويعد الرئيس صالح الذي يجلس على كرسي الحكم منذ 32 عاماً عاشر الروساء الذين حكموا اليمن في شماله وجنوبه. حيث تعاقب على حكم اليمن منذ قيام الثورتين سبتمبر وأكتوبر (1962و1963) 10 من الرؤساء، 5 منهم حكموا في الجنوب والـ 5 الآخرين حكموا في الشمال.. وعلى الدوام، لم يكن كرسي الرئاسة في اليمن مستقراً، حيث أطيح بخمسة من الرؤساء بانقلابات عسكرية (4 منهم تعرضوا للنفي بعد الانقلابات وواحد أخضع للإقامة الجبرية) وأربعة تعرضوا للاغتيال.

إسلام أون لاين

زر الذهاب إلى الأعلى