تحليلات

احتواء الـيمن سعوديـاً

يمنات – متابعات

 توصف اليمن عادة بالحديقة الخلفية لجارتها الكبرى السعودية، التي هي فوق ذلك أغنى دولة نفطية بالعالم، و بفضل البترودولار غدا للنظام السعودي نفوذاً كبيراً على دول المنطقة و في دول أخرى شتى. ويتلازم مع هذا النفوذ نشر الدعوة الوهابية السلفية، التي اقترن نشاط الجماعات الدينية المسلحة في كثير من الدول بالفكر المتطرف لعدد من مشائخها داخل و خارج السعودية.

غير أن نفوذ الرياض في صنعاء لا يقتصر على العلاقة بالسلطتين السياسية و الدينية، إذ يتعداه أيضاً إلى مشايخ القبائل و بالذات في المناطق الحدودية، حيث تعتمد السعودية موازنة كبيرة للمشايخ المنضوين تحت نفوذها، و توفر لهم امتيازات خاصة عند دخولهم أراضي المملكة، ما ساعدها على تمرير سياستها في اليمن، بل ووصل الأمر في بعض الفترات إلى أن السفير السعودي كانت له كلمة الفصل في اختيار رؤساء اليمن الشمالي قبل قيام الوحدة 1990. 
بعد الوحدة سارت الرياض على نفس النهج، و استغلت نفوذها و حاجة اليمنيين إلى دعمها، فانتزعت اتفاقية جدة 2000 ، التي جرى بموجبها ترسيم الحدود بين البلدين، و برغم الإجحاف البين بحقوق اليمن التاريخية، إلا أن الأصوات اليمنية المناهضة لهذه الاتفاقية كانت خافتة جداً. وجرى الأمر نفسه عندما تدخلت الرياض عسكرياً في الحرب السادسة بصعدة 2009، و أمطرت مناطق الحوثيين بوابل من راجمات الصورايخ كان من جملة ضحاياها الأبرياء من المدنيين والأطفال و النساء. 

في مقابل هذا النفوذ و التدخل الكبير في الشأن اليمني لا يكاد المواطن اليمني يلحظ دعماً سعودياً للتنمية و الإستثمار في بلده، برغم أن علاقة البلدين تمتد لأكثر من نصف قرن، و قد لا يصدق المتابع أن اليمن الدولة الأفقر في الشرق الأوسط تجاور الدولة الأغنى في المنطقة. 

يتعمد النظام السعودي إذلال الشعب اليمني حتى لا ينهض من كبوته، و في سبيل ذلك أوقفت الرياض كل الإمتيازات التي كانت ممنوحة لليمنيين بموجب اتفاقية الطائف1934، و استغلت موقف صنعاء المساند لصدام حسين في غزوه للكويت، فأقدمت على ترحيل أكثر من مليون عامل يمني في السعودية، ما شكل أزمة اقتصادية كبيرة لليمن. 
وفيما كان اليمنيون يتوقعون تحسنا في علاقة البلدين بعد إغلاق ملف الحدود إلا أن الرياض واصلت سياسة الحصار المتعمد للشعب اليمني، و امتهان كرامة آلاف المتهربين عبر أراضيها بحثاً عن العمل في بلد يأوي الملايين من العمالة الآسيوية الرخيصة دونما اكتراث بحقوق الإنسان و بالشرعة الدولية و الشريعة الإسلامية. 
مؤخراً أعلنت حكومة الرياض عن إجراءات تتهدد البقية العاملة في اليمن، وهي تفعل ذلك برغم أن النظام القائم في صنعاء قد رهن سياسته الخارجية بيد الجارة الكبرى و بالتنسيق مع واشنطن، وعواصم الدول الراعية للمبادرة الخليجية و التسوية السياسية في اليمن. 
و إذ تتوالى المؤتمرات والإعلانات عن منح مالية لمساعدة اليمن إلا أن نسبة التنفيذ تضل ضئيلة جداً، وهو ما يعني أن المسألة برمتها تنطوي على خداع إعلامي، حتى إذا حانت ساعة الاستحقاقات وجدت السعودية وغيرها من الدول المانحة عشرات من الذرائع تبريراً للتملص من التزاماتها، خاصة و هم يرون في النخبة السياسية تهافتاً على خطب ود الرياض و إن بثمن بخس. 
لذلك لا عجب أن نجد في الساسة و الكتاب و الممشايخ من يهب للدفاع عن سياسة السعودية في اليمن بالحق و بالباطل، متجاهلاً حقيقة الطوق الخليجي المفروض سعودياً على اليمن، و على رياح التغير التي هبت من داخلة أثناء الثورة العربية الأولى في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي، و صولا إلى الربيع العربي 2011، الذي أثار رعب المملكة وكل إمارات النفط الخليجية. 
اسلام تايمز – عبد الله علي صبري

زر الذهاب إلى الأعلى