أرشيف

صالح بين الرقص على رؤوس الثعابين ومحاولة إرضاء القاعدة

تراهن قوى غربية على تعاون شيوخ قبائل قوية في اليمن لمواجهة القاعدة في جزيرة العرب. ويبرز في هذا الشأن اسم واحد من كبار مشايخ مأرب هو الشيخ أحمد شريف، الذي يقود واحدًا من أكبر الجيوش الخاصة في اليمن، بما في ذلك امتلاكه دبابات. لكن الشيخ أحمد يرى أن المسألة ليست بتلك البساطة.

يعتقد الشيخ أحمد شريف اليمني أن الإسلام ضد ما يفعله تنظيم القاعدة، الذي لا يمت بصلة إلى الدين. لكنه يتساءل “مَنْ هم القاعدة.. ومَنْ هم ليسوا من القاعدة؟، فحتى هم أنفسهم لا يعرفون أحيانًا”، كما تنقل عنه صحيفة الديلي تلغراف.

وأوضح الشيخ أحمد أن التقاليد القبلية تقتضي حماية الغريب الذي يلجأ إلى القبيلة. وإذا اكتشفت القبيلة لاحقًا أنه من القاعدة فإنها لا تستطيع تسليمه. وأضاف “إننا لن نقبله بعد ذلك، ولكننا لن نسلمه إلى الحكومة”.

في غضون ذلك، يجند تنظيم القاعدة أصحاب كفاءات علمية يبتكرون طرقًا شيطانية لتهريب العبوات الناسفة من جبال اليمن وزرعها في بيوت أعدائهم. ويشير محللون إلى أن ذلك يشمل متفجرات بلا رائحة في طرود مفخخة وشبابًا يخبئون عبوات ناسفة في ملابسهم الداخلية. 

وعلى الجهات التي تتصدى للتنظيم أن تكون بمستوى ذكائه في التخطيط. فالحرب مع القاعدة حرب نفسية بقدر ما هي حرب تُخاض بأسلحة مادية. وتتمثل استراتيجية القاعدة الجديدة بإبقاء الغرب في حالة توتر دائم بدلاً من تدمير صروح قوته ورموزها كما في هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. ويريد التنظيم تقويض ثقة الغرب بنفسه والنيل من مصداقيته من خلال مجنديه الجدد.  كما يمكن للهجمات التي تشنّها طائرات بدون طيار وما يقترن بها من خسائر في أرواح المدنيين، أن تقدم خدمة للقاعدة. 

وعمدت صنعاء إلى محاكمة العولقي غيابيًا بعد اكتشاف طرود مفخخة كانت وجهتها الولايات المتحدة قبل اعتراضها في دبي وبريطانيا. كما نفذت القوات اليمنية عمليات أمنية هدفها المعلن اعتقال أو قتل زعيم القاعدة المحلي ناصر النهيشي ورجله الثاني نزيل معتقل غوانتنامو سابقًا سعيد الشهري، دون أن تتكلل هذه العمليات بالنجاح.

لكن التعاون مع الغرب والتنمية طويلة الأمد والتربية هما عناوين المرحلة الجديدة في السياسة اليمنية، وهي تتطلب تعاون زعماء مثل الشيخ أحمد شريف لترجمتها على الأرض. 

هذا وشبّه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح حكم بلاده بالرقص على رؤوس الثعابين. ويرى محللون غربيون أن الكثير من الثعابين هم بنظر الرئيس صالح شيوخ قبائل يتعين ترضيتهم باستمرار إذا أراد منهم أن يتعاونوا. وشيوخ القبائل هم الذين يحكمون في مناطق معروف أنها تؤوي القاعدة، وفي مقدمتها محافظات الوسط. ورغم العمليات التي ينفذها الجيش من حين إلى آخر فإن عناصر القاعدة يتحركون بحرية نسبية على ما يبدو. بل إن عمال نفط في محافظة شبوة تحدثوا عن مشاهدة العولقي يقوم بجولات منتظمة على المناطق الريفية. 

السؤال الذي يطرحه المحللون هو ما يمكن أن يفعله الرئيس صالح لتعبئة المشايخ في المعركة ضد أعداء الغرب. ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن مسؤول غربي كبير قوله إن الرئيس صالح “لايستطيع أن يسيطر على البلد كله، ولكنه يستطيع أن يضغط على أي شيخ يريد الضغط عليه”.

وإذا صح ذلك فإن تردد شيوخ مثل الشيخ أحمد شريف في مأرب ليس علامة مشجعة على حجم العمل المطلوب إنجازه لاستمالة المشايخ. وأكد الشيخ أحمد أن جهودا حقيقية لم تبدأ حتى الآن، وقال “ليس هناك محادثات مع الحكومة ـ لا شيء. وهم لم يقدموا لنا أي شيء”.

الأكثر مدعاة للقلق هو موقف شيخ قبيلة يتفاوض مع القاعدة نيابة عن الحكومة في محافظة الجوف. فالشيخ عبد الله الجميلي لم يخف أن همه الرئيس هو الحصول على دية وتعويض عن مقتل أحد رجاله في تبادل إطلاق نار مع عناصر القاعدة قبل ثلاثة أشهر، وليس فرض الأمن في إطار سياسة وطنية جديدة. 

وادعى الشيخ الجميلي أنه يلتقي زعماء القاعدة بانتظام، بمن فيهم العولقي، الذي التقاه “قبل أيام”. وأشار إلى أن المواجهة ليست في وارد تفكيره. وأبلغ الشيخ الجميلي مراسل صحيفة الديلي تلغراف قائلاً “إذا أردت أن تقابل أحدًا من القاعدة فعليك أن تأتي إلى الجوف”، مؤكدًا أنه يقوم بدور الوسيط بين القاعدة والحكومة، ويحاول “عقد صلح بينهما”. وللصلح بين الحكومة والقاعدة في اليمن أصداء يرددها الشيخ أحمد بتذكيره أن صنعاء أودعت العولقي السجن قبل ثلاث سنوات ثم أفرجت عنه.

ويضم الجيل الحالي من الجهاديين يمنيين أصوليين ناقمين تسندهم مجموعة صلبة من السعوديين الذين كانوا معتقلين في غوانتنامو. لكن جهاديي اليوم يدينون بوجودهم التنظيمي إلى جيل أقدم خدموا أسامة بن لادن شخصيًا في أفغانستان. وتولي تجنيد العديد منهم لهذه الخدمة العميد علي محسن الأحمر رئيس جهاز الأمن اليمني. 

ويجد العميد الأحمر وجهازه الآن صعوبة في الانقلاب على مَنْ جندوهم بأنفسهم، لا سيما وأنهم قاموا بدور حيوي في الحرب الأهلية التي أعقبت الوحدة. وبعد تفجير المدمرة الأميركية “يو أس اس كول” في ميناء عدن عام 2000 شوهد العقل المدبر يتجول في شوارع صنعاء مع نائب رئيس جهاز الأمن الداخلي، فيما كان البحث جاريًا عنه.

حتى هذا اليوم يبدو أن حكومة الرئيس صالح وقضاءه يتقلبان بين التواصل مع الغرب، لا سيما اقتصاديًا، من جهة، واحتضان الإسلام الراديكالي من جهة أخرى، وأن الرئيس صالح نفسه دعم رجال دين أسماؤهم مدرجة على لائحة الولايات المتحدة بالإرهابيين المطلوبين عالميًا، في حين رفض قضاته إدانة متطرفين لارتكابهم أعمالاً إرهابية في الخارج. ورفض البرلمان اليمني أخيرًا تحديد سن أدنى لزواج الفتيات.

يُفترض الآن أن الرئيس صالح ورئيس جهازه الأمني حسما موقفهما نهائيًا ضد تنظيم القاعدة ـ استُهدف وقُتل مسؤولون حكوميون في السنوات الأخيرة. ولكن هذا الافتراض ليس جديًا. وقال المسؤول الغربي الكبير لصحيفة الديلي تلغراف إن الرئيس صالح “حتى الآن لم ينظر إلى تنظيم القاعدة على أنه يهدد بقاءه، بل قد يعتبر القاعدة طريقة مفيدة للفت انتباه العالم والحصول على مزيد من الموارد. لكن هذا سيكون خطأ. إذ ليس من الممكن ترضية القاعدة”.           

زر الذهاب إلى الأعلى