أخبار وتقارير

قصة اجتماع أعلن بعده صالح الحرب على الجنوب في عام 1994م

المستقلة خاص ليمنات

< إعلان الحرب على الجنوب لم يكن في يوم 27 ابريل 1994 كما يظن البعض ولم يكن خطاب علي عبد الله صالح في ميدان السبعين ظهيرة ذلك اليوم هو الاشارة الأولى لبدء الحرب واجتياح الجنوب؛ لأن الرغبة في الانتقام من الجنوب كانت حاضرة لدى القيادات الشمالية المدنية والقبلية والعسكرية منذ الهزائم التي تجرعها الجيش الشمالي من نضيره الجنوبي في عامي 1972 و1979 والذي لولا التدخل الخارجي لوصل الجيش الجنوبي في عام 1979 إلى صنعاء وأسقط نظامها .. وقد انتظر صالح وأعوانه الفرصة المناسبة لرد الاعتبار حسب اعتقادهم وبدأوا يعدون العدة لذلك ويمهدون الطريق للوصول إلى اليوم الموعود.

التمهيد للحرب

< في 26 ابريل 1992 جرت محاولة اغتيال عبد الواسع سلام وزير العدل وفي نفس الشهر انفجرت قنبلة في منزل سالم صالح محمد عضو مجلس الرئاسة والرجل الثاني في الحزب الاشتراكي آنذاك وفي 14 يونيو 1992 اغتيل هاشم العطاس شقيق رئيس الوزراء حيدر أبو بكر العطاس وفي 21 يونيو 1992 اغتيل ماجد مرشد عضو اللجنة المركزية ومستشار وزير الدفاع والصندوق الأسود للجيش آنذاك وفي 20 اغسطس 1992 منزل الدكتور ياسين سعيد نعمان يتعرض لهجوم صاروخي وفي 10 سبتمبر 1992 انفجار قنبلة في منزل ياسين تودي بحياة اثنين من مرافقيه وفي 29 أكتوبر اثنان  من أولاد علي سالم البيض ينجوان من محاولة اغتيال ويقتل ابن أخت البيض في نفس العملية وفي 15 نوفمبر 1993 منزل نجل البيض يتعرض لإطلاق نار من ثكنة عسكرية وفي 17 ديسمبر 1993 الشرطة العسكرية تمنع سيارة رئيس الوزراء حيدر ابو بكر العطاس ومرافقيه من دخول صنعاء ولم يسمح للعطاس بالدخول إلاّ بعد توسط مجاهد ابو شوارب وتوالت الاغتيالات لقادة الحزب الاشتراكي والجنوب من بداية يناير 1994 وراح ضحيتها العشرات وبوسائل مختلفة تتقدمها سيارة هيلوكس أبو غمارتين وجميعها كانت تقيد ضد مجهول واحياناً قضاء وقدر وفي أحيان أخرى لقضايا جنائية خاصة.

< هكذا مهد علي عبد الله صالح وعصابته بنيته المسبقة لاجتياح الجنوب وعمل على تصفية بعض قاداته وإثارة الرعب في نفوس الآخرين.

مكر صالح وغفلة البيض

<  ولكن الخطوات الأكثر خطورة هي تلك التي أدارها صالح بدهاء ومكر وفي غفلة وسذاجة من قادة الجنوب وهي تلك المتعلقة بالواقع الميداني لقوات الجيش حيث وافق الجنوبيون على نقل أفضل فيالقهم العسكرية إلى الشمال وإلي مواقع لن تؤثر على سير أي معركة بين الطرفين بل إن هذه المواقع التي نقلت إليها القوات الجنوبية في الشمال تجعل مهمة ضربها وإبادتها أكثر سهولة..

< صحيح أن هذا جرى وسط حسن نية من الطرف الجنوبي لكن الحذر كان ينبغي أن يكون حاضراً لدى القادة العسكريين ومن أمثلة ذلك معسكر صهيب الذي تم نقله إلى مساحة مفتوحة خارج مدينة ذمار حتى يتمكنوا من ضربه من أي منطقة بالاضافة إلى أن قوات الحرس الشمالي تسيطر على المرتفعات المطلة على الموقع ووجود معسكر باصهيب في هذا المكان البعيد عن العاصمة كان بمثابة اغتيال للمعسكر ومحوه من الوجود ومثله معسكر المدرعات في عمران الذي تم وضعه بين كماشات شمالية كثيرة وتحيط به قوات علي محسن من كل الجهات وهذا ما أتاح الفرصة للقضاء عليه في ظرف ساعات وبالمقابل فإن المعسكرات التي تم نقلها من الشمال إلى الجنوب تم وضعها وتمركزها في مناطق حساسة لخنق عدن ومحاصرتها من جهات مختلفة  وهو ما يوكد أن صالح كان يستعد للحرب منذ إعلان الوحدة إن لم يكن من قبل ذلك فقد وضع لواء العمالقة في البوابة الشرقية لمدينة عدن ومعسكر الكبسي في بوابتها الغربية تمهيداً للانقضاض عليها في أية لحظة ومن الأمور التي تفضح  -بجلاء- حقيقة تآمر صالح على الجيش الجنوبي وإضعافه قبل الحرب قراره بإيقاف التجنيد فالجيش الجنوبي لم يكن لديه أفراد مثبتون بعدد كبير كما هو الحال في الشمال وكان يعتمد علي المجندين ويدربهم على العمليات القتالية ومن ثم يعتبرهم رافداً لقوته العسكرية وبهؤلاء المجندين خاض الجنوب حروبه ضد الشمال وحقق انتصارات كثيرة.. وقرار ايقاف التجنيد أوقف هذه الميزة التي كانت لصالح الجيش الجنوبي.

اليوم الأكثر سواداً

<  5 مايو 1994م هو اليوم الأكثر سواداً في تاريخ اليمن وصبيحته هي من أكثر الصباحيات بشاعة في تاريخ هذا البلد المنكوب بطيش قاداته وبلطجة حكامه. وفي نهار ذلك اليوم تدفقت أنهار اليمنيين وسالت المدامع ومخرت الطائرات الفضاء وجلجلت اصوات المدافع في كل ربوع الوطن المسفوك بأيدي سفاحيه.. ذلك اليوم لم يكن سوى نقطة البداية التي خطط ودبر لها صالح وأعوانه من المهزومين في سبعينية القرن الماضي مضيفين إليها أطماعهم الجديدة بالتهام ثروات الجنوب التي يسيل عليها لعابهم.. ولكن من قرر ساعة الصفر للمعركة؟ وكيف؟

قرار اللحظة الأخيرة

< قبل تعميم قرار الحرب على الجنوب قرر صالح ومحسن التخلص من المعسكرات الجنوبية في المناطق الشمالية وكان لهم ما أرادوا ووفق ما خططوا له مسبقاً وبدأوا بأخطر هذه المعسكرات نظراً لقربها من العاصمة وهو معسكر اللواء الثالث مدرع جنوبي في عمران حيث اجهزوا عليه بقوات من الفرقة الأولى مدرع شمالي وبدعم من الحرس الجمهوري والأمن المركزي ومليشيات قبلية وقتلوا 120 وجرحوا 200 فيما استسلم الآخرون أو فروا هاربين وبعد هذه المعركة التقط صالح أنفاسه أما قادة الجنوب فإلى تلك اللحظة فإن خيار الحرب لم يكن وارداً لديهم وكانوا يراهنون على السلام فلهذا لم يقوموا بأي ردة فعل تجاه معسكرات الشماليين المتواجدة في أرض الجنوب..

< ووسط حالة الترقب والحزن الذي يلف الوطن من اقصاه إلى أقصاه اجتمع صالح ومعه علي محسن الأحمر ومحمد اسماعيل وآخرون في لقاء قرروا فيه الاستعانة بقادة عسكريين جنوبيين لخوض الحرب واجتياح الجنوب باسم الوحدة وقد وقع الاختيار حينها على عبدربه منصور هادي ومحمد علي أحمد ومن ثم هما يقومان باختبار قادة ميدانيين حسب معرفتهما وقد جاء هذا القرار وفق حسبة جغرافية واعلامية واهمها قطع الطريق أمام الحزب الاشتراكي على ترويج أن الحرب بين الشمال والجنوب ومن أجل ذلك فقد اجتمع صالح ومعه علي محسن الأحمر ومحمد اسماعيل وجميعهم من سنحان مع عبدربه هادي ومحمد علي أحمد وهما من الجنوب وقال صالح في ذلك اللقاء إن البيض أغلق كل نوافد الحل السلمي ويقود البلاد نحو حرب وشيكة وأكد صالح أنه سيخوض هذه الحرب مضطراً لعدم وجود حل آخر، وطلب في ذلك من عبدربه ومحمد علي أحمد قيادة تلك الحرب فرفض محمد علي أحمد هذا الطلب وبعدها غادر البلاد..

<  وبحسب مصادر مطلعة أن علي محسن أقنع هادي على المشاركة في الحرب.. فخرج صالح بعد ذلك اللقاء بقرار مفاجأة الجنوب بحرب لم يستعد له وأصدر أوامره الفورية للوحدات  العسكرية المختلفة التحرك لمحاصرة معسكر باصهيب بذمار فكان الوطن على موعد مع جرح لن يندمل ومذبحة لن ينساها التاريخ.

الأرض تهتز

< ليلة 4 مايو أوجاع الوطن تكبر والأرض تهتز تحت سكان مدينة ذمار وما حولها وهدير الصواريخ يثير الرعب في السهل والجبل وعقارب الساعة تجري بسرعة البرق نحو غدٍ مليء بالأنين والألم وبالقرب من ذمار كان اللواء الرابع مدفعية جنوبي يواجه نفس موقف معسكر باصهيب ولم تشرق شمس صباح اليوم التالي إلا وجنود وضباط المعسكرات الجنوبية يهيمون في الجبال والقرى بحثاً عن النجاة، وفي مثل هذه الأيام وتحديداً في 5 مايو الحرب تستعر بقرار همجي من صالح، فآلة الحرب تصهر المكان والزمان والانسان معاً وانتصر المخططون وكسبوا الحرب لكنه انتصار على الأرض فقط أما الوحدة والجنوب فقد خسروهما وهذا ما أثبتته الأيام ونشاهده اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى