أرشيف

النقيب : النظام لم يعد يسيطر على مقاليد الحكم ويعيش حالة موت سريري

المشترك وافق على المبادرة رغبتاً في الخروج من عنق الزجاجة بأقل كلفة


القوى السياسية أقرت بالقضية الجنوبية واعتبرتها المهمة الاولى للثورة


 


قال د. عيدروس نصر النقيب ان النظام لم يعد يسيطر إلا على مديرية واحدة في العاصمة صنعاء، وهو عاجز عن توفير الأمن والخدمات والقضاء العادل وإنجاز معاملات الناس فضلا عما يرتكب من جرائم بحق الشعب وبحق المال العام، مؤكدا ان نظام كهذا هو في حكم الساقط ولم يبق له من العمر إلا ما يبقى للمريض في حالة الموت السريري حد وصفه.


وأضاف الامين العام المساعد للجنة الحوار الوطني رئيس الكتلة البرلمانية للاشتراكي في حديثه للأمناء: أن كل القوى السياسية المنخرطة في الثورة سواء تمثلت بالقوى الشبابية الصاعدة، أو بأحزاب اللقاء المشترك أو باللجنة التحضيرية قد أقرت بالقضية الجنوبية واعتبرتها المهمة رقم واحد للثورة بعد الانتقال السلمي للسلطة، معتبرا موافقة المشترك على المبادرة على ما فيها من جور، رغبة في الخروج من عنق الزجاجة بكلفة أقل، لكن لاحظنا أن الأخوة في مجلس التعاون يقبلون بطلب التعديلات من طرف واحد.


حاورته: كروان الشرجبي


1- دكتور.. نبدأ حديثنا معك من اخر مستجدات فيما يتعلق بالمبادرة الخليجية..هل من جديد؟


لا شك أن المبادرة الخليجية التي أعلنت يوم الثالث من أبريل 2011م قد لاقت هجوما قويا من قبل السلطة والرئيس شخصيا وصوروها على أنها تدخل في الشأن الداخلي اليمني، لكن عندما جرى تعديلها المرة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، فلم تعد تدخلا في نظر السلطة، اللقاء المشترك وافق منذ اليوم الأول على مبادرة 3 أبريل، لكن حتى بعد ما عدلت في 10 أبريل قبل بنصها وكان قد طلب إعفاءه من المشاركة في الحكومة وهو تنازل عن حق منحته إياه المبادرة فقيل إما أن تقبلوا بالمبادرة كاملة أو ترفضوها كاملة وفي 21 أبريل كانت الصيغة النهائية التي وافق المشترك عليها على ما فيها من جور، رغبة في الخروج من عنق الزجاجة بكلفة أقل، لكن لاحظنا أن الأخوة في مجلس التعاون يقبلون بطلب التعديلات من طرف واحد، ولذلك نحن نرى أن أي تعديل على مبادرة 21 أبريل سيفرغها من مضمونها، وسيجعل النظام يتمادى في القتل والتنكيل متكئا على فقرة الضمانات التي تمنحه إياها المبادرة، ثم أن النظام يراهن على الوقت معتقدا أن هذا يخدمه بينما تذهب البلاد نحو الانهيار دون أن يعنيهم ذلك.


– الشباب يرفضون أي مبادرة لاتنص صراحة على التنحي الفوري للرئيس علي ماذا يراهن اللقاء المشترك اذا كان هذا موقف الشباب؟


هذا كان مطلب الثورة منذ يومها الأول ونحن نقر للشباب بهذا الحق، وعندما قبلنا بالمبادرة كان هذا من منطلق أنها ستؤدي إلى هذا الهدف، وإن بعد حين لأن الرحيل الفوري قد ينطبق على اليوم، وقد ينطبق على ما بعد 30 يوما، المشكلة ليست هنا, المشكلة في أن النظام لا ينوي تنفيذ ما في المبادرة ونعتقد أنه هو من صاغها بهذه الصيغة المطاطية بحيث تكون قابلة للتنصل منها في كل لحظة، ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن المشترك كان قد أكد على عدم التعرض لحق الاعتصام وتسيير المسيرات والفعاليات الاحتجاجية فقال أصحاب المبادرة إن مبادرتهم لا تنص على هذا وإن الفقرة الثانية المتعلق بإزالة عوامل التوتر تتعلق بإنهاء المظاهر العسكرية والكف عن التعرض للمدنيين، أي أن هذه الفقرة تتعلق بواجب تقوم به السلطة ولا يتعلق بالشباب المحتجين.


– كيف تفسر تناقضات النظام حول المبادرة الخليجية؟


تناقضات النظام في الموقف من المبادرة يعكس تناقضا حقيقيا في القناعات والمواقف الرسمية للسلطة وأركانها فهم من ناحية لا يرغبون في الاستجابة لصوت الشعب، ويتمنون لو يعود هذا الشعب من ساحات الاعتصامات ليناموا (الحكام) قريري العين، ومن ناحية يرغبون في استرضاء دول الخليج حتى لا يسدوا موردا من موارد الدعم الذي يعتقدون أنهم سيحصلون عليه بعد وأد الثورة، وبقائهم في الحكم إلى الأبد.


– برايك ما مدى نجاح المبادرة الخليجية ؟


أعتقد أن المبادرة تفقد قدرتها على تحقيق غايتها يوما عن يوم خاصة بعد أن تمادى النظام في قمعه وقتله للمعتصمين المدنيين، وما شهدته المدن اليمنية بعد صدور المبادرة يبين أن النظام يستخدم المبادرة لتكثيف سياسة القمع والتنكيل متكئا على ما تتضمنه من ضمانات، والأهم من هذا أن المبادرة صممت لتدع هذا النظام المخادع يجد مئات المبررات للتنصل من محتوياتها، حتى بعد 29 يوما من التوقيع عليها.


– هل تتوقع فترة زمنية محددة يسقط فيها النظام؟


أعتقد أن النظام قد راكم عوامل سقوطه يوم أن قرر أن يواجه الشعب الأعزل بالرصاص الحي، وبدأ ذلك مع نهاية العام 2006 عندما واجه نشطاء الحراك السلمي بالرصاص، سواء حينما كانت كل شعاراتهم مطلبية أو بعد أن بدأت تكتسب بعدها السياسي.


على الصعيد العملي النظام ذاهب باتجاه السقوط النهائي ويبدو أن أركانه ما يزالون يعتقدون أن بمقدورهم حكم هذا الشعب بعد أن خرج بالملايين لإعلان رفضه لهم، وفي الوقت الذي يفكر السياسيون اليمنيون والأشقاء والأصدقاء بخروج آمن للحكام يصر هؤلاء على رفع كلفة الخروج وهم ما يجعل مفردة الخروج الآمن تسقط كل يوم من القاموس، أعتقد أن النظام الذي لم يعد يسيطر إلا على مديرية واحدة في العاصمة وهو عاجز عن توفير الأمن والخدمات والقضاء العادل وإنجاز معاملات الناس فضلا عما يرتكب من جرائم بحق الشعب وبحق المال العام، نظام كهذا هو في حكم الساقط ولم يبق له من العمر إلا ما يبقى للمريض في حالة الموت السريري.


– ما مدى التنسيق بين اللقاء المشترك وشباب الثورة؟


الحقيقة أن الثورة عندما انطلقت لم تكن بقرار سياسي أو حزبي من أحد بل كانت نتيجة لإرادة الشباب في التغيير وإن انخرط في هذه الفعاليات الكثير من شباب الأحزاب السياسية دونما قرار من أي حزب. لكن المشترك وشركاءه اتخذوا قرارا بالالتحام بساحات التغيير انطلاقا من حق الشعب في المطالبة بالتغيير، واستعادة الحق في المواطنة وفي بناء الدولة المدنية الحديثة التي تأجلت كثيرا.


العلاقة بين الأحزاب وثورة الشباب تقوم على عاملين الأول هو إيمان الأحزاب بحق الشعب وحريته في التعبير عن مطالبه المشروعة بشتى الوسائل السلمية، والثاني عدم الوصاية على الشباب وتركهم يقررون الخيارات العملية للتعاطي مع القضايا التي تقتضيها كل لحظة، وبالتالي فإن الأحزاب ما انفكت تعلن صباح مساء بأنها في الوقت الذي تؤيد حق الشعب في التمسك بالتغيير فإنها ليست ممثلة لهؤلاء المحتشدين في الساحات ولا وصية عليهم، ولعل هذا هو ما جعل البعض يحاول إثارة الشباب ضد الأحزاب في محاولة لدق إسفين بينهما تارة بحجة أن الأحزاب خذلت الثورة بقبول المبادرات، وتارة أخرى بذريعة أن الأحزاب خطفت الثورة، وكل هذه الادعاءات لا تصيب ولو قدرا ضئيلا من الصحة.


– لكن الشباب يقول ان المبادرة لم تلب مطالبهم وان المعارضة لا تمثلهم كيف ترد على ذلك؟


لم يقل أحد أن الأحزاب السياسية وأقصد هنا أحزاب اللقاء المشترك، تعبر عن الشباب أو تمثلهم، الأحزاب تعمل في إطار ما تقتضيه اللحظة التاريخية من منطلقاتها السياسية، والتي قد لا تنسجم كلية بالضرورة مع كل ما يتخذه الشباب من خطوات لكنها، أي الأحزاب، لم تتخل ولن تتخلى عن دعمها لثورة الشباب، ولو لمسنا في المبادرة الخليجية ما يلحق الضرر بثورة الشباب لما وافقنا عليها، أما كونها لم تلب مطالب الشباب فمن حق الشباب أن يقفوا الموقف الذي يرونه مناسبا تجاه هذه المبادرة أو غيرها من المبادرات.


– كيف تقرأ موقف مجلس الامن تجاه الازمة في اليمن؟


مجلس الأمن تناول الوضع في اليمن في جلسة واحدة فقط، ولا أخفي عليك بأن الموقف لم يكن عند المستوى الذي توقعناه، ويبدو أن الدبلوماسية الرسمية التي فشلت في كل شيء تجاه مصالح اليمن واليمنيين، لا تزال تنجح فقط في مقاومة الشعب، لكن هذا الموقف سيكون إلى حين، وفي اللحظة يبدو أن مجلس الأمن راهن على المبادرة الخليجية التي عرقلتها السلطة بكل السبل، ولا شك أن تطور الأحداث لاحقا سيعيد القضية إلى الأروقة الدولية التي لا بد أن تكون لها موقف أكثر جدية تجاه ما يرتكبه النظام من جرائم بحق الشعب اليمني.


9- الثورة اليوم تحوى تكوينات من مختلف الاطياف هل من رؤية سياسية يتفق عليها الجميع؟


أعتقد أن تعدد الأطياف هو ظاهرة إيجابية في كفة الثورة وليست سلبية كما يصورها إعلام النظام الذي يكره التنوع ويمقت الاختلاف ولا يرى فيه إلا شرا مطلقا، لأنه لا يرى إلا لونه فقط، عندما يلتقي ابن صعدة الذي ظل يُتهم بأنه يدعو إلى الملكية مع العضو المؤتمري السابق، الذي ظل يعتبر ابن صعدة عدوا، مع ناشطي الحراك الذين ظلوا يتهمون بأنهم انفصاليون مع شباب الإصلاح وشباب بقية الأحزاب الذين ظل إعلام السلطة يصورهم على أنهم أصحاب مشروع تخريبي، عندما يلتقي ابن القبيلي الذي تخلى عن سلاحه، مع الأستاذ الجامعي، والطبيب مع المهندس مع الفلاح .. عندما يلتقي كل هؤلاء على عنوان واحد وهو التغيير فهذا مؤشر على أن الشعب اليمني قد حدد هدفه وعرف طريق الوصول إليه واختار آليات تحقيقه، إنه التغيير الذي وسيلته النضال السلمي وآليته هي حشد كل القوى حتى تحقيق هذه الغاية الوطنية الكبرى.


لقد آمنت الأحزاب السياسية بحق الشباب في اختيار وسائل وطرق عملهم دونما وصاية أو أستاذية، لكن الأحزاب إذ تؤمن بحق الشباب في اختيار وسائل عملهم فإنها تدعم نضالهم السلمي من أجل التغيير ولن تتخلى عن هذا الموقف مهما اشتدت عوامل الضغط والابتزاز الرسمي.


بقي أن أشير إلى أن الثورة ليست أيديولوجية حتى يتصارع الثوار فيها كل على أيديولوجيته، إن القضية التي تجمع الناس جميعا في كل ساحات التغيير وميادين الحرية، هي استبدال النظام المتآكل بنظام عادل مدني يحمي المواطن لا يقمعه ويعبر عن مصالحه لا عن مصالح ظالميه.


– ما موقع القضية الجنوبية في خضم هذا التفاعل السياسي؟


ما صار واضحا أن كل القوى السياسية المنخرطة في الثورة سواء تمثلت بالقوى الشبابية الصاعدة، أو بأحزاب اللقاء المشترك أو باللجنة التحضيرية قد أقرت بالقضية الجنوبية واعتبرتها المهمة رقم واحد للثورة بعد الانتقال السلمي للسلطة.. هذا الموقف ليس محاباة لأحد لكنه إقرار بعدالة القضية الجنوبية ومشروعيتها، فالكل يعلم أن الجنوب الذي دخل شريكا في مشروع تم وأده بعد ثلاث سنوات فقط، هذا الجنوب دخل كدولة لها عاصمتها وعلمها ونشيدها الوطني وعملتها وكرسيها في مجلس الأمن، والجامعة العربية وغيرها من المنظمات الدولية، هذا الجنوب دخل شريكا بالمناصفة في كل شيء، بل إنه اليوم يرفد الموازنة العامة بأكثر من 75% من الإيرادات، ولا ينال إلا أقل من الثمن من النفقات، ناهيك عن إقصائه شبه الكلي من المساهمة في صناعة القرار السياسي والمشاركة في الإنتاج الثقافي والفني والتحكم في حقه في التمثيل البرلماني ونصيبه من التنمية والخدمات التي قاربت الصفر، وإذا ما أضفنا إلى ذلك حالة القمع والتنكيل التي يتعرض لها النشطاء السياسيون، الذين بلغ عدد شهدائهم أكثر من 700 شهيد وأكثر من ألفي جريح وسياسة الملاحقة والاعتقال والمحاكمات التعسفية فإنه يمكننا التأكيد أن القضية الجنوبية ليست فقط قضية مطلبية، بل إنها قضية دولة دمرت، وأرض نهبت وحقوق انتهكت وهوية مسخت وثقافة سطحت وتاريخ يزور وثروة يعبث بها وشراكة وطنية ألغيت ودماء تراق وأرواح تزهق وحريات تصادر، وأي معالجة للقضية الجنوبية ينبغي أن تنطلق من هذه الحقائق التي لا يمكن دحضها، وفي تصوري أن الثورة هي التي ستفتح الآفاق للتعاطي مع القضية الجنوبية بأفق مفتوح يعيد الجنوب إلى مكانه كشريك حقيقي في المعادلة السياسية اليمنية، معادلة الدولة المدنية والتنمية والمجتمع العادل ومنظومة المؤسسات، بعد أن ظل النظام يتنكر لهذه القضية ويتعالى على أصحابها ويكابر في مواجهة حقائق التاريخ وينظر إلى الجنوب على أنه ليس أكثر من مورد غزير لتغذية الفساد وتنمية موارد الفاسدين.


– يبدو ان النظام يتعمد ايقاع البلد في مأزق سياسي واقتصادي كيف ستواجهون ذلك؟


النظام قد أدخل البلد في مأزق مركب، سياسي اقتصادي، اجتماعي أخلاقي تنموي، مأزق وصل إلى حافة الهاوية، والمجتمع اليمني احتفظ ببعض التماسك ليس بفضل وجود نظام ولكن بحكم غريزة التوازن التي استعاض بها المجتمع عن غياب الدولة، أعتقد أن التغيير الوشيك هو البوابة لمعالجة مختلف المآزق التي وضع النظام كل البلد فيها، وعندي يقين مطلق أن الشعب الذي يخوض ثورة سلمية على مدى ما يقارب أربعة أشهر دون أن يحرق شجرة واحدة أو يكسر واجهة زجاجية، ولم ينتقم من قتلة نشطائه، هو شعب مؤهل لخوض معركة الترميم لكل التصدعات التي ألحقها النظام بالبنيان المجتمعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومعالجة التشوهات الثقافية والقيمية التي ألحقها هذا النظام بالبلد وسمعتها ومكانتها الدولية.


12- في حال فشل المبادرة الخليجية واصرار النظام على التمسك بالسلطة هل ستتخذون مواقف عملية كاعلان الكفاح المسلح مثلا؟


من الواضح أن النظام قد أظهر إصرارا عجيبا على رفض المبادرة الخليجية منذ يومها الأول سواء من خلال الحملة التهجمية ضد قطر التي لا ذنب لها في ما وصلت إليه اليمن، إن لم تكن هي أحد أقوى الأصدقاء لهذا النظام، أو من خلال الإصرار على التعديلات المتواصلة حتى أفرغت من كل مضمون، أو من خلال رده الأخير على قرار اجتماع القمة التشاوري لدول مجلس التعاون والذي تمثل بقتل أكثر من عشرين ناشطا وأكثر من أربعين جريحا، في صنعاء وتعز والحديدة والبيضاء، وهو ما مثل رسالة للدول المبادرة أن هذه المبادرة مرفوضة حتى بعد كل التعديلات التي أدخلها عليها النظام نفسه، أما الخيارات فنحن نرى أن المبادرة بقدر ما مثلت رغبة من الأشقاء في تجنيب اليمن مخاطر الانزلاق إلى الهاوية فإنها قد شوشت الأجواء على شباب الثورة، الذين لم يتخلوا عن إصرارهم على مواصلة ثورتهم السلمية حتى النهاية، وفشل المبادرة سيعني استمرار الثورة حتى تحقيق أهدافها وبالوسائل السلمية التي تمسك بها الشباب منذ اليوم الأول.


أما ما أشرت إليه من حديث عن كفاح مسلح فأقول لك اسمحي لي أن الشعب قد اكتشف أنه لا شيء يزعج هذا النظام أكثر من الفعاليات السلمية لأنها تفوت الفرصة على المتعطشين للقتل ومصاصي الدماء، بل إن السلطة هي من تخوض كفاحا مسلحا ضد شعب أعزل لا يحمل إلا اليافطات والورود، وللأسف السلطة تقابل الورود بالقتل وهذا يكشف الفرق بين ثقافتين تنتميان إلى عالمين مختلفين عالم المدنية والرقي والنبل والسلام، وعالم الهمجية والقتل والعدوان، وعلى كل فإن ما ترتكبه السلطة هي جرائم لا تسقط بالتقادم، ولن يتسامح بها الضحايا مهما طال الزمن أو قصر.


– هناك بعض الاخطاء صاحبت حالة العصيان المدني في عدن كيف تنظرون الى ذلك؟ وما معنى العصيان المدني وما مدى تأثيره؟


العصيان المدني هو أحد أشكال النضال المدني السلمي وله تاريخ عريق في نضالات الشعوب ضد الظلم والطغيان، العصيان المدني يعني تعطيل الحياة في المؤسسات الإنتاجية والإدارية والتنفيذية، والخدمية التي يستثنى منها في العادة الخدمات الضرورية كطوارئ المستشفيات وخدمات المياه والكهرباء والمؤسسات التموينية الضرورية، وفي نظري هذا النوع هو أكثر جدوى في البلدان التي تعتمد على الإنتاج الصناعي والزراعي، والتي فيها مؤسسات إدارية قوية وفعالة، ودون أن نقلل من أهمية هذا النوع من النضال السلمي كوسيلة نضالية مشروعة، فالكل يعلم أن الصناعة في اليمن متعطلة بدون عصيان مدني، والزراعة مهملة ما عدا زراعة القات التي لا تشترك في العصيان المدني، والمؤسسات التنفيذية هي متعطلة أصلا قبل الدعوة للعصيان المدني، ومن هنا فإن تأثير هذا النوع من النضال السلمي يكون قليلا ويهمني هنا أن أشير إلى أن العصيان المدني ينبغي أن لا يلحق الضرر بالخدمات الضرورية كالخدمة الطبية والتموينية، وتزويد المواطنين بالمياه والكهرباء، وأن يتركز على تعطيل وشل عمل مؤسسات الدولة التي تستخدم في قمع المواطنين والتنكيل بهم، والحرص على عدم المساس بمصالح المواطنين، وفي تصوري أن الحركة الاحتجاجية ستكتسب خبرات جديدة تتجنب من خلالها الأخطاء التي قد تبدو هنا أو هناك.


– وسائل الاعلام الرسمي تقول: ان من يقود الثورة هم اقلية وان اغلبية الشعب تقف الى جانب النظام وما مدى صحة ذلك؟


لو صدقنا وسائل الإعلام الرسمية لذهبنا معها إلى الجحيم وهي تقول لنا إنها تذهب بنا إلى الفردوس، أجهزة الإعلام الرسمية فقدت مصداقيتها منذ زمن، فلم تعد تقنع حتى العاملين فيها ناهيك عن مشاهديها، وبالتالي فنحن لسنا في وارد الرد عليها، لأن مناقشتها هو مضيعة للجهد والوقت، وما فضيحة المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية مع قناة الجزيرة إلا تلخيص للسياسة والسلوك الرسمي لأجهزة الإعلام ونحن نعرف هذا منذ زمن، لكن الحادثة كشفت حقيقة ظلت غائبة عن الإنسان العادي وبينت للجميع كيف يتصرف إعلاميو السلطة.


لكن اسمحي أن أعلق على حكاية الأقلية والأغلبية، إنهم يجتهدون خلال أسبوع ويخططون ويبذلون مئات الملايين لجمع عشرات الآلاف في ميدان السبعين، ليبترعوا ساعتين ثم ينصرفون، ومن بين هؤلاء من يحضر بالإكراه من الموظفين والجنود والضباط خوفا على مصادر رزقهم، هؤلاء لو مكثوا يومين أو ثلاثة أيام فقط في مكانهم لدخلوا في عراك لا تحمد عواقبه, لذلك يحرص الداعون لهم على أن يصرفوهم خلال ساعتين، وهؤلاء هم أنصار السلطة الآتين من كل محافظات الجمهورية، والمقارنة بينهم وبين المعتصمين في أكثر من 17 محافظة مقارنة ظالمة، لأن الأخيرين يتجمعون بالملايين في الساحة الواحدة مثل صنعاء وتعز وإب والحديدة، وبعشرات الآلاف في بقية المدن، هؤلاء لا يمكثون ساعتين بل 24 ساعة في اليوم وليس يوما واحدا بل 7 أيام في الأسبوع، الأولون يأتون بحماية الأجهزة الأمنية ويتقاضون مكافآتهم من موازنة الدولة، وأولئك يأتون ولا يعلمون من سيقتل منهم ومن سيصاب ومن سيختنق بالغازات السامة، ومع ذلك يصرون على ممارسة حقهم في الاحتجاج، فمع من الأغلبية ومع من الأقلية؟ ألم أقل لك إن المقارنة ظالمة؟



15- انضمت كثير من القيادات العسكرية للثورة بما تفسرون انضمامهم؟


انضمام العسكريين إلى صف الثورة أمر طبيعي فهم جزء من الوطن ومصلحتهم تكمن في المستقبل، والثورة تبشر بالمستقبل، وانضمام العسكريين ينبغي أن ينظر له على أنه مساهمة في الثورة وليس وصاية أو استحواذا كما يقول إعلام السلطة، الإخوة العسكريون يوم أن أعلنوا تأييدهم للثورة قالوا إنهم يؤيدونها سلميا وحتى الآن هم لم يتدخلوا في ما تقره الساحات، وعلى الشباب أن لا يسترخوا كثيرا وقد لاحظنا أن الساحات تتمتع بنفس الزخم سواء تلك التي يوجد فيها المؤيدون العسكريون أو غيرها، وعلى العموم تأييد العسكريين للثورة خطوة كانت متوقعة، وهي خطوة تستحق الثناء والإعجاب والتحية لمن أقدم عليها.


16 نريد أن نستشف منك الجواب الأخير: كيف تقرأ مستقبل اليمن؟


لست من الرومانسيين الذين يتخيلون التمنيات على أنها حقائق أو قريبة من الحقائق، لكنني أقرأ المعطيات قراءة معمقة، وما تشهده اليمن اليوم هو برهان على أن الأوضاع في البلد قد بلغت حدا لا رجعة فيه، حدا برهن فيه النظام القائم شيخوخة لا تقبل العلاج، وبرهن الشباب أنهم قادرون على التغيير نحو الأفضل واستحضار البديل الأفضل، يبقى السؤال ما نوع البديل الآتي، أعتقد أن اليمن لن تستقر ولن تنهض نحو المستقبل إلا بدولة مدنية ، قوامها المواطنة ومشروعية المؤسسات، وإرساء روح القانون، والتداول السلمي للسلطة، وأتصور أن هذا صار اليوم قناعة لدى الكل حتى غالبية الحزب الحاكم التي لا تحكم، وهذا هو المستقبل الذي أتوقعه لليمن، والذي بالتأكيد لن يكون خاليا من المصاعب والتعقيدات والتحديات الكبرى.


17- هناك من يقول ان اللقاء المشترك شريك اساسي في تدهور الاوضاع في اليمن كيف ترد؟


أعتقد أن المشترك بذل جهودا استثنائية في التصدي للسياسات المعوجة التي تدير السلطة بها البلاد، وأذكِّر هنا فقط أنه عندما كان نواب المشترك ومعهم عدد من المستقلين والخيرين من نواب المؤتمر يتصدون للسياسات الرسمية، داخل قاعة البرلمان، كانوا يشعرون في كثير من الحالات بأنهم وحدهم يواجهون هذا الغول الذي يلتهم كل شيء، وعندما دعا المشترك إلى الهبة الشعبية، كان يستشعر أن اليمن مقبل على مجهول مخيف، خاصة لو أن السلطة نجحت في تمرير مشروع التوريث.


ربما يكون المشترك أخطأ في الرهان على إمكانية التصرف العقلاني من الحكام والرهان على إمكانية تصويب سياساتهم، وهذه غلطة مصدرها حسن النية وليس سوءها ، وعلى العموم المشترك ليس مجموعة من الملائكة، فقياداته هم بشر يصيبون ويخطئون، ولكن هناك فرق بين الخطأ الصادر من حسن نية والخطايا المزمنة المخطط لها والصادرة عن حاكم يعلم أن نتائج سياساته هي الكوارث بعينها ومع ذلك يصمم على التمسك بها عقودا من الزمن.


18. كلمة أخيرة.


اسمحي لي في الأخير أن أتوجه بدعوات أربع: الأولى: إلى أفراد القوات المسلحة والأمن ممن لم يحسموا موقفهم من الثورة، ومن لا يزالون يقفون في صف النظام، وأقول لهم: إنكم تؤيدون القتل والعدوان وإنكم تعتدون على إخوانكم وآبائكم وأبنائكم، فهل أنتم راضون أن تقفوا في صف الباطل وتتصدوا لأصحاب الحق؟ تذكروا أن من يقتل اليوم هو صاحب حق ينهي عن منكر، ومن يأمركم بالقتل هو صاحب منكر يقاوم الحق، فهلموا إلى صف الشعب وكونوا على يقين أن هذا هو مكانكم الطبيعي، لأن النظام الذي يجركم إلى الدفاع عنه سيتخلى عنكم بمجرد انهيار آخر جدرانه.


والثانية: إلى قادة مجلس التعاون الخليجي، لقد ظل النظام يراهن على تضليلكم وصوركم على أنكم تدافعون عنه بتضمين مبادرتكم النبيلة والصادقة بند الضمانات وهو ما شجعه على الاستمرار في سياسة القتل، وهو يسخر منكم وكأنه يقول لكم، سأتقيد بمبادرتكم حتى يوم التاسع والعشرين، وبعدها سيقلب لكم ظهر المجن ويعود إلى ما يسميه بالشرعية الدستورية، إنني أدعوكم إلى ممارسة كل الضغوط على النظام لوقف القتل، واحترام إرادة الشعب، والرحيل دونما ضمانات وبأسرع وقت ممكن.


والثالثة: إلى المنظمات الدولية والشركاء الدوليين، أقول لهم إن اليمنيين يخوضون عملا سلميا من أجل رفع الظلم الجاثم على صدورهم منذ ثلث قرن، وهم يخوضون عملا سلميا نبيلا لم يكسروا فيه غصن شجرة ويواجههم النظام بالرصاص والغازات السامة ويقتل منهم في اليوم الواحد العشرات، فحتى متى تتفرجون على جرائم هذا النظام؟ .. إن دماء وأرواح اليمنيين ليست أرخص من دماء وأرواح السوريين والليبيين.. إننا نناشدكم التدخل لحماية اليمنيين من القتل المتواصل منذ أكثر من سبع سنوات، بل منذ 33 سنة، لقد قتل النظام أكثر من 700 مواطن جنوبي وجرح أكثر من 2000 لأن الجنوبيين خرجوا في فعاليات سلمية مطالبين بحقوقهم، وقتل في حربه العبثية على صعدة أكثر من عشرين ألف جندي ومواطن، ومثلهم وربما أكثر منهم من الجرحى، وقتل في الثورة السلمية أكثر من 150 شهيدا وجرح الآلاف، فما الفاتورة المطلوبة حتى تتدخلوا لرفع الغطاء عن هذا النظام واتخاذ إجراءات عقابية رادعة ضد أقطابه على ما يرتكبونه من جرائم في حق هذا الشعب.


الرابعة: إلى نشطاء الثورة السلمية، أقول لهم لقد اجترحتم مأثرة تاريخية فاتت على الأجيال السابقة لكم، فتمسكوا بثورتكم، ولا تفرطوا بخياراتكم السلمية، واستفيدوا من بعض الأخطاء التي قد تقعون فيها هنا أو هناك لتجنبها، وواصلوا ثورتكم حتى النهاية ولا تلتفتوا لما يقوله المتخرصون وضاربو الدفوف في حفلة زار السلطة ومهرجاناتها الاستعراضية الزائفة فقد جربناها ثلث قرن وهي تمارس الكذب والتضليل، وهي ما تزال تعتقد أننا سذج يمكن أن نصدقها رغم ما تعلمناه منها من عبر.

ينشر بالتزامن مع صحيفة الأمناء

زر الذهاب إلى الأعلى