أرشيف

ياسين نعمان لـ”الليموند” الفرنسية الثورة يمكن أن تنشئ دولة موحدة للمرة الأولى

في حين يتطلع الرئيس اليمني المحاصر علي عبدالله صالح إلى التخلي عن السلطة أخيرا، يجب على البلد النضال من أجل تجنب الانقسامات القبلية والإقليمية الموجودة منذ فترة طويلة. بالنسبة لياسين سعيد نعمان، زعيم المعارضة ذي الشخصية الكاريزمية، هذا هو نضال حياته.

ترجمة/ عبدالرحيم الكسادي

ترجمة خاصة بصحيفة “الشارع”

صنعاء-“أنت تعيدني إلى الوراء أعواما عديدة..”.

توقف ياسين نعمان، قائد المعارضة اليمنية وزعيم الحزب الاشتراكي، عن الحديث برهة قبل أن يغوص مؤقتا في ذاكرة الطفولة: كان العام 1958، عندما قرر الصبي الصغير ذو الـ11 من العمر، مع 5 من أصدقائه، المغامرة وتجاوز حدود البلد. في محافظة لحج جنوب اليمن، المنطقة الجبلية الحدودية مع الشمال. يعرف الأطفال شيئا واحداً في البلد: السكان يعيشون تحت سلطة الملك. كان ياسين نعمان وعائلته موجودين تحت سلطة السلاطين والمستعمرين البريطانيين في المستعمرة عدن.

بعد عدة ساعات من المشي، قادتهم المغامرة في الشمال للوصول إلى وادٍ، ثم إلى قرية. “من أين أنتم؟”، سألتهم امرأة مسنة من الفلاحين. ردوا: “من لحج”. ودعتهم المرأة إلى منزلها لتعد الغداء، بينما شاهد الأطفال. ويتذكر نعمان: “كان كل شيء مشابها، المناظر الطبيعية، والجبال، والمطبخ. كان هذا البلد غير المعروف إلى حد ما، مألوف بالنسبة لي، وشعرت بشيء تجاهه”.

بالنسبة للصبي، كان ذلك اللقاء الحاسم مع مكان يدعى اليمن. إذ في الخمسينيات، كانت كل منطقة تشكل بلدا. واحد من لحج أو عدن، والآخر من زنجبار وثالث من حضرموت -لم يكن هناك أحد من اليمن.

من خلفية متعلمة، غاص ياسين سعيد نعمان في كتب الجغرافيا والتاريخ. طوال قراءته، اكتشف بلدا أكبر بكثير من ذلك الوادي الصغير في لحج، أعطاه شعورا بالانتماء. في الوقت نفسه، في الجنوب، بدأت المعارضة للوجود البريطاني تنظيم نفسها. في سن الـ17، انضم نعمان إلى الجبهة الوطنية، سلف الحزب الاشتراكي، حركة فريدة من نوعها تخفي هدفا: مطاردة البريطانيين والسلاطين. استمرت هذه “الثورة الشعبية المسلحة” 5 سنوات، بتشجيع من النقابات والمنظمات الطلابية والعمال والبيروقراطيين.

في 30 نوفمبر 1967، تم إعلان الاستقلال، وولدت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بجذور مستوحاة من الماركسية. قبلها ببضعة سنوات، أسقطت ثورة أخرى نظام الأئمة، وأوجدت الجمهورية العربية اليمنية في الشمال، بميل أكثر إلى الغرب. عند هذه النقطة، ولدت مسألة الوحدة.

يتذكر نعمان: “بالنسبة لنا الجنوبيين، كنا مقتنعين بأن الوحدة ستجلب الاستقرار للعالم بأسره. في 22 مايو 1990، بعد عملية طويلة، تم إعلان الجمهورية اليمنية. في عدن، خرجت الحشود إلى الشوارع تهتف للوحدة: “وحدة! وحدة!”.

قال زعيم المعارضة بأسف: “لكن لم تتم الاستجابة لشروط الوحدة”. أصبحت الوحدة كارثة، وعرضاً من الغطرسة من قبل الشمال المهيمن. كانت الوحدة مفهوماً أيديولوجياً صرف الانتباه عن احتياجات الناس. قال نعمان: “الإرادة وحدها لا تكفي”.

جبل قديم، يمن جديد؟

قبل ياسين نعمان منصب رئيس مجلس النواب، في ظل اليمن الموحد. وفي الجلسة الافتتاحية، كشف خارطة أمام البرلمانيين. “هذه هي اليمن”، بدأ بصعق الجمهور بعد أن قرر إسقاط “الحواجز الثقافية والشخصية والنفسية” الواضحة في القاعة آنذاك.

عرض ياسين مدة الدقائق التي يسمح فيها بالحديث للإسلاميين، ودعم مشاركة المرأة في الجدل السياسي، وفتح الجلسات البرلمانية للجمهور. استخدم نعمان بنجاح ورقة المصالحة في البرلمان كوسيلة للعلاج.

لكن خارج القاعة، لم تكن الوحدة أكثر من سلسلة من الانتهاكات والعقبات -الاستيلاء على الأراضي والوظائف العامة، بخلق الشماليين رؤيتهم للدولة وتسليم الجنوبيين لها. بعد ما يقرب من 22 عاما، انجرف العالمان بعيدا. اليوم، في مناطق الجنوب، تكسب الحركة الانفصالية زخما متزايدا. فكرة الاتحاد لم تعد من المحرمات. “الثائر اليمني”، الذي اعترض سلطات علي عبدالله صالح على مدى العام الماضي، مناديا بسقوط نظامه، يعاني وسط مشهد من الصراع والاستياء.

أخيرا، وبعد مفاوضات مكثفة، تم التوصل إلى اتفاق يهدف إلى السماح لصالح بالتنحي عن السلطة مقابل الحصانة لنفسه وأفراد نظامه. لا تزال عملية الانتقال السياسي صعبة التنفيذ في أفضل الظروف، وهذا هو البلد الأفقر في العالم العربي. في 21 فبراير، بعد انتخابات رئاسية مبكرة، سيأتي “يمن جديد” إلى الوجود رسميا. ساحة التغيير، مركز المعارضة المناهضة للنظام في العاصمة صنعاء، تستضيف الشباب الثوريين. وهم غاضبون، يشجبون الحصانة القانونية الممنوحة لصالح وحلفائه المقربين، ويتهمون المعارضة بحرمانهم من حركتهم، واستخدامهم كأداة للمناورة السياسية.

ياسين نعمان، زعيم المعارضة السياسية، التي دعمت الاتفاق الذي وقع في الرياض في 23 نوفمبر الماضي، لإنهاء الأزمة السياسية، لا يزال يؤيدها، مقتنعا بأن المبادرة “تحمي الثورة من خلال السماح لها بتحقيق أهدافها”.

لا يوجد لدى نعمان شك في أن “الثورة يمكن أن تنشئ دولة موحدة للمرة الأولى”. الفرق بين الدول العربية الأخرى واليمن ليس حول تطوير الدولة، ولكن خلق دولة، أو حتى بناء بلد”.

في عمر الـ65 لا يخطط نعمان لخوض انتخابات الرئاسة في 2014. “علينا أن نبحث عن مرشحين في “ساحات التغيير” التي تم إنشاؤها في جميع أنحاء البلاد. مستقبل اليمن في أيدي هؤلاء الشباب، والبلد تخلف كثيرا”.

لكن لدى الرجل اللحجي نصيحة لرئيس الدولة في المستقبل: “أود أن أدعوه إلى تسلق أعلى جبل في البلاد من أجل احتضان جميع المناطق المختلفة لمحة واحدة. عندها سينسى مسألة القبائل والمناطق، سينسى تلاعب القبائل بالسلطة طوال هذه السنوات. نعم، كما فعلت عندما كنت طفلا، سيرى بلدا واحدا فقط”.

لكن بدلا عن ذلك، يحث الكثير، من جميع الأطراف، ياسين سعيد نعمان للقيام بالتسلق نفسه مرة أخرى، ليقود حسب وصفه “هذه الرحلة الطويلة” بحثا عن اليمن.

ترجمة من موقع Worldcrunsh عن صحيفة “الليموند” الفرنسية

نشر الموضوع بتاريخ 1 فبراير 2012

زر الذهاب إلى الأعلى