أرشيف

القيادي في تيار المستقبل غربي حسو : غياب مشعل التمو ترك أثرا عميقاً في مسيرة النضال الكوردي في هذه المرحلة الدقيقة

 يحتفل تيار المستقبل الكوردي في سوريا في هذه الأيام ، بمرور أربعة أعوام على تأسيسه ، وذلك في أصعب فترة على الإطلاق في تاريخ سوريا ،  بشكل عام ،  والشعب الكوردي في سوريا ، بشكل خاص، حيث إطلاق يد البطش و الاستبداد ، والزجّ بأصحاب الرأي في غياهب السجون ، ما أدى إلى  امتلاء السجون بالمناضلين ، ومن بينهم مؤسس تيار المستقبل الكوردي المناضل المهندس مشعل التمو.

 ولا يخفى على أحد أن تيار المستقبل، بعد أربعة أعوام من مسيرته،  بات يؤكد حضوره الكردي والسوري على حد سواء ، ولاسيما أن المناضل التمو استطاع أن يقلب محاكمته بتاريخ 11-5-2009 إلى محاكمة للاستبداد ، وفضح لذرائعه ، فكانت مرافعته بهذا إحدى أهم المرافعات التي شهدها القضاء السوري ،كما نزعم ،  ما جعله موطن فخار للجميع على حد سواء .

  أسئلة عديدة تطرح في الساحة الكوردية  عن وضع تيار المستقبل الكردي في سوريا يجيب  عنها مشكورا ً  الأستاذ غربي حسو القيادي في تيار المستقبل الكردي في سوريا   ، يبين خلالها موقف تيار المستقبل الكردي بوضوح من جملة قضايا مهمة، بكل جرأة وموضوعية

أجوبة الأستاذ غربي حسو :

بداية و بمناسبة مرور الذكرى السنوية الرابعة  لتأسيس تيار المستقبل الكوردي في سوريا، أهنىء كل من ساهم (بأسلوب أو بآخر ) في انطلاقة  هذا التيار منذ التأسيس ، و عبر مسيرته و حتى اليوم ، و أخص بالذكر هؤلاء الذين قدموا تضحيات جمة ، سواء بوقوفهم خلف قضبان المستبد ، أو  في الإبعاد القسري عن الوطن …كالسادة: مشعل التمو و خليل حسين و نعسان و عمران السيد، فهؤلاء لهم لمساتهم الخاصة في تاريخ و مستقبل تيار المستقبل الكوردي .

لقد بدأت مسيرة الحركة الكوردية من خمسينيات القرن الماضي  ، ودون الولوج في  حيثيات نشوء الحركة الكوردية في سوريا ، إلا أنها  عانت واقعا مريراً ، من جراء الممارسات الاستبدادية من قبل النظام ، من جهة ، وعدم تبلور حالة الوعي القومي الكوردي حتى يأخذ مساره الصحيح لبناء و تصقيل الشخصية السياسية الكوردية ، من جهة أخرى ، ما فتح الباب على مصراعيه أمام حالات الانشطار التي كانت تتعرض لها عند كل مأزق ، فخلفت حالة فوضى  سياسية كوردية ، و تشرذم مرير ، ألقت بظلالها على كل من الرؤية السياسية و الهدف عبر مسيرتها  النضالية ،  حيث بديا غير واضحين  ، فالتهت الحركة  في الصراعات الجانبية الكوردية – الكوردية ، و خاصة في فترة التسعينات لدرجة أن الصحافة الحزبية لبعض التنظيمات لم تكن تخلى من الاتهامات للأطراف الأخرى ، و بأسلوب تهكمي  حتى ذهب بعضهم لتسمية المرحلة بمرحلة حرب الجرائد .

و نستطيع تاريخياً تجزئ مسيرة الحركة الكوردية ، إذا أخذنا بعين الاعتبار انتفاضة آذار كحد فاصل بين مرحلتين زمنيتين ، وما أفرزته  الانتفاضة من استحقاقات ،  حيث وضعت الحركة الكوردية على المحك ، فإما أن تكون قادرة على تمثيل متطلبات المرحلة أو ….، فكان تشكيل مجموع الأحزاب و التي لم تستمر طويلاً، لأسباب  كانت واضحة للجميع ..

