بن حبتور يتحدث عن انتقاله من محافظ لمحافظة عدن الى رئيس حكومة الانقاذ بصنعاء و موقفه من مبادرة ولد الشيخ مقابل تحويل الإيرادات لصرف المرتبات
يمنات – صنعاء
الأكاديمي والسياسي، ونقطة التقاء بين شمال البلاد وجنوبها. إندلعت الحرب وهو في صف «الشرعية» ورئيسها عبد ربه منصور هادي، وكأبرز رجالها، محافظاً لعدن التي أصبحت عاصمة مؤقتة للبلاد. ثم اختفى عن الأنظار ليظهر من صنعاء رئيساً لحكومة الانقاذ الوطني، المؤلفة بالمناصفة بين «أنصار الله» وحلفائها و«المؤتمر الشعبي العام» وحلفائه.
يتحدث عن الحكومة التي يترأسها، وأزماتها، وماذا حققت للبلد منذ تشكيلها، ومسألة انقطاع مرتبات موظفي الدولة في القطاع المدني والعسكري لأكثر من 10 أشهر، وأين دورها في تدهور الوضع الانساني واتساع رقعة الجوع، والحل السياسي، والوضع في محافظات الجنوب، وعدد من الملفات… في الحوار التالي، نرحل مع شخصية أثارت الجدل، بتنقلها بين المعسكرين السابقين، وشهدت تجربة سلطتين في بلد واحد، هو: رئيس حكومة الإنقاذ في صنعاء، الدكتور عبد العزيز بن حبتور.
اليوم، بعد مرور عامين ونصف العام من الحرب، كيف يرى رئيس حكومة الإنقاذ المشهد في اليمن؟
نحن بعد عامين ونصف نجد أنفسنا كجيش يمني وأمن ولجان شعبية ومقاتلين من كل أطياف القبائل اليمنية في وضع عسكري جيد جداً من حيث التنظيم القتالي بتكتيكاته واستراتيجياته والنتائج التي يتم تحقيقها، أكان بالجبهات المباشرة مع دول العدوان ومرتزقتهم والخونة المأجورين لدول العدوان، أو في جبهات ما وراء الحدود مع الجارة الشقيقة السعودية. نعم يحقق الجيش واللجان الشعبية تقدماً عسكرياً ناجحاً على كل الصعد، ولذلك نقول الحمد لله على كل هذه الانتصارات الكبيرة التي تتحقق بظل من الله عز وجل أولاً، ومن فوهات مدافع وبنادق رجال الرجال في كل ميادين الشرف والعزة والكرامة، وبظل التوجيهات الحكيمة من القيادة السياسية اليمنة المقاومة للعدوان.
أما على الصعيد الانساني، فهناك إرادة شعبية يمنية صلبة لاستمرار المقاومة، وعزيمة لا تقهر من قبل جميع الطبقات الاجتماعية الشعبية التي حددت بوصلتها باتجاه استمرار المقاومة لدول العدوان ومرتزقتهم، برغم أن الغالبية من شعبنا قد تعرضوا لضيمٍ شديد من قبل المجتمع الدولي الذي لا زال يشاهد ما يعانيه شعبنا اليمني من ظلم بين كمتفرج صامت أو كقلق محايد ليس إلا، تجاه ما يعانيه الموظفون الحكوميون من أطباء ومهندسين ومعلمين وأساتذة الجامعات والعمال، لم يستلموا رواتبهم وأجورهم منذ أكثر من عشرة أشهر، والبعض الآخر منذ عام، ويشاهد العالم اجتياح مرض الكوليرا والمجاعة التي تتهدد أجزاء واسعة من اليمن… إلخ. هكذا هو المشهد في اليمن بصورتيه: المقاوم، والجريح الذي يتمنى أن يفهمه العالم، لا أن يتأسى ويذرف الدموع عليه.
ما هي مفاتيح الحل برأيك؟ وهل ترى في الأفق ملامح تنبئ بانتهاء الحرب والعودة نحو الحوار والسياسة؟
أرى أن حل المشكلة في اليمن هي بالحوار بين اليمن وقيادتها في صنعاء وبين قيادات دولتي العدوان في المملكة السعودية ومشيخة الإمارات المتحدة، ليس هناك مخرج من ورطة حربهم علينا سوى الحوار على قاعدة التكافؤ والندية بين صنعاء من جهة وبين الرياض وأبوظبي من جهة مقابلة.
كيف تتعاملون مع خطة المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، بشأن تسليم الحديدة لطرف مستقل وتحويل الإيرادات لصرف الرواتب؟ و ما هو موقفكم منها؟
لم يقدم الأخ إسماعيل ولد الشيخ أحمد، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، أي جديد في لقائه بنا، سوى أنه كرر ما قاله عادل الجبير، وزير خارجية دولة العدوان، السعودية، و(أنور) القرقاش الإماراتي المكلف بالتصريحات الإعلامية للشؤون الخارجية، ونردد ــ ربما بالحرف ــ ما صرحوا به لوسائل الإعلام المختلفة، ما إذا كانت مطالباتهم غير المنطقية لنا بأن نسلم لهم نحن ميناء الحديدة، أو نسلمها للأمم المتحدة، أو نسلمها لجهة ثالثة، وبعدها سيفرجون عن رواتب ومعاشات الموظفين في الجهاز الحكومي، وهم بعدد مليون وثلاثمائة موظف وعامل وعسكري، هذا ما قاله لنا، رددت عليه في الحال أن محافظة الحديدة كالعاصمة صنعاء، حاولوا دخولها منذ عامين ونصف وفشلوا، اذاً ما لم تحققه المعارك لهم لن يحققه لهم ولد الشيخ وهو الموظف الطيع الذي نقل لنا رغبة حلفاء العدوان على اليمن.
هل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي جادين في تناولهما للملف اليمني؟ أم أن ما يقومان به ترويض للأطراف فقط بعيداً عن إيجاد حل؟
على فكرة، عليك وعلى القارئ اللبيب أن يعرف بأن من يدير الحروب الخارجية لتنفيذ أجندات ومشاريع محددة هي الدول الاستعمارية الغربية المتنفذة عالمياً، وهي الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا، ومن ثم جميع دول الغرب هي في المحصلة تابعة، وأحياناً منفذة طيعة لهذه المشاريع العدوانية، وجوهر سياسات تلك الدول هي في استمرار مصالحها المادية والاستراتيجية، أما غيرها فهي شعارات إعلامية للاستهلاك المحلي لشعوب دولهم ليس إلا.
جاءت حكومة الانقاذ في وضع صعب واستثنائي كما أشرت في حوارات سابقة، فتعهدت بأن تعمل هذه الحكومة على حل الاشكالات التي انتجتها الحرب على اليمن، وذلك في أول تصريح لك عقب الإعلان عن التشكيل الحكومي… ماذا حققت حكومة الإنقاذ حتى اليوم؟
نعم هذا سؤال مهم وتكرر معي في أكثر من لقاء صحافي سابق، وأتذكر أنني رددت في الإجابة عليه على النحو الآتي:
حينما بدأ العدوان على اليمن في صبيحة الـ 26 من مارس 2015م انقسم السياسيون اليمنيون إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول من السياسيين، سارع في تحديد موقفه المقاوم للعدوان وترتب عليه ذهاب فريق من المجتمع مع مقاتليه إلى جبهات القتال للدفاع عن حياض الوطن وكرامته وعزته، وكل يحمل على كتفه بندقيته وذخيرته إلى متارس المقاومة.
القسم الثاني من السياسيين، حدد موقفه مع دول العدوان و صفّ إلى جانبهم، وفي كل لحظة يبررون له جرائمه وقتله للشعب اليمني، بل إنهم كانوا يبتهجون فرحاً وطرباً لكل صاروخ ومدفع رشاش يحط ويصل إلى حدود أرض اليمن ويقتل جزءاً من شعبه، واستمروا ومعهم جزء يسير من المواطنين اليمنيين المغرر بهم يرفعون على المنصات وفي الشوارع شعارات وإعلام دول العدوان وصور قادة دولهم، ويقولون: «شكراً سلمان، شكراً آل نهيان، شكراً آل ثاني، شكراً آل الصباح، شكراً آل خليفة».
القسم الثالث من السياسيين، الذين استكانوا وظلوا في المربع الرمادي حتى اللحظة بعيدين عن تحديد موقف ما، ينتظرون نهاية الحرب العدوانية، وحينها ربما يختارون مواصلة الصمت الأبدي، أو ربما قد يحددون موقفاً انتهازياً يخدم بقية مسيرة حياتهم السياسية.
حددت موقفي السياسي مع القسم الأول من السياسيين، أي الموقف المقاوم للعدوان، لأنني مؤمن بأن الوطن والشعب الذي أنتمي إليه أعز وأغلى ما في الوجود لدي، وهو ما تعلمته في حياتي ومن تراث شعبنا العظيم، وخشية من أن يقرأ أحفادي ذات يوم بأنني وقفت في المكان الخطأ ضد الوطن، ولهذا قبلت التكليف في الزمن الاستثنائي بقناعة تامة. والحكومة اليوم ملتزمة بتعهداتها وتعمل في صددها.
اليوم هناك من يقول: إن حكومة الإنقاذ مأزومة من كل النواحي، وتضربها خلافات طرفيها من الداخل، من الصعب عليه أن يحل مشاكل الخارج مشاكل البلد برمتها… هل وجود خلافات داخل الحكومة يعيق تحقيق أهدافها وتنفيذ برنامجها؟
هذا سؤال مرتبك في حد ذاته، لأن الوطن العربي في حالة أزمة كبيرة بدأت منذ أحداث الربيع العربي، كفكرة جهنمية صنعتها دوائر الاستخبارات الغربية لخلق أزمات سياسية وأمنية في عدد من الدول العربية الجمهورية التي شكلت بموقفها السياسي منذ الستينات كجبهة لمقاومة نشوء وتمكين الكيان الصهيوني من احتلال أرضنا العزيزة فلسطين، ولو تابعت المشهد السياسي والأمني لأحداث أكذوبة الربيع العربي في كلٍ من تونس الخضراء التي احتضنت قيادة الثورة الفلسطينية في مطلع الثمانينات من القرن العشرين، وإلى مصر العروبة الناصرية التي تحملت عبء الثورات التحررية العربية، وانتقالاً إلى الجماهيرية الليبية الشعبية المساندة للشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، ومن ثم إلى الجمهوريّة العربية السورية وجيشها العربي البطل الذي ساند المقاومة العربية الفلسطينية واللبنانية للدولة الصهيونية الاستيطانية، وإلى اليمن العروبي قلب ومنبت العرب المقاوم الداعم للقوى المقاومة العربية، وقبلها جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية في ما عُرف بـ«العشرية السوداء» التي دفعت فيها الجزائر ثمناً باهظاً من شعبها ومن طاقاتها لمقاومة الظلم والعدوان والفكر السلفي الوهابي المتخلف المتشدد، وقبل الجميع كانت جمهورية العراق العظيم الذي دمرت دولته وتجربته الثقافية والعلمية والإنسانية والتحررية وتم الاعتداء عليها واحتلاها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الاستعمارية الغربية ومن الحركة الصهيونية ومن حلفائهم الأَعْرَاب. جاءت حكومة الإنقاذ الوطني في اليمن من بين ذلك الوسط المأزوم، ومن الركام الناتج من تداعيات تساقط الأزمات كلها في المحيط العربي والإقليمي، ولهذا أنصح بالعودة من جديد لقراءة المشهد من جديد.
البطائق التموينية التي صرفت للمواطنين، ما مستقبلها؟ هل ستستمر أم أنها جاءت «كحلاً» وكتطمين فقط وامتصاص لموجة المطالبة بالرواتب؟ وما هو مصير مرتبات الأشهر الأخيرة من العام الماضي 2016؟
البطاقة التموينية جاءت لضرورة موضوعية لحل مشكلة عدم تمكن الحكومة من صرف الرواتب والمعاشات، وحينما تقدمنا بتقاريرنا في هذا الشأن إلى قبة البرلمان اليمني فقد التزمنا بالآتي:
أولاً: فتح حسابات توفير بريدية لجميع الموظفين في الجهازين المدني والعسكري ترصد فيها جميع رواتبهم للأشهر من سبتمبر 2016م وحتى يونيو 2017م، ويضاف عليها الفائدة قانوناً ويستلموها بعد عام.
ثانياً: صرف 50% من الراتب في شكل بطاقة تموينية.
ثالثاً: صرف 30% من الراتب نقداً.
رابعاً: توريد الـ 20% من الراتب إلى حساب التوفير البريدي.
ونحن ملتزمون بذلك التعهد.
دولة الرئيس، هناك من يقول إن حكومة الانقاذ يتحكم بها الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ما حقيقة ذلك؟ خصوصاً أنه وجه لكم دعوة الأسبوع الماضي في حشد ذكرى تأسيس «المؤتمر الشعبي العام».
أنت تقول ذلك بأن الزعيم يتحكم في قرار حكومة الإنقاذ، ونسمع خبراً آخر بأن هذه الحكومة تدار من قبل المكتب التنفيذي لـ«أنصار الله»، إذاً لا سؤالك صحيح، ولا أيضاً الفرضية المقابلة صحيحة.
أنا لا أقول ذلك دكتور، أنا أنقل لك أسئلة الناس…
أريد هنا أن أُثبت لكم وللقارئ العربي الكريم بأن هذه هي حكومة إنقاذ وطني، والحليفين اتفقا سياسياً بأن تكون الحكومة تعمل وفقاً للقانون، وتم تكوين الحكومة من خيرة قياداتها، وبطبيعة الحال لن يسمح الحزبان بأن تفشل هذه الحكومة، وهي التي ركزت في برنامجها التي حظيت بموجبه على ثقة مجلس النواب، ركزت على دعم جبهات الصمود والقتال والحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية.
تجار صنعاء منزعجون من فرض ضرائب ورسوم إضافية، فالضرائب اليوم منقسمة بين صنعاء وعدن. والبعض من تجار العاصمة يضطر إلى الدفع مرتين. ما الذي اتخذتموه حيال ذلك؟
لا لا لا… هذا السؤال ملغوم تماماً، نحن نلتزم نصاً وروحاً بالقانون، فالضرائب والجمارك يحكمها القانون، نستوفي شرط أخذ الجمارك من ميناء الحديدة بشكل قانوني، ونستوفي شرط الجمارك على السلع القادمة من المنافذ البرية والموانئ والمطارات الواقعة بيد دول الإحتلال أو مرتزقتهم وعملائهم، لأن القانون قانون، لا نستطيع تطبيقه في نقطة عبور أي كان ونتوقف عن استيفائها في نقطة أخرى.
دولة رئيس الوزراء، تبدو حكومة الانقاذ اليوم مهددة بانفراط عقدها، خصوصاً بعد الوثائق التي طرحت أمام مجلس النواب، ومطالبة بعض البرلمانيين برحيلها، واتهامات جماعة «أنصار الله» بأن الحكومة فاسدة. ما الذي يتهدد حكومة الإنقاذ اليوم؟
من يتهدد حكومة الإنقاذ الوطني وأجهزتها الإدارية التنفيذية هم دول العدوان ومرتزقتهم وعملاؤهم، ولذلك فإننا حريصون على دعم الجبهات العسكرية والجبهات الداخلية من خلال دعم الأمن الداخلي. الجمهورية اليمنية تقاوم دول العدوان منذ عامين ونصف، تقاوم عسكرياً وتقاوم الحصار وتقاوم الخونة والعملاء بالداخل، ولهذا لا خوف على اليمن من كل ذلك، لكن إذا ما فشل حلفاء شركاء مقاومة العدوان في إدارة تباينات وجهات.
دكتور عبد العزيز، هل حكومة الإنقاذ اليوم، خصوصاً بعد المستجدات التي طرأت على الساحة مؤخراً، بمستوى هذه المرحلة؟ أم أن القبعة أكبر من الرأس؟
نعم حكومة الإنقاذ الوطني جابهت وتجابه تحديات كبيرة، داخلية وخارجية، ووزراء حكومة الإنقاذ هم من أقوى وأصلب الشخصيات السياسية لدى «المؤتمر الشعبي» وحلفائه و«أنصار الله» وحلفائهم، ولكن في أزمنة الحروب العدوانية على الشعوب المظلومة والفقيرة فتجدها تحشد كل ما لديها من مال وسلاح الى الجبهات، وتحشد كذلك طاقات المجتمع لذلك الهدف النبيل، وهو المقاومة، كي تبقى الكرامة والعزة للوطن والمواطن مرفوعة الهامة لعنان السماء، قد لا يعرف الكثير تلك المعاني والقيم، لكن شعبنا قد تمرس على فهمها منذ قرون، ولذلك يقولون دائماً إن اليمن مقبرة الغزاة، ويقولون إنها مقبرة الأناضول، هل وصلت الرسالة؟ أترك حكاية القبعة للآخرين، أما اليمني فهو المعتمر دائماً للعمامة أو السماطة، أو قل للغُترة في لهجة أهلنا بريف اليمن.
كيف تقيم المشهد الذي تشهده مناطق الجنوب؟ و تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي؟ والمطالبة بفك الارتباط؟
المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن الواقعة تحت الإحتلال المباشر للمملكة السعودية ومشيخة الإمارات تعيش حالة غير مسبوقة من الانفلات الأمني والفوضى العارمة وغياب مظاهر وجود الدولة، كما أن القوى الاستعمارية الجديدة أهملت بشكل متعمد الخدمات الضرورية للمواطنين، أي لا أمن ولا خدمات في ظل صيف حار وحارق لا يُطاق، وانتشار واسع للقوى الإرهابية، لتنظيمات متطرفة كـ«القاعدة» و«داعش» والمنظمات الإرهابية الوهابية، وهذا فعل متعمد من قبل المُستعمرين الجُدد.
لا توجد نخبة حقيقية تدير هذه المحافظات، بل هم عبارة عن مجاميع مليشياوية مناطقية متناحرة، ولهذا تشاهد وتسمع عن تلك الاغتيالات والتصفيات التي تحدث بشكل شبه يومي فيما بينهم، ولن يستقيم لهذه المحافظات أية قائمة طالما تحولت قيادات المليشيات فيها إلى توابع للسعوديين والإماراتيين، وكل ما تقرؤوه من تشكيلات ومجالس حراكية جنوبية ما هي إلا كيانات متناحرة صنعتها دول العدوان وستزول بزوال العدوان ذاته.
الدكتور عبد العزيز رجل لديه خبرة عميقة بالجغرافية السياسية والأمنية لعدن، هل بإمكانه أن يلخص الحل الذي يمكن أن ينقذ الوضع هناك؟
دعني أجتهد بالإجابة وأبسط للقارئ الكريم صورة المشهد بشأن كل تلك الصراعات الجنوبية – الجنوبية التي يعود جذرها إلى تلك الكيانات السياسية القبلية المتناحرة في زمن السلطنات والمشيخات والإمارات التي كانت قائمة قبل الاستقلال الوطني، وقد بلغ عددها لـ 23 دويلة، لكل واحدة منها: علمها وشعارها ونشيدها الوطني، ولها أمنها وماليتها الخاصة بها، وفي يوم الـ 30 نوفمبر 1967م، أي يوم الاستقلال الوطني الناجز بقيادة التنظيم السياسي للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، تمت إزالة هذه الكيانات السياسية الإدارية في ليلة واحدة دون المراعاة الموضوعية للسياقات التاريخية للتطور المتفاوت بين هذه الكيانات العدنية والحضرمية واليافعية والواحدية والضالعية والعولقية والعوذلية والعبدلية والعقربية والمهرية والبيحانية والفضلية، وهكذا كما أسلفنا تمت إزالة كل هذه السلطنات واستبدالها وصهرها في بوتقة يمنية جنوبية ديمقراطية واحدة، أسميت: جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية. وللعلم فإن عمر بعض الكيانات المشيخية تجاوز الـ 500 عام، والبعض منها عمره لا يتجاوز الـ 150 عاماً، وفي تقديري حتى تلك الأحداث الدموية التي وقعت بعد الاستقلال الوطني بين قوى التحرير لا يخلو جذرها الصراعي عن تلك الجذور المناطقية التي كانت سائدة قبل الاستقلال الوطني.
الحل الأمثل لليمنيين، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، هو في دولة الوحدة اليمنية، دولة المواطنة المتساوية أمام القانون والدستور المتفق عليه بعد كسر العدوان، وفقاً لأية تفاهمات سياسية واقعية يتم الاتفاق عليها بعد الانتهاء من العدوان.
هل هناك تعاون بينكم وبين المجلس الانتقالي في الجنوب؟
هناك ضبابة في سؤالكم حول المجلس الانتقالي الانفصالي التي مولت تأسيسه مشيخة الإمارات المتحدة، وهو مجلس يمثل منطقة بعينها من المحافظات الجنوبية، ولو أن هناك أسماء وكأنها توحي بشمول التمثيل لليمن الجنوبي، هذا المجلس يمثل مجموعة من الحَراكيين ولا يمثلون إلا واحداً من 73 فرقة حراكية وهي موجودة في المحافظات الجنوبية والشرقية، وهذا المجلس المشار إليه لا يحظى بالقبول إلا في مناطق محددة ليس إلا، أما المجلس السياسي الأعلى فقد تكون من تنظيمين وازنيين لهما فعلهما وحضورهما الحقيقي في المجتمع اليمني، ومنذ عامين ونصف شكلا معاً العمود الفقري لمقاومة العدوان والإحتلال لليمن، وتلاحظ من خلال التمثيل الجهوي والسياسي فإن المقارنة بينه وبين المجلس الذي أسسه الإماراتيون فهي مقارنة غير واقعية وتفتقر للدراية السياسية.
هناك جدل سياسي حول موقف بن حبتور، الذي كان بداية الحرب في صف «شرعية هادي» محافظاً لعدن، واليوم رئيس حكومة في صنعاء، ما الذي عاد بك إلى صنعاء؟
أتفهم بموضوعية أي جدل سياسي أو إعلامي بشأن الملابسات، وربما الغموض في استيعاب الفكرة، وربما المشهد برمته. نعم كنت محافظاً لمدينة عدن حينما بدأ العدوان، وقد أدنت ذلك في أكثر من تصريح إعلامي، وقد طُلب مني أن أقود ما أسموه «مقاومة»، رفضت ذلك العرض المقدم من حكومة عبد ربه منصور هادي المنتهية ولايتها بالمطلق، لأنني اعتبرت أن من يقف مع العدوان أو يتضامن معه، أو حتى يتعاطف مع دول العدوان، فهو في وجهة نظري عميل وخائن لليمن العظيم، وبقيت في بداية العدوان في مدينة عدن أتنقل في أحيائها وضواحيها، أدير وأوجه الإدارات والأجهزة الخدمية لتوفير الحد المتاح للكهرباء والمياه وخدمات البلدية وبقية الموضوعات ذات الطبيعة الخدمية لأهلنا في عدن. استمريت هناك بصحبة وضيافة المواطنين في مدينة عدن حتى منتصف شهر يوليو 2015م، وبعد الانسحاب التكتيكي لوحدات الجيش اليمني واللجان الشعبية، وبعد نزول جحافل المعتدين من مرتزقة الشركة الأمنية الأمريكية «بلاك ووتر» وجحافل الجنود السودانية، وغيرهم من القيادات العسكرية والأمنية لدول العدوان الخليجي على اليمن، حينها غادرت عدن واتجهت صوب العاصمة صنعاء لأنها الحُضن الدافئ لجميع أبناء اليمن، ومستقر الملايين من الذين نزحوا إليها من جميع محافظات اليمن، وهنا واصلت نشاطي وعملي كمحافظ لعدن ورئيس لجامعتها تحت قيادة اللجنة الثورية، وبعدها كلفت من قبل حزب «المؤتمر الشعبي العام» وحلفائه وحركة «أنصار الله» وحلفائهم بأن أتولى تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني وفقاً للنظام والدستور، واليوم نحن نعمل معاً في تناغم إداري جيد، ونعمل تحت قيادة وبإشراف المجلس السياسي الأعلى.
هناك من يتحدث أن بن حبتور رئيس وزراء حكومة الإنقاذ في صنعاء، وبن دغر رئيس وزراء حكومة هادي يحملان تذاكر ذهاب وإياب بين صنعاء وعدن… ماذا تقول لأصحاب هذا الطرح؟
لم يعد الأمر صعباً ولا معقداً لمن أراد أن يفهم طبيعة المرحلة في زمن العدوان، وحينما يدعوك الوطن في زمن استثنائي عليك أن تلبي النداء بعيداً عن حسابات الربح والخسارة، وهنا أتحدث عني أنا، ويمكنكم التوجه إلى العاصمة السعودية الرياض لمعرفة ظروف وملابسات موقف الآخرين سياسياً.
المصدر: العربي