العرض في الرئيسةفضاء حر

الوحدة حق خالتي نورية أحسن

يمنات

فكري قاسم

الشاهد أن اليمنيين خلال السنتين الأولى من عمر الوحدة المباركة خرجوا الى الحياة مثل “الشضويات” بعد المطر. واختلط الدان بالبرع والشرح مع البالة والبخور مع الجنبية والزربيان مع السلتة والفتة وحملت التعددية السياسية معها انتعاشا للحريات وشاهدنا التنوع في الألوان والأزياء والوجوه والوجبات واللهجات. و وصلت خالتي “نورية” من عدن الى تعز لأول مرة ومعها سلة خزف في داخلها سمك “باغة” مقلي بالزيت أكلناه وهو حامي، ومن ثم عادت بعد ايام الى عدن ومعها قات “صبري” وصل الى الريقة وهو “طري”.

و في هاذيك الايام الجميلة من العمر، تنقل اليمنيين بين الشطرين بقلوب مفتوحة على الحياة ومن دون نقاط تفتيش تجعثك يوم كامل في منفذ (الشريجة – كرش) و كان طريق تعز عدن ايامها مثل الطريق الى الجنة. وكانت خالتي نورية في ذلك الخط مثل “البراق” تنقل الناس والأفكار.

و في مرات كثيرة كان بيت جدي “حسين المحني” الله يرحمه في الجحملية يمتلي أطفال ونسوان ورجال لعوائل جاءوا – مع خالتي نورية – من البريقة وكريتر والمعلا والتواهي والمنصورة والشيخ عثمان ودار سعد للتعرف على الشمال. وفي المقابل ايضا كانت خالتي نورية ترجع من تعز الى عدن مصطحبة معها ناس من صنعاء وتعز واب والحديدة والحدا للتعرف على الجنوب.

و اللي جو مع خالتي من الشمال يعملوا لهم غطسة في ساحل الغدير ويرجعوا الى مدنهم وقراهم في الشمال وهم مبسوطين يرددوا “والله انها أحسن وحدة”.

و اللي كانوا يطلعوا مع خالتي من عدن الى تعز، يخزنوا في جبل صبر ويلتقطوا لأنفسهم صورا في ميدان التحرير امام مارد ثورة في العاصمة صنعاء، ويعودوا الى بيوتهم في الجنوب وهم مبسوطين بالهواء والبرود ويقولوا “والله أنها أحسن وحدة”.

و على يد خالتي نورية نفسها تزوج أكثر من 40 شمالي من عدن بينهم أخوتها الإثنين وأختي “سيناء” وتزوج على يدها ايضا أكثر من 20 جنوبي من الشمال بينهم إبنائها الإثنين.

و أما سيف الحوباني سائق البيجو “اللي كان ينقلنا مابين تعز وعدن، هو الاخر عرف لأول في عدن، ولأول مرة في حياته، مامعنى العنوان. وكان هذا الأخير سائق و “طبل” يعيش في الراهدة ويقضي مغظم وقته في الشمال وهو يتبرطع بحثا عن عناوين اصحاب الرسائل، وكانت العناوين عندنا كلها مجرد تخمين، … يعني اوصل لا عند قسم الشرطة وادخل يمين بتحصل دكان يبيع “فحم” ادخل من جنبه وارجع شمال بتحصل مطبات جنبها نزله ـ ادخل النزلة هاذيك بتحصل بعدها ثلاثة ازغاط ادخل الزغط المحفر وبتلاقي جهال يلعبوا قلهم اين بيت فلان.

و كان سيف قد زار عدن لاول مرة في حياته وحمل معه كرتون حلاوى من الراهدة هدية لعائلة مرسلة من تعز الى عائلة تسكن في البريقة، وكان العنوان المكتوب فوق الظرف واضح ولايحتاج اي لبيح. حتى وصل كما هو في العنوان الى شارع الرصافي اخر شارع فيصل منزل رقم 8 وطرق الباب، وفتحت له خالتي نورية وقال ايوااااه هذه بلاد قلك جنب بيت فلان بعد الورشة بعد الحفرة بعد المطب.

و بعد سنة من زيارته الابى تلك، تكررت زياراته، ومع الايام تزوج سيف الحوباني من عدن وقال لأم اولاده في البلاد: أنتي الكل بالكل وهذه بس منسب تتعزز الوحدة.

و في السنة الثانية زوج سيف إبنته الكبيرة “منيرة”على موظف في “المصافي” وعزم اهل البلاد ليحضروا الزفاف في البريقة ـ واعطاهم العنوان وهو مطمئن ان محد منهم شيضيع وهو يدور العنوان، ويومها وضعت خالتي نورية المكياج لمنيرة بنت سيف، وزفوها اصحاب البريقة كلهم فوق البيجو حق ابوها وفوق سيارات مشقدفة خلفها من نادي”كميتي هول” على مقربة من شاطيء الغدير.

و اتذكر جيدا كم كانت منيرة تشعر يومها بأنها أميرة وكم رقص والدها سيف كالطفل بعد أن ندع خمس زجاجات صيرة باااااردة.

و كان سيف الحوباني يومها مبسوطا وضحكته المصحوبة بلمعة سنة ذهب تظهر الإمتنان الى الله وعيونه تقول للأعمى: “الله محسن الوحدة حق نورية”.

تعيش خالتي نورية في عدن رمنذ العام 1968 رفقة زوجها “عبده علي” وهي من مواليد تعز لأب من وادي ظهر بصنعاء وأم من العدين وزوجها من “الصلو” وعبرها امتد الحبل السري بين الشمال والجنوب. وهي تعيش الآن في البريقة واحنا نازحين ومشتتين مابين صنعاء وتعز، وسيارة سيف الحوباني واقفة في الراهدة، وهو حزين على الوحدة حق خالتي نورية، وطريق الجنة القديم اصبح الان موحشا ومليئا بالكراهية وبالاحقاد.

—————-

مقال نشرته العام الماضي، اعيد نشره الان وانا مشتاق لخالتي

المصدر: حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى