أرشيف

 ” أبي أروِّح”

(1) 

" قتلوا علي موسى " . خبر وصلني في ساعة متأخرة من ليل الأحد . "قتلوا علي موسى " أقدم سجين يمني وربما أقدم سجين كوني . " قتلوا علي سالم موسى " بعد واحد وأربعين عاما من السجن .ولذلك هو أقدم من السجن . هو مسجون من قبل أن يُخلق هذا السجن .

وظل طوال هذه المدة مرددا لعبارة " أبي أروح " . يذهب إلى بوابة السجن الداخلية ويقول للحراس : " أبي أروح " .

وبالفعل ، حققوا له أمنيته ، أن " يروح " . أخرجوه صباح الأحد الماضي . خرج ببطانيته معتقدا انه سيروح أخيرا إلى حيث غنماته وأرضه التي تركها خلفه من قبل واحد وأربعين عاما وهو يخرج الآن إليها . لم يكن يعرف أنه سيروح إلى الأبد .. إلى الإعدام .

وأخرجوه إلى الساحة المباركة وسط ذهول وبكاء المساجين والحراس . حالة هستيريا عمّت المكان بسبب مايحدث عليه . وفي حين كان الجميع يعرف أن علي سالم موسى سيذهب للأبد ، كان هو الوحيد الذي لايعرف على وجه الدقة مايحاك وراء ظهره . فلقد غاب عن الزمن منذ فترة طويلة . توقف به الزمن منذ اللحظة التي دخل فيها السجن . انقطع عن المكان ولم يعد مرتبطا سوى بتلك الأغنام والأرض البعيدة.

(2)

دخل علي سالم موسى السجن بتهمة قتل ابن عمه بسبب نزاع على أرض. هو اعترف بهذا . لكن السؤال : لماذا تُرك علي موسى كل هذه الفترة في السجن ؟ لماذا صادق القاضي حمود الهتار على حكم الإعدام بعد تسعة وثلاثين عاما من صدور الحكم الابتدائي ؟ ثم لماذا نُفذ هذا الحكم بهذه الطريقة المفاجئة ؟

تحت أي مسمى يمكننا تصنيف ماحدث ؟

(3)

واحد وأربعون عاما ليست نزهة أو " ويك إند " . واحد وأربعون عاما ليست منحة أو هبة . واحد وأربعون عاما من العمر والحياة ولايمكن سكبها في الطريق . واحد وأربعون عاما صريحة وواضحة وفي وجه هذا القضاء " المستكل " . واحد وأربعون عاما شاهدة على وجه هذا القضاء النزيه والنظيف جدا . وأحد وأربعون عاما تقول بكل مافيها وعليها ..

(4)

في عدد صحيفة " النداء " الصادر في 19/7/2007م ، كتب الصحافي عبد الكريم الخيواني مقالا أخرج فيه حكاية السجين الأقدم علي سالم موسى إلى الضوء والى خارج السجن .. وكتب الخيواني : " معلومة محيرة أشارت إلى أن إدارة السجن طلبت من موسى قبل أشهر قليلة البصم على أوراق رسمية يعتقد أنها تخص تنفيذ العقوبة، لكنه رفض وبشدة وقاوم واقتنع لأنه اعتبرها تنازلاً عن ميراثه وأرضه وأملاكه، ولم تجبره الإدارة على التوقيع والبصم، لكن ذلك لا يمنع أن يفاجأ صباح يوم ما بأخذه لتنفيذ عقوبة الإعدام." . وقد كان .

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى