العرض في الرئيسةفضاء حر

الطريق الى أمريكا..

يمنات

سنان بيرق

كثيرة هي الهموم والمشاكل التي يعاني منها المواطن اليمني في ضل هذه الضروف الصعبة والأزمنة الخانقة التي فرضها عليه تجار الحروب، وأرباب الازمات، والفوضى الخلاقة….

قبل أيام قليلة جلست مع أحد المغتربين اليمنيين (م.ع) الذين شاءت لهم الأقدار بأن يتركوا هذه البلدة ويهاجرون الى الولايات المتحدة الأمريكية_ وكان ذلك تحديدا في مطلع العام 2017م.

ترك أهله وكل أقاربه ومحبينه وانطلق بكل شغف ولهفة واشتياق الى مدينة عدن حتى ينهي معاملة السفر وتاشيرة الجواز. وهذا الشغف هو ديدن وحلم كل مواطن يمني في الهجرة والاغتراب بحثا عن بلد آمن يسوده الإستقرار السياسي والإقتصادي ويوفر لمواطنيه ورعاياه الحياة الكريمة والمواطنة المتساوية..

ترك منزله وانطلق صوب هذه المدينة الحبيبة عله يجد فيها المكان الضامن للإنطلاق الى بلد الهجرة ووجهته المقصودة.

وكانت الحرب في ذلك الوقت قد جعلت النظام الأمريكي يضع بعضا من الشروط لمن يريد الهجرة ينبغي مراعاتها والعمل على تحقيقها إن هو أراد القدوم إلى بلدهم والاستقرار بأراضيهم ؛ تمثلت هذه الشروط بضرورة الحصول على تأشيرة السفر من دولة جيبوتي الشقيقة وتخليص معاملته وفحص كافة وثائقه وأوراق الفيزاء ومتطلباتها .

فماكان من صديقي الشاب إلا أن امتثل واستعد للذهاب الى أرض جيبوتي الحبيبة . وكانت المفاجأة التي لم تكن بالحسبان أن مطار عدن الدولي مغلق في ذلك الزمان بوجه كل المغادرين من البلد والقادمين إليه.

فلم يكن أمامه من حل سوى التفكير بالسفر عن طريق البحر وهو مااهتدى اليه بالفعل . ولكنه وجد طريق البحر شبه مغلق ولايوجد أي فرق بينه وبين طريق ذلكم المطار المظلم في منتصف النهار !

حدث نفسه حينها بضرورة الصبر والتحلي بالعزيمة والإصرار .
حدث نفسه قائلا :
نسافر أو نسافر ؛ نهاجر أونهاجر.

وكان ذلك الاصرار نابع عن قناعته التامة بأن لاملجأ له في السفر إلا من ذلك الميناء المشؤوم؛ لأن ميناء المخاء مغلق ومطار عدن مغلق أيضا .فهو بين خيارين _ إما أن يسافر عبر ميناء عدن وإما أن يرجع من الطريق الذي قدم منها_ ولكن الخيار الأخير قد وضعه في قائمة النسيان والمستحيل. فهو أمام فرصة ذهبية يحلم بها كل مواطن يمني فإن هو ضيعها فقد ضاع عمره بحسب ضنه وتفكيره وسوف يتلقى الملامة من كل أبناء قريته ومنطقته وحينها سيصاب بتأنيب الضمير حتى الممات …

فما كان منه إلا أن قرر الهجرة و ركوب الخطر ولسان حاله يقول :

طريق الهجرة بعيد وأي بعد ، طريق الغنى خطير وأي خطر .

مكث عدة أيام عرض البحر وتحديدا في ميناء عدن الدولي. وكله ثقة بالمغادرة والرحيل حتى قدمت إليهم سفينة تجارية محملة بالأبقار والأغنام _ وكان الموسم حينها يقترب من عيد الأضحى المبارك_

سارع مع مجموعة كبيرة من الشباب المرافقين لرحلته والذين تربطهم به رابطة الهجرة والإغتراب ؛ سارعوا صوب السفينة فرحين وكأنهم وجدوا المنقذ والمخلص من هذا المكان المعتم والكئيب !

وعند وصولهم الى جوار تلك السفينة سمعوا أصوات الثيران والأغنام تصدر من داخلها ورائحة كريهة تنبعث منها بكل قوة وكثافة. وكأنهم وسط سوق خراف كبير يرتاده الباعة والمشترين من كل أرجاء البلد .

ولكنهم مع ذلك أصرُّوا على السفر الى دولة جيبوتي ومنها الى وجهتهم المقصودة بالهجرة والاستقرار (الولايات المتحدة الأمريكية) مهما كانت الضروف وقسوة المعاناة.

بالمال أجبروا قائد السفينة على إنزال بضاعته وتحميل الركاب والذهاب بهم الى قلب القارة السمراء؛ حتى يتمكنوا من تخليص معاملاتهم وتحقيق أمنياتهم في الوصول الى يونايتد استيت أف أمريكاء_ وحسنا فعل الربان_ وكان ذلك مقابل مائة وسبعون دولارا لكل راكب .

وعند صعودهم على متن السفينة وجدوها متسخة أشبه بظهر مجنون هَجَرَ التطهُّر منذ زمن بعيد !!!

وليس هذا فحسب ؛ بل فقد كانت تلكم المركبة بدون سقف يحمي الركاب المسافرين من حرارة الشمس ويقيهم من هول السقوط عند ارتطامها بالأمواج ومواجهة الرياح الشديدة…

فبسبب عدم وجود السطح لتلك السفينة المفزع منظرها في ذلك المكان المريب _ فقد كانت الأمواج تلعب بهم وبالسفينة وجعلتها ترتطم من جانب لآخر، ومن ركن للذي يليه.

فعند ارتطامها بالأمواج القادمة إليها يحصل هناك إرتطام للركاب بعضهم ببعض ومع أركان المركبة وزواياها أيضا.

الأمواج والإرتطامات لَفَظَتْ ثلاثة من الشباب الحالمين بوضع أفضل ومستقبل جميل لهم ولأهاليهم في البلد المنكوب ؛ لفظتهم من سقف السفينة المفتوح وألقتهم الى البحر أمام أعين زملاء دربهم ورفاق مغامراتهم !

الأمواج ترتطم بالمركبة والنتيجة من ذلك هي تغيير حركة الركاب من مكان لآخر ، ومن زاوية لأخرى، وأحيانا كثيرة يتم الخذف بهم من المقدمة الى المؤخرة ومن جهة الى جهة جهة مقابلة .وهذا لمن سلم من السقوط والغرق . .

وكانت ارتطامات السفينة داخل البحر أشبه بهودج وُضِعَ لأُناس يتسلَّون به في قمة جبل شاهق من ينظر الى تحت قدميه يرى الموت المحقَّق والهلاك الأكيد !

ولكنها نيَّة الهجرة والسفر في سبيل البحث عن العيش الكريم قد جعلتهم يرتضون بتلك المغامرة ويَقْبَلُونَ بها.

وما إن وصلوا الى السياج الفاصل بين جيبوتي والصومال حتى تفاجأوا بالمنع من الدخول .وكان السبب وراء ذلك الرفض يرجع الى مخاوف العدوى من مزعوم مرض الكوليراء وإصابة المواطنين من ذلك الخطر القاتل.

كان الوقت ليلا والركاب أجسادهم متعبة مرهقة، وهزيلة، ومتسخة بمخلفات الأبقار والماعز والرائحة الكريهة…

ياإلهي ماهذا القدر الذي قدر لنا كشباب طامحين في الهجرة وكسب الرزق الحلال الطيب؟

عندها أشَّروا جوازاتهم وصعدوا على الطيران الصومالي منطلقين صوب أبو ضبي وما إن وصلوا الى ذلك المطار الجميل حتى وجدوا التعليمات المشؤومة التي وجدوها في الإنطلاقة الأولى. عندها عاودا مسرعين صوب جمهورية السودان وهناك منعوا أيضا من النزول الى مدينتهم وتخليص معاملاتهم هناك .

مباشرة غيروا وجهتهم باتجاه دولة الصومال الشقيقة. ومن الصومال توالت عليهم المنع والإنتكاسات حتى عادوا الى مطار الإمارات ومن هناك مباشرة الى جيبوتي وأخيرا وفي المرة الخامسة من التعاسة والخذلان تم السماح لهم بالنزول على أرضهم؛ حتى يتسنى لهم تخليص معاملاتهم ،ومقابلة السفارة والحصول على الإذن بالمغادرة والرحيل في طريق الهجرة الى البلدة المنشودة التي لطالما حلموا بها منذ أيام الطفولة الأولى حتى جاء اليوم المفصلي من حياتهم الذي حصلوا فيه على الإذن بالسفر والموافقة التامة.

وهكذا هو المواطن اليمني أصبحت مسألة التفكير ومغادرة الوطن الى بلد الإغتراب هو حلمه وديدنه، أصبح ينتظر ذلك اليوم الذي يحصل فيه على فرصة الهجرة واللجوء الى أي بلد يلقى فيه رزقه الطيب الهادئ بعيدا عن مشاكل البلد وسياسة الفوضى والاحتراب.

أصبح هذا المواطن المغلوب على أمره لايقدر على البقاء في بلده الأم “اليمن” ويتمنَّى العيش في بلدان بعيدة عن أهله ومجتمعه .

الحرب والفوضى الخلاقة صنعتا الأزمة الخانقة والإقتصاد الهش داخل هذا البلد المنكوب وجعلت المواطن غير قادر على التكسُّب والحصول على رزقه ورزق من يعول .فلم يكن أمام القادر على السفر من أبناء هذا الشعب إلا أن ركب الخطر وتحدى صعاب الهجرة غير مبال بأي طريق سوف يسلكها . لايهمه العبور عبر البحر أو الجو أو المسير راجلا على الأقدام. وماأكثر اليمانين المهاجرين صوب المملكة السعودية، وإندنوسيا و… الذين لقوا حتفهم قبل أن يستقر بهم المقام في وجهتهم المقصودهم…

فمنهم من قتلته رصاصات المتحاربين على الحدود ، ومنهم من أعياه السفر فمات في طريق الهجرة قبل أن يكمل الطريق، ومنهم من مات جوعا ومنهم من سقط ميِّتاً في البحر، ومنهم من مات غرقا في النهر .

هكذا هو المواطن اليمني التعيس يحلم في اليوم الذي يرى بلده وقد أصبح دولة ذات سيادة يسودها الإستقرار السياسي والاقتصادي .

يحلم باليوم الذي ستصبح بلاده قبلة للمهاجرين وأمنية للسيَّاح والزائرين من كل أنحاء المعمورة.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى