تحليلات

مؤتمر القبائل.. محاولة لاستعادة سلطة الشيخ

لم تراوح القبيلة مكانها في الواقع السياسي اليمني ولم تبارح دورها الموجه داخليا وخارجيا منذ أكثر من خمسة عقود ماضية, ذلك الدور الذي كانت تلعبه القبيلة لم يتجاوز الحيلولة دون قيام دولة النظام والقانون والمدنية التي تمكن الدولة وحدها من أن تكون الفاعل والمهيمن على القرار الوطني.

ولعل العقود الماضية مليئة بالشواهد على أن القبيلة لم تكن إلا أداة لتكريس سلطة القوة والشيخ والنفوذ الفردي والصراع الفئوي والتمايزات المناطقية والاستثنائية الشخصية, مما جعلها تفقد صورتها التاريخية كسند للدولة وحام للقيم ومستودع للأخلاق والأعراف التي تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم من جهة وعلاقة الأفراد مع الدولة أيضاً، لو قرأنا دور القبيلة خلال العقود الثلاثة التي حكم فيها علي عبد الله صالح اليمن بوعي الحريص لوجدنا أنه استطاع ان يسخرها في بسط نفوذه وضمان بقائه, وان يتخذ منها حليفا في مواجهة استحقاقات تاريخية ومطالب وطنية كانت كفيلة ببناء دولة ونهضة وطن, غير أنه وشركاءه واجندت خارجية تقف خلفهم كانوا يرون أن بناء دولة حقيقية وقوية ومستقلة في اليمن يهدد مصالحهم ويهدد نفوذهم وسلطتهم, ولهذا كان التركيز على إخراج القبيلة من دورها الاجتماعي لتصبح حارسا لمصالح فردية وأداة للأجندة الخارجية.

في حرب صيف 94م وما سبقها من تجاذبات عقب توقيع و اعلان الوحدة اليمنية, استخدام صالح وحلافاؤه القبيلة كسلاح فتاك في القضاء على الطرف الجنوبي الشريك في الوحدة, وذلك عبر الخطاب الديني التعبوي الذي نجح في تسخير القبيلة وتوجيه الوعي القبلي نحو التفاعل والاندفاع باتجاه الحرب بحكم ما تحمله من تأثير تاريخي بالديني الذي يحضى بقدسية خاصة لديها, إضافة إلى خصوصية الهيكلة التنظيمية التي تميز القبيلة اليمنية فلكل قبيلة شيخ ولكل تجمع قبلي شيخ أكبر وشيخ مشائخ للقبيلة الأم أيضاً, وهذا أيضاً اسهم في نجاح المشائخ خصوصاً قبيلة حاشد في أن تلعب دورا مشهودا في الحرب على ما كان يسمى تيار الانفصال. ذلك الدور الذي لعبته القبيلة وخصوصاً قبيلة حاشد التي كان يتزعمها الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر إلى جانب نظام صالح وشركائه وجيوشهم في حرب صيف 94م لم يكن دورا ايجابيا البتة كما كان يعتقد أفرادها أنذاك.

فسرعان ما وجدوا أنفسهم ودون نقاش يصفونها بالخطيئة وذلك حسب ما يراه الشيخ الذي وجد فيها سلاحا نافعا يستخدمه بوجه صالح وقضية يدينه بها, غير أنها ما لبثت أن عادت لنفس موقفها السابق حين سقط صالح وأصبح الشيخ جزءا من النظام الجديد وبدأ بالحديث عن استخدام القبيلة مجددا في اسكات الحراك وتهديده بسلاحها الذي يرى أنه أنتصر في صيف 94م.

وعلى ذات الشاكلة استطاع صالح دون عناء استخدام القبيلة كواحد من الأسلحة التي وجهها ضد أبناء صعدة عبر نفس الشيخ وذات الخطاب الديني, لتخرج القبيلة التي كانت هذه المرة حاشد بمفردها خاسرة من ست حروب ممولة خارجيا ومجيش لها داخليا وخارجيا, ايضا, وبرغم فتح الباب أمام قبائل حاشد لتعمل مافعلته في الجنوب من فيد وسطو وبطش إلا أنها لم تخرج من تلك الحرب سوى بخسائر بشرية وتفكك وصورة مشوهة أقلها تسمية أفرادها بـ"البشمركة".

لم تكن قبيلة حاشد محتاجة لأن تخرج من دورها التاريخي إلى جوار شقيقتها الكبرى قبيلة بكيل, لتصبح عصا يبطش بها الحاكم وعسكري يجرجره الشيخ من حرب إلى حرب ضد القبائل الأخرى, ولم تكن مضطرة إلى أن تضع نفسها في موضع يجعلها موضع سخرية وسخط الآخرين ونموذجاً للتخلف والتطرف المذهبي والمناطقي, كما فعلت للأسف في حروب الجنوب وصعدة.. حين دعا الشيخ صادق الأحمر إلى مؤتمر القبائل مطلع الأسبوع المنصرم كان يطمح ان يكرس ذات الدور السلبي للقبيلة وأن يستعيد سلطة الشيخ التي اسقطها في الوعي الجماعي ثورة الشباب السلمية, غير انه سرعان ما وجد نفسه يصطدم بواقع مختلف وموقف يختلف كليا عن موقف والده الذي دعا إلى مؤتمر للقبائل عقب ثورة السادس والعشرون من سبتمبر عام 62م والذي كان ناجحا في منحه الزعامة والمكانة التي جعلته صاحب ثقل سياسي واجتماعي كبير في داخل الدولة والقبيلة معا.

لم يكن الشيخ صادق الأحمر لينجح في جمع القبائل اليمنية بشكل عام ولا قبائل حاشد التي يفترض أنه زعيمها بشكل خاص, فالثورة الشبابية السلمية جعلت حتى قبائل حاشد تخرج من عباءة الأحمر, وأصبح مشائخ قبائل حاشد يمتلكون القدرة على اتخاذ قرارهم وتحديد توجيههم بعيدا عن سلطة الشيخ الواحد الكبير, وهذا لا يعني تفرق قبيلة حاشد بقدر ما يعني أن شيخ مشائخ حاشد لم يعد قادرا على لعب توحيدها بعد أن كان السبب الرئيسي في تفريقها حين أقحمها في حروب طائفية ومناطقية خدمة لمصلحته الشخصية والتزاماته للخارج الذي يموله, فإذا كان المؤتمر الذي دعا اليه الشيخ صادق لم يستطع جمع مشائخ قبائل حاشد فضلا عن جمع مشائخ قبائل اليمن فماذا سينتج عنه.؟

وبرغم ما تضمنته النقاط العشرين التي خرج بها بيان المؤتمر العابر من مطالب كان الشيخ أول المعنيين بتنفيذها هو وقبائله قبل الرئيس والحكومة, إلا أن خطاب الشيخ صادق الذي أعاد من جديد لغة التهديد باستخدام القبيلة وسلاحها لمواجهة الحراك والحوثيين رصاصة الرحمة على المؤتمر برمته وعلى قبيلة حاشد التي كان يفترض أنها من المساندين للثورة الشبابية السلمية ومناصرا لها حسب ما كان يرفعه مشائخها من آل الاحمر من شعارات طيلة الشهور الماضية من الثورة.

 عن: صحيفة الأمة

زر الذهاب إلى الأعلى