أرشيف

(سالمين) الرئيس الذي لبس مما يلبس شعبه وأكل مما يأكل

سالم ربيع علي (1389هـ/1978م) : هو سالم رُبيِّع علي المعروف بسالمين وجده الأكبر هو الشيخ فرج بن محمد سالم آل الفقير مفتي ديار السلطنة الفضلية ومن علماء الدين واللغة المتنورين في البلاد، وعلى اطلاع واسع بمؤلفات رجال الفكر بصورة عامة، وله مراسلات ومساجلات في الفقه والأدب مع عدد من شيوخ حضرموت في عصره.. ولد في قرية "المحل" مدينة زنجبار – أبين، استطاع استكمال المرحلة الابتدائية ثم المرحلة المتوسطة في عام (1375هـ/1956م).. انخرط في بداية حياته العملية في سلك التدريس بالسلطنة الفضلية ثم غادر إلى حضرموت ودرس هناك الشريعة الإسلامية وتخرج حاكماً شرعياً وبعد فترة وجيزة عُين أمين مال السلطنة إبان حكم السلطان أحمد بن عبد الله الفضلي،وقد قال عنه طارق الفضلي في مقابلته الاخيرة مع (حديث المدينة) انه كان وفيا ولم يحب العنف والانتقام بل خيّر والدة طارق بالعيش في أي مكان وتحمل نفقاتهم ورعايتهم فاختارت السفر بعد زوجها الى بيروت كما عمل على تسهيل سفر بقية الاسرة ومنهم طارق الفضلي نفسه انتسب إلى حركة القوميين العرب عام (1387هـ/1959م). وساعدته شخصيته القوية ومعارفه الثقافية والسياسية في التأثير على الآخرين وامتلاك ناصية قيادة العمل التنظيمي السياسي والجماهيري.

< كانت حياة الرئيس سالم ربيع علي "الشهير بسالمين" تملأ السمع والبصر، استطاع خلال عشر سنوات أن يحكم جنوب الوطن بحنكة قوية، وصارت أنظار الناس تتجه إليه، حيث كان صاحب القرار في قمة السلطة، وبحسب من عايشوه فقد سحب البساط السياسي من تحت أقدام أقرانه، بسبب شخصيته القوية التي فرضت على زملائه في مواقع السلطة، الوقار والهيبة ..صعد سالمين الى كرسي الرئاسة إثر حركة انقلاب بدا سلمياً على رجل الدولة قحطان الشعبي، ورجل التنظيم فيصل عبد اللطيف في 22 يونيو 1969..

وبفضل الكثير من الجهود التي قام بها في ذلك الوقت لإقناع الآخرين.. تمكن من تأسيس وقيادة "نادي الكوكب الرياضي الثقافي" الذي كان في واقع الحال عبارة عن واجهة علنية لنشاط حركة القوميين العرب في المنطقة. قاد حركة الأدب والفن والصحافة التنظيمية والسياسية في المنطقة حيث قام هو وناصرصَدَّح ومحمد محسن عطروش وسالم أحمد عميران وعبد الله مولى الدويلة وعبد الرحمن هشهوش وإبراهيم عمر شيخ بجهود كبيرة لإشهار الندوة الموسيقية وإصدار صحيفة "الأمل" ونشرة "الوعي".

في النصف الثاني من عام (1383هـ/1963م) توجه مع مجموعة من أعضاء حركة القوميين العرب إلى تعز. وذلك للتدريب العسكري والسياسي على العمل من أجل الدفاع عن ثورة سبتمبر، وبعد الانتهاء من الدورة التدريبية رأت قيادة الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل الاستفادة من سالم ربيع علي وعلي وناصر علي صّدَّح في النشاط القيادي المركزي في الخارج. عاصر حوارات ومحادثات الدمج بين جبهتي التحرير والقومية وعقب إعلان الدمج في 13 يناير عام 1966م/21 رمضان 1385هـ، اقتضت الضرورة تواجده في جبهة عدن لشد وتيرة العمل الفدائي وتطوير وتوسيع العمليات العسكرية الفدائية وأطلق عليه اسمه الحركي "سالمين" الذي اشتهر به فيما بعد طوال حياته السياسية.

حضر جميع مؤتمرات الجبهة القومية وفي المؤتمر الثالث الذي عقد في حُمر ناحية قعطبة في الفترة من 29 نوفمبر إلى 3 ديسمبر 1966م/16 – 20 شعبان 1386هـ. انتخب عضواً في القيادة العامة.. وكلف بإعادة تنظيم جبهة ردفان ثم قاد في 20 يونيو عام 1967م العمليات المشتركة لفدائيي الجبهة القومية وجبهة التحرير وحركة الضباط الأحرار في الجيش والأمن العام، حيث تم تحرير حي كريتر بعدن بعد 16 يوماً ويسجل تاريخ الأمة العربية المعاصرة أن هذا الحدث يعد أول رد فعل إيجابي على أحداث نكسة 5 يونيو 1967م.

قاد حملات سقوط سلطنات وولايات ومشيخات ما كان يسمى بحكومة "الاتحاد العربي" وأثناء ذلك قام بتشكيل الحرس الشعبي الذي مثل نواة تنظيم المليشيات التابعة للجبهة القومية في منطقة "القرو" إلى الشمال من مدينة زنجبار – أبين.

أعيد انتخابه في القوام التنظيمي الأساسي للجبهة القومية في المؤتمر العام الرابع المنعقد في الفترة من 2 – 8 مارس عام 1968م، بمدينة زنجبار – أبين.

خلال أحداث حركتي 20 مارس و15 مايو من ذات العام قاد حركة الدفاع عن بقاء أغلبية القيادة العامة والقيادات الوسطية وقواعد الجبهة القومية ثم ترأس حوار التفاهم والمصالحة مع فيصل عبد اللطيف ومحمد علي هيثم وعبد الباري قاسم من أجل رأب الصدع في الجبهة القومية على أساس الأخذ ببرنامج استكمال مرحلة التحرر الوطني، وهكذا تم التئام قيادات الجبهة القومية السياسية والعسكرية.

صبيحة 22 يونيو 1969م انتخب سالم ربيع علي رئيساً لمجلس الرئاسة المكون من عضوية كل من عبد الفتاح إسماعيل ومحمد علي هيثم ومحمد صالح عولقي والأخ علي أحمد ناصر عنتر.

وفي المؤتمر العام الخامس للجبهة القومية الذي انعقد في الفترة من 2 – 6 مارس عام 1972م، تم انتخاب سالم ربيع علي أميناً عاماً مساعداً للتنظيم السياسي للجبهة القومية.

تصدر خلال فترة وجوده في رئاسة الدولة والأمانة العامة للجبهة القومية تطورات الأحداث فيما يخص جنوب اليمن فقد قدم المشاركة الفعلية الوحيدة لليمن في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي حين أغلق باب المندب لتضطر امريكا لمد جسر جوي من الطائرات لفك الاختناق على اسرائيل في حرب اكتوبر 73م والغريب ان كتب التاريخ والوطنية في المناهج الدراسية تتعمد طمس أو تجاهل هذه العلامة الفارقة في مواقف اليمن والتي صار تكرارها اليوم مستحيلا.

حين أعلن الحداد وألغى الاحتفالات

وفي رئاسة سالمين بدأ أولى الخطوات لتحقيق حلمه في اتفاقية الوحدة عام 72م في ليبيا وكلها بلقاء قعطبة التاريخي لكنه فوجئ باغتيال الحمدي فأعلن الحداد في عموم الجنوب وألغى الاحتفال بذكرى اكتوبر التي كانت موعدا لاعلان الوحدة..حتى صبيحة أحداث 25 و26 من يونيو عام 1978م التي أودت بحياته وحياة عدد من رفاقه ومعاونيه.

كان سالم ربيع علي، ابن الصياد البسيط المنحدر من محافظة أبين، وطنياً منذ نعومة أظفاره، فأدرك مبكراً أن من واجبه أن يقود بلاده نحو الاستقلال، وترسخ في وعيه أن خلاص اليمن لن يتم إلا بطرد المستعمرين، كان يحلم بيوم الاستقلال.

كانت اليمن تبدو في منتصف الخمسينات وكأنها مصابة بنوع من الموت المدني، منهكة من تاريخها الأطول في التاريخ، ومكبلة بدسائس القوى الاستعمارية، وتغط في نوم شعبها العميق الذي كان مبعداً عن مسئولياته.

وكانت بريطانيا قد فرضت عليها احتلالاً بغيضاً، ولأن الاحتلال يلعب دوره في ولادة الثورات، كانت هناك في أعماق اليمن ترتسم ملامح ثورة شعبية، ستعرف في بداية الستينات باسم "الجبهة القومية". التي ستحرك لمدة 4 سنوات جسد اليمن المثقل.

ففي الوقت الذي كان غالب بن راجح لبوزة، يعد للانتفاضة، كان "سالمين" ورفاقه يمهدون لتفجير ثورة 14 أكتوبر 1963م.

لقد ظلت مواقف و بطولات "سالمين" حاضرة في الذاكرة الشعبية لسنوات خلت، وسنوات قادمات، فقد كان طرازا فريدا من الزعامات الأسطورية التي عشقها الناس وتعلقوا بها ومنحوها حبهم وتأييدهم..

كان "سالمين" يتمتع بنزوع إنساني طاغٍ في حياته، فالرجل لم يحكم وهو قاعد على كرسي الحكم، ولكنه كان حاضراً بين الفئات الشعبية.. يعيش بينهم ويلبس ملبسهم ويأكل نفس ما يأكلون ويشاطرهم همومهم وأحلامهم وتطلعاتهم.

ومن صفات الرئيس "سالمين" أنه في المجالس التي تجمعه وسواه من الناس، يميل إلى الاستماع أكثر من الكلام، وهذه ظاهرة لا يتصف بها إلا النادر من الزعماء..

وعندما أعود إلى تلك الفترة بعد ثلاثة عقود؛ أتبين فيها أشياء، وأدرك معاني كانت خافية علي أو لعلها طمرتها السنوات في نفسي، على أني أكاد استعيد الانطباع الأول بحذافيره الذي خرجت به من وآراء بعض الناس، وفي هذا الصدد أتذكر وأنا لم أزل حينها مدرساً في طور الباحة مدرسة سالمين لأبناء البدو الرحل وهي واحدة من المدارس الكثيرة في أرجاء البلاد، حيث كان سالمين يولي أبناء البدو الرحل أهمية عظيمة وبدون مقدمات حضر في زيارة خاصة غير معلنة إلى المدرسة ولم يكن بمعيته سوى ثلاثة أشخاص أحدهم حارسه الشخصي الجميع قدموا بسيارة واحدة.

وحين دلف إلى ساحة المدرسة ألتم الطلاب والمدرسين وكانت الهتافات تعلو مرددة سالمين.. سالمين… كان سالمين حريصاً أن يلتقي بالجميع مدرسين وطلاب.. في اللقاء تحدث الطلاب عن قضاياهم ومشاكلهم ثم استمع سالمين إلى آراء ومقترحات المدرسين..

ومن صفاته أنه إذا وعد وفى، وإذا قال صدق وكان ذلك ما حدث إذ لم يمر سوى أسبوع واحد وإذا بكل المشاكل التي كانت المدرسة تشكو منها كانت الحلول تتحقق الواحدة تلو الأخرى..

وعندما أعود إليها مرة أخرى أكاد أقف عند هاتين الصورتين، ولكن أحس معنى جديداً للوقوف عندهما. وهما أن "سالمين" كان غالباً يترك كرسي الحكم، ويتنقل بمفرده في الشوارع، ولاسيما في ساعات الليل، يتحسس مشاكل الناس ويتفقد أحوالهم، ويلتقي بهم وجهاً لوجه، حتى غدت الذاكرة الشعبية تردد بإعجاب أسلوبه المميز والفريد في الحكم وطريقته في حل مشاكل الناس، وعدم الاكتفاء بالتقارير التي تصله ووجهات النظر التي تنقل إليه، كان شديد الحرص على الوقوف بنفسه والاطلاع بمفرده بما يجري في البلاد.

مطعم سالمين للأكلات الشعبية

ومن ميزاته تلك أنه كان لا يعبأ بالبروتوكولات الرسمية، فقد طبع حياته بطابع البساطة، فكان الناس وتحديداً من تصعب عليه حل قضية يذهب إلى أحد المطاعم الشعبية الذي سمي باسمه في مدينة التواهي حيث اشتهر سالمين بتناول وجبة العشاء في هذا المطعم الشعبي، الذي يقدم الأسماك والدجاج..

كان الناس ينتظرون مقدمه، وما أن يفرغ سالمين من تناول وجبة العشاء تعرض عليه القضايا شفاهة أو مكتوبة ولم يحدث أن تجرأت الحراسة بمنع أي مواطن من مقابلة الرئيس، بل كانوا يفسحون المجال للمواطنين لقول كل ما يريدونه.

حادثة حصلت في مدينة التواهي، ووصلت أصداؤها إلى كل الأرجاء فهزتني بعنف وبشكل غير مقصود ومفاجئ وتتعلق تلك الحادثة بقيادي كبير في الدولة الأخ علي صالح عباد مقبل الذي كانت تربطه بسالمين علاقات متينة، ما هي الحادثة؟ فقد كانت حول طفلة المناضل مقبل، حيث تعرضت لحادث مروري مؤلم أودى بحياتها كما أعتقد من قبل سائق متهور كان يقود سيارته بسرعة جنونية..

وأثناء تجمع الناس في محاولة لإنقاذ الطفلة، فجأة حضر "سالمين" إلى موقع الحادث ماسكاً بيد مقبل يسأله باهتمام بالغ عن ما حدث..

هذا الحادث بحد ذاته يبين الجانب الإنساني الطاغي في حياة الرئيس سالمين..

كان المشهد بحق مؤثراً إلى أبعد حد.. وكان في نظر بسطاء الناس موضع فخر واعتزاز وتساؤل.. غير مصدقين أن رئيس الدولة يحضر بمفرده في موقف كهذا.

زر الذهاب إلى الأعلى