تحليلات

هل سيستجيب الرئيس بوتين لحُزمة المطالب التي يَحمِلها بينيت وأبرزها استِمرار الغارات على سوريا ومُواجهة شَرِسَة للبرنامج النووي الإيراني؟

يمنات

عبد الباري عطوان

يَشَدّ نفتالي بينيت رئيس وزراء دولة الاحتِلال الإسرائيلي الرّحال غدًا الجمعة إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين للمرّة الأولى مُنذ تولّيه منصبه قبل ثلاث أشهر، والإطاحة بسلفه بنيامين نتنياهو الذي يرتبط بعُلاقة صداقة شخصيّة قويّة مع الزعيم الروسي.

الرئيس بوتين حاول إنجاح “صديقه” نتنياهو في حملته الانتخابيّة الأخيرة للبقاء في السّلطة، عندما استقبله في موسكو وظهر معه في أكثر من لقطة تعكس هذه الصّداقة المُتميّزة، قبل أيّام من موعد الاقتراع، وقدّم له هديّة قيّمة عندما ساعدت جُهوده في العُثور على رُفات الجُندي الإسرائيلي زكريا بوميل الذي قُتِل في حرب عام 1982، ودُفِن في مَكانٍ “مجهول” في الأرض السوريّة، ليُعاد دفنه وسط ضجّة إعلاميّة في مقبرة بتل أبيب، والأهم من كُل ذلك، أنّ الرئيس الروسي أطلق يد نتنياهو لمُواصلة وتكثيف الغارات الإسرائيليّة على أهدافٍ عسكريّة إيرانيّة وسُوريّة في سورية.

***

الأمر المُؤكّد أن بينيت إلى جانب رغبته في التّعارف الشّخصي بالرئيس بوتين، يحمل معه قائمة من المطالب يُمكِن تلخيصها كالتّالي:

  • أوّلاً: تبنّي موسكو المساعي الإسرائيليّة شِبه اليائسة في إخراج القوّات الإيرانيّة وحُلفائها من الأراضي السوريّة، ومُواصلة السّياسة الروسيّة في عدم تقديم منظومات دفاعيّة روسيّة تُمكّن الجيش العربي السوري من إسقاط الطّائرات الإسرائيليّة المُغيرة، وخاصَّةً صواريخ “إس 300″ و”إس 400”.
  • ثانيًا: دعم الجُهود الإسرائيليّة والأمريكيّة لمنع إيران من تطوير برنامجها وبما يُمكّنها من امتِلاك أسلحة نوويّة، ومُمارسة ضُغوط على طِهران في هذا المِضمار في أيّ استِئناف لمُفاوضات فيينا لإعادة إحياء الاتّفاق النووي.
  • ثالثًا: الحُصول على ترخيص روسي يُمكّن إسرائيل من إنتاج لقاح “سبوتنيك” لمُكافحة فيروس الكورونا، وهو لقاحٌ أثبت فعاليّته وحصل على اعترافٍ دوليٍّ لكفاءته وتفوّقه على لقاحاتٍ غربيّةٍ أُخرى.
  • رابعًا: تشجيع السّياحة الروسيّة إلى فِلسطين المُحتلّة، ودعم التّطبيع ومُمارسة ضُغوط على حُكومات عربيّة للانخِراط في منظومات ما يُسمّى بـ”سلام إبراهام”.

هُناك تطوّران رئيسيّان يُمكن أن يَنعَكِسَا بشَكلٍ سلبيّ على هذه الزّيارة، والأهداف التي يتطلّع صاحبها لتحقيقها، الأوّل: إقدام المُخابرات الإسرائيليّة على اغتِيال المُناضل مدحت صالح ابن الجولان، والأسير المُحرّر في قلب العاصمة السوريّة الأسبوع الماضي، واتّهامه بالسّير على درب الشهيد سمير قنطار بتأسيس حركة مُقاومة في أوساط أهالي الهضبة المُحتلّة، والثّاني: رد محور المُقاومة القويّ على العُدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر، وقتل أكثر من أربعين شهيدًا سُوريًّا وإيرانيًّا بصواريخ طائرات “إف 16” الإسرائيليّة المُغيرة، التي اخترقت الأجواء السوريّة، انطِلاقًا من القاعدة الأمريكيّة المذكورة.

