أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسةقضية اسمها اليمن

تعز .. وضع صحي مزري ومستشفيات رهينة بلاطجة المقاومة ودعم (سلمان) لا يتجاوز قطعة الشاش والمسكنات

يمنات

مفيد الغيلاني

تعيش مدينة تعز وضعاً صحّيّاً وبيئيّاً يوصف بالكارثي، جرّاء تكّدس القمامة والمخلّفات في الشوارع، وإهمال الجهات المعنية، والإعتداءت المتكرّرة على طواقم المستشفيات من قبل جماعات مسلّحة تتبع فصائل “المقاومة الشعبية”، ناهيك عن عدم توفّر المستلزمات الطبّية، وتأخّر صرف رواتب الموظّفين، بالإضافة إلى حالات نصب بالجملة. في تعز، تزداد الأوضاع تدهورًا في الجوانب الإنسانية، وفي مقدّمتها الجانب الصحّي.

الجمهوري مهدد بالتوقف

هذا ما أكّده الدكتور محمّد مخارش، نائب مدير المستشفى الجمهوري في محافظة تعز، في تصريح لـ”العربي”، قائلاً إن “شدّة الحصار الذي فُرض على المدينة في الأيّام الماضية زادت من تدهور الوضع الصحّي وتراجع الخدمات الصحّية في تعز”، مشيراً إلى أن “الأدوية شبه معدومة ولا تتوفّر، رغم فتح منفذ الضباب”. وأضاف أن “هناك معاناة كبيرة في الجانب الصحّي، وتدهوراً للخدمات الصحّية، من انعدام المشتقّات النفطية الخاصّة بتشغيل المولّدات الكهربائية الخاصّة بالمستشفيات، إلى النقص الشديد في المستلزمات الطبّية كالأدوية، بالإضافة إلى وقف الموازنة التشغيلية لكثير من المرافق الصحّية”.

وتطرق مخارش في حديثه إلى وضع المستشفى الجمهوري، الذي يُعدّ من أكبر مستشفيات تعز، لافتاً إلى أن “المستشفى بات المرفق الأكثر سوءاً، ويعمل الآن بنسبة 5% فقط ، بسبب انعدام الدعم من الجهات المسؤولة كقيادة المحافظة والمقاومة واللجنة الطبّية العليا بالمحافظة”، متابعاً أنّه “لا توجد أدوية ولا محروقات، وقد تمّ إغلاق قسم القلب والجراحة والعمليّات، فنحن لم نتلقّ أيّ دعم ممّا زاد سوء تردي الخدمات، ونحن نحمّل ما وصل إليه المستشفى الأخ المحافظ واللجنة الطبّية العليا التي تعمل جاهدة لإغلاق هذا الصرح الطبّي، لأنّه وللأسف تقوم اللجنة الطّبية بتسخير كلّ الدعم المقدّم من المنظّمات والحكومة إلى مستشفيات خاصّة ولا تولي المرافق الحكومية، ومنها المستشفى الجمهوري، أيّ اهتمام”.

وعبّر عن أسفه لـ”عدم تلقّي المستشفى الجمهوري أيّ دعم من قبل الهيئات الإغاثية، باستثناء منظّمة أطبّاء بلا حدود الهولندية، التي قدّمت دعمًا لقسم النساء والولادة في المستشفى”، زائداً أن “تقييمي للمنظّمات والإغاثة الإنسانية هو سيّء جدًّا، لأن من تولّى هذا الموضوع في اليمن يعمل ضمن تنظيمات وشخصيّات، ولا يمكن أن يدعموا من جانب إنساني، بل دعمهم يكون بحسب ولاءات وتوصيات من قبل أطراف معيّنة، ولا ينظرون للجانب الإنساني بعين واحدة”.

الثورة تطاله اعتداءات مسلحي المقاومة

“الثورة” مهدّد بالإغلاق، والإعتداءت المتكرّرة على طواقم المستشفيات، من قبل جماعات مسلّحة تتبع فصائل “المقاومة الشعبية”، كان لهيئته نصيب الأسد منها، وهو الأمر الذي دفع إدارته إلى التحذير من الخطورة المترتّبة على توقّف العمل في المستشفى، على خلفية المشاكل والصعوبات التي تواجهها، والتي عجزت عن توفير حلول لها خلال الأشهر الماضية.

في هذا الصدد، يؤكّد القائم بأعمال رئيس هيئة المستشفى، الدكتور عبد الباسط سلام، لـ”العربي”، أن “الأمر قد ينتهي بتوقّف نشاط المستشفى، وتعليق خدماته للمواطنين”، وذلك لأسباب عدّة يذكر منها “انقطاع الكهرباء من المشكلات الأساسية، التي تتطلّب إيجاد حلول سريعة واستثنائية، فالمولّد الكهربائي الخاصّ بالمستشفى أصيب بعطل بسبب التمديدات العشوائية إلى الحارات والمناطق المجاورة بقوّة السلاح، ولأنّه لا إمكانات لإصلاحه، اضطرت إدارة المستشفى إلى استخدام مولّد كهربائي خاصّ بمركز الأطراف الصناعية، لكن، بسبب الضغط الكبير عليه، هو غير قادر على تحمّل تشغيل المستشفى الذي يتطلّب طاقة كهربائية كبيرة”.

كذلك لا يستطيع المستشفى ضمان الإستمرار في توفير المياه، فـ”نحن بحاجة إلى ما بين ثمانية وعشرة صهاريج يوميّاً، وهذا ما يولّد خوفاً من عدم القدرة على توفير ثمنها مستقبلاً”.

لوبي الفساد يقوده مقاوم

“لوبي الفساد” في هيئة مستشفى الثورة العام، والذي تعود قيادته إلى قيادي بارز في “المقاومة الشعبية”، هو من يسعى لإدخال المستشفى في “أمور كيدية”، وفق ما يكشف، لـ”العربي”، مصدر مسؤول في المستشفى فضّل عدم ذكر اسمه. يقول المصدر إنّه “تمّ توريط المستشفى في أمور كيدية من فعل مؤسّسات تقول إنّها خيرية، وقصة أنابيب الأكسجين أنموذج لذلك، مع شحنة الأجهزة الطبّية التالفة مؤخّراً”، متابعاً أن “مستشفى الثورة، أكبر مستشفى حكومي بتعز، ضحّى العاملون فيه من أجل تعز وتمّت التضحية به لأجل بلاطجة تعز؛ فقبل أيّام قام قائد ميداني في المقاومة بالسطو على سيّارة كانت في عهدة المستشفى”، خاتماً بأن “مستشفى الثورة بتعز قصّة معاناة كاملة، وكأن الحرب لا تكفينا”.

و يواجه مستشفى الثورة العام مشكلة عدم توفّر مرتّبات الأطباء والممرّضين، الذين تعاقد معهم خلال الفترة الماضية.

الدكتور عبد الباسط سلام يشرح أوجه معاناة الطاقم الطبّي في المستشفى، بالإشارة إلى “أنّنا لم نستطع، حتّى هذه اللحظة، دفع المستحقّات المالية المتراكمة لشهرَي يونيو/ حزيران الماضي، ويوليو/ تموز الجاري.

ميزانية المستشفى لا تسمح بذلك، لا سيّما مع غياب المانحين، وهو ما قد يدفع الفريق الطبّي إلى مغادرته، فيغلق بالتالي أبوابه أمام المرضى”. ويلفت إلى أن “أكثر من 85 في المائة من أطبّاء مدينة تعز غادروها بسبب الحرب، الأمر الذي قد يتسبّب في وقوع كارثة إنسانية كبيرة، فمستشفى الثورة في تعز يغطّي نحو 50 في المائة من الخدمات الطبّية للمدينة المحاصرة”. كما يشير إلى “عدم توفّر بعض الأجهزة الطبّية، كعائق إضافي أمام عمل الأطبّاء الذين يحرصون على تقديم خدمات طبّية متكاملة”.

مركز سلمان في جيوب الفاسدين

ثالثة الأثافي هي إعلان مركز الملك سلمان تعاقده مع أربع مستشفيات في تعز، لعلاج جرحى الحرب، بملايين الريالات، على الرغم من أن ما تقدّمه هذه المستشفيات عبارة عن مسكّنات وقطعة شاش. ع. د.، مرافق لأخيه الجريح في “المقاومة الشعبية”، يسرد، لـ”العربي”، قصّته مع إحدى تلك المستشفيات، قائلاً إنّه “بعد مرور أربعة أشهر من الجري في أروقة المنظّمات الحقوقية الدولية والمحلّية تارة، والبحث في دهاليز قيادات المقاومة تارة أخرى، حصلنا على فرصة لعلاج أخي في أحد المستشفيات المتعاقد معها، وبتمويل من مركز الملك سلمان، لكن كانت المفاجأة أنّنا حينما دخلنا المستشفى ركنونا في الطوارئ لمدّة يومين، رغم أن حالة أخي حرجة وتستدعي التدخّل الجراحي، إلّا أن الطبيب اكتفى بإعطائنا بعض المسكّنات وقطعة شاش، وطلب منا المغادرة تحت مبرّر أن المبلغ المرصود تحت الحساب قد نفذ، مع العلم أن المركز يعطي ما لا يقلّ عن 4000$ لكلّ جريح. أين تذهب البقية؟ لا نعلم”.

مشاهد المعاناة وخيبات الأمل سيناريوهات مرهقة تتكرّر عشرات المرّات بشكل يومي، وسط نقمة متصاعدة من قبل الأهالي على السلطة المحلّية الغائبة عن السمع، وعصابات “الإرتزاق” الماضية في ممارساتها دون حسيب أو رقيب.

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى