أخبار وتقارير

تهريب الأطفال واستخدامهم في التهريب إلى السعودية.. حكايات واقعية يرويها أطفال ومهربون من داخل مجتمع التهريب

يمنات – الشارع – محمد مسعد دماج

"عادُه اللي هربني أنا وأخي موجود بالسجن؟", هكذا سأل أحد الأطفال المعاد ترحيلهم, كان بشير, ابن الثانية عشرة, وأخوه الأصغر, قد دخلا الأراضي السعودية مع المهرب, قال عنه إنه "طيب وكان يصرف علينا".

بعد أسبوع من دخول بشير, قبض عليه الأمن السعودي وتم ترحيله ليصل الى مركز حماية الطفولة – حرض, حيث لا يزال هناك يرفض العودة الى أسرته وابيه, الذي يقول عنه إنه كان يجبره على العمل في "جني البطاط" ويضربه كلما جاءه بأجر لا يزيد عن ألف ريال: "يقول ليش إلا الف""!!

افترق بشير عن أخيه, وكان أوفر حظا بأن قبض عليه وتم ترحيله, لكن مصير شقيقة الأصغر غير معروف.

لهذا يود بشير لو يتم الإفراج عن المهرب, مونه يعرف مكان أخيه: لو يخلوه يدخل السعودية يرجع أخي". كان الطفل يتحدث الى مدير مركز حكاية الطفولة نبيل شالف, ويتمنى أن يتم الإفراج عن المهرب, الذي قبض عليه, بعد أن رحله الجانب السعودي, وتم سجنه في سجن حرض, بتهمة تهريب الطفلين, وأطفال أخرين.

 

حديث مع مهربين

من يقومون بتهريب الأطفال لهم مجالات أخرى يستطيعون فيها العمل بشكل ظاهر, كأن يكون أحدهم مهربا للقات أو للأشخاص المتجاوزين سن الطفولة: أما تهريب الأطفال والمخدرات يتم في الباطن.

تشاهد المهربين بصفاتهم الظاهرة ما إن تصل المدينة: كائنات تمتلك حاسة متخصصة باكتشاف الغريب, ولها وجوه ذات سحنة ماكرة وعيون متحفزة لالتقاط الواصلين.

"هيا جدة.. الرياض", تكرر علي هذا العرض أكثر من مرة.

التقطت بعض الفرص للتحدث الى بعض المهربين, معظمها في الفندق الذي نزلت فيه’ حيث يحتل أغلبه مع مهربون كنت أجدهم على مقاعد صالة الاستقبال عند عودتي كل مساء.

بعد أن يكونوا في اوصلوا زبائنهم من المتهربين الى الحدود, وسلموهم لأشخاص أخرين يتولون إيصالهم الى منطقة أخرى داخل الأراضي السعودية يعودون الى المدينة لمواصلة المقيل ومناقشة قضايا اختصاصهم.

في البداية, كان علي أن أجد مدخلا للحديث مع المهربين, بدأت الحديث مع موظف استقبال الفندق, الذي كنت قد تعرفت اليه في اليوم الأول. تبادلت الحديث معهم ليس بصفتي صحفياً, وعلى ذلك لم يخبرني أحدهم بأنه يقوم بتهريب الأطفال, يتحركون من حرض كمهربين معروفين للقات والبشر, غير أنهم يخفون عملية تهريب الأطفال, بسبب تعرض بعضهم, مؤخراً للسجن, وهذا يكلفهم دفع مبالغ مالية مقابل الإفراج عنهم .

تحدثت, متحاشيا انتباههم, عن ظاهرة تهريب الأطفال, وتحدثوا عما يقوم به "بعض المهربين".

تبدأ عملية تهريب الأطفال من مناطقهم, في محافظات تتصدرها المحويت, يقوم بالمهمة دلالون, أو المهربون أنفسهم, أحد المهربين قال لي, وهو يتحدث عما يقوم به (بعض المهربون): "يغسلوا دماغ الجاهل, يقولوا له: تجلس تدرس لما تخلص جامعة وما تتوظف.. معاش المدرس خمسين الف وانت با تكون تستلم 2000 ريال سعودي.. معاش المدرس ثلاثة اشهر تستلمه بشهر".

يتبادل المهربون التهم مازحين وأنا بينهم, أتصل أحدهم بأخر ليخبره أن المتحدث معي قال إنه مهرب للأطفال, ثم نقل جواب صاحبه ذاك الى المتحدث معي: قال إنه معه دليل ضدك بأسماء الأطفال اللي هربتهم".

غالباً: يكون الأطفال محور اهتمام المهربين: أيتاماً أو أبناء أسر مفككة. كما قد يكون الأطفال من أبناء الأسر التي ترى في أبنائها أصولا مالية تضاف الى قائمة ممتلكاتها, والتي تتفاوض معهم فقط على مسالة الراتب الشهري الذي ستستلمه.

 

مع أحد دلالي الأطفال

في الطريق الى حرض, تعرفت الى عزيو النمر, أحد أبناء مديرية أفلح الشام, التي سأزورها بعد أسبوع لموضوع أخر.

كان الى جواري, في المقعد الأوسط للبيجوت, التي أقلتنا من الفرزة بعد انتظار ممل, تحدثنا عن أشياء كثيرة, بينها عمليات تهريب الأطفال.

قال ان ظاهرة تهريب الاطفال منتشرة في مناطق عدة بينها "افلح الشام" . ضاق رجل سبعيني يعرف عزيز ، بما قال انه "كثرة كلام.. وبطارية عندك جديدة ". كان الرجل المسن مزهو ببساطته الممجوجة كصبي لايعني بطرافة ما يقول ؛ قدر ما يستجدي الاعجاب.

تبين ان الرجل المسن "يعمل دلالا في تهريب الاطفال". نبهني عزيز حين واتته الفرصة عند توقفنا لأخذ حاجياتنا من بقالة على الطريق . وطبقا لعزيز ؛ فمهمة هذا الدلال تتخلص في التنسيق" بين المهربين والاسر المستعدة للتفاوض في تسليم ابنائها لهم".

عندها ادركت لماذا هاجمني السبعيني ذو اللحية سيئة التوزيع ولكن كان على ان ارضي صبيانيته للحصول على اجاباته. قال ان العملية تتم برضا اسرة الولد، والمهرب يعمل سند ويتفقوا على المدة (مدة بقاء الطفل في السعودية) ثمانية اشهر او سنة". كان كما لو انه دلال عقارات يحدثك عن تأجير الشقق السكنية".

" يروح يشقى في اي محل ويرسل لأسرته مع اي واحد من بلاده ". اما المخاطر التي يتعرض لها الاطفال فينكرها "الدلال" لا لأنها غير واقعة ؛ ولكن لأنها تهدد مصالحه : " لما يكون بينك انت والمهرب اتفاق ما يحصل شيء ". وعما اذا فقد طفل :" يعوضك المهرب بطفل من عنده .. المخزن ملان". قال بصلف مولع بجرائمه.

 

واوضح مهربون التقيتهم في حرض ان من يقومون بتهريب الاطفال يستفيدون بطريقتين: اما بأخذ مبالغ مالية من اسر الاطفال مقابل تهريبهم ، او الاتفاق مع الاسر على مبلغ شهري معين مقابل عملية التهريب وتدبير عمل للأطفال.

وقالت معلومات متطابقة من المهربين انفسهم انه يتم استخدام كثير من الاطفال في عمليات تسول منظمة في السعودية.

واكد هؤلاء انه يتم ، احيانا تهريب اطفال معاقين لاستخدامهم في التسول، بعد الاتفاق مع اسرهم على مبلغ شهري محدد يدفعه لها المهربون. مهرب اخر اكد ان التسول تديرها في اوروبا شركات كبيرة!

انكر مهرب ثالث قيام المهربين باختطاف الاطفال ، موضحا ان الامر يتم اولا بإغراء الاطفال داخل الاراضي اليمنية ، واقناعهم بجدوى التهرب للعمل في السعودية وهناك قد يتعرض بعض الاطفال لحالات من القسر والعسف ؛ ان يجبروا على القيام بأعمال ؛ منها الاعمال الشاقة او يتعرضون لاعتداءات جنسية.

 

استخدام الاطفال كوسائل لعمليات التهريب

كنت مع وحيد الذبحاني المدير المالي في وحده اغاثة النازحين ، والزميل خالد مسعد ، مراسل "الشارع" في حجة، نقصد مخيمات النازحين في منطقة المزرق. في احد المطاعم على الطريق تعرف وحيد الى فريق من منظمة الاغاثة الاسلامية ، قدمني اليهم ، واخبرهم باني جئت من صنعاء بغية انجاز تحقيقات ؛ منها قضية تهريب الاطفال . قال احمد الحكمي احد اعضاء الفريق ، انهم جاؤوا من صنعاء لذات الامر.

فريق المنظمة كان يقوم بعملية مسح لمناطق تهريب الاطفال ، وتعبئة استبيان لغرض "استكشاف اسباب المشكلة والعمل على ايجاد حلول ممكنة ".

كانوا في طريقهم الى مدرسة في منطقة حدودية ، اقترحوا ان نذهب سويا وكان اقتراحهم جديرا بالموافقة عليه.

تشتهر المدارس الحدودية بعزوف نسبة عالية من طلابها عن العملية التعليمية والاشتغال مع مهربين ، او التهريب للعمل داخل الاراضي السعودية.

في هذه المناطق الحدودية يجد المهربون مبتغاهم في سهولة الحصول على وسائل نقل غير مكلفة ؛ اذ تتطلب وسائل النقل تامينا ترتفع مبالغه بارتفاع نسبة المخاطر المحتملة هنا ؛ يتعرض عدد من الاطفال لمخاطر ؛ بينها القتل ، واقلها لدغ الافاعي في صحراء يعبرونها ليلا حفاة ، خشية ان يراهم الحرس السعوديون، او يتنبهون لوقع اقدامهم.

 

زرنا مدرسة النور التي تقع شمال شرق حرض في منطقة الشريفية القريبة على مقربة من الحدود السعودية يعمل العديد من طلاب هذه المدرسة في التهريب يستخدمهم المهربون لنقل القات من "عند الشبك الى منطقة الضبرة داخل الاراضي السعودية". حسب احد الاطفال.

يحملهم المهرب على سيارته الى الشبك الحدودي ، ويعبر بهم نقاط حرس الحدود بتصريحه الخاص: "يدي لهم عمي ثلاثة الف ريال ويعطيهم قات"، قال "محمد" طالب الصف السادس وعندما يصلون الى الشبك يعطي كل واحد منهم الكمية التي يريد منهم ايصالها الى الضبرة داخل الاراضي السعودية حيث يستلم منهم مهربون سعوديون ما يحملونه.

قابلنا مدير المدرسة ، احمد الجعدري ، الذي قال ان طلابا في الصف الرابع والخامس يتم استخدامهم من قبل مهربين لنقل القات لكنها قد تكون مخدرات لأن الطالب لا يعلم مالذي في الكيس الذي يحمله على ظهره".

قال الجعداري ان الاطفال يلقون نظير عملهم مكافأت منها: "يحصل بعض الطلاب في كل اربع عمليات تهريبية على دباب (دراجة نارية)، وعلق مدير المدرسة: "لي عشرين سنة في التدريس ما قدرت احصل على دباب".

سألناه ما اذا كان بالإمكان مقابلة طلاب قاموا بعميات تهريب ، فوافق معلنا عن انه بإمكاننا اخذ الاطفال الى الشبك الحدودي ليشرحوا الامر "بشكل واضح" اخذنا ثلاثة اطفال احدهم كانت اخر عملية له قبل ستة ايام واتجهنا نحو الشبك الحدودي.

 

اسماعيل ، وادي ، ومحمد ، يدرسون في الصف الخامس والسادس ابدوا استعدادهم لأخذنا الى الشبك والطريق التي يقصدونها في كل عملية تهريب صعدوا على متن سيارة المنظمة ، اما نحن فكان علينا تغيير سيارتنا التكسي واخذ سيارة اخرى تستطيع تجاوز التموجات الترابية في طريقنا الى الشبك الحدودي الذي يعرف الاطفال الثلاثة كيف يجتازونه: "نرفع الشبك بيد ونسبح ( نمر منبطحين ) من تحت ".

وصلنا نقطة "الكرس "، التابعة للواء الثاني حرس حدود والواقعة على بعد بضعة كيلو مترات الى الشمال، على غير العادة ؛ رأى افراد النقطة سيارتي "احداهما تابعة للمنظمة والاخرى استأجرناها نحن بدلا عن سيارات "الشاص" المعروفة بملامحها التهريبية هناك منعنا افراد النقطة من العبور باتجاه الشبك الحدودي .

قالوا ان "الاوامر" التي تختفي في حضرة المهربين تمنع السماح بمرور اي شخص وخاصة الاطفال"!!

"من هنا نمشي، نمشي عملنا ( يقصد المهرب الذي يعملون معه ) يجيب لهم قات وفلوس ونمشي ، قال احد الاطفال ، عندنا قليلا الى الخلف لنستمع الى الاطفال يشرحون طبيعة اعمالهم.

يتعرف اليهم المهرب في مناطقهم عبر زملائهم السابقين في معرفته وهناك يشرح لهم المهام المكلفين بها، وفي الموعد ياخذهم بسيارته حتى نقطة الحدود ويعطي كل طفل عهدته داخل اوعية مخصصة لحملها على ظهورهم (قال احد الاطفال ان اسمها "الكفر" ) بضم الكاف وفتح الفاء) عادة ما يوصلهم المهربين الى الشبك قبل المغرب. هناك عند نقطة اختراق الشبك ينتظر الطفل العتمة ليبدا المخاطرة " نمشي حافيين حبة حبة ، عشان الحرس ما يسمعونا"، واما عن كيف يصلون الى المنطقة هدف مغامرتهم ، فيهتدون اليها بما يلمحونه من اضوائها البعيدة.

يصلون المنطقة لتسليم (الكفر) الى مهرب سعودي يستقبلهم هناك حيث يحصلون على اجرهم "100 او 200 ريال سعودي كما معك قات "، بعدها يعود الاطفال ليلا ليواجهوا ذات المخاطر في رحلة العودة.

 

يتعرض الاطفال لمخاطر الموت كالتالي احدقت بالطفل عمر الذي قتل على يد الحرس السعودي ؛ طالب عندنا في صف سادس كان يشتغل مع المهربين ومرة اكتسرت رجله لكنه لما اتشافي رجع يهرب من جديد، وقتل في الحدود طبقا لمدير المدرسة.

بين انتهازية المهربين ، وجهل الاسر ، وتفلت الدولة ، يتعرض الاطفال لانتهاك طفولتهم واغتصاب حقوقهم يقاسون ظروفا فقدوا معها حتى الاحتياج :" نلاقي خطر بس عادي .. الواحد ضروري يقع رجال على نفسه".

زر الذهاب إلى الأعلى