أرشيف

د.الصلاحي: لابد من تشكيل خارطة سياسية جديدة وفق مصالح ترتبط بالنظام السياسي القادم ولابد من قطيعة مع هذه المرحلة التي نعيشها

الأحزاب هي صنيعة النظام الذي خرج الناس للمطالبة برحيله
السعودية على وجه التحديد لا ترغب بدولة مدنية على حدودها ولا بدولة ديمقراطية ولا بثورة
أتمنى أن يقوم المشترك بترشيح الدكتور ياسين رئيساً للمجلس الوطني لقيادة المرحلة الانتقالية باعتباره شخصية جامعة
أدعو قوى الثورة من الشباب في الساحات إلى الخروج من حالة الانتظار والملل لمجرد تجميد ثورتهم وحركتهم إلى ممارسة نشاطهم بوعي
هناك تحالف له دعم إقليمي ودولي يضم العسكر والقبائل والأصوليين ورجال الأعمال سيسيطر على النظام القادم، أي سيعمل على سرقة الثورة
لم نعد إزاء ثورة بل إزاء قــوى متصارعة تريد أن تدخـــل في مرحلة كسر العظم مع  بعضها البعض
لا يوجد تناقض بين الإسلام والدولة المدنية فالإسلام نفسه دين مدني والدولة المدنية ضد التسلط الديني والسياسي

حاوره/ فخر العزب
في قراءة أكاديمية لأحد أشهر المراقبين والمتابعين على الساحة السياسية يتحدث الدكتور فؤاد الصلاحي عن مستقبل البلد وعن الواقع الذي ستفرزه الثورة التي تواجه اليوم كثيراً من التحديات وفي مقدمتها ذلك التحالف بين القوى التقليدية والعسكر والتجار والذي يقود اليوم ما يسمى بالثورة المضادة ..
وفي هذا الحوار الذي لا يخلو من الشفافية يتحدث الدكتور / الصلاحي عن الدور الذي لعبته الأحزاب السياسية في الثورة والذي وصفه بالسلبي واتهمها صراحة أنها حولت الثورة إلى أزمة من خلال ذهابها إلى المفاوضات والتحاور في ظل افتقادها إلى البرامج والرؤى الخاصة بالمرحلة القادمة وهو ما يضع البلاد أمام عدد من التحديات تجعل الفرصة الكبرى أمام القوى التقليدية والمدعومة من القوى الدولية والإقليمية لتسلم السلطة في البلد نتيجة للمصالح المشتركة، كما يتطرق الحديث إلى قضايا أخرى .. فإلى الحوار ..
    ما هو تقييمك للخطاب الإعلامي لأحزاب المشترك والمواكب للثورة ؟
– والله أنا تقييمي للمشترك نفسه وليس للخطاب الإعلامي لم يكن يواكب الحدث ولا معبر عنه ولا مستوعب للحدث الثوري نفسه.
بالعكس أنا من الذين قلت هذا من سابق.. قبل ثلاثة أشهر وحتى الآن.. ولازلت مصراً عليه بأن اللقاء المشترك راهن بشكل كبير لتجميد الثورة وتجميد العنفوان الثوري في الساحات.. ومن ثم فإن خطابه الإعلامي جاء متهافتاً لم يستطع أن يواكب الحدث بمضمونه السياسي والوطني العام، ولا استطاع أن يكون أداة من أداة خلق وعي داخل المجتمع لحشد القوى المجتمعية وتوفير الاصطفاف مع الساحات، أي أن المشترك لم يكن كما كنا نتصور أو نأمل منه أو حتى كما كان يأمل البعض.
    برأيك إلى أي مدى نجحت المعارضة اليمنية أو المشترك السياسي في خلق المشترك الثقافي خلال أيام الثورة من خلال توحيد الخطاب والأهداف وما إلى ذلك؟
– المشترك كأحزاب لم يخلق أي شيء جازم في الساحات، فالجانب الثقافي خلقه الفعل الثوري، والفعل الثوري ونزول الناس إلى الساحة حفز المجتمع كله من ريف وحظر وقبائل وطلاب وعمال ونساء بأنهم أمام مرحلة تاريخية فاصلة توحدهم من أجل هدف مشترك، جميعهم كانوا يرغبون بالتغيير السياسي وتغيير النظام ورحيل النظام بأكمله، وهذا الذي قام بتوحيدهم وليست أحزاب المشترك. هذا كلام غير علمي وغير دقيق وغير منطقي أن الأحزاب فعلت شيئاً.
