أرشيف

الأزمة الاقتصادية في اليمن تمنح زخماً للنزعة الانفصاليّة الجنوبيّة

شهد العنف السياسي في جنوب اليمن تصعيداً كبيراً خلال شهر أيار الماضي، فقد سقط عدد من الضحايا، واعتُقِل المئات، وأُغلِقت صحف عدة. نزل المحتجون إلى الشوارع لأول مرة قبل عامَين، عندما طالب ضباط متقاعدون من الجيش الجنوبي المنحل بزيادة معاشاتهم التقاعدية. واكتسبت الحركة الجنوبية زخماً في الأشهر الأخيرة استمدّته من رد فعل النظام القمعي، كما أنشأت ائتلافاً، لم يخضع بعد للاختبار، مستنداً إلى ما يعتبرونه تهميشاً للجنوب ويدعو المحتجون الآن علناً إلى استقلال الجنوب عن الشمال.

توحي اللغة الانفصالية التي يستعملها المحتجّون أنهم يسعون إلى قلب مفاعيل إنشاء الجمهورية الحديثة عام 1990 الذي أدّى إلى توحيد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الماركسية (جنوب اليمن) والجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن) في نهاية الحرب الباردة. كما يتذمّر الانفصاليون من إخفاق الرئيس علي عبدالله صالح في تطبيق بنود اتفاق تقاسم السلطة الذي وقّعه البلدان عام 1990، واحترام شروط وقف إطلاق النار بعد حرب أهلية قصيرة عام 1994.

يعتبر الانفصاليون الجنوبيون أن قبيلة سنحان التي ينتمي إليها الرئيس، تدير البلاد بما يخدم مصالحها. ويشتكون من مصادرة الأراضي، وإرغام ضباط الأمن الجنوبيين على التقاعد، وإقصاء أبناء الجنوب من شبكات المنافع الشمالية، والفساد، وسوء الإدارة الاقتصادية. وقد اشتدّ التوتر في الجنوب منذ تأجيل الانتخابات النيابية التي كان من المقرّر إجراؤها في نيسان 2009، لمدّة سنتين.

ما يحفّز الحركة الجنوبية هو الاستياء الشعبي من النخبة الشمالية الحاكمة، غير أن قيادة الحركة لا تزال تسعى إلى التوحّد حول أجندة متماسكة. إن الائتلاف الحالي من مشايخ القبائل والقادة المدنيين والضباط العسكريين الذين تقاعدوا قبل الأوان متحالف مع سياسيين يساريين سابقين يعيشون في المنفى. وقد وعد الرئيس السابق للجنوب، علي سالم البيض، في كلمة ألقاها في ألمانيا في أيار بـ«قيادة نضال سلمي» من أجل استعادة «الجنوب المحتل». ونفى البيض أنه في صدد العمل على إحياء السياسة التي كانت سائدة في الحرب الباردة، قائلاً: «لست في حزب، ولن أنضم إلى أي حزب، لكن بعد التحرير، قد أرغب في أن أكون مستشاراً».

تأكّدت الطبيعة الجديدة لما ستكون عليه الحركة الانفصالية الجنوبية عندما أعلن المجاهد الأفغاني القديم، طارق الفاضلي، دعمه للنضال الانفصالي. وينتمي الفاضلي لعائلة قيادية في محافظة أبين الجنوبية، خسرت أراضيها خلال برنامج التأميم في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. عاد الفاضلي إلى اليمن بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان وأدّى دوراً أساسياً في الاستقرار، وقد ساعد الرئيس صالح على هزم الاشتراكيين في الحرب الأهلية التي اندلعت في اليمن عام 1994، وعقد العزم على استعادة أرض عائلته في أبين، وظل يعمل مستشاراً مدفوع الأجر لدى وزارة الداخلية.

يؤمّن قطاع النفط في اليمن 90 في المائة من عائدات الصادرات و75 في المائة من عائدات الحكومة. غير أن الإنتاج النفطي في اليمن تجاوز الذروة، ومن المتوقّع أن يتراجع الإنتاج من 460 ألف برميل في اليوم عام 2002 إلى 268 ألف برميل في اليوم سنة 2010. ولّدت صادرات النفط الخام 7.6 ملايين دولار عام 2008، في انعكاس للارتفاع في أسعار النفط العالمية، غير أن التوقّعات تشير إلى أن العائدات ستنخفض إلى 2.8 مليونَي دولار سنة 2009، ويتوقّع البنك الدولي أن تتراجع عائدات الدولة من مبيعات النفط إلى صفر سنة 2017.

تحول الظروف الأمنية السيئة والجيولوجيا غير الواعدة والتساؤلات حول المسار الاجتماعي-الاقتصادي لليمن دون قيام شركات النفط الدولية بتنقيب موسَّع عن حقول نفطية جديدة. في المدى البعيد، لن يعوِّض الدخل المتوقَّع كسبه من مصنع جديد للغاز الطبيعي السائل المقرّر أن يبدأ تصدير إنتاجه من الساحل الجنوبي في وقت لاحق هذا العام، عن عائدات الصادرات النفطية المتضائلة. وقد بدأت هذه الضغوط الاقتصادية تتسبّب بتشنّج سياسي حاد حيت يدرس الوكلاء الرئاسيون (مثل طارق الفاضلي) والشخصيات المعارضة خياراتهم للمستقبل.

في الوقت ذاته، صنّفت السعودية مؤخراً اليمن بأنه يشكّل التهديد الأول لأمنها الداخلي، وذلك عقب دمج تنظيم القاعدة في اليمن بتنظيم القاعدة في السعودية في وقت سابق هذا العام. وفي بيان نُشِر على الإنترنت في أيار، تعهّد زعيم القاعدة في اليمن ناصر الوحيشي بدعم الانفصاليين الجنوبيين قائلاً: «علي عبدالله صالح كافر عميل. لقد آن الأوان أن يحكم الإسلام وتنعموا بعدله وسماحته».

يدعو الرئيس صالح إلى حوار وطني، ويعد بإصلاح الدستور وباللامركزية والتنوّع الاقتصادي. غير أن استعراض المعدات العسكرية خلال عروض يوم الوحدة في أيار احتفالاً بالذكرى التاسعة عشرة للتوحيد، أظهر أن النظام ليس مستعداً للمجازفة باحتمال فشل المحادثات. ويتوقّف مصير الاحتجاج على الوتيرة التي ستسير بها المحادثات، فإما تتفرّق حركة الاحتجاج الجنوبية أو يستمرّ المحتجون في خوض صدامات متفرّقة مع الأجهزة الأمنية أو تشتدّ المواجهة. وإزاء هذه الخلفية يبدو أن الوضع الاقتصادي قد يشهد تدهوراً أكيداً.

زر الذهاب إلى الأعلى