أرشيف

الأنظمة الخليجية.. ايضا ديكتاتورية

لا أحد ينكر بشاعة بعض الأنظمة الخليجية ووحشيتها وقمعها لشعوبها والتضييق على الحريات والتعبير بالإضافة إلى تدجين وسائل الإعلام لمصالحها.

 

وقد زادت وتيرتها بعد التغييرات التي شهدتها بعض دول المنطقة العربية حيث أصبحت رياح التغيير كابوسا ملازما لكل هذه الأنظمة التي لن تستطيع إزاحته عن صدرها مهما جربت من وسائل القمع بحق شعوبها أو باستعمال وسائل ترغيب من قبيل وعود وهمية بتحسين الوضعية الاجتماعية والمرافق الخدمية المتردية.

 

هذه الأنظمة العنصرية في حق شعوبها بأتم معنى الكلمة (الكثير من مواطني بلدان الخليج لا حق لهم في الجنسية!) لن تصمد طويلا أمام هذا التيار الجارف فكلما تحقق مكسب كبير في بلد عربي شهد ربيعا (نجاح انتخابات، تنامي الحريات…) إلا بدأت هذه الأنظمة الوحشية في التخبط تخبطا يدل على عجزها عن تلبية مطالب شعوبها المتعطشة لنَفَسٍ عميق من الحرية فنراها تارة تحاول جمع الأنظمة الملكية المتهالكة بضم الأردن والمغرب في منظمة ملكية واحدة وتارة تعطي هبات تُنعم بها على مواطنيها وهي في حقيقة الأمر ليست هبات ولكنها حق من حقوق الشعوب في اقتسام الثروة وتارة تضيق الخناق على كل صوت حر ينطلق في فضاء تلك السجون وليست الأوطان مصادِرةً أبسط حقوق الإنسان في التعبير عن رأيه.

 

لجأت بعض هذه الأنظمة إلى إستراتيجية جديدة، للالتفاف على عقمها وإفلاسها السياسيين وبالتالي فشل جميع سياساتهم الاقتصادية والاجتماعية، تتمثل هذه الإستراتيجية في الظهور في ثوب الداعي إلى الإصلاح والديمقراطية (وهو للأسف الشيء الوحيد الذي تعلمته هذه الأنظمة من أسيادها الأمريكان والصهاينة) علّها تكسب بعضا من الوقت في الوقت الذي تتجه فيه جميع أنظار الملاحظين والشعوب الغربية أو العربية على السواء لما يحصل من تغييرات في بلدان الربيع العربي وإن كانت متأرجحة بين نجاحات وإخفاقات.

 

بينما العالم منشغل بتلك التطورات يعيش إصلاحيو البلدان الخليجية وسياسيوها المعارضون في عزلة تامة (وبالأخص معارضو الداخل) استغلتها تلك الأنظمة لمزيد من القمع والتضييق والترهيب بحق كل صوت حر يخرج خافتا يطالب بالإصلاح دون رقيب، فقد أشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى تزايد ظاهرة الفساد المالي في تلك الدول، وأوضحت منظمة العفو الدولية أن القمع الممنهج وكبت الحريات قد وصل حدا خطيرا جدا، وبالأخص في السعودية التي شهدت زلزالا سياسيا الأسبوع الفارط عندما دعا السياسي المعارض أحمد العلي إلى إعادة كتابة دستور جديد للمملكة ومحاسبة أمراء آل سعود عن الأموال التي نهبوها ووضعوها في حساباتهم المنتفخة على حساب المفقّرين من أبناء شعبهم الذين أصبحوا عبيدا في مزرعة!

 

ما إن أطلق أحمد العلي مبادرته تلك حتى أطلقت كل الأجهزة الأمنية والإستخباراتية وحتى الدينية السعودية ناقوس الخطر وحالة استنفار قصوى وشهدنا يوم الجمعة خطبة واحدة في كل المنابر السعودية بما فيها الحرمين المكي والمدني، شهدت كل المنابر خطبة واحدة وإن اختلفت صيغها اللغوية فقد كانت مضامينها واحدة تدعو إلى طاعة ولي الأمر وإن كان ظالما جهولا.

 

ونأتي لمواقف بعض هذه الدول ومواقفها المضحكة والمتناقضة على السواء فقد دعت كما دعا وزير الخارجية السعودي إلى ضرورة تسليح المعارضة في سورية ضد نظام بشار الإجرامي (وهو بالمناسبة لا يقل إجراما عن الأنظمة النازية والفاشية) ووقف حمام الدم المستمر، شيء جميل أن نقف ضد الظالم مع المظلوم لكن الغريب والمُستهجن أن يكون من يقف مثل هكذا موقف يداه ملطختان بدماء ملايين العراقيين الذين قتلتهم جحافل الأمريكان المنطلقة من قاعدتي السيلية والظهران، على التوالي، أكبر قواعد أمريكا في الخارج بعد أن أجهزت سنوات الحصار المشدّد الطويلة على ملايين الأطفال في العراق ولم يكفهم ذلك بل دعموا كل حروب أمريكا بالمال..

 

أليس أولى بدول الخليج إن كانت تريد الصالح العربي وحقن دمائه وحبّا في الديمقراطية كما تزعم أن تقوم بتسليح المقاومة الفلسطينية وأن تصرّح بذلك علانية دون خوف من الاصدقاء الأمريكان وأن تبادر إلى غلق قواعد الولايات المتحدة فوق أراضيها وتقوم بنقد ذاتي موضوعيّ داخلي وإصلاح عيوبها أو الرحيل عن الحكم وهو الأمر الأفضل قبل أن تجد نفسها في مواجهة تيّار شعوبها الجارفة. كلها أسئلة وهواجس تنتظر الإجابة.

 

المصدر : القدس العربي 

زر الذهاب إلى الأعلى