هذا الاختِراق الإسرائيلي أثار غضب السلطات السوريّة والحليف الإيراني معًا، تُجاه الصّديق والحليف الروسي الذي لم يُنفّذ تعهّداته بالسّماح للدّفاعات الجويّة السوريّة، باستِخدام صواريخ “إس 300” لإسقاط أيّ طائرة إسرائيليّة تخترق الأجواء السوريّة، وبرّر مُتحدّث روسي هذا الموقف، بأنّ طائرات مدنيّة كانت تُحلّق في أجواء مدينة تدمر حالت دُون إعطاء الضّوء الأخضر للتصدّي لهذه الطّائرات المُغيرة.

المعلومات المُتوفّرَة لدينا تفيد بوجود حالة من الإحباط والاستياء في أوساط القِيادتين العسكريّة السياسيّة السوريّة تُجاه هذا “النّكوص” من الحليف الروسي، وربّما كان هذا الإحباط هو أحد الدّوافع وراء الانتِقام السوري الإيراني بقصف قاعدة التنف العسكريّة الأمريكيّة مساء يوم أمس الأربعاء.

لا نعرف كيف سيَرُد الرئيس بوتين على هذه الغارات الاستفزازيّة الإسرائيليّة التي من المُفتَرض أن تكون مُحرِجَةً له ولحُكومته أمام الحليفين السوري والإيراني، والرأي العام في دول محور المُقاومة، لكنّ هُناك تسريبات ومُؤشّرات “غير مُؤكّدة” تقول بأنّ الرئيس الروسي ربّما يُوَجِّه إنْدارًا قويًّا إلى ضيفه الإسرائيلي بأنّ الرّد على أيّ غارات إسرائيليّة مُستَقبليّة سيكون مُختلفًا.

***

نُدرِك جيّدًا في هذه الصّحيفة أنّ هُناك مصالح قويّة لروسيا في الدولة العبريّة، أبرزها وجود ما يَقرُب من مِليون “إسرائيلي” من أُصولٍ روسيّة يدعمهم لوبي يهوديّ قويّ في روسيا يضم العديد من الأثرياء ورجال الاعمال الأقوياء، وبعض المُتنفّذين في هذا اللوبي يرتبط بعُلاقات قويّة مع الرئيس بوتين، ولكن هذا لا يعني أن تأتي هذه المصالح أو مُعظمها على حِساب أمن سورية واستِقرارها وسِيادتها الوطنيّة.

لا نُجادِل مُطلقًا في الحقيقة الثّابتة، والمُوثّقة، التي تقول بأنّ تلبية الرئيس بوتين للنّداء السوري، وإرساله قوّات ومعدّات عسكريّة إلى سورية قاتلت ببُطولةٍ لاستعادة السّيادة السوريّة على مُعظم المناطق التي كانت تحت  سيطرة المُسلّحين المُصنّفين إرهابيًّا والمدعومين أمريكيًّا وعربيًّا، وخسرت العديد من الضبّاط والجُنود في المعارك خاصَّةً في معارك حلب وحمص بل وريف دمشق أيضًا، أيّ أنّ الدّعم الروسي العسكري والسياسي والاقتصادي، هو الذي لعب دورًا جوهريًّا في إفشال مُؤامرة إسقاط النظام، وتفتيت الأرض السوريّة، ونشر الفوضى الدمويّة في رُبوع البِلاد، ولكن ليس كثيرًا أو مُحَرَّمًا مُطالبة السوريين للحليف الروسي بإكمال جميله، ووقف هذه الاعتِداءات الإسرائيليّة سواءً بشَكلٍ مُباشر، أو عبر تزويد الجيش العربي السوري بمنظومات الصّواريخ القادرة على وضع حَدٍّ لهذه العربدة الإسرائيليّة.

زيارة بينيت لروسيا، ولقاء القمّة الذي سيجمعه مع الرئيس بوتين في مُنتجع سوتشي غدًا، والنّتائج التي ستترتّب عليه، ربّما تَعكِس تغييرًا جوهريًّا في الموقف الروسي تُجاه الاعتِداءات الإسرائيليّة التي اخترقت كُلّ الخُطوط الحمراء، وحان الوقت أن تتوقّف.. واللُه أعلم.

المصدر: رأي اليوم

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى