حقوق وحريات ومجتمع مدني

التهديدات و الاعتداءات تستهدف المدافعين الشجعان عن حقوق الإنسان في اليمن

يمنات – متابعات

"يمنات" يعيد نشر تقرير مركز الخليج لحقوق الانسان الصادر مؤخرا حول الانتهاكات التي تعرض لها صحفيون وناشطون حقوقيون خلال الفترة الأخيرة.

التقرير أشار إلى الانتهاكات والتهديدات والحملات الاعلامية التي تعرض لها ناشطون حقوقيون مثل القاضي أحمد سيف حاشد وأروى عثمان وسارة جمال، و صحفيون مثل جمال الحمادي ونبيل سبيع وسامية الأغبري وعبد الكريم الخيواني، وغيرهم.

نص التقرير

تقرير مركز الخليج لحقوق الإنسان

البعثة إلى اليمن: 14 – 19 نيسان 2013

 أيار 2013

 لندن/ بيروت/ كوبنهاكن

 مركز الخليج لحقوق الإنسان 

  www.gc4hr.org

 المحتويات

 أ. الملخص و المقدمة 

 ب. خلفية تاريخية و سياسية 

 جـ. إطار عمل بعثة مركز الخليج لحقوق الإنسان 

 د. وقائع من التهديدات التي تواجه المدافعين عن حقوق الإنسان 

 هـ. الإطار القانوني 

 و. الخلاصة

 أ‌.      الملخص و المقدمة

 في هذه الآونة، غدا كون المرء مدافعاً عن حقوق الإنسان في اليمن أكثر خطورة من أي وقت مضى. في ظل النظام السابق كان مصدر التهديد واضحاً؛ كانت الحكومة فاسدة و واجه أولئك الذين سعوا إلى فضح الفساد تبعات فعلهم بشكل مباشر و الاقتصاص منهم الذي غالباً ما يكون عنيفاً. أما في فترة الانتقال السياسي الراهن، فقد أصبح الوضع أكثر تعقيداً، إذ لم تزدد الأخطار التي يواجهها هؤلاء الذين يبلغون عن الأحداث و أولئك الذين يناضلون من أجل العدالة الاجتماعية و حسب، بل أصبحت أيضاً و على نحو متزايد وقائع يتعذر التنبؤ بها.

تتراوح هذه الاعتداءات من عمليات الاغتيال و الضرب، مروراً بشنِّ حملاتٍ واسعة النطاق من التشهير بواسطة الإنترنت، و المضايقات، و انتهاءً باستخدام الإجراءات القضائية لقمع الصحافة المشروعة. و قد أخفقت الحكومة الانتقالية في منع حدوث هذه الاعتداءات و التحقيق فيها و معاقبة مرتكبيها.

  ب. خلفية تاريخية و سياسية

اليمن واحد من أفقر البلدان في العالم. يعيش أكثر من 50٪ من سكانه البالغ تعدادهم أربعة و عشرين مليوناً في الفقر[1]. أما مخزون البلاد من المياه و النفط، و هو المصدر الرئيسي للعوائد، فآخذٌ في النفاد.

تُعدُّ المناطق القبلية المختلفة بمثابة معاقل لتنظيم القاعدة المسلح في شبه الجزيرة العربية[2]. و نتيجة لذلك، فإن هذه المناطق خاضعةٌ إلى سياسة الولايات المتحدة المثيرة للكثير من الجدل و القائمة على القتل المتعمَّد، و التي فيها يتم شن الهجمات بصواريخ مستترة و طلعات الطائرات دون طيارين، و التي قتل من جرَّائها العديد من المدنيين، من بينهم خمسة و ثلاثون طفلاً على الأقل[3].

 كان اليمن دولتين منفصلتين حتى عام 1990، عندما أعلن قادة جمهورية اليمن العربية في الشمال و جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب الوحدةَ بين الجمهوريتين. ثم تولى علي عبد الله صالح، رئيس اليمن الشمالي، السلطة على الدولة حديثة التأسيس.

و قد أدت الأزمات السياسية و الاقتصادية التي لم تتم معالجتها، و الناشئة عن التوحيد إلى فترة حرب أهلية، خرجت قوات صالح منها منتصرة. بيد أن الشكايات لا تنفك تتـزايد في اليمن، ممثلةً تحدياً مستمراً، مع وجود الحركة الانفصالية المسلحة و الحركة السياسية المطالبة بالحكم الذاتي؛ و هي مسائل لا بد من حلها[4].

 في الوقت الحاضر، يحتدم الصراع في الشمال بين القوات الحكومية و جماعة الحوثيين المتمردة التي تتهم الحكومة بممارسة التمييز الديني و السياسي[5].

 في عام 2011، أدى الاستياء واسع النطاق من الممارسات الحكومية المستبدة و الفاسدة إلى خروج آلاف اليمنيين إلى الشوارع في احتجاجات مستوحاة من الأحداث في تونس و مصر، ساعين إلى إنهاء حكم الرئيس صالح الذي دام ثلاثة و ثلاثين عاماً. كانت الاحتجاجات سلمية في معظمها، غير أنَّ  ولكن تم القوات الحكومية عمدت إلى قمعها بوحشية. و نقلت التقارير أن مئتين و سبعين متظاهراً قتلوا فيما جرح آلاف المحتجين[6].

بحلول تشرين الثاني 2011، أدت الضغوط المحلية و الدولية إلى تنحي صالح عن السلطة على خلفية اتفاق توسط فيه مجلس التعاون الخليجي و دعمه إلى حد كبير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. و في كانون الثاني 2012، منح البرلمان صالح الحصانة المحلية الكاملة من الملاحقة القضائية على الجرائم السياسية، في خرق للالتزامات القانونية الدولية المتعلقة بمحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

 في شباط 2012، انتخب عبد ربه منصور هادي، المرشح الوحيد، رئيساً مؤقتاً لولاية مدتها سنتان. و يشغل منصب الرئيس في سياق عملية انتقالية تعمل الأمم المتحدة على تيسير مجرياتها، و يُنتظر أن تتمخض عن وضع دستور جديد و إجراء انتخابات ديمقراطية في عام 2014. يشكل مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس جزءاً أساسياً من هذه العملية، إذ يهدف إلى التقريب بين جميع فئات المجتمع اليمني بُغية معالجة مظالم مختلف الجماعات بما فيها الحراك الجنوبي و الحوثيون. كما تتيح هذه العملية مجالاً ملائماً للتباحث و صوغ السياسات المتعلقة بحقوق الإنسان و التقدم الاجتماعي.

يُعدُّ تكتل أحزاب اللقاء المشترك أحد أبرز القوى السياسية في اليمن حالياً، و هو تحالف مؤلف من ستة أحزاب معارضة، من بينها التجمع اليمني للإصلاح، أكبر حزب في البلاد. و التجمع اليمني للإصلاح ذو اتجاه ديني محافظ يطالب بالتمسك الصارم بالتعاليم الإسلامية[7].

و يبدو أن وضوح هذا النهج و هيكله التنظيمي يمثل بالنسبة إلى الكثيرين في اليمن سبيلاً للتقدم، و لهذا فإن الحزب يكتسب مزيداً من القوة. إن أشخاصاً عديدين ممن تم الالتقاء بهم أثناء البعثة موضوع هذا التقرير، ممن عملوا من أجل العدالة الاجتماعية أثناء الثورة و ممن ليسوا منحازين سياسياً إلى حركةٍ بعينها أبدوا معارضة شديدة لتجمع الإصلاح. و ثمة قلق كبير في صفوفهم من أن المكتسبات التي ناضلوا من أجلها، و بخاصة في مجالات حرية التعبير و تحقيق المساواة للنساء، تتآكل باتساع نفوذ التجمع اليمني للإصلاح.

 جــــ. إطار عمل بعثة مركز الخليج لحقوق الإنسان

كان الغرض من بعثة مركز الخليج لحقوق الإنسان هو الالتقاء بالمدافعين عن حقوق الإنسان، بمن فيهم الناشطون و الصحافيون المستقلون، و الاستماع إلى إفاداتهم، و إعداد التقارير عن تلك الأحداث، و الخروج ببعض الاستنتاجات فيما يخص حالة حقوق الإنسان في اليمن في هذه الآونة. يستند هذا التقرير إلى ساعات طويلة من الاجتماعات و المناقشات مع الأشخاص المُشار إليهم أدناه.

 جرت البعثة بين 14 و 19 من نيسان 2013[8]. و اضطلعت بها المحامية البريطانية ميلاني جنجل، عضوة المجلس الاستشاري لمركز الخليج لحقوق الإنسان، التي بقيت في صنعاء طوال مدة البعثة و أجرت المقابلات بمساعدة مترجم محلي.

استندت جنجل إلى حد كبير على دقة وصف الأفراد الذين قابلتهم للأحداث التي تعرض إليها هذا التقرير، و تبيَّنت في نهاية مهمتها أنَّ ثمة درجة عالية من الاتساق بين العديد من الأقوال التي أدلى بها أشخاص مختلفون. و فضلاً عن ذلك، فقد كانت الروايات المنفصلة للوقائع يدعم بعضها بعضاً إلى حد كبير، و على ذلك؛ فإنه لم يكن لدى جنجل في أي وقت من الأوقات سبب للتشكيك في صحة ما قيل لها. كما اشتمل بحثها على إشاراتٍ إلى عدد من التقارير الصادرة عن منظمات غير حكومية أخرى، من بينها هيومن رايتس ووتش/ مراقبة حقوق الإنسان، و منظمة العفو الدولية. و مجدداً، أيدت تلك التقارير التصوُّر الذي توصلت إليه البعثة.

 د. وقائع من التهديدات التي تواجه المدافعين عن حقوق الإنسان

 1. دور الإعلام الاجتماعي باعتباره مصدر تهديد للمدافعين عن حقوق الإنسان

 خلال الثورة، كانت وسائل الإعلام الاجتماعية قناة فعالة لنشر المعلومات عن النضال الثوري، و وسَّعت من نطاق الوسائل المتاحة لممارسة الحرية الفردية في التعبير. كان موقع فيسبوك وسيلة للاتصال و الإعلام و الترفيه و العمل السياسي جميعاً، و لا سيما في أوساط الشباب[9]. و أثناء المناقشات مع الناشطين في اليمن، بدا واضحاً أن للحملات على موقع فيسبوك نكهة مختلفة جداً في الوقت الحالي، إذ غدت جحافل من "مستخدمي فيسبوك" تقوم بأعمال الترهيب و المضايقة التي تستهدف شخصاً معروفاً بأنه صاحب مسار مستقل، أو يقوم بفضح الفساد، أو يناصر وجهات نظر لا يتفق معها أحد الأحزاب السياسية.

و غالباً ما يتضمن أمثال هذه الحملات قيام مئات الأشخاص بنشر رسائل مسيئة على صفحة فيسبوك العائدة إلى شخص معين.

و كثيراً ما تترافق هذه الإساءات مع اتهام الضحية بالسلوك غير الإسلامي، و هو ما ينتهي إلى الاتهام بالردة. إنَّ من المحتمل أن يبعث هذا المخاوف بشأن حياة الشخص المستهدف، ذلك أن الكثيرين يعدون الموتَ حدَّ الردة.

و في الأحاديث التي أجرتها البعثة مع الناشطات من النساء، أشارت العديدات منهن إلى هذه الاعتداءات على أنها بمثابة "حكمٍ بالإعدام الاجتماعي".

2. التهديدات التي يواجهها الصحافيون و المنظمات المعنية بحرية الإعلام

 أجريت مقابلات مع الأفراد التالية أسماؤهم و المنظمات التالي ذكرُها، الذين قدموا تقارير عن قضاياهم و التهديدات لحرية التعبير:

 مؤسسة حرية، منظمة معنية بحرية الإعلام

مؤسسة حرية منظمة غير حكومية أنشئت لرصد الانتهاكات و التجاوزات ضد حرية الإعلام في اليمن[10].

و تسعى إلى تعزيز الديمقراطية، و حقوق الإنسان، و حرية الصحافة من خلال دعم و إقامة الروابط بين المؤسسات الإعلامية و الصحافيين الأفراد محلياً و وطنياً و دولياً. و تشغِّل المؤسسة خطاً ساخناً لتشجيع الإبلاغ عن الانتهاكات التي تستهدف حرية الصحافة.

*في العام الماضي، وثَّقت المؤسسة مئتين و ستين اعتداءً ضد الصحفيين. إنَّ الأرقام التي سجلت في عام 2013 حتى الآن تبعث على القلق العميق، إذ تبين أن الاعتداءات على الصحافيين تشهد تصعيداً؛ فقد سُجلت بالفعل مئة و تسع حالات من العنف أو التهديد بالعنف ضد الصحافيين، بالإضافة إلى اثنتين و ثلاثين دعوى قضائية منفصلة أُقيمت ضد صحافيين بحلول منتصف شهر نيسان 2013[11]. و كان العديد من الصحافيين الذين عانَوا من جرَّاء تلك الاعتداءات قد أجروا تحقيقات صحافية تتعلق بالفساد في قطاع الطاقة أو الإنشاءات.

 شملت الاعتداءات التي سجلت الأمثلة النمطية التالية على أنواع الانتهاكات التي ارتُكبت على نحو منتظم:

 (1) محاولة اغتيال استهدفت منصور نور، و هو صحافي كان يقوم بتغطية مظاهرة الحراك الجنوبي في عدن يوم 17 نيسان. و قد أُطلقت النار عليه من قبل مسلح مجهول، و أدى ذلك إلى بتر ساقه في المستشفى لاحقاً.

(2) و في 17 نيسان أيضاً، شهدت صنعاء محاولة لتدمير مكاتب قناة يمن شباب الفضائية و صحيفة المصدر بعبوة ناسفة. و لحسن الحظ فقد تم اكتشاف العبوة و نزع فتيلها.

 (3) في 8 نيسان، أدين حسام عاشور، و هو محرر أخبار يعد باستمرار تقارير عن مزاعم الفساد ذات الصلة بصندوق إعادة الإعمار؛ بإهانة موظف عمومي و صدر بحقه حكم بالسجن ثلاثة أشهر و دفع غرامة قدرها ثلاثمئة ألف ريال يمني. و يقوم حالياً باستئناف الحكم.

 (4) في 9 نيسان، أبلغ رئيس تحرير صحيفة الأولى اليومية، محمد عايش، عن تلقيه أكثر من ثلاثين رسالة نصية قصيرة من أرقام هواتف يمنية و أجنبية تهدد بقتله، و قطع يده أو لسانه.

 (5) في 27 نيسان، واجه طاقما التصوير التابعان لكل من قناة الجزيرة و سكاي نيوز العربية، بينما كانا يقومان بتغطية مظاهرة الحراك الجنوبي في عدن؛ هجمات تضمنت الاعتداء البدني على أفراد الطاقمين، و تم تهديدهم بالخناجر و مصادرة معدات التصوير التي بحوزتهم.

نظَّمت مؤسسة حرية حملة من أجل الإفراج عن الصحافي عبد الإله حيدر شايع الذي اعتقل منذ 16 آب 2010.

عمل شايع لصالح وكالة الأنباء الرسمية سبأ، و كان خبيراً بشؤون الإرهاب. أعدَّ شايع تقريراً عن التبعات التي خلَّفها هجوم صاروخي على قرية المعجلة في محافظة أبين، و الذي قتل من جرائه أكثر من خمسين مدنياً من بينهم واحد و عشرون طفلاً.

و كان قد أدين باتهامات تتعلق بالإرهاب بعد محاكمة أدانتها هيومن رايتس ووتش معتبرة إياها محاكمة جائرة[12].

و قالت منظمة العفو الدولية "إنَّ ثمة مؤشرات قوية على أن الاتهامات الموجهة إلى [الشايع] ملفقة و أنه سُجن و حسبُ لكونه تجرأ على الجهر بالحديث عن ضلوع الولايات المتحدة في الهجوم بالذخائر العنقودية الذي وقع في اليمن".

لاحظت مؤسسة حرية أنه إذا أُريد للحكومة اليمنية أن تخضع للمساءلة بشأن أفعالها ذات الصلة بالضربات الصاروخية في بلدها ذاته، فإنَّ من الجلي أن إعداد التقارير الإعلامية عن الحقائق أمر مسموح به. و كان من المقرر أن يصدر الرئيس السابق صالح عفواً عن الشايع، غير أنَّ العفو ألغي بعد تدخل شخصي من رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما في 3 شباط 2011[13].

و لا يزال الشايع رهن الاحتجاز، و لا يُنتظر أن يتم الإفراج عنه قبل العام المقبل.

خالد الحمادي هو مدير مؤسسة حرية. و هو صحافي محترم عمل لدى عدد من وسائل الإعلام الدولية مثل قناة الجزيرة بالإضافة إلى وسائل الإعلام المحلية. و قد لحقت به شخصياً اعتداءاتٌ هذا العام تتصل بمقالة كتبها و نشرتها جريدة القدس العربي التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها في نهاية العام الماضي، تشير إلى أن الرئيس هادي قد عين مئة و ثمانين شخصاً من أفراد عائلته في مناصب عسكرية، و تقارن هذا المسلك بسياسة التعيينات التي انتهجها النظام السابق. بُعيد ذلك، يوم 8كانونالثاني 2013، نشر الموقع الالكتروني لوزارة الدفاع مقالة تضمنت وعيداً شديد اللهجة موجَّهاً إلى الحمادي. و قد تم تداول هذه المقالة التي تنتقد الحمادي بقسوة على نطاق واسع في المواقع و الصحف المدعومة من قبل الحكومة. و يقول الحمادي إن تأثير هذه الهجمة، التي يبدو أن الحكومة من ورائها، تصل حد أن تكون دعوة مفتوحة إلى القتل. و قال إنه يعتقد أنه تحت المراقبة الآن، كما يساور المؤسسة قلق بالغ بشأن سلامته.

 في عام 2005، كان الحمادي ضحية لهجوم مماثل عندما كتب مقالة عن الفساد في سلاح الجو، و كان أن اختطف بُعيد ذلك و احتجز يومين للاستجواب في قاعدة صنعاء الجوية. و في عام 2011 تم تكريمه بمنحه جائزة دولية لحرية الصحافة تقدمها منظمة صحافيون كنديون من أجل حرية التعبير، تقديراً لالتزامه بعمله.

سامية الأغبري، صحافيةٌ و ناشطة

 حالة سامية الأغبري، و هي ناشطة شابة و صحافية تعمل لدى صحيفة الشارع؛ مثلٌ على استخدام حملات وسائل الإعلام الاجتماعية لتهديد و ترهيب البعض. سامية الأغبري عضو في الحزب الاشتراكي اليمني و قد عانت كثيراً من جرَّاء هذه الحملات.

كانت الأغبري مسيسة خلال الثورة، و شاركت في العديد من "المسيرات المختلطة" التي تجمع بين النساء و الرجال التي شهدتها تلك الفترة. و قد علمتها تجربتها هناك أنه يمكن للنساء أن يكن قادة و منظِّمين على النقيض مما تفرضه الأدوار الاجتماعية التقليدية المنوطة بالنساء. و هي الآن واحدة من الكتاب و المتحدثين المعروفين في القضايا السياسية.

 في كانون الأول 2012، ألقت الأغبري خطاباً في مؤتمر للحزب الاشتراكي ألمحت فيه إلى "الصلة غير المحمودة" بين الدين و السياسة و القبائل، التي بددت آمال إقامة دولة مدنية حديثة في اليمن. و كان لخطابها هذا تداعيات عدة، فقد انتـُزع هذا التعليق من المقالة التي تناولت عدداً من المسائل، و التي كانت قد نشرت في صحيفة الشارع. كما تحدثت عن قيام تجمع الإصلاح برشوة الناس بحصص من السكر والوقود ليقدموا الدعم للتجمع.

بدأ عضو بارز في التجمع اليمني للإصلاح، هو أكرم الغويزي، حملة على موقع فيسبوك ضد الأغبري؛ و تم تداول تسجيل مصوَّر تم التلاعب بمحتواه فنياً ليظهرها بقرني شيطان و عينين تنـزفان على خلفية من نار جهنم.

و تم تشغيل نشيد لمتشددين في الخلفية، مع عرض كتابات إسلامية تحرض على الاعتداء العنيف عليها.

و تظهر الصورة قسماً من شعرها بادياً من تحت حجابها. و كان ثمة تعليق يقول "لا يفخر اليمن بوجوه كهذه". و تلقت الأغبري نتيجة لذلك كله العديد من التهديدات بالقتل. و قد أقام الغويزي مؤخراً دعوى قضائية ضدها متهماً إياها بإهانة الإسلام. و العقوبة القصوى لهذه الجريمة هي الموت.

 الأغبري عضو في لجنة الحوار الوطني المعنية بمكافحة الفساد. و قد وفَّر هذا الدور المهم لها بعض الحماية من حملة الإساءة، غير أنها اضطرت مع ذلك إلى الاختباء وراء الحجاب لبعض الوقت، غير أنها لا زالت تعيش في خشية على سلامتها.

عبد الكريم الخيواني

عبد الكريم الخيواني صحافي سياسي و هو رئيس التحرير السابق لصحيفة الشورى الأسبوعية اليمنية. و هو عضو في لجنة العدالة الانتقالية التابعة لمؤتمر الحوار الوطني. قبل عام 2011، دأب على كتابة المقالات التي تضمنت انتقادات جمَّة لنظام صالح على الرغم من إدانته و سجنه خمس مرات بسبب الآراء الواردة في مقالاته. في حزيران 2008، صدر بحقه حكم بالسجن ست سنوات بسبب كتابته مقالات تنتقد الحرب على الحوثيين في العام الذي سبق. و لم يتم إعلامه مطلقاً بطبيعة الاتهامات التي على أساسها صدر هذا الحكم. أصدر الرئيس صالح عفواً عنه في أيلول 2008 و تم من بعد إطلاق سراحه.

و قد منحته منظمة العفو الدولية في عام 2008 جائزتها الخاصة لصحافة حقوق الإنسان تحت الخطر تقديراً منها لثباته على مواقفه الشجاعة.

يقول الخيواني إن من الصعب خلال المرحلة الانتقالية أن يقطع المرء برأي بشأن من يأمر العنف. و يعتقد أن مصدر العنف ضده هو القوى الإسلامية المحافظة المتأثرة بتوجهات التجمع اليمني للإصلاح أو الخاضعة لسيطرته، إذ يسعى التجمع إلى تطويق الزخم التقدمي للثورة.

و قد واجه العديد من الاعتداءات منذ أن أجبر الرئيس السابق صالح على التنحي. و تم تهديده بالمدي، كما واجه منذ ما يقرب من ستة أشهر واقعة ترهيب عمد خلالها مسلحون أحاطوا بمنزله إلى تهديده، و قاموا بإطلاق العيارات النارية على المنزل، مسببين الفزع له و لأسرته.

 يتواصل استهداف الخيواني بالتهديدات و تتزايد شدتها. و تقوم الدولة بفرض رقابة تتسم بالعدوانية عليه. و يعلق على صنوف المضايقات و الاعتداءات التي واجهها بقوله "إنَّ الشيء الوحيد الذي لم يفعلوه لي بعد هو قتلي". و أضاف بالقول إنه يشعر بأنه أقل أمناً الآن مما كان الحال عليه قبل الثورة لأن مصدر الاعتداء غير معروف و الأسوأ من ذلك أنه أمر لا يمكن التنبؤ به. و قال إنه يشعر بأن حياته في خطر جدي.

 محمد العبسي

 محمد العبسي[14] مدون و صحافي يركز على فضح الفساد على جميع مستويات المجتمع اليمني. و قد نشر أكثر من ألفي وثيقة تتعلق بإعادة هيكلة الجيش، و تنظيم القاعدة، و غسل الأموال، و صفقات الأسلحة. و قد كشف، على سبيل المثال، عن الفساد في سياسات الطاقة التي اتبعها الرئيس السابق صالح[15].

المقالات التي يكتبها العبسي مقنعة و مستندة إلى الأدلة الدامغة، فهي لا تكتفي بفضح مزاعم الفساد على أعلى المستويات، بل تتضمن أيضاً وثائق تؤيد ما يقول.

كان العبسي كلما نشر المزيد من المقالات بعث الناس إليه بالمزيد من الوثائق لأنهم أدركوا أنه كان يتحلى بما يكفي من الشجاعة لنشرها. و العديد من هذه الوثائق مصنف باعتباره سرياً، و تم تسريبها إليه من العاملين في الدوائر الحكومية المعنية. في حوزته العديد من الوثائق، و قد عمد كإجراء احتياطي إزاء أولئك الذين قد يقومون بإلحاق الأذى به إلى حفظها مع أشخاص سينشرونها في حال حدث له شيء.

غير أن العبسي يواجه في الوقت الحاضر دعوى قضائية. في مقالة نشرت في تشرين الثاني 2012، تناول عدداً من المزاعم التي تتردد بشأن الممارسات الفاسدة في مؤسسة وفاء، و هي هيئة خيرية أُنشئت لتوزيع الأموال على المصابين في انتفاضة عام 2011 الشعبية، و أعمال احتيال تتعلق بنظام التقاعد في وزارة الدفاع. و كان رد رئيس منتدى الإصلاح الخيري و وزارة الدفاع قيامهما بإقامة شكاية ضده في الصحافة و لدى محكمة المطبوعات.

و كان العبسي قد دعا إلى نشر حسابات مؤسسة وفاء. و بيَّن أنَّ ثمة غضباً كبيراً في أوساط اليمنين سببه أن هؤلاء الذين خاطروا بحياتهم في الانتفاضة ضد نظام الرئيس صالح الفاسد لم يتلقوا بعد مضي نحو عامين على تلك الأحداث تعويضات عن الإصابات التي لحقت بهم، و هي مدفوعات كانت في بعض الحالات ضرورية لتلقي العلاج الذي لا يحتمل التأجيل. و قد تعيَّن بتر ساقي أحد جرحى الانتفاضة لأنه كان غير قادر على تحمل تكلفة العلاج الذي كان لينقذ ساقيه.

صرَّح العبسي بأن وزارة الصحة قامت بجمع قائمة بأسماء المصابين و أعدت تقييماً لحالات الجرحى لتحديد أصحاب الأولوية من بينهم. كان من المقرر أن يصرف هذا الصندوق شهرياً مبالغ يعادل مرتب جندي، أي نحو عشرين ألفاً من الريالات اليمنية أو ثلاثة و تسعين دولاراً أمريكياً لمن لحقت بهم إعاقات و لعائلات الشهداء، بالإضافة إلى نفقات العلاج داخل البلد أو خارجه للجرحى الذين لحقت بهم إصابات جسيمة. غير أن مؤسسة وفاء، كما يقول العبسي، أعدت بالتعاون مع وزارة الإعلام قائمة بديلة ليُصار بواسطتها إلى صرف المدفوعات لأنصار التجمع اليمني للإصلاح. و لدى العبسي وثائق يقول إنها تثبت هذا و قد نشرها بالفعل على موقعه الإلكتروني. و وفقاً لوثائق منشورة أخرى، فإن وزارة الدفاع شاركت بدورها في عملية فاسدة على نحو مشابه، و تم بموجبها تحويل الرواتب التقاعدية المستحقة لثلاثمئة و أربعة عشر أسرة من عائلات الجنود الذين قتلوا خلال الصراع في عام 2011 إلى صادق الأحمر، أحد أبرز القياديين في التجمع اليمني للإصلاح.

لقد عرَّض نشر هذه الوثائق العبسي إلى الخطر، فثمة العديد من الجهات الفاعلة ذات النفوذ ستستفيد من إسكاته. و يقول إنه نجا حتى الآن بفضل قيامه بنشر وثائق تهدد مصالح جميع أطراف التكوين السياسي المعقد، و هو ما يضمن اعتباره شخصية محايدة فضلاً عما يمثله من قيمة لجميع الأطراف إذ يفضح علل خصومهم.

كان من المقرر أن يمثل العبسي أمام المحكمة في 7 نيسان 2013 لكن تم تأجيل الجلسة لأن القضاة كانوا مضربين يومئذ. انعقدت جلسة الاستماع الأولى في 14 نيسان، و يواجه العبسي عقوبة بالسجن لمدة طويلة إذا ما تمت إدانته.

نبيل سبيع، مؤسس صحيفة الشارع

نبيل سبيع صحافي وطني و صحيفة الشارع واحدة من الصحف المقروءة على نطاق واسع في البلاد، كما أنها معروفة بمواقفها في فضح الفساد و الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة. و قد أكد مجدداً أنَّ المناخ السياسي الحالي غير قابل للتنبؤ و أنه خطر بالنسبة إلى الصحافيين، و لا سيما أولئك الذين يفضحون ممارسات الفساد.

يتلقى سبيع العديد من التهديدات العدائية بشكل أسبوعي. و تتضمن الاتصالات الهاتفية مجهولة المصدر تهديدات بقتله أو بقطع يديه أو لسانه. و يستذكر حادثة وقعت في عام 2011، عندما تعرض الكاتب البارز وليد الرميشي إلى اعتداء تم فيه قطع لسانه و هو ما تسبب في الكثير من النزيف بسبب عمله. و قال إنه استناداً إلى تلك السابقة يأخذ أمثال هذه التهديدات على محمل الجد.

في عام 2005، تم طعن سبيع في عنقه من قبل عصابة مسلحة. و يعتقد أن ذلك كان يتصل بمقالات نشرتها صحيفته. و لم يقدم أحد إلى العدالة لمحاسبة المسؤولين عن هذا الاعتداء.

 إيونا كريغ، صحافية بريطانية، مراسلة صحيفة التايمز في اليمن

أقامت إيونا كريغ في اليمن و عملت مراسلة لصحيفتها منه منذ عام 2010. في 27 شباط 2013 كانت ضحية ما بدا على أنه محاولة اغتيال؛ إذ أجبرت مركبةٌ كانت تسد الطريق سيارَتها على التوقف، ثم أُطلقت النار على السيارة، و أدى هذا إلى كسر النافذة الأقرب إلى موضعها.

تجمع حشد من الناس بسرعة و تمكنت من الابتعاد. لم يجر أي تحقيق في هذا الحادث على الرغم من العدد الكبير من الشهود في مكان وقوعه و كونه حدث على مقربة من نقطة تفتيش تابعة للجيش. و لا يزال الدافع وراء الهجوم غير واضح[16].

 صلاح الدقاق، صحافي و شاعر

وُجِّهت إلى صلاح الدقاق، و هو صحافي مستقل يتخذ من تعز مقراً له، تهديدات بالقتل قبل الثورة و بعدها على حد سواء.

و كان قد كتب العديد من المقالات حول مسألة مخاطر اختطاف الثورة من قبل الأحزاب السياسية. تم اتهامه بالردة و بكونه مؤيداً للنظام السابق.

في تموز 2011، تعرض الدقاق إلى اعتداء من قبل عصابة مسلحة بالبنادق و قتل من جرَّائه اثنان من المارة. و تم تداول أنباء هذه الواقعة على نطاق واسع غير أنه لم تتم مقاضاة أي شخص.

من العسير بالنسبة إليه أن يعمل كاتباً و أن يتلقى أجراً عن عمله الآن. و لا يزال ينشر مقالاته على مدونته الخاصة، لكنه يعيش في خوف دائم من التهديدات التي تستهدف شخصه و أسرته.

3-التهديدات التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان

 خلال انتفاضة عام 2011، عمدت قوات أمن الدولة و العصابات المسلحة الموالية للحكومة إلى الاعتداء على المئات من الناشطين في مجال حقوق الإنسان و مضايقتهم و تهديدهم. لقد قُدِّمت إلى جنجل تقارير متعددة و أمثلة على هذه الانتهاكات. و كان الكثير من هؤلاء الناشطين مستهدفين بسبب مشاركتهم في المسيرات، و تنظيمهم حملات مستقلة خارج نطاق حماية جماعة سياسية منظمة، و كذلك بسبب الإدلاء بتصريحات أثناء الاجتماعات.

تستمر وقائع إساءة معاملة المدافعين عن حقوق الإنسان و مضايقتهم في جميع أنحاء البلاد، و غدا تحديد الجناة أكثر صعوبة من ذي قبل، إذ ليس ثمة خصم واحد واضح لتقدم العدالة الاجتماعية.

 المسائل المشار إليها أدناه أمثلة على الحوادث التي وُثِّقت، كما تقدم وصفاً للمناخ السائد خلال الانتفاضة و الشهور التي تلتها على حد سواء. يُشار إلى أن أياً من الضحايا الذين تم التحدث إليهم لم يتلقى تعويضاً عن الانتهاكات التي لحقت بهم.

القاضي أحمد سيف حاشد

عمل أحمد سيف حاشد قاضياً لمدة ست سنوات في اليمن، و لكنه ناضل أيضاً على صعيد المجتمع المدني من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية للمهمشين و المحرومين في المجتمع. شارك في مسيرات الاحتجاج في عام 2011، و اعتدت عليه عناصر الأمن في أكثر من مناسبة.

و قد تصدَّر خلال العامين الماضي الدفاع عن قضية مجموعة من أربعة و ستين شخصاً أصيبوا أثناء الثورة. و كان هؤلاء في حاجة ماسة إلى العناية الطبية، و أُنشئت مؤسسة وفاء المشار إليها آنفاً من قبل الحكومة لإدارة صندوق قوامه ملياران من الريالات اليمنية لصالحهم.

و قد أخفقت هذه المؤسسة حتى الآن في دفع المستحقات اللازمة للأشخاص الذين صنفوا على أنهم الأكثر حاجة إليها. غير أنه يُزعم أن المؤسسة صرفت المدفوعات إلى مجموعة صغيرة من أعضاء التجمع اليمني للإصلاح. و ثمة غضب كبير في اليمن بشأن هذه المسألة.

يوم 12 شباط 2013، انضم حاشد إلى الجرحى في الاعتصام الذي نظَّموه أمام مكتب رئيس الوزراء. و كان بعض المحتجين مضربين عن الطعام، و طالبوا بصرف المدفوعات من الصندوق وفقاً لتقييم الاحتياجات.

و في اليوم الخامس عشر من الاحتجاج تعرضت المجموعة إلى اعتداء، و كاد حاشد يُقتل أثناءه؛ إذ قامت جماعة من الرجال يرتدون زي قوات مكافحة الشغب، و كان بعض عناصرها ملثمين، بضربه على رأسه بقضبان حديدية.

و كانوا قد عمدوا إلى استهدافه بالتحديد من بين المتظاهرين. و عندما وقع على الأرض، شكل المصابون حلقة حوله في محاولة لحمايته، كما تدخل حراس مقر مجلس الوزراء أيضاً في محاولة لحمايته.

بعد ذلك وصلت إلى الموقع سيارة إسعاف و تمكن المصابون من وضع حاشد فيها. و قد تعرضت سيارة الإسعاف إلى الاعتداء، إذ حاولت المجموعة المسلحة منع حاشد من مغادرة المكان.

إن حاشد على يقين من أن هذا الهجوم كان محاولة لقتله. و قال إنه يشعر بأنه مدين بحياته للمصابين و سوتهم ممن تدخلوا و تمكنوا من إبعاده عن الموقع و إيصاله إلى المستشفى حيث تلقى العلاج من اصابات خطيرة لحقت برأسه، و ظل في وحدة العناية المركزة عدة أيام.

إن من الجلي أن في الإمكان تحديد هوية مرتكبي هذا الهجوم استناداً إلى عدد من الصور، من مثل تلك المنشورة أعلاه، كما أنهم كانوا يرتدون الزي الرسمي، و تلقوا التوجيهات من قبل أحد كبار المسؤولين في جهاز الأمن قبل نصف ساعة من الهجوم، غير أنهم لا زالوا بمنجى من المساءلة و لم يخضعوا لأي تحقيق رسمي.

ناضل حاشد لفترة طويلة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، و ليست هذه المرة الأولى التي فيها تتعرض حياته إلى الخطر.

في عام 2007، نظَّم حملة من أجل حقوق السجناء في مركز احتجاز المهاجرين بصنعاء سيء الصيت بسبب ظروف الاحتجاز غير الإنسانية. زار حاشد المركز و جمعت أدلة مصوَّرة من السجناء الذين كان الكثيرون منهم يموتون من المرض دون أن يكون هناك أي احتمال للإفراج عنهم. و نتيجة حملته تلك، فقد اختطف حاشد، و تعرض إلى الضرب و السجن بضع ساعات، و تم تهديده بالمزيد من الضرب إذا تجرأ على نشر نتائج بحثه.

بعد بضعة أشهر من ذلك تلقى خلالها سلسلة من التهديدات الإضافية، تعرضت سيارته إلى هجوم و توفي سائقه نتيجة الإصابات التي لحقت به. عندها غادر حاشد اليمن و طلب اللجوء إلى سويسرا حيث مكث ثمانية شهور بعد تلك الواقعة. و لم يتم إجراء أي تحقيق رسمي في أي من تلك الاعتداءات.

حاشد الآن عضو مستقل في البرلمان، أما الرئيس هادي فقد تعهد بإجراء تحقيق في حادثة الاعتداء الأخيرة التي وقعت أثناء احتجاج المصابين. غير أن أياً من هذه التعهدات لم ينفذ حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.

أروى عثمان، كاتبة و مدافعة عن حقوق الإنسان

أروى عثمان كاتبة و مثقفة معروفة في اليمن. أنشأت عثمان مؤسسة بيت الموروث الشعبي التي تلتزم بالحفاظ على التراث اليمن القديم. و تقوم المؤسسة بإجراء الدراسات و أعمال التوثيق، و تنشر أبحاثها في اليمن و على المستوى الدولي. أروى عثمان ناشطة في مجال حقوق الإنسان برز دورها أثناء الثورة. و منحت جائزة مينيرفا آنا ماريا ماموليتي من قبل جمعية نادي النساء في إيطاليا.

عُيِّنت عثمان رئيسة للجنة الحقوق و الحريات في مؤتمر الحوار الوطني. و قد وصفت المشهد السياسي اليمني المعقد و المتصف بقابليته لشتى الاحتمالات؛ متحدثة عن طبيعة القوى المعارضة و واقع كونها مجزأة و سريعة التفكك. و عندما ترتكب انتهاكات حقوق الإنسان، و هو ما يحدث غالباً و في شبه انتظام؛ كثيراً ما يكون من المستحيل معرفة مصدرها.

لطالما شاركت عثمان بشكل منتظم في الاحتجاجات التي شهدتها ساحة التغيير، و كثيراً ما قادت "المسيرات المختلطة" التي تسبب الكثير من الغضب في أوساط القوى المحافظة في المجتمع، حتى بلغ الأمر بالرئيس السابق صالح حد وصمها بالكفر. و تصف عثمان إحدى تلك الوقائع عندما توجهت مسيرة كانت مؤلفة من خمسة و عشرين امرأة على الأقل من بينهن بناتها الثلاث، فضلاً عن الرجال. و قد سار المتظاهرون معاً في اتجاه الساحة حيث تصدى لهم جنود الجيش الذين أطلقوا الأعيرة النارية في الهواء. ثم قام هؤلاء الجنود بضرب النسوة مستخدمين قضباناً حديدية. و كانت استراتيجية إسكات المتظاهرات تعتمد على الاعتداء عليهم بالضرب، مع التهديدات المستمرة بمزيد من العنف، و كذلك التهديد باستخدام الحملات الموجَّهة التي تُشن بواسطة وسائل الإعلام الاجتماعية لتدمير سمعتهن. اتهمت المحتجات بمحاولة تحويل حركة الاحتجاج إلى مرقص "ديسكو" و بأنهن يشاركن في المسيرات المختلطة بنية الالتقاء بالرجال لأغراض جنسية. و هددهن أفراد من قوات الأمن بنشر صور أو قصص إباحية تسيء إلى سمعتهن على شبكة الانترنت. و كان هذا أمراً باعثاً على القلق الشديد، و يحتمل أن تكون له عواقب خطرة للغاية بالنسبة إلى هاتيك النساء.

ماجدة الحداد، مدرسة و مدافعة عن حقوق الإنسان

في العقد الذي سبق قيام الثورة كانت الحداد تمتلك مدرسة شعبية و تديرها. و في عام 2011 شاركت في الانتفاضة. توجهت إلى ساحة التغيير و كانت عنصراً بارزاً في المسيرات المؤيدة للديمقراطية. و كانت، كشأن معظم النساء اللائي تم الالتقاء بهن خلال البعثة؛ قد طرحت الحجاب و تجرأت على دخول المجتمع العام دون أن تخفي نفسها. و قد فقدت نتيجة لذلك ملكية المدرسة. و قام أشخاص غير معروفين بنشر الشائعات حول أخلاقها و مدى التزامها الديني. فقام الآباء شيئاً فشيئاً بإخراج أبنائهم من تلك المدرسة، و عندما أبطلت وزارة التربية و التعليم الترخيص الممنوح لها اضطرت إلى بيع المؤسسة.

ثم أسست منظمة غير حكومية سُميت الصفحة تُعنى بالقضايا التربوية و التعليمية في اليمن للأطفال و الراشدين. و تهتم الحداد بنحو خاص بتعليم النساء و بالعلاقة بين التعليم و الديمقراطية.

كانت الحداد هدفاً لعدد من الاعتداءات منذ أن بدأت حملة لدعم إحدى ضحايا حادثة اغتصاب جماعي؛ فقد هاجمها متسلل مسلح في منزلها، و اضطرت للانتقال إلى مكان آمن حيث توجد في الوقت الحاضر.

سارة جمال، مدونة و ناشطة

 كانت سارة جمال إحدى قيادات مسيرات الشباب في ثورة 2011. هدفها الآن هو حشد الدعم الدولي لليمن الجديد. و هي مدونة نشطة، سافرت إلى عدد كبير من البلدان، و هي إحدى أبرز المتحدثين في المحافل التي تبحث شؤون اليمن و العدالة الانتقالية.

تمثل سارة جمال العديد من الناشطين المستقلين الذين لا يدعمهم أي حزب سياسي أو قبيلة كما هو حالها. و تصف موقفها على أنه يجعلها مكشوفة إلى حد كبير غير أنها سعيدة لكونها حرة في أن تقول ما تعتقد به.

ترفض جمال أشكال الحماية التي تصاحب العضوية في جماعة سياسية في بلد غالباً ما يكون الولاء للحزب أو القبيلة فيه عائقاً أمام التقدم نحو دولة موحدة. و هي قلقة إزاء التدخل الهدَّام من جانب المانحين الدوليين في مؤتمر الحوار الوطني.

هـ. الإطار القانوني

 اليمن من الدول الموقعة على جميع الاتفاقيات الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و الميثاق العربي الإقليمي.

بموجب المادة 6 من دستورها الوطني، تؤكد الدولة امتثالها لأحكام ميثاق هيئة الأمم المتحدة و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و ميثاق جامعة الدول العربية، و مبادئ القانون الدولي المعترف بها.

حرية التعبير

حرية التعبير مصونة من خلال الأحكام التالية التي تفرض التزامات على اليمن، هي المادة 42 من الدستور اليمني، و المادة 17 من الميثاق العربي، و المادة 19 (الفقرة 2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية.

على الرغم من أن ضمانات حرية التعبير في القانون الدولي تسمح بفرض بعض القيود، إلا أن هذه يتعين أن تكون ضمن أضيق الحدود التي تدعو الحاجة إليها، و أن تكون مفروضة بالقانون و تُمارس بطريقة غير تمييزية، و أن تملي الضرورات فرضَها و أن تكون متـناسبة مع متطلبات المجتمع الديمقراطي[17]. لقد استخدم قانون الصحافة و المطبوعات الصادر عام 1990، و الذي يفرض قيوداً جمَّة على حرية التعبير؛ من قبل الحكومة و غيرها من الجهات الفاعلة لمحاكمة الصحافيين. و يُحظر بموجب المادة 130 من القانون على الصحافيين انتقاد رئيس الدولة أو نشر أي مادة من شأنها أن تشوه صورة اليمن أو التراث العربي أو الإسلامي. و لا تتفق الطريقة التي بها فرضت السلطات اليمنية هذه القيود مع المعايير الدولية الصارمة المتعلقة بالحد من هذا الحق الأساسي.

إن ثمة مناخاً من الإفلات من العقوبة في اليمن فيما يتعلق بالتهديدات و الاعتداءات العنيفة التي تستهدف الصحافيين. إن السماح باستمرار النمط الحالي من الهجمات كما هو موضح في متن التقرير أو القبول به يعني أن السلطات في اليمن قد خرقت التزاماتها المبينة أعلاه؛ إذ أخفقت في القيام بواجبها في التحقيق في هذه الانتهاكات و منع حدوثها و معاقبة مرتكبيها[18].

الأخطار التي تهدد الحياة

دولة اليمن ملزَمة بموجب القانون الدولي بضمان حماية الحق في الحياة، و عليها التزامات إيجابية تتصل بالتحقيق في التهديدات التي تستهدف هذا الحق و ضمان إنصاف أولئك الذين يتعرض حقهم في الحياة إلى التهديد.

تنص المادة 5 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان على الحق الأصيل في الحياة، و على أنه يجب أن يكون محمياً من قبل القانون.

تنص المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية على الحق في الحياة.

تنص المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية على أن يحظى كل فرد بالحماية من الاعتداءات غير القانونية على شرفه و سمعته، و أنه ينال مثل هذه الحماية من خلال إنفاذ القانون.

إن تكرر التهديدات و محاولات الاعتداء على حياة المدافعين عن حقوق الإنسان في اليمن إنما يشكل نمطاً لا بد من أن الحكومة مدركةٌ له أو يُفترض بها ذلك. و يشمل هذا استخدام وسائل الاعلام الاجتماعية على نطاق واسع في تهديد حياة المدافعين عن حقوق الإنسان.

تضمن المادة 23 من الميثاق العربي أن تتعهد كل دولة طرفٍ في الميثاق بضمان سُبل الانتصاف الفعالة لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته.

تنص المادة 7 من العهد الدولي على واجب التحقيق في الانتهاكات و تحميل الجناة المسؤولية عن ارتكابها، و هذا دليل على أن ثمة واجباً دولياً يتعلق بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان. و قد قالت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، و هي هيئة مؤلقة من خبراء دوليين تقوم بمراجعة مدى التـزام الدول بأحكام العهد "إن على الدولة الطرف واجب التحقيق بحسن نية في جميع الادعاءات التي تُرفع إليها و إلى سلطاتها بشأن وقوع انتهاكات للحقوق التي يحميها العهد".

لا تلتـزم السلطات اليمنية بتعهداتها فيما يخص التحقيق في الاعتداءات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان و منعها و معاقبة مرتكبيها. و لم تكن هناك أي محاولة للتحقيق في أي من الأحداث الجِسام التي عرضها الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في سياق هذه البعثة. لقد استمرت الاعتداءات بلا هوادة.

و. الخلاصة

في الوقت الحاضر، فإن هياكل الدولة الرسمية في اليمن ضعيفة، و هو ما حمل القوى المختلفة في المجتمع على زيادة قوتها و ملء ذلك الفراغ. هذه القوى متباينة مثلما أن الحدود بينها غير واضحة، فمنها القوى القبلية و الدينية و السياسية و العسكرية. تتزايد الاعتداءات و لكن من العسير في الغالب معرفة مصدر الاعتداء. و ليس ثمة حكومة مركزية قوية قادرة على منع الناس من التحدث علناً، مثلما ليست هناك سلطة مركزية قادرة على تقديم أي نوع من الحماية لأولئك الذين يفعلون. و ثمة إخفاق ذريع في منع الهجمات ضد الصحافيين و المدافعين عن حقوق الإنسان، و كذا في التحقيق فيها أو معاقبة مرتكبيها. و هكذا، و على الرغم من أن احتمالات ممارسة حرية التعبير باتت أكبر مما كانت عليه وقت النظام السابق، فقد ترتب على ذلك تصعيد في الاعتداءات ضد من يمارسون هذه الحرية.

لكي تتمكن حرية التعبير من أن تزدهر في اليمن؛ فإنه لا يكفي أن توجد حكومة قوية منتخبة ديمقراطياً و منزَّهة عن الفساد؛ إذ لا بد أيضاً من مجتمع مدني قوي تدعمه الصحافة الحرة. ينبغي الإنصات إلى أصوات قطاعات المجتمع كلها، دون الاقتصار على أصوات النخبة التي تدين بالفضل في بقائها إلى المانحين الدوليين في معظم الأحيان. و كما قال الصحافي نبيل سبيع في نداء يطالب بمحض حياة طبيعية "إن الناس في حاجة إلى أن يحبوا الحياة، و علينا أن نفارق المجتمع المسلح إلى آخر مدني، و عندئذ فقط يمكن لنا أن نحيا حقاً".

إذا كان ثمة ما يدعو إلى التفاؤل بشأن مستقبل الحرية في اليمن، فإنه يكمن في الطاقة و الالتزام و الشجاعة الحقَّة التي يبديها العديد من الصحافيين و الناشطين في مجال حقوق الإنسان ممن كان لنا شرف الالتقاء بهم خلال هذه البعثة

 الهوامش

[1]  برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، ملف دولة اليمن، http://www.undp.org.ye-profile.php.

[2]  موجز البنك الدولي عن هذا البلد، http://www.worldbank.org/en/country/yemen/overview.

[3]  مكتب صحافة التحقيقات، http://www.thebureauinvestigates.com/2013/05/02/april-2013-update-us-covert-actions-in-pakistan-yemen-and-somalia/.

[4]  أنظر تقرير هيومان رايتس ووتش/ مراقبة حقوق الإنسان: باسم الوحدة http://www.hrw.org/sites/default/files/reports/southyemen1209webwcover.pdf.

[5]  تقرير هيومان رايتس ووتش/ مراقبة حقوق الإنسان: الهدوء يخيم على الجبهة الشمالية

www.hrw.org/reports/2010/04/07/all-quiet-northern-front-0

[6]  تقرير هيومان رايتس ووتش/ مراقبة حقوق الإنسان: مجزرةٌ تمرُّ دون عقاب

http://www.hrw.org/sites/default/files/reports/yemen0213webwcover_0.pdf– اقتُبس منه في 4 أيار 2013.

[7]   أصول أحزاب اللقاء المشترك اليمنية و بنيتها http://journals.cambridge.org/action/displayJournal?jid=MES.

[8]  كُتب هذا التقرير من قبل ميلاني جنجل عضوة المجلس الاستشاري لمركز الخليج لحقوق الإنسان، و حررت نصَّه كريستينا ستوكوود/  رئيسة المجلس، التي قدَّمت المساعدة في الإعداد لهذه البعثة مع مدير مركز الخليج المشارك خالد ابراهيم. قدمت أمل باشا التنسيق المحلي. ترجمت هذا التقرير إلى العربية سُهاد صلاح الدين.

[9]  أنظر تقرير جيفري غنَّام http://cima.ned.org/publications/social-media-arab-world-leading-uprisings-2011-0

[10]  http://freedomfoundation-yemen.org/.

[11]  تم الحصول على هذه البيانات من مؤسسة حرية في 21 نيسان 2013.

[12]  التقرير عن حقوق الإنسان في اليمن. مقدَّم من هيومان رايتس ووتش إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لمناسبة مراجعتها للوضع في اليمن في آذار 2012. 1 شباط 2012.

[13]  http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2011/02/03/readout-presidents-call-president-saleh-yemen

[14]  http://mohamedalabsi.blogspot.se

[15]  تقوم هذه الصفقة على اتفاق صالح مع كل من فرنسا و كوريا على بيعهما الغاز لمدة خمسين عاماً بسعر منخفض جداً، و قد تلقى صالح دفعة مالية شخصية لإبرام الصفقة على حساب خسارة البلاد. إن هذه الصفقة لا تبقي على الفقر في هذا البلد و حسب و لكنها تعمق أيضاً من حدة أزمة الطاقة في البلاد.

[16]  http://www.pressgazette.co.uk/motive-unclear-after-times-reporter-shot-yemen.

[17]  التعليق العام رقم 34 للجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان.

[18]  التعليق العام رقم 31 للجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى