أرشيف

لماذا لم يزر الرئيس الضالع؟

انتهى خليجي 20 مثلما بدأ في عدن، لكن الرئيس علي عبدالله صالح الذي وصل الى عدن في 11 نوفمبر الماضي قادماً من تعز لافتتاح البطولة وظل فيها، وهناك مارس الرئيس عمله كما لو كان داخل القصر الجمهوري بالعاصمة صنعاء، فزار المعسكرات القريبة منها واصدر القرارات الجمهورية واتصل بالزعماء العرب واستقبل الوفود الاجنبية والتقى اعضاء السلطة المحلية في مدينة عدن وما جاورها من المحافظات كما افتتح عدداً من المشاريع. عدن الان تعيش طقساً رائعاً دافئ الحرارة مقارنة بالعاصمة صنعاء التي تعيش اجواء باردة وربما مثل طقس عدن الدافئ مبرراً للرئيس الذي يحافظ باستمرار على صحته للبقاء هناك، ومع بقائه تحولت عدن الى مركز نشط تصدر منه القرارات وتنطلق منه تعاليم السياسة وموجهات السنة الجديدة الحبلى بالانتخابات النيابية. 
 
خلال زيارته للمحافظات الرئيسية كالحديدة وتعز وحضرموت يكون لدى الرئيس جدولاً مليئاً بالمقابلات والزيارات، وفي عدن زار الرئيس كثيراً من المؤسسات الحكومية والتقى بقيادات السلطة المحلية، وكانت محافظات عدن ولحج وابين هي مربع تلك الزيارات اذ لم يغادرها الا الى المانيا لاجراء الفحوصات الطبية والى سقطرة في زيارة خاطفة واخرى خاطفة الى صنعاء لاقرار التعديلات الدستورية..

ومن خلال اللقاءات التي اجراها الرئيس مع السلطة المحلية كان واضحاً مدى اعتزاز الرئيس بنجاح خليجي 20 الذي يعتبره رسالة اخرست كل الاصوات النشاز ولقنت المرجفين والموتورين وقطاع الطرق- حد تعبيره- ابلغ الدروس. هذا النجاح الجماهيري ولد لدى الرئيس حماساً كبيراً في حسم كثير من القضايا العالقة في الساحة السياسية وكانت اولى تلك القضايا الانتخابات النيابية المتعثر اجراءوها منذ 2006م فاعلن من عدن عن تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من القضاة بعد تعديل لقانون الانتخابات اقرته الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام وكان هذا الاعلان كافياً لايصال رسالة واضحة لاحزاب المشترك تؤكد عزم الحزب الحاكم اجراء الانتخابات في موعدها المؤجل 27 ابريل 2011 سواء خاضها منفرداً او كانت هذه الخطوة ضغوطاً على المعارضة لاجراء تعديلات دستورية معينة.
 
نجاح خليجي 20 كمناسبة رياضية الذي اكتظت به ملاعب عدن وابين شكل بداية جديدة للرياضة اليمنية في اوساط الشباب وهو ما ترجمته الفعاليات التي حضرها الرئيس بمحافظة عدن اذ بدأ واضحاً ان هناك تركيزاً ملحوظاً على فئة الشباب والانشطة المتصلة بهم وبالنشاط الرياضي بشكل عام.
 
فبعد خمسة ايام من انهاء بطولة خليجي 20 حضر الرئيس المباراة الودية التي جرت بين التلال وشعب إب في اطار دوري النخبة وكان حضور الرئيس لافتا ملفوفاً بالاسئلة عن حضور مباراة ودية لا ترقى الى مستوى المباريات المهمة غير ان ذلك الحضور ربما كان يرمز الى التعبير عن الوحدة اليمنية بين الشطرين على اعتبار ان الفريق الاول ينتمي الى الجنوب والثاني الى الشمال، وبعيداً عن التأويلات فقد كان الحضور الرئاسي اعلاناً عن مرحلة جديدة للعمل في اوساط الشباب والاهتمام بهم فقد افتتح الرئيس اسبوع الطالب الجامعي الـ 18 بجامعة عدن، والتقى بقياداة الجمعيات الشبابية وافتتح المعرض الاول للمخترعين الشباب وحضر حفل الملتقى الوطني للشباب والمهرجان الرياضي النسوي بعدن، وافتتح بطولة الاندية العربي الـ 12 للشطرنج وسلم 10 باصات كهدايا لتسعة اندية رياضية بعدن. التركيز على فئة الشباب بالذات جاء بعد الحضور الشبابي الملفت في خليجي 20 وانصراف الشباب نحو الرياضة ومتابعة مباريات المنافسة بالتزامن مع انعدام الحوادث الامنية التي كانت تظهر هنا وهناك بالمحافظات الجنوبية هذا من وجهة ، ومن جهة اخرى بمعظم تلك الحوادث اضافة الى اعمال الشغب والمظاهرات يقوم بها اشخاص هم بالعادة من فئة الشباب الذي وجد نفسه في طابور البطالة فانساق وراء الحراكيين كردة فعل او شباب يعاني من الفراغ وعدم وجود ما يمكن ان يشغله فينجر هو الاخر وراء دعوات الانفصال ومثيري الشغب وبالتالي فوجود نشاط رياضي وتفاعل شبابي كفيل ان يمتص ولو قليلاً من اسراب الشباب الملتفت ويوجد قضايا ينشغل بها هؤلاء.
 
الامر الاخر لهذا الاهتمام يأتي كنشاط دعائي انتخابي مبكر في اوساط فئة الشباب التي تشكل الغالبية من عموم الناخبين وتعد بمثابة عمليات تجميل لما علق في اذهان المواطنين في المحافظات الجنوبية من مفهوم تهميش الدولة لهم واهمالها لاحتياجاتهم خاصة بعد التغذية الاعلامية والسياسية التي رسخها الحراك الجنوبي في الداخل والخارج.

ثمة امر اخر بدا واضحاً في النشاط الرئاسي داخل الجنوب وهو سلسلة اللقاءات التي عقدها رئيس الجمهورية مع اعضاء المجالس المحلية والمكاتب التنفيذية في محافظة لحج وعدن وابين كل على حدة ثم اجتماعاً عاماً لقيادات تلك المحافظات مع مجلس الوزراء، ولاحقاً اعضاء المجالس المحلية ومجلس النواب والشورى ومدراء المديريات ومناضلي الثورة بلحج ويافع التابعة لأبين!.

خلال تلك اللقاءات اتبع الرئيس اسلوبه المعتاد في مخاطبة الحاضرين فاشاد بدور المحافظات الجنوبية في التصدي لحركة الانفصال ومؤازرة الوحدة مذكراً بما شهدته تلك المحافظات من احداث دموية كاحداث يناير داعياً المواطنين الى التعامل مع الاجهزة الامنية لضبط وردع دعاة الفتن واصحاب المشاريع الصغيرة مهاجماً وبشدة قادة الحراك قائلاً بانه ليس لديهم قضية ولفظهم الشعب فهم بذرة خبيثة في جسم شعب نظيف.. وبموازاة ذلك طبعاً للاعلام الرسمي فقد افتتح الرئيس عدداً من المشاريع الخدمية بأبين بتكلفة 16 مليار ريال وفي عدن دشن مشاريع بقيمة 70 مليار و 682 مليون ريال. ويبدو بوضوح ان هناك اتجاهاً حكوميا- حزبياً من السلطة للعمل والتحرك في المحافظات الجنوبية قبيل الانتخابات النيابية القادمة لازالة الترسبات الساخطة داخل الجنوب والتخفيف من حدة التذمر هناك سعياً وراء ايجاد حالة من الرضى الشعبي عن اداء الحزب الحاكم وسياسة الدولة في اوساط المواطنين تجنباً لدعوات المقاطعة للعملية الانتخابية والتي يلوح بها قادة الحراك واثباتاً لحضور الحزب الحاكم في تلك المناطق والايعاز للمحيط الاقليمي والدولي بأن الدولة لا تهمل محافظات الجنوب.
 
وبمثل الحماس والعزم في انجاح خليجي 20 يبدو الرئيس كذلك وهو يقود عملية النشاط الانتخابي المبكر في المحافظات الجنوبية والذي يمكن استنتاج نتائجه في رسالتين اراد الرئيس ان يوصلهما الاولى لقادة المعارضة (المشترك وحلفائه) ومفادها عزم الحزب الحاكم على خوض الانتخابات ولو منفرداً وتحقيق مستويات فوز كبيرة داخل الجنوب والثانية للحراك الجنوبي في الداخل والخارج وتتلخص باسقاط رهانات الحراك بماقطعة الانتخابات المقبلة.

لكن تلك الزيارات والفعاليات داخل محافظات الجنوب تثير سؤالاً يبدو مهماً وهو لماذا لم يزر الرئيس محافظة الضالع؟ مع انها تشكل العمق الاول لاحداث الشغب ودعوات الانفصال وتحركات قادة الحراك هل لأن مجلسها المحلي ذو اغلبية من المعارضة؟ ام ان الانفلات الامني فيها اكثر اتساعاً مما يزيد المخاوف من دخول الموكب الرئاسي إليها؟ أم ماذا؟

نقلا عن صحيفة الناس

زر الذهاب إلى الأعلى