أرشيف

اليمن يحتاج إلى تنمية وليس إلى حرب

آثار اكتشاف طردين مفخخين على متن طائرتين مدنيتين قيل إنهما أرسلا إلى الولايات المتحدة، ولكن كان من الممكن أن ينفجرا في الجو، قلق المحللين من أن يتحول اليمن إلى بؤرة عنف واضطراب على غرار باكستان . واللافت للنظر أن كثيرين من المحللين استنتجوا أن تزايد نشاط وقوة انصار “القاعدة” لا يعود إلى جاذبية هذا التنظيم المتطرف، وإنما إلى التدخلات الأمريكية في العالم الإسلامي، التي تثير نقمة كثيرين . وفي ما يلي عرض لآراء مجموعة من المحللين .

في موقع “فوريت بوليسي”، كتب الباحث في جامعة برنستاون الأمريكية غريغوري جونسون، وهو خبير مطلع على أوضاع اليمن، مقالاً استنتج فيه أن الحكومتين الأمريكية واليمنية مسؤولتان عن عودة ظهور “القاعدة” في اليمن بعد هزيمتها هناك، لأنهما اهملتا معالجة مشكلات هذا البلد الذي يواجه العديد من الاضطرابات منذ سنين .

واشار الكاتب إلى أن الضربات التي وجهتها القوات اليمنية بدعم أمريكي أدت في أواخر عام 2002 إلى انهاك “القاعدة” وقتل زعيمها آنذاك أبو علي الحارثي . وخلفه في قيادة “القاعدة” محمد حمدي الأهدل “وهو أبتر”، ولكن في نوفمبر/تشرين الثاني ،2003 تمكنت اجهزة الأمن من تتبع أثره ومعرفة مكان إقامته، فاتصل به وسيط من مكتب الرئاسة اليمنية وأقنعه بالاستسلام . وهكذا هزمت “القاعدة” في اليمن وزال خطرها .

ومنذ ذلك الحين، أخذت الولايات المتحدة تهمل اليمن، ولم تعد تعطي أولوية لهذا البلد ومشكلاته . وبدلاً من ذلك، ركزت السياسة الأمريكية على مشروع الرئيس جورج بوش لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط . وإذ لم تعد الولايات المتحدة تجد في اليمن “تهديداً إرهابياً”، فإن هذا البلد فقد أهميته بالنسبة لها، إلى درجة أنها خفضت مساعداتها المالية إلى مستوى متدن .

واستمر الوضع على هذه الحال حتى أوائل العام ،2006 عندما تمكن 23 معتقلاً من نشطاء “القاعدة” من الفرار من سجن في ضواحي صنعاء ليعيدوا إحياء “القاعدة” تحت اسم “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، وتحت قيادة ناصر الوحيشي وسعيد الشهري .

ويستنتج الكاتب أن كلاً من اليمن والولايات المتحدة ارتكبتا خطأ التخلي عن اليقظة .

 

حرب سرية

في موقع “انفورميشن كليرينغ هاوس”، كتب الأكاديمي والكاتب السسياسي الأمريكي شيلدون ريتشمان مقالاً بعنوان “حرب سرية أمريكية تطلق إرهاباً في اليمن”، قال فيه:

لاتزال الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام الرئيسة في الولايات المتحدة تتظاهر بعدم الفهم بشأن التهديدات الصادرة في العالم الإسلامي والتي تستهدف الأمريكيين . ففي اعقاب اكتشاف الطردين المفخخين، قال وزير الأمن الداخلي جون برينان، وهو مستشار الرئاسة لشؤون مكافحة الإرهاب: “إننا نحاول معرفة من يقف وراء ذلك” .

ثم أضاف الرئيس أوباما: “سنواصل اتخاذ اجراءات حماية إضافية، من أجل ضمان سلامة وأمن مواطنينا . وزصدرنا أيضاً توجيهاً لبذل كل جهد ممكن في التحقيقات لمعرفة أصل هذين الطردين المشبوهين” .

هذه بيانات مخادعة . فنحن نعرف أصلاً من وبدقة أكثر ماذا يقف وراء هذه المحاولة التي ربما استهدفت تفجير طائرتين . ونحن نعرف أو يفترض أننا نعرف جذور مثل هذا الإرهاب .

إن ما هو خلف كل ذلك إنما هو تدخل الامبراطورية الأمريكية في العالم الإسلامي . وبصورة محددة، كانت القوات الأمريكية تشن حرباً سرية ضد شعب اليمن طوال نحو عشر سنوات، وفي ضوء ذلك، ليس من الصعب فهم لماذا هناك يمنيون يريدون ايذاء الأمريكيين .

وقد كتب اريك مرغوليس، وهو صحفي مطلع منذ وقت طويل على أوضاع اليمن والمنطقة يقول: “كانت قوات خاصة أمريكية، مدعومة بطائرات حربية وطائرات آلية فتاكة، ناشطة منذ العام ،2001 وقتلت ناشطين يمنيين وزعماء قبليين معادين للحكومة، وكانت المسألة مسألة وقت فقط قبل أن يرد متطرفون يمنيون على الولايات المتحدة” .

وهكذا، في ديسمبر/كانون الأول، حاول نيجيري مسلم أمضى بعض الوقت في اليمن تفجير طائرة ركاب فوق ديترويت . ولاحظ مرغوليس أنه “قبيل حادثة ديترويت مباشرة كانت طائرات حربية أمريكية قد قتلت 50 إلى 100 من رجال قبائل حوثيين يقاتلون ضد الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة” .

وإلى جانب الطائرات الحربية، تستخدم إدارة أوباما أيضاً سلاح الطائرات بلا طيار، التي تطلق صواريخ “هيلفاير” (وتعني نار الحجيم) على قرى يمنية . وهذا لم يجعل الولايات المتحدة محببة لدى اليمنيين . وقال أحد رجال القبائل: “اتمنى لو كان لدي سلاح يطال تلك الطائرات” . وفي شرق اليمن، يسمع الناس هدير الطائرات بلا طيار لساعات كل يوم . وقال رجل في المنطقة لوكالة رويترز “الآن، أصبح الأطفال والنساء مرعوبين، وهم لا يستطيعون النوم . الناس تنتابهم الهواجس، وهم يتوقعون أن يضرب الهجوم التالي الأبرياء وليس المطلوبين” .

وقد تحدث الرجل في أعقاب هجوم وقع في مايو/أيار واوردت وكالة “رويترز” تقريراً بشأنه قائلة: “إن غارة جوية كانت تستهدف القاعدة قد تاهت عن هدفها وقتلت خمسة أشخاص كان بينهم جابر الشبواني، نائب محافظ مأرب والذي كان يقوم بوساطة بين الحكومة والمقاتلين” . وتابعت “رويترز” تقول في تقريرها: “أثار سقوط القتلى غضباً شديداً بين رجال قبيلة الشبواني إلى درجة أنهم اخذوا في الأسابيع التالية يخوضون قتالاً شديداً ضد قوات الأمن اليمنية، وقد هاجموا مرتين خط انابيب بترول رئيساً في مأرب” .

وخلص الكاتب ريتشمان إلى القول: على العكس مما يعتقد باراك أوباما، فإن أفضل طريقة لحماية أنفسنا من المقاتلين اليمنيين هي أن نخرج من بلدهم .

ما هي الدروس؟

وفي موقع “فورين بوليسي” أيضاً، كتب ستيفان والت، بروفيسور الشؤون الدولية في جامعة هارفارد، مقالاً طرح فيه سؤالاً حول الدروس التي يمكن استخلاصها من حادثة الطردين المفخخين.

ولاحظ الكاتب أولاً أن التقارير عن ارسال الطردين إلى مركزين يهوديين في شيكاغو لا تنطوي على أهميته، لأنه تبين أن العنوانين اللذين ارسل الطردان إليهما لم يعودا موجودين، في حين أن المحققين استنتجوا أن الطردين المفخخين كانا يستهدفان تفجير الطائرتين وليس هدفين على الأرض.

وتابع الكاتب يقول: بمعزل عن الهدف، فإن المسألة الأكثر وضوحاً هي أن هذه المجموعات “التي ارسلت الطردين” لاتزال تأمل في جعل الأمريكيين يدفعون ثمناً لسياساتهم في الشرق الأوسط وأماكن أخرى . هذه المجموعات غاضبة لأسباب متعددة، بينها هجمات الطائرات الآلية الأمريكية في اليمن وباكستان، وكذلك دعمنا التام ل “إسرائيل” . يضاف إلى ذلك أن افتقار أمريكا للشعبية في كل أنحاء المنطقة يجعل مهاجمة الولايات المتحدة أداة تجنيد جيدة بالنسبة لتنظيم مثل “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” .

ولاحظ الكاتب أن الدرس الأكبر هو أنه تم إحباط مؤامرة الطردين المفخخين ليس بوساطة الطيارات الآلية أو غارات جوية، ولا بوساطة عمليات لقوات خاصة، وإنما بوساطة عمل تقليدي جيد قامت به أجهزة استخبارات وشرطة . واشار الكاتب إلى أن الاستخبارات السعودية هي التي اضطلعت بالجزء الأكبر من هذا العمل .

وتبعاً لذلك، كما يقول الكاتب، يمكن استنتاج أن الرد على هجمات سبتمبر/أيلول ب “حرب عالمية على الإرهاب” كان فكرة سيئة منذ البداية، لأن الحروب والاحتلال تخلق ظروفاً يمكن بسهولة أن تنمو فيها بقوة منظمات إرهابية .

ويختتم الكاتب مقال بالقول إنه وأن كنا جميعاً نبتهج لإحباط الهجوم بواسطة الطردين المفخخين، فإنه من الصعب الاعتقاد بأن أياً من هذه الهجمات لن ينجح في النهاية . إذ إنه يستحيل تفتيش كل طرد يرسل عبر نظام الشحن العالمي، ولا بد أن المنظمات الإرهابية تتعلم أكثر كيف تستغل الثغرات في اجراءات الأمن الحالية أو المستقبلية . ويجب علينا أن نتخذ جميع الاجراءات المعقولة لمنعهم من النجاح، ولكن يجب ايضاً أن نعترف بأن من المستبعد تحقيق الأمن المطلق . كما أن البقاء موطدي العزم بمواجهة الواقع لا بد أن يكون جزءاً من مجهود مكافحة الإرهاب .

 

مخاطر الرد العسكري

في موقع “مركز كارنيغي للسلام الدولي”، كتب الباحث الأمريكي كريستوفر بوتشيك مقالاً بعنوان “اليمن يحتاج أكثر من دعمنا العسكري”، حذر فيه من التركيز على المقاربة العسكرية في اليمن على حساب المقاربة التنموية، وقال: تشهد واشنطن نقاشاً مكثفاً حول كيفية الرد “عقب حادثة الطردين المفخخين” . وقد سارع بعض قادة الجيش الأمريكي إلى الدعوة لتقديم دعم أكبر لليمن في المجال العسكري ومكافحة الإرهاب . وهم يريدون أن يهزموا “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” في ميدان القتال . ولكن من دون التصدي للأزمات الداخلية في اليمن، فإن هامش حرية “القاعدة” في تخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية سيزداد . وفي الواقع فإن التركيز بصورة حصرية ومكلفة على الأمن لن يفعل سوى زيادة الأمور سوءاً .

 

إن “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” هو تنظيم انتهازي يعمل بذكاء، ويعزز قدرته على مهاجمة أهداف داخل أمريكا . وقد تأسس في يناير/كانون الثاني ،2009 ومنذ ذلك الحين يعمل بصورة مستقلة، حيث يتلقى قادته أوامر لا من أسامة بن لادن ولا من أي قياديين إرهابيين آخرين يختبئون في جنوب آسيا .

وهذا التنظيم أخذ يوسع طموحاته، ويزيد عملياته الناجحة داخل اليمن . وخلال العام الحالي، شهد اليمن أكثر من 40 هجوماً، استهدف خلالها “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” البنية التحتية للطاقة، ورعايا أجانب، وقوات أمنية يمنية . كما أنه حقق نجاحاً في تصوير الضربات الجوية الأمريكية والدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى اليمن على أنها نماذج للعدوان الأمريكي . وهذا التنظيم بدأ أيضاً يجذب اعداداً متزايدة من الإرهابيين الأجانب إلى اليمن، كما أنه أخذ يصبح مصدر إلهام لمتطرفين في الخارج .

و”تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” يتغذى على الفوضى داخل اليمن، وهو بلد يواجه في آن واحد معاً حرباً مستمرة في الشمال وحركة انفصالية يتعاظم نشاطها في الجنوب . وعجز الحكومة اليمنية عن السيطرة على مجمل أراضي البلاد يوفر للقاعدة المساحة الجغرافية التي تحتاجها . كما أن التنظيم يستغل الفقر والتظلمات الشعبية المشروعة ضد النظام من أجل كسب الدعم .

واليمن يواجه مشكلات تتجاوز الهواجس الأمنية . فهو بلد على شفير كارثة اقتصادية، ويعاني من سوء الإدارة الحكومية، ويشهد تناقصاً سريعاً في امدادات المياه، حيث إن الجزء الأكبر من العنف الداخلي مرتبط بنزاعات حول موارد المياه .

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن اليمن لا يتلقى من الغرب أي شيء من المساعدة التي يحتاجها . وفي السنة المالية المقبلة، ستحصل باكستان على مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية، في حين أن أمريكا تعتزم تقديم مجرد 200 مليون دولار كمساعدة إنسانية إلى اليمن، وهذا يقل بكثير عما يحتاجه هذا البلد من أجل احتواء الأزمات العديدة التي تهدد أمنه، وكذلك أمننا .

إن الخطر الآن هو أن تكون هذه المساعدة المحدودة تافهة مقارنة مع المساعدات الأمنية الجديدة التي يتوقع أن تكون اضخم بكثير . وعلى سبيل المثال، فإن تركيز اهتمام أكبر مما يجب على زيادة الدعم العسكري، أو السماح لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي ايه” بتنفيذ هجمات بواسطة الطائرات بلا طيار، سيشعل على الأرجح التوترات الداخلية التي جذبت القاعدة أصلاً .

وبدلاً من ذلك، يتعين على واشنطن أن تساعد من أجل تحسين القوانين والنظام القضائي في اليمن، وتعزيز قدرات الشرطة، ورفع النمو الاقتصادي، ودعم إصلاح زراعي، وتحسين التعليم، ومكافحة الفساد، ومثل هذا المجهود ضروري من أجل اضعاف قدرة “القاعدة” على تجنيد انصار، ومن أجل تحقيق الهدف الأساسي للولايات المتحدة، وهو احتواء خطر الإرهاب .

وهنا ستكون السعودية شريكاً أساسياً، وهي تقدم أصلاً لليمن ملياري دولار سنوياً، في حين أن الاستخبارات السعودية هي التي قدمت المعلومات التي كشفت خطة الطردين المفخخين . ولكن يتعين على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن يفعلا المزيد أيضاً، وذلك من خلال اعتماد مقاربة متوازنة لا تركز على جهود مكافحة الإرهاب على حساب المساعدة التنموية، وهي الأكثر أهمية .

لدينا الآن فرصة متاحة لوقت قصير من أجل التصدي لأسباب وجذور الإرهاب وعدم الاستقرار في اليمن، بدلاً من الاكتفاء بالتصدي لعواقب الإرهاب .

وإذا ما اندفعنا للعمل بتهور، أو اخفقنا في القيام بأي عمل، فإن هذه الفرصة ستضيع، وعندئذ، سيكون هناك خطر حقيقي في أن ينهار اليمن، وأن يزداد التهديد الإرهابي للغرب بصورة كبيرة .

الخليج الإماراتية

زر الذهاب إلى الأعلى