الآن لو تنزل إلى الساحات وبالذات ساحة صنعاء لا يوجد واحد من كل ألف يحترم المشترك أصلاً، ناهيك على أن يتفق معه، أنا أقول هذا كتقييم موقف من خبير مراقب ومحلل، فأنا تحدثت وكتبت عن هذا الوضع قبل أن يوجد المشترك أصلاً.. الساحات كانت تأمل بأن المشترك سيأخذ بيديها إلى الأمام ويمثلها أفضل تمثيل ويعبر عن أهدافها.. لكن العكس فقد كانت هناك ازدواجية، في حين أن الشباب يرفعون سقف المطالب الثورية إلى أعلى سقف لها كالرحيل والمحاكمة، والأحزاب تهرول إلى الرياض للحوار على مبادرة لا تلبي ربع المطالب المعلنة في الساحات.
الآن هناك ثلاثة أو أربعة أشهر من الخمول في الساحات لا يوجد أي نشاط ثقافي أو سياسي أعلنته أحزاب المشترك لتفعيل الوعي داخل الساحات، بالعكس هذا ما نقوم به نحن كمثقفين وأكاديميين، فأنا مثلاً أقمت أكثر من ثلاثين محاضرة داخل ساحة صنعاء، وهذا ما يقوم به زملائي في كل الجمهورية من مثقفين وصحافيين وصحفيات، فهذه الأحزاب هي صنيعة النظام الذي خرج الناس للمطالبة برحيله…
    ما هي الأسباب التي جعلت الكثيرين ينظرون إلى المشترك باعتباره عائقاً للثورة.. وما مدى صحة ذلك..؟؟
– هناك أسباب تتمثل في: الذهاب إلى الحوار والمفاوضات في وقت لم يكن مسموح لأي ثائر يتحدث عن المفاوضات كانت الأمور مطروحة بشكل جدي وبشكل جمعي هناك عنفوان في كل الساحات يطالب بالرحيل والمحاكمة والإنهاء الكامل للنظام برمته، وهم ذهبوا إلى أبسط الطرق وإلى أبسط وأقل المطالب السياسية، هم من حولوا الثورة إلى أزمة، وأن المبادرة كانت بعنوانها أزمة بين الطرفين المعارضة والنظام، مع أن الواقع لم يكن كذلك كان هناك شعب ونظام، وهذه الإشكالية الحقيقية، المشترك حتى الآن ليس له بديل فكري أو سياسي، وأن ما قالته الدبلوماسية البريطانية خلال أسبوعين في لقائها مع الشباب في صنعاء بأن المشترك لم يستطع أن يقنع الجانب الدولي والإقليمي للوقوف مع الثورة؛ لأنه لم يقدم بديلاً لا أشخاصاً ولا برنامجاً ولا رؤى ولا ما هي الآليات التي سيعتمدها لنظام الحكم في المرحلة القادمة..؟ ومن ثم قال الدبلوماسيون الأجانب للمشترك إنكم لم تقنعونا في شيء من هذا، ونحن لم نستطع أن نقف معكم ما لم تتضح الصورة لدينا ولديهم، فأي أحزاب هذه التي ليست لديها قدرة على خلق تصور سياسي بديل لمرحلة ما بعد النظام الذي نطالب بتغييره..؟ وإلا لماذا تصدرت المشهد السياسي إذا لم تترك الساحات وتترك الشباب يتحدثون بأنفسهم ويشكلون قيادات بمفردهم.
هذه الأحزاب أضاعت فرصاً عديدة، كان يمكن بعد جمعة الكرامة أن ينهار النظام بأسبوع واحد إذا كان هنالك شأن ثوري قوي شامل في كل الساحات وتتزايد الاصطفافات القبلية والمدنية في كل عموم الجمهورية.. ونحن عندما ننظر إلى المشترك.. يجب أن نسأل أنفسنا من هم المشترك؟ لايزال المشترك جزءاً كبيراً من أحزاب مرتبطة بالنظام بطريقة أو بأخرى، يعني ليست تلك الأحزاب النقية التي نعتقد أنها ممكن تكون بديلاً كاملاً للنظام أبداً.
    هل ترى أن الثورة ستلد أحزاباً جديدة ذات طابع جديد؟.. أعني بعيداً عن الأحزاب ذات الطابع الإيديولوجي، أم أن الأحزاب الحالية ستظل هي السائدة في الساحة ؟؟
– طبعاً هي لو لم تتخلق أحزاب لظهر ذلك الجمود والتبلد في الشعب، لابد من أحزاب جديدة بإيديولوجيات متغيرة ومرنة ومتجددة، أنا دعيت في محاضرة قبل الثورة بستة أشهر عملتها مرتين مرة في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي والثانية في منتدى الجاوي الثقافي إلى ما أسميته آنذاك (نحو يسار جديد في المنطقة العربية).. ودعيت شباب الأحزاب لأن يخرجوا لتشكيل تنظيماتهم السياسية بعيداً عن الحرس القديم، الشباب لهم مطالبهم الخاصة ولهم رؤاهم، يعيشون مرحلتهم، لماذا هم مضطرون إلى الارتباط بحرس قديم لم يعد من هدف أمامه إلا الحفاظ على وجوده في رأس الأحزاب؟، ومن هنا شأننا شأن المصريين والتوانسة وغيرهم لابد لكل مرحلة من قوى تنظيمية جديدة، وهذا حصل قبل ثورة 62 كانت هناك أحزاب متعددة ومتنوعة، وإن كانت في بدايتها، وفي العمل السري كانت هناك أحزاب نضجت وتعددت وعملت بشكل أو بآخر، ومع قيام الوحدة ظهرت أحزاب عديدة، ومن ثم انخفض عددها إلى 22 حزباً، الآن لابد من رؤى سياسية جديدة، لابد من ظهور حركات اجتماعية، لابد حتى من إعادة تحالفات، حتى المشترك هذا أنا لا أتصور أنه سوف يستمر، أنا الآن أدعو إلى إعادة النظر في المشترك نفسه، لماذا لا يمثل الاشتراكي كتلة سياسية جديدة مع تحالفات أخرى والإصلاح كتلة؟، الإصلاح في اليمين السياسي والاشتراكي على اليسار وبينهما أحزاب عديدة يستطيعون أن يشكلوا كتلتين كل منهما لها رؤاها السياسية والإيديولوجية والثقافية، حتى اللحظة لا يوجد اتفاق بين جميع أحزاب المشترك على رؤية استراتيجية لليمن، فمثلاً مفهوم الدولة المدنية لايزال الكثيرون في حزب الإصلاح ضد هذا المفهوم، وقد عبر عن ذلك بعضهم علناً وجهاراً في الساحات، ونزلت كتب تنادي بعدم القول بالدولة المدنية، وتكفر قائليها، إذاً لابد من إعادة تحالفات سياسية جديدة، لابد من تشكيل خارطة سياسية جديدة وفق مصالح ترتبط بالنظام السياسي القادم، ولابد من قطيعة مع هذه المرحلة التي نعيشها، إذا لم يتشكل فهذا معناه أن الوعي السياسي في اليمن غير ناضج، غير متبلور، لم يتسع مفهوم الدولة المدنية والمجتمع المدني، ولكننا كنا نأمل بأن الشباب الذين يمتلكون قدراً من التعليم والثقافة ومطلعون على الإنترنت والسفريات من شأنهم أن يتقدموا ولو بجزء من الوعي السياسي.
     ما هو تقييمك لدور القبيلة اليمنية في الثورة؟
– القبيلة بشكل عام بكلمة موجزة لعبت في كل الأحداث السياسية من 62 وحتى الآن دوراً كبيراً، ومن قبل ذلك، وهذا لا يعني بأن القبيلة قوة بحد ذاتها، قوة القبيلة خلال 30 سنة ترتبط بإعادة إنتاجها من قبل النظام السياسي ومن قبل الأحزاب القومية والإسلامية التي ارتبطت بالقبيلة للاحتماء بها ولتوظيفها سياسياً، ومن ثم فالضعف الراهن في الأحزاب والمجتمع المدني عكس نفسه في بروز قوة تقليدية فاعلة التي هي القبيلة، والأصل بأن المجتمع اليمني من أحزاب وجمعيات مدنية ونقابات وغير ذلك كان يجب أن تكون هي البديل والإطار التنظيمي الأوسع لكل أبناء اليمن (أفراد ــ ريفيين ــ حظر) … الخ. لكن لم تستطع هذه الأحزاب أن تلبي مطالب الشباب ولا مطالب المثقفين ولا مطالب القبائل، فالأسهل تنظيمياً للقبيلة أن تعيد بناء ذاتها في إطار هذه الأزمات، ونحن  نعلم أنه كما يوجد أسباب داخلية في قوة القبيلة وهي دور النظام في إعادة إنتاجها ودور الأحزاب منذ ثلاثين سنة كذلك هناك بعد إقليمي ودولي داعم لشيوخ القبائل، وكما هو معروف هناك ارتباطات كثيرة للمشائخ في السعودية وأمريكا، وأصبحت الآن قطر والإمارات وليبيا، وهناك دعم معروف وملموس، وتستطيع أن تفعل تحقيقاً في الساحة وتأخذ أسماء الأشخاص الذين يرتبطون بهذه الدول وأنتم تعرفونهم .
     هل ترى أن دور القبيلة البارز في الثورة سيعمل  على تقليص إمكانية تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة وسيادة القانون وبما يعزز من دور القبيلة..؟
– ليست القبيلة وحدها وإنما هناك تحالف بين المتضررين من مفهوم الدولة المدنية، مجموعات أصولية، ولا أقول أحزاب بل هي مجموعات أصولية وهابية ومجموعات قبلية ومجموعات عسكرية جميعهم يشكلون تحالفاً؛ لأن الدولة المدنية هي في الأصل دولة النظام والقانون، هي دولة المؤسسات، هي دولة ديمقراطية نزيهة.
لا تستطيع مجموعات أخرى أن تعيش في ظلها، وهي تعودت أربعين عاماً من العمل بطريقة غير شرعية وغير قانونية، يضاف إلى هؤلاء تحالف العسكر والقبائل والأصوليين، هناك مجموعة من التجار “رجال المال” الذين أسميهم (محدثي نعمة) الذين تشكلت ثروتهم بطرق غير شرعية وغير قانونية، هؤلاء يشكلون جميعهم تحالفاً له دعم إقليمي ودولي، ربما سيسيطرون على النظام القادم، بمعنى سيعملون على سرقة الثورة وبناء نظامهم التابع إقليمياً ودولياً.
      ما هي التغيرات التي أحدثتها الثورة في السلوك القبلي.. وهل ترى أنها تغييرات عميقة أم سطحية ..؟؟
– هي تغييرات سطحية أولية، هي فقط فجرت النزعة لديهم بأن يعبروا عن كل ما كانوا يرغبون في الخوض فيه والتعبير عنه جهاراً نهاراً من رفضهم للنظام والمؤسسات الأمنية والقضائية وغياب التنمية في المحافظات القبلية مثل مأرب والجوف وشبوة وبقية المحافظات، فقط إنها رفعت عنهم الغطاء ودفعت بهم إلى الساحة وكشفت عن رغبتهم بالتغيير والتجديد والتطوير، لكن إذا كانت الأحزاب لم تستطع أن تفعل شيئاً منذ أربعين عاماً فهل يمكن أن يحدث تغيير ثقافي إيجابي في حالة واحدة؟.
 إن خروج الناس للساحات عمل على كسر حالات التبعية وكسر الخوف، وبالتالي سيتعود الناس على الخروج للتعبير في كل أزمة من الأزمات القادمة.
    ما هي العوامل التي ساعدت على تماسك نظام”صالح” طوال هذه الفترة من الثورة ؟
هي عوامل عديدة جداً؛ لأن النظام لم يهتز كثيراً، ربما ثلاث أو أربع نقاط ضعف التي حصلت للنظام تمثلت الحالة الرئيسية برغبة المجتمع في رحيل الرئيس وانتهاء فترته وعدم التوريث هذا لم يعد مقبولاً لا التوريث ولا التمديد.
 النظام اتضح أنه عاجز عن أن يتحكم بالمجتمع كما كان يتصور من قبل، كان لديه تصور وغرور بأن قوته الأمنية ستوقف المجتمع على رجليه، وهذا غير صحيح. اتضح الآن أن هناك من 10 إلى 15 محافظة لا يستطيع النظام أن يتواجد فيها أصلاً، هو لديه أربع أو خمس ساحات يعمل من خلالها في صنعاء وتعز وعدن، وهي المحافظات التي فيها قوى مدنية عدى ذلك النظام يغيب في المحافظات الأخرى، لكن لايزال النظام مرتبطاً بالقوات المسلحة والأمن، وهؤلاء غالبيتهم مع النظام، وهنا نشير إلى نقطة أننا في اليمن ليس لدينا جيش وطني ذو أصول عقائدية، هناك حشود من الأفراد ينتظمون في معسكرات يرأسها أقارب النظام فقط وتعطى لهم مكافآت ورواتب على هذا العمل، لكن لا يوجد جيش وطني مثلما حصل في مصر أن هناك إطاراً مؤسسياً ملتزماً بالدستور والقانون ومن ثم الأولوية في فعل الجيش ضمن الاستحقاق الدستوري والقانوني يستطيع القادة أن يكونوا مستقلين عن الرئيس ومستقلين عن الأهواء الشخصية لأي واحد يستطيع أن يستخدمهم لأغراض شخصية هذا لن يحصل.
     ما هي قراءتك لأدوار قوى الثورة وقوى المعارضة الموازية التي أدت إلى بقاء النظام كل هذه الفترة..؟؟
– من يوم 21/3 عندما جاء العسكر والقبائل والمشائخ إلى داخل ساحة صنعاء وفي نفس الوقت وفي نفس الأسبوع عندما هرول المشترك للرياض وإلى السفارات هذه أول نقطة ضعف رئيسية أضعفت الثورة بمعدل 50% لأنه لا يوجد ثورة بالعالم في بداية انفجارها وفي أوجها وعنفوانها يذهب الثوار للمفاوضات، هذا أمر غير منطقي وغير عقلاني، كان يجب أن يستمر الوضع بالتحام كل القوى السياسية والحزبية والمستقلين والأفراد إلى النقطة النهائية ثم يبدأون في التفكير بمسارات سياسية معينة هذه نقطة.. أما النقطة الثانية أن الشباب بعدم خبرتهم السياسية كان يجب أن يشكلوا قيادات لكل الساحات في الشهر الأول ومن ثم يعلن مجلس لإدارة الساحات أو مجلس انتقالي لها من الشهر الأول أو الشهر الثاني حتى تستطيع أن تضع يدها على الفعل السياسي الثوري في عموم محافظات الجمهورية، ومن ثم تتحاور مع الآخرين بأمر واقع، لديها تواجد فعلي في الساحات ولها خطاب ولها رؤية، ولم يستفيدوا من الكوادر السياسية الموجودة معهم من مثقفين ومفكرين ولا حتى هم يقدرون يصنعوا فكرة أولية قابلة للتعديل وهذا خطأ رئيسي.. الخطأ الثالث أنه لا الشباب ولا المشترك استطاعوا أن يقنعوا الأصدقاء عرباً وأجانب من الدعم والتأييد للخطوات العملية التي يتخذونها في الداخل، والدليل على ذلك أنه حتى الآن غير مرحب بأي مجلس أو إطار تنظيمي للثورة سواءً ما أعلن عنه أو الذي حدد المشترك الإعلان عنه، رفض من السعودية قبل أن يُعلن وأخيراً لا توجد رؤى سياسية، إذا كنا نحن ندعو ضمن شعارات في الساحات ربما نوع من أنواع التجريب السياسي، لكن الخارج الإقليمي والدولي يريد رؤى سياسية مكتملة حتى يعلن وقوفه معها وهذا من الخطأ.. أما النظام فاستطاع أيضاً أن ينزل للساحات لشراء الأصوات وشراء المؤيدين وأنفق مليارات الريالات، وهناك المنتفعون من النظام يدافعون عن مصالحهم، وهناك قوى دولية وإقليمية لاتزال ترى بأن النظام يحقق لهم مصالحهم، أمريكا تحت حماية مكافحة الإرهاب، والسعودية ضمن علاقات خاصة غير معروفة تفاصيلها خلال ثلاثين سنة، وفوق هذا كله هناك بُعد خارجي ضد الثورة في اليمن وهو بُعد إقليمي؛ فالسعودية على وجه التحديد لا ترغب بدولة مدنية على حدودها ولا دولة ديمقراطية ولا بثورة، لأن كل هذه الأمور هي من الأمور المحرمة في الساحة السعودية وفي الداخل السعودي وهي ستنتقل بالعدوى حتماً إلى السعودية إن نجحت، ومن هنا كان لابد من وأدها، وهذا أمر معروف لدى السعودية، فحين وقفت ضد الثورة في الشمال في 62م وضد ثورة الجنوب في 63م وتحول الاشتراكي السابق فهي الآن تقف متسقة مع نفسها ضد كل الأفكار الحداثية في الجانب السياسي.
     هل ترى أن المجلس الوطني لقوى الثورة والمزمع تشكيله سيكون قادراً على استكمال أهداف الثورة..؟؟ وإلى أي مدى سيلاقي قبولاً وفقاً للقوى التي أعلن أنها ستشكله..؟
– في الداخل الناس سوف يقبلون أي تشكيل في الداخل، هناك شرط واحد أو شرطان أن تكون الشخصيات نظيفة ونزيهة وغير مجربة سياسياً كما حصل في المجلس الذي أعلن عنه في  ساحة التغيير بصنعاء، هناك ست أو سبع شخصيات منها محروقة سياسياً ومجربون ولم يعد أحد يثق بهم، هذه نقطة.. والنقطة الأخرى يجب أن يكون له رؤية سياسية لمرحلة ما بعد التغيير ما رؤيته للدولة وطبيعتها هل هي دولة مدنية؟ .. هل هي دولة مدنية اتحادية بين إقليمين شمال وجنوب؟ ماذا سيعمل في المرحلة القادمة؟ والنقطة الثالثة هي مدى اقتناع القوى الدولية والإقليمية بهذا المجلس وقدرته على تقديم رؤى لهم، هل هناك اتفاق بين مصالح اليمن وبين مصالح هذه الدول؟ كيف سيكون؟ ثم من سيرأس هذا المجلس؟ وهنا كان يجب على اللقاء المشترك  أن يختار شخصية سياسية وطنية جامعة تحظى بالاحترام والقبول في الداخل والخارج كما حصل في المجلس الليبي أيده العالم كله وكما حصل في مصر حيث تم التعامل مع وزير الدفاع على أنه رئيس المرحلة الانتقالية عندنا لا يوجد شخصية، لكن أنا كنت أتمنى أن اللقاء المشترك يرشح الدكتور ياسين سعيد نعمان ممثلاً رئيساً للمجلس الوطني لقيادة المرحلة الانتقالية باعتباره شخصية جامعة ثم هو يختار أشخاص يتعاون مع كل الأحزاب والأكاديميين والمثقفين والمجتمع المدني والنقابات والقبائل لإدارة المرحلة الانتقالية فقط ثم تبدأ العملية بانتخابات طبيعية بعد تعديل الدستور واستحداث قوانين جديدة.
      ما هي احتمالات الانزلاق نحو الحسم العسكري في ظل المعطيات الحالية..؟؟
– والله الأمر قائم ربما يكون 60% من المبررات الواقعية تدفع في هذا الاتجاه؛ لأننا هنا لم نعد إزاء ثورة بل إزاء قوى متصارعة تريد أن تدخل في مرحلة كسر العظم مع بعضها البعض، كل منها يدرس نقاط ضعف الآخر، ولكن أنا أتصور أن هذه القوى في المعارضة والسلطة ستتخذ الخطوة الأولى نحو هذا المنزلق، في حال أن هناك ضوءاً أخضر إقليمياً أعطي لها كما حصل في عام 94م عندما أعطى الأمريكان الآخرون ضوءاً أخضر للرئيس علي عبدالله صالح للدخول إلى عدن والمناطق الجنوبية خلال ساعات أو أيام محددة ومن ثم تنتهي العملية.
    ما مدى احتمالية قرع الحرب الأهلية.. وما هي قراءتك لسيناريوهاتها إن حدثت..؟؟
– هذا أخطر شيء، فإذا حصل الانزلاق للحرب الأهلية عندها سوف تنهار الدولة والمجتمع وسنكون صومالاً آخر؛ لأنه في حالة حدوث الحرب الأهلية ستضيع الأحزاب أولاً وسيعود المواطنون إلى تنظيماتهم القبلية والعشائرية والطائفية، وهنا سوف يشتغل تجار الحروب وتجار السلاح من الداخل ومن الخارج ستنهار الدولة والمجتمع بأقل فترة زمنية ممكنة، وربما بأسرع مما يتصور أحد، ومن هنا نحذر أنه إما أن يكون هناك حلول ثورية سريعة باصطفاف واسع أو اعتماد حلول سياسية تلبي على الأقل 70% من أهداف الثورة وفق خطة زمنية خلال عدة أشهر، يكون الشباب في الساحات مدافعين عن خياراتهم الثورية، ويتم اختيار أساليب جديدة لحماية هذه الثورة.
نحن إزاء نقطة فاصلة لم يعد الرجوع إلى الخلف ممكناً، هذه مسألة في غاية الخطورة، ولكن إذا لم تنجح الثورة 100% على الأقل 70% من أهداف الثورة تتحقق، وأنا أتمنى ذلك، لكن من منظور الواقع المُعاش لا القوى الحزبية ولا الشباب الآن يمتلكون وسائل ضغط قوية، هناك آخرون ربما قد يدفعون بالشباب لممارسات معينة سياسية أو عنيفة ثم الركوب فوق هذه الموجة للوصول إلى السلطة.
    بوصفك متخصصاً بعلم الاجتماع.. ما التغيرات التي استحدثتها الثورة في المجتمع اليمني..؟؟
– أنا أشرت سابقاً إلى بعضها ففكرة خروج المواطنين للتغيير؛ لأنهم منذ 40 أو 50 سنة لم يثوروا ونحن مجتمع فلاحين، والفلاحون لا يثورون مثل الطبقات العمالية، فهم يحتاجون إلى وقت أول نقطة إن دفعت الناس للتعبير العلني المباشر دون خوف عن رغبتهم في التغيير اللامحدود لطبيعة النظام وسياساته، النقد المباشر لكل أركان الحكم والتي كانت تقال سراً بين الأفراد في جلساتهم الخاصة وعملت على توسيع الاصطفاف ولأول مرة يحصل توافق أولي ونسبي ومؤقت ربما بين الريف والحظر والقبائل والقوى السياسية على قضايا معينة وعدم استخدام السلاح في سبعة أشهر في الساحات، هذا أمر إيجابي وجيد، ونزول المرأة إلى ساحات الحرية والتغيير في عموم محافظات الجمهورية وهذه نقطة إيجابية، وكذلك فكرة الدولة المدنية وتعميم هذا المفهوم حتى لو كان غالبيتهم لا يدركون معانيها ودلالاتها، فالشيء الإيجابي أنهم يريدون الانتقال إلى مرحلة متقدمة، هذا كله عمل إيجابي، ولكن الفعل الثوري نفسه في جانبه السياسي المركز نحو تغيير النظام هو الذي ربما حتى الآن معاق ومجمد، ويرجع سبب ذلك إلى عوامل إقليمية وعوامل داخلية ترتبط بضعف فاعلية المشترك والقوى القبلية والعسكرية الداعمة للثورة.
    ما سر ضعف القوى التحديثية والطليعية برأيك مقابل تمدد القوى التقليدية..؟ وهل نتوقع سيطرة الأخيرة على المشهد اليمني في قادم الأيام ؟؟
– نعم فهذا أمر واضح بأن هناك رغبة إقليمية وأمريكية، استلام السلطة من قبل قوى تقليدية ستحفظ مصالح هذه القوى الدولية، وهناك سيكون تشكل كبير بين تحالفات قبلية وأصولية متعددة كالإخوان والوهابيين ومجموعات السلفية؛ لأن هؤلاء جميعاً تربطهم علاقات مصلحية معينة لا توجد لديهم استراتيجية حداثية لها مصالح في تعاملاتهم مع النظام، وهذه نقطة مهمة في الذين يرتبطون بالنظام ليس من منطلق عقائدي أو إيديولوجي على الإطلاق، ولكن من منطلق مصالح هو حقق لهم مصالحهم، وهم يدعمون مصالحه، وهذا أيضاً يتم في مصر فظهور تمدد الإخوان والسلفيين والقوى المرتبطة معها إقليمياً ودولياً شكل هَماً، لكن ينبغي تنظيم القوى الحداثية ضمن تشكيلة سياسية جديدة وتوسيع العمل المدني لهذه القوى في هذه المرحلة، فالآن القوى الأكثر ضعفاً وتفككاً هي القوى الحداثية، فهم موجودون كأفراد وكمجموعات، لكن لا يوجد أطر تنظيمية جديدة ولا يوجد حزب ليبرالي في اليمن، الأحزاب القومية كسيحة وغير قادرة على الفعل، وأنت تعرف أن هذه الأحزاب القومية لا يوجد لها في البرلمان سوى ثلاثة أو أربعة أشخاص منذ عشرين عاماً، والحزب الاشتراكي عنده أزمات متعددة، ولكنه هو الوحيد الآن والمؤهل لأن يكون قطب الرهان ويشكل بؤرة لتركيز القوى الحداثية في إطار تحالف مدني جديد، وأنا أدعو الحزب الاشتراكي إلى أن يكون رأس الحربة وطليعياً للقوى الثورية والحداثية والمدنية في الساحة، ولا يعني ذلك أنه سوف يكون على عداء مع الآخرين، بل يعيد تحالفه مع المشترك ويشكل بمفرده مع القوى الأخرى المستنيرة، وليس بالضرورة أن يعلن الحرب على الآخر أو يدخل في خصام معها، ولكن فقط يعلن أن لديه برنامجاً مدنياً من حقه أن يرتبط فيه.
    ما رأيك بتصريحات بعض رجال الدين الرافضة للدولة المدنية..؟ وهل هي ضد الدين كما يقولون؟؟
-أنا تكلمت على هذا في أكثر من مقابلة، وهذا الموضوع كنت قد كتبت عنه أطروحة الدكتوراه في 87م قبل هذه الأحداث قبل أكثر من عشرين عاماً، هذا الموضوع في اليمن لا من قريب ولا من بعيد، الدولة المدنية خيار طبيعي في المنظور الحداثي والمدني العام للمجتمع، ونحن نعيش في سياق حضاري دولي يدفع بالمجتمعات نحو الحالة المدنية والدولة المدنية وليس هناك عداء مع الله لا من قريب ولا من بعيد.. بالعكس فالدين يزدهر ويتطور مع وجود الدولة المدنية ولا يوجد تناقض بين الإسلام والدولة المدنية، الإسلام نفسه دين مدني، فلا يعرف البعد الكنسي ولا الكهنوتي، ولكن الدولة المدنية هي ضد التسلط السياسي والديني، ومن ثم فإعلان الدولة المدنية كهدف من أهداف الثورة كان رائعاً جداً وفكرة ممتازة من الشباب؛ لأننا نريد أن نتجاوز كل الارتباطات الطائفية والقبلية والدينية السابقة والتقليدية والحزبية، وهنا سيتم إعادة الاعتبار للدين وللتدين؛ لأنه بغياب الديمقراطية وبغياب الدولة المدنية يتم استخدام الدين في السياسة لصالح النظام المستبد والحاكم في الحالة المدنية، سيتم إعطاء فرصة للدين لأن يتطور كأفكار وكمذاهب وكرؤى مستقلة عن الاستخدام السياسي وسيتطور التدين نفسه وللأفراد سلوكهم وممارساتهم داخل المجتمع.
    هل يمكن للثورة أن تصنع انتقالة تاريخية لليمن.. أم أن الأمر لن يتغير كثيراً؟؟
– هو ممكن؛ لأن الثورة عمل استثنائي في كل العالم، هي حركة انقلابية، الثورة حركة تغيير سياسي كامل، بهدف إعادة هيكلة النظام برمته، وهكذا كان الهدف يعني عندما قامت ثورة 62 غيرت وجه البلاد بشكل عام، ولكن مسار الثورة لم يسر وفق أهداف الثورة، وحصل هناك انتكاسات عديدة منها اتفاق عام 70م ثم ما تلا ذلك من رؤى سياسية تقليدية للحكام الذين أتوا بعد هذه المرحلة ونحن الآن كنا نطمح بأن نعمل قطيعة مع النظام السابق ونخلق مرحلة متقدمة للأمام، لكن يبدو أن هذا لم يتحقق ولكن مازالت الفكرة قائمة كحلم وأمنيات لدى المثقفين ولدى الشباب، لكن منطق الثورة حرك مراحل في الحركة السياسية والعادات الاجتماعية والاقتصادية، وذلك في إعادة ترتيب الخارطة السياسية وفي تغيير طبيعة النظام وفي توجهات الدولة، وحتى اللحظة نحن نحس وندرك ونعيش أننا إزاء تجميد للثورة وللساحات.
    كيف تقرأ مستقبل الثورة والبلد..؟؟
– أنا أعتقد أن مستقبل البلد محفوف بالمخاطر، هناك مخاطر اقتصادية قد تتحول الأزمات القائمة إلى أزمات جياع وتصبح الحالة أكثر مما هي عليه الآن، هناك أزمات الانزلاق إلى حرب أهلية، هناك إعادة التدخل الإقليمي والدولي في الداخل اليمني، وهذا أمر واضح جداً، ولكن أتصور إذا كان هناك وعي وطني حقيقي لدى الأحزاب في السلطة والمعارضة ولدى كل القوى القبلية والعسكرية بأن يصلوا إلى قواسم مشتركة تضمن الحفاظ على الهوية الوطنية وعدم الانزلاق للحرب الأهلية وحماية الدولة من الانهيار ثم هناك تنازلات سياسية عديدة من الحزب الحاكم يجب أن يقدمها تجاه التغيير السياسي، وهذه العلمية أصبحت محل اتفاق بين المشترك وبين هذا الحزب في حين أن الثوار يرفضون فكرة المفاوضة السياسية، لكن الأمر والواقع هو الذي سيفرض نفسه، وأنا أتصور أن البعد الإقليمي والدولي يسير باتجاه المفاوضات ضداً على مصالح الثورة، ولكن لا بأس على الأقل أن يحافظ هؤلاء المفاوضون على 70% من أهداف الثورة، وهذه مرحلة مؤقتة، وربما عندما يكتمل نضج الشعب يعيد النظر في مثل هذه السياسات وفي مثل هذه الأمور لصنع حركة سياسية أخرى جديدة.
    كلمة أخيرة..
– أنا أتوقع وأتصور أن القوى التقليدية المضادة للثورة هي الآن تعمل بشكل حثيث ومعمق بدعم إقليمي ودولي للإجهاز على الثورة والوصول بالبلد إلى حالة اليأس والأزمات الاقتصادية والسياسية وهناك فسيرضخ المجتمع لحلول أياً كانت، وهنا أدعو قوى الثورة من الشباب في الساحات إلى الخروج من حالة الانتظار والملل الذي سادهم في الساحة لمجرد تجميد ثورتهم وحركتهم إلى ممارسة نشاطهم بوعي وإبداع طرق حقيقية تقصر من حالة الانتظار فتدفعهم إلى العمل الذي يستطيعون من خلاله وضع أيديهم على مصادر السياسة والقوة في البلد.

نقلا عن صحيفة حديث المدينة

زر الذهاب إلى الأعلى