أرشيف

سائقي سمع الطلقات في بيت “الغشمي” بعد أن أوصله بلحظات

تكشف شقيقة الرئيس اليمني الراحل إبراهيم الحمدي تفاصيل جديدة عن حادثة مقتله، مشيرة إلى أن سائقها اوصل الرئيس لبيت أحمد الغشمي، وبعد ابتعاده مع السيارة بقليل سمع إطلاق نار، ولم يكن يتوقع أن الرصاص كان في صدر الرئيس الحمدي.

 إبراهيم الحمدي.. لا زال هذا الاسم يرسم الدمعة في مآقي اليمنيين كلما ذكر، برغم مرور 33 وثلاثين عاما على رحيله بطريقة بشعة. ثلاثة أعوام وأربعة أشهر ويومان أمضاها الراحل رئيسا لليمن قبل أن يذهب لدعوة غداء كان الغداء الأخير له ولشقيقه القيادي العسكري عبدالله.

إيلاف تعيد البحث في التفاصيل، وبرغم أن التفاصيل متداولة وغير مؤكدة من أي طرف من الأطراف لكن شقيقة الراحل تحدثت لنا لتكشف معلومة تحسم بعض الشك في مسألة مكان الاغتيال حيث تم فبركة الحادثة حينها وتم تلبيس الراحل تهمة الاختلاء بفرنسيتين جلبتا خصيصا للحادثة، وظهر الحادث أنه كان لغرض أخلاقي وأنه تم قتل الرئيس وشقيقه بجوار الفرنسيتين التين كانتا مقتولتين أيضا.

تروي "صفية الحمدي" الشقيقة الأكبر للرئيس الراحل تفاصيل الحادثة لـ إيلاف حيث التقت أخاها الرئيس في منزله وهي قادمة من قريتهما "ثلا"-30 كيلومترا غرب العاصمة- بعد عودته من دوامه الرسمي.

تقول صفية: "وجدته عائدا من العمل وقال لي، أهلا أختي، متى جيت، قلت له الآن وصلت، ودار حديث عادي بيننا وقال إنه سيذهب لدعوة  غداء عند الغشمي، برغم أنه كان يريد الغداء في بيته، لكن اتصلوا به وأصروا أن يحضر، قال لهم إنه تعبان ومرهق، وقدمنا له بطاط مع "السحاوق"-طماطم مسحوق مع الفلفل والبهارات-  وكان قد بدأ يأكل البطاط وكان يحبها، وبعد قليل كنا سنقدم له الغداء، وكان معه شخص اسمه احمد عبده سعيد كان سيتغدى معه، وهو شخص قد توفي..

ابراهيم الحمدي

وكان يقول لهم ما فيش سيارة وبعدها رأى السيارة التي أتت بي من القرية، وقال لهم خلاص سيارة "أم عادل" موجودة، وهذا الموقف لازال يحز في نفسي، كانت السيارة لم يمض على شرائنا لها سوى أيام من واحد جارنا في "ثلا".

تتابع: كنت أرغب بالجلوس معه لكنهم أصروا، وكان لم يمض على زيارته لي في القرية سوى 4 أيام، وقال لي خلاص انتظريني سأتغدى عند الغشمي وأرجع سريع، وشفته آخر مرة من نافذة المطبخ".

وتضيف صفية: "انتظرت إلى الساعة الرابعة عصرا، ولم يعد، فغادرت منزله وعدت إلى القرية، وسمعت مثل الناس الفاجعة بأنهم اغتالوه هو وأخي عبدالله".

"عرفنا فيما بعد إن عبدالله استدعوه إنه في سيارات جاءت هدايا وسنوزعها للوحدات العسكرية تعال استلم نصيب وحدتك، وتم التمويه على الاثنين لأنه عبدالله لا يحضر مكان فيه إبراهيم وكذلك إبراهيم نفس الشيء.

أما ابراهيم قالوا له تعال نتباحث حول مسألة المفاوضات على الوحدة وهو كان مسافر اليوم الثاني إلى عدن، وقالوا له إن عبدالعزيز عبدالغني موجود -حاليا رئيس مجلس الشورى وحينها كان عضو مجلس القيادة.

 

قتل في منزل الغشمي

   وعلى عكس ماتم تلفيقه حينها تنقل شقيقة الراحل معلومة هامة، وهي إن "السائق الذي أوصل الرئيس الحمدي "قال لنا إن أحمد حسين الغشمي هو اللي استقبله في الباب وسلم عليه وأدخله، وبعد ابتعاده مع السيارة بقليل سمع إطلاق نار، قال إنه لم يبتعد كثيرا وقد سمع إطلاق النار ولم يكن يتوقع أن الرصاص كان في صدر الرئيس الحمدي".

وأضافت: "السائق كان هو السائق عندي، وأكد لي ذلك لكنه لم يكن يتوقع أن يكون إطلاق النار على الرئيس".

هنا انتهت حكاية الرئيس الذي حلم بأن يبحث اليمني "عن كوامن القدرة في أعماقنا وسنجدها لأننا شعب كريم عظيم" كما أوردت خواطر بخط يده، وأن "كل مواطن هو أخي وحبيبي، وسعادتي أن أراه حرا سعيدا، إنسانا منتجا قادرا وليس عالة على أحد، ولا يطلب الاستجداء من أحد".

ولد الحمدي في منطقة حدودية بين الشمال والجنوب اسمها قعطبة حيث كان والده قاضيا هناك أثناء فترة حكم الإمام يحي بن حميد الدين، في العام 1943 حفظ القرآن الكريم وتعلم القضاء على يد والده في سن مبكرة.

ارتبط بوالده كثيرا وساعده في أعمال القضاء في عدة مناطق من اليمن حتى بعد قيام ثورة 1962 ودرس في الكلية الحربية وأصبح في عهد الرئيس عبدالله السلال وهو أول رئيس للجمهورية بعد الإطاحة بالملكية أصبح قائداً لقوات الصاعقة، ثم مسؤولاً عن المقاطعات الغربية والشرقية والوسطى.

وفي العام 1972 أصبح نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية، ثم عين في منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة، وفي 13 يونيو 1974، قام بانقلاب عسكري أبيض أطاح بالقاضي عبدالرحمن الارياني في حركة أسميت حركة الـ 13 يونيو التصحيحية.

قام الحمدي بتوديع الرئيس الإرياني رسميا في مطار تعز مغادرا إلى دمشق المدينة التي اختارها للإقامة مع أفراد عائلته.

القبيلة والتحديث

كان أبرز خطوط النار التي اقترب منها كثيرا هو الحد من سلطة المشائخ القبليين ونفوذهم وأقصى عدد منهم من المناصب العليا في الجيش والدولة.

كان رجلا بسيطا ولا يحب المظاهر واكتفى بالعيش في بيته المتواضع وسط العاصمة متنقلا بينها وبين قريته واصطحب سيارة فيها أربعة حراس كانت هي كل موكبه وكان يستغني عنهم في أوقات كثيرة كما روت شقيقته.

بدأ الحركة الأبرز في حياة اليمنيين وهي إنشاء "الاتحادات التعاونية" التي كانت عبارة عن مجالس محلية تكفلت بشق الطرقات وإنشاء المدارس في حركة دؤوبة هي الأولى من نوعها، وتقبلها الناس بحب.

الحمدي

وجدت هيبة الدولة بقوة، أو بالأصح "هيبة الحمدي" في كل أرجاء البلاد وبدأ يسعى للتوسع في علاقاته من خلال الخطوات الأولى لإقامة الوحدة اليمنية والتقى الرئيس الجنوبي سالم ربيع علي الذي قتل بعده في الجنوب بأيام.

وعلى المستوى الدولي اعتبر مؤتمر الدول المطلة على البحر الأحمر الذي طرح فكرته مزعجا لبعض الأطراف الدولية.

عاش اليمنيين أثناء فترة الحمدي أفضل سنوات عهد الجمهورية كما يجمع الشارع، حيث لمس الناس نوعا من العدالة وحداثة التفكير في ظل  شعور بعدالة لأول مرة تعرفها اليمن.

ما يؤخذ على الحمدي أنه كان معاديا لطبقة المشائخ القبليين على اعتبار أنهم أداة تؤخر النمو والتحديث، وأداة مصالح فردية كما كان يرى، في حين كان مشروعه أن قادة البلد "خدام للبلد، وليسوا سادة عليه" كما كان يقول.

الملف لازال مغلقا

أغلق ملف اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي وشقيقه في يوم مقتله في 11 أكتوبر 1977، وصعد الرئيس أحمد الغشمي رئيسا، لكنه قتل بحقيبة ملغومة أرسلت من النظام الجنوبي بعد أشهر من توليه الرئاسة، يقال إنها انتقاما لمقتل الحمدي.

بعدها أغلق الملفين نهائيا وتولى الرئيس علي عبدالله صالح الحكم في العام 1978 وحتى اليوم لازال الملف مغلقا، وكأنه طوى فترة من الزمن لا يسمح بالاقتراب من تفاصيلها.

تقول صفية الحمدي إن " الحقيقة ستخرج أكيد في يوم من الأيام، خصوصا حين ينتهي هذا "النظام".

تضيف: "المسألة ليست في إبراهيم الحمدي أنه كان جيدا وحسب، لكن لو كان أتى من يسير على درب الحمدي أو أفضل منه فأعتقد أن الناس كانوا سينسونه!".

رحل الحمدي مخلفا 3 أبناء وبنت لا أحد يعمل منهم مع الحكومة، اثنين مغتربين أحدهم في لبنان وآخر في الصين وثالث يجلس في منزل والده المعهود في العاصمة وفي المكان نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى