العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. كلية الحقوق .. قانون الأسرة في الجنوب

يمنات

أحمد سيف حاشد

• درست في كلية الحقوق قانون الأسرة.. كنت ولا زلت معجبا بذلك القانون إلى اليوم.. قانون تم الغدر به كما تم الغدر بالجنوب، ولطالما عبّر هذا القانون عن طفرة اجتماعية حقيقية، تم خنقها بقسوة وانتقام حقود، وبتطرف أسود يشبه الموت، بعد أكثر من ربع قرن من النفاذ..

• باتت المرأة اليوم مثقلة بقانون أثقل من الحديد.. أكثر غلسا وظلاما وقتامة.. تم الإجهاز على جميع ما تحقق للمرأة من حقوق.. نصف المجتمع ضاع حقه في العدالة والمساوة.. من حق الجنوب أن ينتحب حتى ينشج القلب على ضياع بات بحجم وطن.. من حق الجنوب أن يفاخر بما كان، بل ومن حقه أن يستعيد القانون دون نقصان… لكن كيف له أن يستعيده، وقد بات ملغوما ومسموما ومستلبا ومسمول العيون؟!! كيف للجنوب أن يستعيد جنوبه، وقد صيّروه أشتاتا تملكه العنصري والمتخلف والعميل المرتزق؟!! من حقنا وحقهم أن نطالب بوحدة دون ضباع.. يمن تستعاد فيه الحقوق وسيادة القانون والعدالة والمساواة..

• كان ذلك القانون متفردا في عدالته، لا يضاهيه قانون في كل بلاد العرب، غير قانون الأحوال الشخصية التونسي، في عهد الرئيس الراحل بُرقيبة.. صارت المرأة اليوم محكومة بقانون ذكوري صارم، قادم من الزمن الغابر، الغارق في السكون والبلادة والتخلف.. اغتصبوا العدالة، واستباحوا الحقوق، وجعلوا ما كان في الأمس واقعا وحقيقة، شظايا وأضغاث أحلام.. قدر سيء وفادح حاق بنا.. وسيف أُسلط مضيه على النساء يشبه الإعدام، وسوط يقتات بقايا الإنسان.. بين الأمس واليوم ندم فادح ووخيم.

• قانون الأسرة في الجنوب والصادر في 1974 معجزة ومفخرة في واقع مثقل بالتخلف، ومحاط بالنفط والبداوة والتآمر.. كان هذا القانون وتعديلاته مشعل ثورة يشق محيط الظلام الكثيف.. صانعا لتحول حقيقي في الوعي والمجتمع.. كان هو الضوء والمشعل في كل الجزيرة والخليج..

• هذا القانون كان هو الثورة الاجتماعية التي صنعت فارقا خرافيا بين الماضي وذلك العهد المتوّج بالمساواة والعدالة.. اليوم الواقع صادم لما كان.. حال مُبدَّل ومقلوب وحسير يمشي على يديه، وعجب أعجب من محال.. وما يحز في النفس أكثر أن سدنة القومية واليسار يبحثون عن المستقبل المضيء في معطف ليل، أو في جيب أمير أو ملك.. أي نكسة وأي نكبة حلّت بنا يا الهي، وأي لعنة أصابت اليمن، وفي مقدمته جنوبنا الذي أشقاه القتلة واللصوص والمدَّعون أيضا!!

• كان قانون الأسرة في الجنوب وتعديلاته، ثورة اجتماعية مدهشة، لا ينكرها إلا مناكر مُثقل بتعصبه الذكوري الظالم، أو أسير ماضي موغل في القدم والوحشية، يعيش غربة العصر، ويرى في غربته مجدا وحقا لا يزول إلا بقيام الساعة..

• كان الأصل هو الزواج من واحدة، والاستثناء محدود ومحصور، وعلى الزوج الوفاء مع زوجته إلى آخر العُمر دون منازع، ولا تستطيع امرأة أخرى أن تقاسم الزوجة زوجها وحقوقها.. أمّا اليوم فبعضهم يتزوج فوق الواحدة ثلاث، يقاسمن الزوجة الأولى الحياة والميراث والتفاصيل..

• أعرف صديق لوالدي في عدن كان تاجرا، تزوج على زوجته سرا من امرأة أخرى، وأنكشف أمرهما، وتمت محاكمته والحكم عليه بالسجن سنتين مع النفاذ.. اللعنة على من أضاع هذا القانون، والجحيم على من أنقلب عليه..

• كان المهر محدداً في القانون بمائة دينار، ليس فيه تجارة أو بيع، وبعد أكثر من أربعين عام خلت، صارت المرأة في اليمن سلعة أو شبه سلعة ومتاع يباع ويشترى.. على المرأة تمكين زوجها وخدمته وتفقيس العيال كأرنبة، ومن حق الرجل أن يعبث ويتزوج في ليلة واحدة أربعا إن شاء، ويستطيع من هو في أرذل العمر أن يتزوج صبية أو قاصرة لا تجيد جواباً فضلا عن وضع السؤال..

• كان الطلاق ليس في متناول اليد، ولا يتحقق بفلتة لسان، لاسيما إن كان للزوجين أبناء.. كانت اللجان الشعبية تبذل المستحيل للحيلولة دون وقوعه، نزولا عند مصلحة الأطفال.. كان الطلاق أو التفريق لا يقع إلا في المحكمة، وتقف المحكمة أمام مصلحة الأطفال كثيرا؛ لتقرر وتفصل في مترتبات التفريق أو الطلاق.. فيما اليوم بلفظة “طالق” من نزق في لحظة تعسة يتم الطلاق، وتُرمي الزوجة على قارعة الطريق، وإن كان عمرها في الستين عام، وكان لها منه عشرة من البنين أو أكثر، ويعيش الأبناء جحيم الطلاق ومعاناته حتى الِكبَر..

• لازلت أذكر وأنا طالب في كلية الحقوق أثناء التطبيق في محكمة صيرة، والقاضي يحكم للمرأة وأولادها القُصَّر بمعظم منزل الزوج بعد التفريق، وحكم لها بالحضانة والنفقة وأشياء أخرى.. يا سلام على ماضي كم كان جميلا قبل أن يُختطف.

• كان الرجل لا يستبد على المرأة في زواج أو اختيار أو عمل أو طلاق أو حضانة أو نفقة.. كانت المرأة في الجنوب ملكة عندما نقارنها بما آلت إليها الأمور اليوم، وما آل إليه الحال في هذا العهد العبوس.. لم ننس بعد، ولازلنا له ذاكرين.. نذكره حد البكاء والغضب.. لا مناص ولا مفر من استعادة اليمن من مخالب وأنياب الضباع..
يتبع..

زر الذهاب إلى الأعلى