أخبار وتقارير

المغتربون في مخيم باجل سرطان فيد، وانتهاكات ضد الإنسانية

المستقلة خاص ليمنات

قبل ثلاث وعشرين عاماً، حط رحال 500 أسرة مغتربة ممن قامت السلطات السعودية بترحيلهم إلى اليمن بفعل أزمة الخليج وتم إسكانهم في إحدى الساحات التابعة لمصنع اسمنت باجل في محافظة الحديدة، حينها بدأت معاناة كبيرة لهذه الأسر التي وجدت أنها طردت من مناطق الاغتراب في السعودية، ليستقر بها المقام في غربة أخرى داخل بلادهم، فتحولت حياتهم إلى بؤس وحرمان وألم.

مخيم جبل الشريف المخصص لهذه الأسر الفقيرة والمشردة، يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الانسانية الكريمة، وتنعدم فيه الخدمات الأساسية، رغم وقوعه على الطريق الرئيسي وسط مدينة باجل إلاّ أنه أشبه بصحراء موحشة، فلا ماء، ولا كهرباء، ولا صرف صحي، بل إن ساكني المخيم ما يزالون يحلمون بلحظة أمان بعيداً عن دوي الرصاص وغزوات العسكر والمشايخ والنافذين، المندفعين بشهوة الاستحواذ على أراضي المخيم التي كانت سابقاً تابعة لمصنع اسمنت باجل، والتي منحتها الدولة لهذه الأسر المعوزة غير أن أفرادها لم يكونوا قادرين على بناء منازل، فاكتفوا بالسكن في عشش ومساكن من القش والصفيح يأوون إليها هرباً من حرارة الشمس وتساقط الأمطار وعواصف الريح لكنهم يبقون دائماً معرضين لمخاطر السيول الجارفة، التي تقع بيوتهم الواهية على طريقها مما يتسبب في تشردهم من وقت إلى آخر..


سرطان الفيد

على مدى ثماني سنوات وأكثر، توغل سرطان فيد الأراضي ونهب النافذين، إلى داخل المخيم فحطم أحلام البسطاء من ساكنيه، ونكل بهم شر تنكيل، صراع يديره رجال الفيد ضد فقراء المخيم، المستضعفين ذوي البشرة السمراء الذين تكسو وجوههم ملامح التعب والمعاناة والجوع، ويواجهون أساليب التخويف والتهديد وطلقات الرصاص لإخراجهم من مساكنهم، في حين تغض الدولة الطرف عن كل ما يتعرضون له من اعتداءات سافرة  وما يواجهونه من أخطار تهدد حياتهم واستقرارهم وغزوات  يشنها ذوو النفوذ والجاه والقوة على ضعفاء يحلمون بلقمة عيش يضمدون بها جراح جوعهم ويحفظون بها بقاءهم.

يتحدث عاقل المخيم سعيد عبدالله هبة لمراسل “المستقلة” قائلاً: “50 مرة وأكثر، وأنا أتعرض للحبس، ويتم اقتيادي إلى إدارة أمن المديرية بدون أي تهمة، ولا يوجد أي غريم محدد لي، أو دعوى قضائية ضدي، وإنما ذلك تهديداً من النافذين وضغوطاً عليَّ حيث يتم إطلاق سراحي بعد كل مرة اعتقال بدون أي استجواب .. هناك خمسة أشخاص يدعون ملكيتهم لأراضي المخيم، ولديهم أوارق مزورة، وقد رحل اثنان من هؤلاء النافذين، بعد عدة محاولات، لكن يأتي بعدهم نافذون آخرون..”

ويضيف العاقل: “الأرض هي ملك لمؤسسة الغزل والنسيج، ولدينا وثيقة تسمح لنا بالاستفادة منها ومنحنا مساحة من أرضية المصنع، تتمثل بوثيقة- حصل المراسل على نسخة منها- بتوجيه من مؤسسة الاسمنت إلى مدير فرع الحديدة جاء فيها (في إطار حرص المؤسسة على معالجة وضع الفقراء الذين سكنوا أرضية المؤسسة في باجل بعد أزمة الخليج، وبالتفاهم مع الأخ المحافظ، نوافق على تخصيص مساحة مناسبة في الجهة الغربية الجنوبية للاسفلت، كصدقة للمذكورين، وعليكم تكليف مندوب لتنفيذ ذلك) حيث تم تكليف الأستاذ حسن عمر سويد عضو مجلس النواب في المديرية لحصر عدد المستفيدين من التوجيه” إلا أن السلطات المحلية تنفي صحة هذا التوجيه، ويرجع المغتربون ذلك إلى تواطئها مع النافذين..

يؤكد عضو مجلس النواب حسن سويد في حديثه لمراسل المستقلة أن المؤسسة تبرعت فعلاً بتخصيص أرض للمغتربين وجزء منها لصندوق النظافة والمجمع الحكومي في المديرية، وأن لديه عقود التمليك الخاصة بذلك، وأنهم كانوا بصدد مسح الأرض وتقسيمها إلى مجمعات سكنية، والبحث عن ممول لبنائها، غير أن أحداث الثورة السلمية أدت إلى تأخر ذلك، مشيراً إلى أنه سيؤخر تسليم العقود للمستفيدين حتى لا يبيعوا قطع الارض المخصصة لهم، مما يتسبب بحدوث المزيد من المشاكل.


أزمة خدمات عامة

قبل 15 عاماً، وجه الرئيس المخلوع السلطة المحلية بإدخال خدمة المياه إلى المخيم، غير أن مؤسسة المياه اكتفت بوضع حنفية واحدة للمخيم، رغم أن خزان مياه المدينة يطل على رؤوس أفراد 500 أسرة، يصارعون العناء من أجل شربة ماء، بينما تسهر النساء الليالي انتظاراً لوصول قليل منه ولمدة يومين في الأسبوع، في حين تحدث مواطنون عن وصول سعر إدخال العداد إلى مبلغ مائة ألف ريال، بينما يواجه الآخرون صعوبة شديدة في الحصول على المياه من هذه النقطة الوحيدة في بداية المخيم.. وفي قضية متصلة يعاني سكان المخيم من كارثة صحية شديدة الخطورة، بعد طفح المجاري وتفجرها أمام بيوتهم بشكل دائم، حيث إن مجاري المدينة تمر وسط بيوتهم، فتنبعث روائح كريهة وتعشعش فيها الجراثيم مما يتسبب في انتشار الأوبئة والأمراض المعدية داخل المخيم، إلى جانب تراكم القمامة التي لا يصل إليها صندوق النظافة، رغم أن مقره بالقرب منهم.. ومؤسسة المياه لا تتدخل لمعالجة قضية الصرف الصحي وطفح المجاري.


غزو بربري

وقوع المخيم بمحاذاة الشارع العام جعله لقمة شهية لدى النافذين، وتسبب بصراع بينهم حول أراضيه، ومن ذلك أن أحد المشائخ تقدم بعريضة شكوى إلى قاضي محكمة باجل ضد شيخ آخر يدعون معاً ملكيتهما للأرض، مما جعل القاضي يكلف أحد عقال المخيم (أبو محمود) بالحفاظ على الأرض من وضع أي قدم فيها أو استحداث بناء داخلها، وإن حاول أحدهم ذلك فأبلغنا لتتم احالته إلى النيابة كون القضية منظورة لدى المحكمة.. أما أحد النافذين فقد اعتدى على أحد المساكن وطرد أسرة بكاملها من المخيم بعد  أن هد المنزل على رؤوسهم، مستقوياً بنفوذه وسلاحه، وقام ببناء غرفة وحمام ، والجهات المختصة بدل أن تقبض على ذلك الغازي المتنفذ وتحيله إلى النيابة  قامت بحبس اثنين من أبناء المخيم هما العاقل سعيد هبة، وربوعي يحيى بتهمة الاستيلاء على الأرض التي سكنوا فيها منذ 23 سنة وبمنحة من الدولة مسنودة بالأوراق والوثائق، ولم يفرج عنهما إلا بعد تدخل المحافظة.. مسلسل الاعتداءات على سكان المخيم المغتربين في بلادهم مازال مستمراً، وضحايا الاعتداءات يتزايدون يوماً بعد آخر، والمعاملات غير الإنسانية هي كل ما يتلقاها السكان الفقراء من البيئة المحيطة بهم.

زر الذهاب إلى الأعلى