 لكن حالة التشرذم هذه  استمرت على الرغم من تشكيل أطر و تحالفات جديدة ، إلا أنها بقيت هشة ، لأنها لم تستند على استراتيجية محددة ، أو برنامج نضالي واضح .

و بأسلوب آخر، رسمت بعض الدوائر حول الحركة الكوردية عموماً،  لتصدير بعض الأزمات ، من قبل البعض  ،وبات الجميع يدور في الفلك  نفسه، بانتمائه للمركز ، و بهذا يتم  تفريغ حالات الاحتقان التي نتجت من خلال التراكم ، و أخذت تمتلك خاصية التآكل و التفتت الداخلي ، متسمة بسمة سكونية مؤسسة الفرد / الذات ، و التي تعني بكل هوامش الفعل السياسي ، فتصنع منه بديلاً للفعل السياسي ذاته، متشربة بثقافة الإقصاء و تخوين الاتجاه الآخر المختلف ، ممزوجة بنكهة المجتمع القبلي الكوردي ، فاتسعت الهوة بين الجماهير، و الحركة الكوردية  .

  حتى كانت النتيجة  التوالد الذي حدث في الحركة الكوردية في سوريا ، و التي كانت مسنودة إلى خلافات تنظيمية أكثر من أن تكون مستندة على اختلافات في الفكر و الرأي ، فكانت تحمل في طياتها الأمراض و آليات المعالجة و التحليل  نفسه .

ووسط هذه الظروف و التي هي في غاية التعقيد ، كان إنشاء تجمع كوردي سياسي ، و مدني و حضاري من الحاجات الموضوعية يالمقدار نفسه ، التي هي حاجة وطنية ، و حتى يكون  رداً على الطغيان الحزبي و الذاتي على القومي و الوطني ، ويسعى إلى إعادة التوازن بين الجانبين و التي باتت  مرهونة بالتخلص من النزعة الفردية السائدة في معظم الأطر ،  لتتيح الفرصة أمام التجديد المستمر ، و الفكر النقدي الحر ، و قبول ثقافة الاختلاف ، و التعبير فكان تيار المستقبل الكوردي في سوريا و الذي بحكم رؤيته المستقبلية وقواعد ارتكازه الشبابية , التي تختلف في منظومتها المعرفية وقراءتها السياسية المتمايزة عن القراءة الكلاسيكية الراهنة , المستندة إلى متغيرات الوضع الكوردي والسوري والإقليمي والدولي , وبما يستجيب لمتطلبات بناء شخصية قومية كوردية قادرة على التفاعل مع محيطها السوري العام , والكوردي الخاص , بمعنى العمل على توفير حاضنة سياسية وثقافية كوردية , تمارس الديمقراطية الداخلية وتبادل المراكز التنظيمية.

فتعمل على صقل الشخصية السياسية الكوردية ، لها القدر على اتخاذ القرارات المناسبة دون العودة إلى الوصي المتسلط ، بحكم ما هو متاح له من فضاء للحرية و التفكير

كما أن  حاجتنا إلى تجمع وطني حر، تنبع أيضاً من الحاجة إلى خطاب إعلامي وسياسي هادف , يمتلك أداته الإعلامية القادرة على التأثير والتفاعل , وصولا إلى بناء خطاب ثقافي وسياسي يعبر عن الشخصية القومية الكوردية في سوريا , المكتملة الجوانب والمالكة لقابلية التثاقف دون أن تخشى الذوبان , وإنما لأنها تمتلك القدرة على طرح ذاتها القومية والوطنية والدفاع عنها , وتجسيدها واقعياً بشكل خلاق وحضاري .

وربما أكثر ما مثل دفعاً لمسيرة التيار، و أهم  ما استند إليه أن تيار المستقبل نشأ بعيداً عن حالة الانشقاقات التي عانت منها جميع الأطراف في الحركة الكوردية ، كما أن آليات العمل التنظيمي  لديها كانت مختلفة ، فقد اعتمدت على  نظام المكاتب في ممارستها ترسيخا للفكر المؤسساتي مما لها من آفاق ، كما أنها عملت جادة لتوضيح الرؤية و الهدف ، و قد استطاعت المزج بين القضايا القومية و الوطنية ، بتبنيها قضية الديمقراطية كهدف ، و شراكة الشعب الكوردي للدولة السورية كامل الشراكة  بما تحمل من معاني في الحقوق و الواجبات ، لأن الشعب الكوردي شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية ، فهو قومية أساسية في  تركيبة الشعب السوري .

وتيار المستقبل هو تيار ليبرالي معارض ، يتبنى العمل الديمقراطي السلمي في نهجه من أجل التغيير الديمقراطي المنشود للارتقاء بسوريا إلى دولة مدنية تعددية تعاقدية تشاركية ، ذات قضاء مستقل، وتتم فيه قوننة الحياة السياسية و الصحافة الحرة ، و غيرهما من المفاهيم التي تبنى بها المجتمعات المدنية، و قد رأت أن ذلك لا يتم إلا من خلال رفع حالة الطوارئ ، و البدء بتغيير الدستور و طرحه للاستفتاء الجماهيري العام .

إن نشوء تيار المستقبل كان ضرورة ، ليس فقط من الجانب الكوردي، إنما كان ضرورة حتمية حتى في النطاق السوري العام ، باعتبار أن الواقع السوري واقع مترد جدا ، بغياب الفعلي للمؤسسات و اختزالها جميعاً في مؤسسة وحيدة و هي المؤسسة الأمنية، والتي فقدت جميع وظائفها إلا القمع بأشكاله المتعددة .

ففي هذه الحالة، لابد من  العمل الجاد لتحريك الشارع السوري ، و الاستنهاض به لمعرفة قيمته الإنسانية قبل كل شيء، و الدفاع عن هذه القيمة بما يلائم الإنسان السوري ،بتكثيف جهود المعارضة ، و التنسيق التام بين أطيافه و الذي يشكل قلقاً حقيقياً لدى هذا النظام الذي لا يملك أية إمكانية للتغير،  ولو كان طفيفاً ، لذلك لا نرى أية جدوى من اللقاءات و التحاور معه ، فمنذ  سيطرة حزب البعث على الدولة والمجتمع , وصيرورة القمع العاري والمقنع هي الناظم والمحدد لسوية العمل السياسي والجماهيري , وبالتالي أدى احتكار البشر والحجر إلى تمجيد الذات الواحدة  ، دون  قبول الآخر المختلف معه مهما كانت طبيعته ، وهو دليل واضح على معاداة النظام ما هو كردي و ديمقراطي ، و عليه تأتي حالا ت القمع المتزايد ، و ترهيب الشعب الكوردي ، و إعادة رسم حدود الخوف التي تكسرت مع انتفاضة آذار ،بالإضافة إلى ما تفتقده بلادنا سورية في ظل المأزق البنيوي القائم للاستبداد، واستحالة الخروج منه بالرغم من بعض الانفراجات الحذرة على الصعيد الخارجي، والحديث عن السلام مع إسرائيل ، مما يفرض تحولات مهمة على صعيد الداخل السوري ، تهابه السلطة نفسها، وفي هذا السياق نقرأ جملة الممارسات القمعية والعنفية التي تقوم بها السلطة حيال مجمل الحراك السوري،  لأنها تريد انفتاحاً تحت السيطرة، وبما أن الكتلة الكوردية هي الوحيدة القادرة على القيام بأفعال ميدانية،  وهي المرشحة لقيادة الفعل المعارض من موقعها المناهض لممارسات الاستبداد  والتمييز العنصري ، ولها مصلحة حقيقية  في تحقيق الديمقراطية ، لذلك تحاول السلطة إرهاب المجتمع الكوردي ، وتطويعه بحيث يصبح بعيداً عن كل ما من شـأنه أن يشكل خطراً على وجود الاستبداد .

من هنا ،كانت حملة الاعتقالات ، بما فيها التي طالت قيادات الصف الأول من الحركة الكوردية ، و كان هذا الحكم الجائر بحق  المعارض مشعل التمو  الناطق الرسمي باسم التيار المستقبل الكوردي في سوريا ،وكان الهدف الأساسي منه إرهاب المجتمع وزرع الخوف والرعب في كل مكان ، ورفض الآخر أيا يكون شكله أو دينه أو جنسيته، لأن النظام لم يعرف على مدى عمره سوى ثقافة الحزب الواحد والقائد الضرورة، رغم كل الاتفاقات والعهود المتعلقة بالإنسان وحقوقه والتي وقعت عليه سوريا .

 

لا شك أن غياب الأستاذ مشعل التمو الناطق الرسمي للتيار صاحب الخبرة والتجربة السياسية وما امتلكه من صفات شخصية ، قد ترك أثرا عميقاً في مسيرة النضال الكوردي في هذه المرحلة الدقيقة التي كشرت فيها السلطة الاستبدادية عن أنيابها، وبدأت تنهش في جسد المجتمع الكوردي الأعزل، الأمر الذي تجلى في جملة المشاريع العنصرية والقرارات الانتقامية التي صدرت ، والذي عبر عنه المرسوم الرئاسي 49 أبلغ تعبير، بالإضافة إلى وثيقة محمد السطام الصدامية، التي ذكرتنا بعمليات الأنفال والإبادة الجماعية، ويبدو أن السلطة الحاكمة قد فسرت الانفتاح الأمريكي والغربي الأخير، خاصة بعد مجيء الرئيس أوباما، على انه خروج من عنق الزجاجة، وانتفاء التهديد الذي كان يتعرض له النظام ككل سابقاً ،وهذا ما صرح به رأس النظام لمراسل الجزيرة يوسف الشريف والمنشور في جريدة الحياة يوم 25/5/2009 لجهة تعرض أمن النظام للخطر من قبل الغرب مابين 2004-  2008  وهو ما يفسر حملة الاعتقالات التي طالت مختلف الطيف المعارض أما أسباب تخصيص الكورد بالقسط الأكبر منه ،فبرأينا يعود إلى سببين :

 الأول يتمثل بحجم وتنظيم الكتلة الكوردية وتوزعها على امتداد الوطن، والثاني انتقال عدد من القوى الكوردية إلى الموقع المعارض للنظام ، ومحاولاتها لإنهاء احتكار البعث للدولة والمجتمع، وإعادة صياغة دستور جديد قائم على أساس الاعتراف بالآخر، وضمان حقوقه الديمقراطية والقومية والانتقال بسورية من دولة الحزب الواحد والشخص الواحد إلى دولة المؤسسات ، دولة "الكل الاجتماعي" ، دولة مدنية تشاركية ، قائمة على أساس الفصل التام للسلطات وضمان حرية الرأي والتعبير والانتقاد وهو ماد فع بالسلطة إلى إعادة صياغة موقفها من الكتلة الكوردية،  لتكون تحت السيطرة والضبط خاصة وأن ملف المفاوضات السورية الإسرائيلية قد أصبح قاب قوسين أو أدني .

وفيما يتعلق بتيار المستقبل الكوردي ، فقد استطاع أن يلملم جراحه ويتصدى للهجمة الأمنية الشرسة التي تعرض لها ، ونظراً لسيادة العمل المؤسساتي والروح الجماعية في العمل وإخلاص العديد من قياداته للمبادئ النبيلة التي آمنوا بها ، استطاعوا تحويل الضعف إلى قوة  والاستفادة من حالة اعتقال الأستاذ مشعل محولين محاكمته إلى محاكمة للجلاد السوري الذي امتهن القمع والاعتقال وتصفية الخصوم ، وبدا التيار قوياً أكثر من ذي قبل، محافظاً على خطابه وخطه السياسي المتجذر بالرغم من الضغوط التي تعرض لها  ، وما زال ، من قبل السلطة، وبعض الأحزاب الكوردية التي امتهنت التشهير وصناعة المؤامرات والاصطياد في المياه العكرة

وفي الختام ، أتوجه بالتحية إلى كل المناضلين القابعين رغماً عن أنوفهم  في سجون الاستبداد ، وإلى الذين حاولوا ومازالوا يحاولون فتح ولو ثقب صغير في جدار الاستبداد،  وانتهز الفرصة لأناشد من موقعكم المميز كافة فصائل الحركة الكوردية والديمقراطية لنبذ الخلافات، والاتفاق على ضرورة إجراء تغيير ديمقراطي في البلد من شأنه أن يعيد الاعتبار للمواطن وحقوقه، وينهي عسف الاستبداد وفظاعته، لأن الكل يعيش مرارة اللحظة وقسوتها .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى