أرشيف

أهازيج من وحي الحنين

ألا ليتك ترى مُو بقلبي وحبيب

ألا جمر القرض يطِغي طلَّع لهيب

المحب هنا لم يبح بحبه لمحبوبته صراحة، وذلك هو أقوى أنواع الحب عندما يبقى في القلب لعله بذلك يتيمَّن بقول «نزار» :

كلماتنا في الحب تقتل حبنا

إن الحروف تموت حين تُقال

حيث صنف هذا البيت من أقوى وأبلغ ما قيل  في الشعر العربي – لذلك نلاحظ أن قائل البيت الأول يتمنى لو أن محبوبته تعرف ما في قلبه من حب وما يعاني من لهيب بسبب ذلك الحب، فقد شبه الشاعر الحب وهو في قلبه بالجمر – وليس أي جمر عادي – إنه الجمر الخاص بشجرة القرض، وهو أشد أنواع الجمر، والذي يمكن لقطعة صغيرة منه أن تبقى مشتعلة لمدة ساعات ليوضح ديمومة الحب وأنه مهما شاهد حبيبته لا يمكن أن يرتوي أو يقنع منها ولا يجد حيلة أنفع له سوى الدمع :

عيني تشوفك للطريق وتدمع

يا كذبتاه إن المحب يقنع

ثم يتابع محبوبته وهي تمر في الطريق أمام عينيه متجهة نحو دارها ، وبمجرد أفولها عن نظره تزداد حالته سوءاً فيندب حظه التعيس قائلاً :

خلف الجبال السود سكن حبيبي

وذا تعب حظي وذا نصيبي

ومن شدة حبه يتمنى لو كان يمتلك قوة خارقة يدُك ويحر ويسوي تلك الجبال التي تفصل بينه وبين محبوبته ليرى فيما إذا كانت على العهد أم أنها تنكرت لحبه فيردد :

والله لا حٌر الجبل وساويه

وعيَّن المحبوب ومن يهاويه

ولعل البيتين السابقتين لا تقل أهمية عما قاله "الفضول" حين فارق حبيبته ليوضح مدى معاناته والحالة التي وصل إليها منشداً:

لمع البروق على جبال الأحيوق    خلِّي الجبال تنزل رماد مسحوق

هذي الجبال الشامخات الأنكاب

من خلفها وجه الحبيب قد غاب

فالفضول يتمنى لو أن البروق تتحول إلى صاعقة حارقة لتدمر تلك الجبال الشاهقة (,التي منعته من رؤية حبيبته) وتحولها إلى رماد حتى لا يجد أي عائق من النظر إلى حبيبته الغائبة خلف تلك الجبال.

  ولكن من المحال أن تُحرَق تلك الجبال ، وهنا يفيق المحب من أحلام اليقظة وهواجسه ليعود من الخيال إلى الواقع وهو يردد :

والله القسم لاطلع جبل بشوكه

وعيَّن المحبوب أين صوته

مكتفياً بسماع صوتها ولو من على بعد ..

زر الذهاب إلى الأعلى