أرشيف

الباحث والمحلل السياسي -عبدالغني الإرياني: تقزيم النظام للشارع ليس من صالحه وقواعد اللعبة تغيرت..

الظرف الذي تعيشه البلاد غير مسبوق في تاريخها الحديث.. فالثورة العربية التونسية ألقت بظلالها على الواقع اليمني من زاوية هذا التطور يتحدث الباحث عبدالغني الإرياني..
حاوره عبد الباسط القاعدي
* لسان حال الشارع يقول إن الشباب تجاوزوا الأحزاب والسلطة مطالبين برحيل الرئيس كيف تنظر لهذا التطور؟
– هذه نتيجة طبيعية لما حصل في مصر وتونس.. فاليمن دائما مرتبطة ارتباطا كبيرا بمصر والمواطن اليمني تربى على الثقافة المصرية فمن الطبيعي أن يكون لها تأثيرا كبيرا في اليمن. الشباب الآن يقودون الحراك الجماهيري من جامعه صنعاء وعدن أيضا.. وهذه نتيجة لانشغال الأحزاب السياسية بالحوار فيما بينها وعدم الالتفات إلى القواعد وعدم التصدي للاختلال في إدارة الدولة لعدة سنوات.
 هل فشلت الأحزاب و»بالتحديد المشترك»، وهل ستتجاوزهم هذه الجماهير؟
– الجماهير قد تجاوزتهم أصلا، لكن لا نستطيع القول إنهم قد فشلوا.. خلال الفترة الماضية أخطئوا لأنهم لم يحركوا الشارع ولم يمارسوا المعارضة بمعناها المعروف وهو أن تتصدى لكل ممارسة غير قانونية أو دستورية، أن تقف مع صاحب الحق في قسم الشرطة أو المحكمة أو من قاطع طريق، الأحزاب للأسف لم تتخذ موقفا من هذه الاختلالات وكانت مشغولة بمحاولة الوصول إلى صفقة مع الحزب الحاكم.
وهل أصبح الحوار مع الحزب الحاكم غير مجد في مثل هذا التوقيت؟
– لا بالعكس، البديل عن الحوار هو الفوضى ولا شك أن العمل الذي يقوم به الشباب جيد جداً وعظيم ونحترمهم لما يقوموا به، لكن ما يقومون به هو تعبير عن عدم الرضى ما يدفع الفئات الحزبية في الساحة أن تتخذ موقف أكثر جدية في الاستجابة للشارع.
 إذن أنت تعيب على المشترك التركيز على الحوار وإهمال الشارع؟
– نعم.. أنا دائما أنتقد اللقاء المشترك أنه كان نخبوياً وفقد التركيز على قاعدته الجماهيرية تحت حجة الحوار، لهذا السبب تركت الساحة خاليه في الجنوب وذلك دفع الشارع إلى أخذ مكان النخبة وبطبيعة الحال فعدم وجود القيادات الحزبية المقنعة جعل الشارع يتجه اتجاه لا يرضينا بالمطالبة بالانفصال، لكن لا نستطيع أن نلومهم إذا كانوا اتجهوا إلى شيء يعتقدون أنه سيخفف عنهم المظالم.
 من يتحمل مسؤولية هذا الخطاب؟
– من ارتكب المظالم التي أدت إلى هذا الخطاب، لا تستطيع أن تلوم الشارع على رد فعله فهو لم يصل إلى هذا إلا من يأس وإحساس بعدم الاستجابة. منذ سنوات والشارع الجنوبي يطالب مطالب مشروعة وطبيعية ولم يجد استجابة له لا من السلطة ولا من المعارضة.
 ما الذي يمكن أن تعمله المعارضة بالنسبة للشارع الجنوبي؟
– عليها أولا أن تلتصق بالشارع في كل مكان ومن ثم سيقول لها الشارع ما الذي يجب عليها أن تعمله، يجب أن تكون المعارضة السياسية مجرد تعبير عن الإرادة الشعبية مثلما يجب أن يكون الحزب الحاكم مجرد تعبير عن الإرادة الشعبية.. الحاصل عندنا لا الحزب الحاكم يمثل فئة اجتماعية حقيقية ولا المعارضة مثلت الفئة التي تدعي تمثيلها بالشكل الصحيح.
 هل لا زالت الفرصة سانحة لاستعادة الشارع الجنوبي؟
– عملت بحثاً مع باحثة أمريكية قبل 3 سنوات وقلنا فيه إن الوضع في الجنوب حرج ويتطلب تدخلاً سريعاً وإصلاحات ضرورية، وحذرنا أنه إذا لم يتم التعامل مع مشكلة الجنوب وحلها فإن الدعوة إلى الانفصال -التي كانت مجرد مناكفة في ذلك الوقت- ستتحول إلى التزام عقائدي أيدلوجي وعندها سيصبح من الصعب أن نحافظ على الوحدة.
 أين نحن الآن؟
– نحن الآن على حافة الهاوية.. أنا آخر مرة سافرت والتقيت مع ناس في الجنوب كان قبل فترة، ومعلوماتي ليست دقيقة.. لكن المراقبين والباحثين منقسمون فالبعض يقولون إننا قد تجاوزنا نقطة اللاعودة والبعض يعتقد أن نقطة العودة لازالت أمامنا، وفي تقديري لا نستطيع أن نعرف إن كنا قد تجاوزنا نقطة اللاعودة إلا بعد أن نقدم الحلول المعقولة للشارع الجنوبي فإذا رفضها حينها نعرف أننا قد تجاوزناها.
 بالتحديد، من بيده الحلول؟
– الشخص الوحيد الذي بيده الحلول هو رئيس الجمهورية.
ولماذا لا يقدم هذه الحلول؟
– هذا السؤال لا يستطيع أن يجيب عليه إلا الرئيس.
 وهل من المعقول أن هناك رئيساً يدفع ببلده نحو التشظي؟
– أعتقد بأنه لا يظن أن الوضع قد وصل إلى مرحلة التشظي.. لكن هذه الثقة الزائدة في النفس قد تؤدي إلى مشاكل، إلى وضع خطير جدا، كثير من الإجراءات المطلوب اتخاذها فيما يخص الجنوب ليست بحاجة للانتظار، وإلى أن يصل الحزب الحاكم والمعارضة إلى اتفاق يستطيع رئيس الجمهورية وحزبه أن يحدثوا عدد كبير من الإصلاحات دون العودة إلى أحد فهم الدولة وهم المسئولون عن ما يحدث في الجنوب ومطالبون بتقديم الحلول الحقيقية لتلك المشاكل.
لكن رئيس الجمهورية يكرر التأكيد على أن هؤلاء عشرات من الفوضويين والمخربين؟
– ماذا قال وزير الخارجية المصري أبو الغيط عن المتظاهرين في مصر.. نفس الكلام أن هؤلاء مجموعة قليلة، هذا التقزيم للشارع ليس لصالح النظام. هل بالإمكان أن تنسحب التجربة المصرية على الواقع اليمني؟
– الذي نراه الآن هو تطبيق مباشر وحرفي للتجربة المصرية من الجانبين، فالشارع اليمني يتصرف مثل الشارع المصري والقيادة اليمنية تتصرف كالقيادة المصرية.
 لكن الرئيس والوزراء يقولون إن اليمن مختلف عن مصر وتونس؟
– هذا يعود إلى من يريد أن يرى الحقيقة.. تستطيع القول إن اليمن بلد مختلف إذا كنت تريد أن تنكر الحقيقة، واقع الأمر أن المظالم متشابهة فطريقة الحكم في مصر واليمن متشابهة، لكن التجاوزات التي كانت تحدث في مصر ضد المواطنين من تعذيب في أقسام الشرط ومن إذلال لا تحدث في اليمن وهذا نقدره للنظام عدم التجاوز على الأقل على حقوق الناس، لكن ما يمارس الآن من استخدام البلطجية ضد المتظاهرين يمكن أن يلحقهم بالنظام المصري.
 من يقول أن اليمن يختلف عن مصر يستحضر في ذهنه أن اليمن شعب مسلح؟
– التلويح بالسلاح شيء لا يليق بأحد، إذا قلنا إن الشعب مسلح بالتالي أصبح من الصعب استعباده، وإذا قلنا غير ذلك فنحن نرتكب خطأ منطقياً.
كيف؟
– شعب مسلح يعني أنه مستعد للدفاع عن حقوقه الشرعية، لا أعتقد أن الناس سيتقاتلون من طاقة إلى طاقة، هذا الكلام تجاوزناه نحن الآن في مجتمع 50% فيه متعلمون ويعيشون في مدن، وبيننا وبين الناس قانون ولذلك لن نلجأ إلى السلاح وهذا الكلام غير منطقي، لن نسمح لأحد من المعارضة أن يلجأ للسلاح ولن نقبل من السلطة أن تلجأ إلى السلاح، الشعب الأمريكي شعب مسلح لكنهم لا يتقاتلون من شارع إلى شارع ومن طاقة إلى طاقة.
 يخرج الشباب العزل في صنعاء وتعز وعدن وفي المقابل يأتي بلطجية الحزب الحاكم ويعتدون عليهم بالسكاكين والعصي، إلى أي مربع سيقود هذا السلوك؟
– هذا الأسلوب هو الشرارة التي ستفجر الثورة الشعبية الواسعة.. عندما يقولوا هم بضعة آلاف وشوية طلاب أنا أصدقهم فالشارع اليمني لم يتحرك بعد، لكن حينما ترى البلاطجة يعتدون على الناس المعبرين عن رأيهم فإن بقية الشارع سيتعاطف، عندما تستخدم كلمات قبيحة لوصف المتظاهرين هذه البذاءة تخرج الناس من بيوتهم، إذا سمعت هذا الكلام مرة أخرى أنا سأخرج من بيتي، لا يمكن أن نسكت…
مقاطعا: تقصد رفع شعار «يرحلوا البراغلة»؟
– هذا الذي أقصده.. لكن الرئيس استجاب وأعلن أمام مجلسي النواب والشورى «لا توريث ولا تمديد ولا تصفير»، ألا تعتقد أن هذه الاستجابة ستخفف من حدة الشارع؟
– حينما قال ذلك كسب احترام العالم، لكن عليه أن يفي بهذا الوعد، وهناك إجراءات لا بد منها للوصول إلى تنفيذ هذه الوعود وأهمها: أن الحوار بين المعارضة والحزب الحاكم يصل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم بتنفيذ الوعود الرئاسية، لكن أيضا بيد الرئيس أن يعمل خطوات أحادية دون المعارضة لإقناع الشارع اليمني والعالم أنه جاد.. أنا دافعت عن الرئيس أكثر من مرة وقلت لا يمكن أن يفكر بالتراجع عن وعوده لأن قواعد اللعبة بعد ثورة مصر تغيرت..
 لكن ما يتم الآن من حشد للقبائل يفسر بأن الرئيس غير جاد في وعوده؟
– القبائل هم أبناء الشعب اليمني، كثير منهم درسوا وخدموا في الجيش، وكثير منهم موظفون في الدولة، وهم يعرفون أن قضيتهم وقضية بقية الناس واحدة، إذا كان هناك مجموعة من المشائخ الفاسدين فلن يستطيعوا أن يتحكموا بمواطني الجمهورية اليمنية ودفعهم إلى قتال إخوانهم، ليس عندي خوف من التهديد بالقبائل لأني مقتنع أن هؤلاء القبائل هم منا ونحن منهم، وأنهم سيقفون مع المطالب المشروعة لأبناء البلد.
 يعني لا يمكن إعادة تكرار تجربة إباحة صنعاء للقبائل كما حدث أيام الإمام؟
– هذا مستحيل.. الشعب لا يمكن أن يعود إلى ذلك بعد ستين سنة.
وكيف تفسر ما يحدث في ميدان التحرير فالحزب الحاكم بسط عليه وحوله إلى منطقة مغلقة لأنصاره الذين جمعهم من مناطق المجاورة لصنعاء؟
– لا نستطيع أن نحمل الرئيس مسئولية كل ما يجري، هناك أشخاص يتصرفون بما يرونه ولا يطلعون الرئيس إلا على بعض الأشياء، لكني أؤكد أن هذه الإجراءات التي يمارسوها هي نفس الإجراءات التي أسقطت مبارك، والمطلوب من المعارضة أن يقولوا استمروا في ذلك لكن أخشى على البلد من الفوضى، وأنا متأكد أن الرئيس يعرف أن حل التوتر القائم الآن في الشارع لن يكون باستخدام البلاطجة والأساليب البوليسية، هناك بيده ما يستطيع أن يقدمه للناس ويقنعهم، ويستطيع من خلالها أن يستعيد مركزه كقائد للأمة ويدخل التاريخ، وقد وعد بجل ذلك.. كل ما في الأمر هو التنفيذ، الآن السبب في حركة الشارع هو عدم الثقة، لأن الوعود قد كثرت ويجب على الرئيس أن يقوم بخطوات أحادية لإثبات مصداقيته، وأنا ضد ما يقوله البعض إنه من الضرورة أن يقيل أولاده وأقاربه من قيادة المؤسسات الأمنية والمدنية، لسنا بحاجة إلى استهداف أشخاص بعينهم.
 إذا كانت الإصلاحات تقتضي ذلك؟
– عندنا قانون وعندنا دستور، نبدأ بتطبيق الدستور والقانون ونطبق قاعدة الكفاءة وتدوير الوظائف، تطبيق القانون والدستور هي الخطوة الأولى التي يستطيع الرئيس أن يقنع الشارع بها أنه جاد في وعوده ويكسب موقعه في تاريخ اليمن كزعيم تاريخي.
 يبدو أن الزعماء العرب نسخ متشابهة ويبدو أنهم لا يستفيدون من مصارع بعضهم؟
– ما نراه هو إعادة سيناريو مصر وتونس مع الشارع اليمني، وأقول للقيادة السياسية إن هذه الأساليب أدت إلى اشتعال الشارع..
بعد ثلاثة وثلاثين عاماً من الحكم بنفس الأدوات هل تتوقع من الرئيس أن يغير هذه الأدوات؟
– والله نحن رأينا منه المرونة في السابق، والتكيف العام مع الظروف الجديدة، وإذا لم يستخدم هذه المرونة فالوضع سيكون صعباً.
 هل تعتقد أن الرئيس محظوظ بالأحزاب؟
– كان محظوظ بالأحزاب.. لكن الشارع الآن أخذ المبادرة ونزع القيادة من الجميع، فعلى الحزب الحاكم أن يركز الآن على مطالب الشارع، مطالب المعارضة أصبحت مجرد عامل ثانوي.
أكدت المعارضة أنه لا حوار ثنائي وطالبت الرئيس بإقالة أولاده وأقاربه، هل ارتفع سقف المعارضة بعد أحداث مصر وتونس؟
– ارتفع ارتفاعاً غير منطقي.
 كيف؟
– إذا كنت تريد تحاور فلا يصح أن تضع شروط تعجيزية في بداية الحوار، ما تضعه الآن ممكن يكون نتيجة ومحصلة نهائية للحوار، أن تضعها في بداية الحوار كشرط يعني أنت قتلت الحوار، وضع الشارع الآن بدون ملامح، نحن انتقلنا من قاعدة اللعبة السياسية إلى لعبة جديدة لا يستطيع أحد أن يقول لك ما هي القاعدة الجديدة.
 لم تتشكل بعد؟
– لم تتشكل بعد، شيء جديد علينا لم نر مثله، لا تنس أن الثورة المصرية لم نر مثلها في تاريخ الأمة العربية، ملايين البشر ملئوا الشوارع، أوقفوا سلاح الدولة القاتل وفرضوا عليها أن تتراجع، هذا شيء لم نره من قبل، ولا نستطيع أن نحدد الآن مدى التمكين الذي أدى إليه. تمكين الشارع اليمني مثل ما هو تمكين الشوارع العربية. بالنسبة لمطالب المشترك بضمانات دولية؟
– أنا قلت علناً في كتابات ومقابلات أن فجوة الثقة بين الطرفين قد وصلت إلى مرحلة تستوجب وسيط ثالث محايد ولا زلت على رأيي.
 برأيك من يكون، طرفاً إقليمياً أم طرفاً دولياً؟
– الطرف النموذجي مجلس التعاون الخليجي، لكن في الوقت الحالي لا يمكن اللجوء إليه لأن القيادة السعودية لن تشارك بشكل فعال، والسعودية هي البوابة الرئيسية لما يتعلق في اليمن.
 لماذا؟
– الملك مريض والأمير سلطان مريض، وهناك فراغ واضح في القيادة السياسية السعودية وبالتالي لا تستطيع أن تتوقع منهم أن يلعبوا دوراً إيجابياً فعالاً في هذه المرحلة، وبالتالي يكفي أن نلجأ إلى وسيلة بسيطة وسهلة لضمان مصداقية الطرفين وهي أن تكون اجتماعاتهم وبياناتهم ومحاضرهم منشورة في الانترنت للجميع، لأننا مواطنون ومن حقنا أن نعرف ما يدور في الغرف الخلفية.. من غير المقبول أن يتحاوروا باسمنا والشارع حي ويتحرك بهذا الشكل ولا يعرف شيء، وهذا يجعل المواطن اليمني هو الحكم ويصبح المانحون والدول الصديقة والشقيقة حكم أيضا.
بناء على التجارب السابقة «تجارب الحوارات التي فشلت»، هل يمكن القول إن هناك فرصة أخيرة أمام السلطة والمعارضة؟
– هي ليست فقط فرصة أخيرة، المطلوب الآن منهم أن يعملوا أكثر مما كان يمكن أن يعملوه بالسابق لكي يوقفوا هذا التيار الجارف الذي يحرك الشارع، الشارع معبأ والتجربة المصرية أمام الناس كلهم وأعداد المتظاهرين ستزداد يوماً بعد يوم وبالتالي لا بد على المعارضة والحزب الحاكم اتخاذ إجراءات كبيرة وسريعة في وقت قصير وسريع لكي يستطيعوا أن يستعيدوا زمام المبادرة ما لم فالشارع سيقذفهم جانبا.
 اليوم القضاة يتظاهرون لأول مرة مطالبين بإسقاط مجلس القضاء الأعلى، ما تعليقك؟
– هذا دليل على أن قواعد اللعبة بدأت أطرافها تتغير بشكل كبير لا نستطيع أن نحدده، وهذا شيء جميل جدا كونهم نخبة المجتمع واختاروا الطريق السلمي للمطالبة بحقوقهم، هذا نموذج للشعب.
 الاعتداء على الصحفيين وتكميم الأفواه والضغط على قطر بخصوص الجزيرة كيف تفسر هذه التصرفات؟
– هذا نفس ما حصل في مصر، إذا كان الكبار يغشوا من بعض فالنتيجة ستكون واحدة.
 من الذي يغش من الآخر؟
– اللاحق يغش من السابق، نحن لسنا بحاجة إلى أن ننتظر لحظة لا ينفع فيها الندم، لدى القيادة السياسية مجال لتقديم التنازلات المطلوبة منها وتعيد ثقة الشعب بها، تدخل الانتخابات في 2013م وتفوز عبر صناديق الاقتراع.. لكن السؤال هل هم مستعدون أن يقدموا تلك التنازلات! أنا سأحيل هذا السؤال إليك؟
– هل يريدون أن يحكموا لمدة ستة أشهر أم سنتين أم لمدة 12 سنة.
 هل تقصد تصفير العداد؟
– العداد تم تصفيره من قبل ويمكن أن يصفر من بعد، لكن الصفقات التي تمت في الغرف الخلفية بين قيادة الحزب الحاكم والمعارضة في السابق لا يمكن أن تتم اليوم لأن الشارع حي، التنازلات ستكون للشعب، إذا قدمت هذه التنازلات للشعب فلا أظن أن الشعب سيرفض إعطاء القيادة الحالية فرصة أخرى للاستمرار في الإصلاحات المقنعة.. ما هي هذه الإصلاحات؟
– نحن عندنا أسوأ وضع اقتصادي في المنطقة العربية هذا ناتج عن الفساد وسوء إدارة واحتكار الثروة وتعطيل دولة النظام والقانون والتفريق بين أبناء الشعب في وظائف العمل، ما تحتاج عبقري يقول لو عملت عكس ذلك ستكون حاكم عادل ومحبوب لشعبك.
في المقابل الفعاليات التي تهتف للرئيس تمول بمئات الملايين هذه الأيام؟
– تجربة مصر، نبطل نغش من بعض وسنلاقي حلول. الرئيس يقول إن مواردنا ضئيلة وإنتاجنا النفطي لا يغطي احتياجاتنا، هل بالإمكان تحسين اقتصادنا؟
– نعم.
كيف؟
– دول أفقر منا مثل الأردن، استثمرت في شيئين: في الشعب، وفي إقامة دولة النظام والقانون، وهي الآن أغنى من اليمن بأربع مرات دون أي موارد، ما الذي يمنع أن يحصل هذا في اليمن؟ مع ملاحظة أن اليمنيين عندهم ثروات لا يستهان بها، لدينا ثروات مالية وثروات بشرية بالخارج وإذا خلقت الظروف المناسبة لهذه الثروات بالعودة إلى الوطن ستكون اليمن دولة غنية.
 لماذا لم يحدث هذا في السابق؟
– أنا دائماً أفسر هذا بغياب الرؤية الاستراتيجية، الآن الوقت لم يعد يسمح.
عندنا مثل يقول: اللي ما يجد في أول شبابه ما يجد والرأس شايب؟
هناك مجال للتصحيح.. وما ينطبق على الأفراد لا ينطبق على الأنظمة، لأن النظام يمكن أن يستغل كفاءات أفراد البلد إلى الاتجاه في خط جديد يرتكز أساسا على تطبيق القانون.
بعد رحيل النظامين المصري والتونسي خرجت فضائح نهب أقاربهم للثروات، كيف الوضع في اليمن؟
– أنا دائما أقول إن الفساد في اليمن أسوأ من الفساد في أي دولة عربية أخرى وأقول ذلك عن معرفة، ولكن من ناحية الأرقام لا أحد يتكلم بالأرقام لأنها غير معروفة. أقارب وأنساب الرئيس داخلون في الموضوع؟
– هذه فئة أو مجموعة ليست محصورة في أقارب الرئيس، فئة من المتنفذين، بعضهم حتى منافسين للرئيس، يحصلون على مزايا ولهم منافع اقتصادية وفرص لا يحصل عليها أحد، هذا هو الذي أدى لانهيار الاقتصاد وإلى خروج الشارع، لا تستطيع أن تستثني مراكز القوى الأخرى، ليس فقط الرئيس وأسرته المستفيدين من النظام فهناك مراكز كثيرة…
وضح أكثر؟
– لا أريد أن أسرد القائمة لأنه لا يمكن أن يكون الإنسان دقيقاً في تحديد من هي مراكز القوى ولكنها موجودة في أماكن مختلفة من البلد، أنت ذكرت الرئيس وأسرته وأقاربه لأنهم في الصورة وهناك الكثير إنما تظل أقلية صغرى كنسبة من المجتمع.
 ذكرت في مقابلة صحفية سابقة أن السلطة ستصل إلى مرحله لا تستطيع فيها أن تدفع الرواتب؟
– هذا ما أتوقعه وتوقعته في 2009م، في ذلك العام السعودية قدمت مليار دولار والإمارات قدمت مبلغاً ثم في 2010م جاءت مبالغ كبيرة للميزانية لا نعرف من أين أتت، هذا العام قال الرئيس أن الحنفية فارغة فبالتالي الوضع الذي تحدثت فيه في ديسمبر 2008م من أن الربع الثالث من 2009م سيكون كارثة اقتصادية، الآن ينطبق على 2011م لأن جزء من المعالجة التي حصلت في 2009م و2010م لم تعد موجودة.
وإذا وصلنا لهذه المرحلة؟
– من الجنون أن يتفرج الناس من دون أن يحدث شيء والخيارات موجودة والحلول موجودة، أقلها إذا كانت الأزمة الاقتصادية حتمية ولا مجال لمواجهتها على أقل نواجهها ونحن متفقون صف واحد ونحن متشاركون في المسؤولية لنعمل جميعا لمواجهتها، ولا بد من إشراك الشعب لمواجهتها بحيث يعرف أين مصالحه ورأيه ينفذ بشكل واضح في اتخاذ القرار في الحكومة الائتلافية.
 يبدو أن السلطة تعول على دول الخليج وعلى أصدقاء اليمن؟
– لن يأتيهم شيء.. ليس من أصدقاء اليمن فقط، لن يأتيهم شيء رسمي لا من دول الخليج ولا من أصدقاء اليمن، إلا إذا جاء شيء بترتيبات خاصة مثل ما حصل في 2009م..
لكننا سننفجر في وجه الخليجيين؟
– محمد بن نائف اختصر هذا الكلام بطريقة سهلة جدا في مقابلة صحفية حيث قال: لا نخشى على أنفسنا من انهيار اليمن، على اليمنيين أن يفكروا بأنفسهم، أما نحن فقد شهدنا انهيار العراق بجوارنا ولم يحصل لنا شيء، ونحن سنغلق حدودنا وندافع عنها.
 حق الباطن بعرف القبائل لا يمكن التفريط فيه، وعلى ما يبدو فالنظام يدخر لوقت الشدة؟
– يا ليت، حقيقة يا ليت وهم مدخرين لمثل هذه الشدة، لأن المصيبة على رؤوس الناس كلهم، لكن إذا لم يكن هناك إصلاحات حقيقية تفضي إلى انتعاش اقتصادي يفترض أنهم ما ادخروه ينفقوه هذه السنة، ماذا سيحدث السنة القادمة؟ لا بد من إصلاحات، أولاً: لابد للنظام والمنظومة السياسية أن تتصالح فيما بينها وتتصالح مع الشعب، والذي حرك الشارع بهذا الشكل هو غياب الحكم بينه وبين السلطة، على السلطة أن تحكم القانون بيننا وستنتهي الحساسية، وأن تقدم تنازلات.
 بالنسبة للموقف الدولي باعتبارك مراقباً ومهتماً هل تلحظ بأن هناك تغيراً في الموقف الدولي بالنسبة لليمن؟
– الموقف الدولي يتراوح بين اليأس من الوضع القائم وقدرة النظام على مواجهة مشاكله والقلق من القاعدة والمشاكل التي يمكن أن تأتي نتيجة خروج الشارع، لكننا لاحظنا في الفترة الماضية خاصة في وثائق ويكيلكس أن هناك إشارات واضحة بأن الغرب يعتقد أن النظام يستغل القاعدة لجلب الدعم، والدول الكبرى لا تخضع للابتزاز ولا تقبل على نفسها أن تبتز.. وقبل فترة كان وكيل الخارجية البريطانية في الجزيرة وقال ما معناه في حال فشل النظام فلدينا بدائل أخرى، نحن ندرس بدائل أخرى، هم سيدافعون عن مصالحهم وإذا لم نصلح حالنا سيكون دفاعهم عن مصالحهم على حسابنا.
مؤخراً حرصت الوفود الغربية على لقاء المعارضة وهذا تحول في الموقف الدولي بالتأكيد، هل يمكن أن ينظر المجتمع الدولي للمعارضة كبديل؟
– منذ فترة طويلة كانوا يقولون إن الإسلاميين غير مقبولين في الحكم، وأنا كنت أعارض وأقول إن حزب الإصلاح معروف دولياً بأنه حزب معتدل ومقبول وليس لدى الغرب أي مشكلة للتعامل معه، كما تعاملوا مع الإسلاميين في تركيا وكما هم الآن مستعدون للتعامل مع الإسلاميين في مصر، فزاعة الإسلاميين استخدمت لفترة وهي كرت تم حرقه ولم يعد أحد يستطيع أن يستخدمه، مشكلة المعارضة ليست في أن هناك فيتو على حزب الإصلاح أو على التوجه الإسلامي من الوصول إلى السلطة، المعارضة مشكلتها أنها لم تطور برامج مفصلة وخطوات واضحة كبديل للحاكم.
تقصد أنها فشلت في تسويق نفسها لدى المجتمع الدولي؟
– أنا جلست كثيراً مع المانحين وهم يقولون إن المعارضة تشكو من النظام وعندما نسألهم ما هي البدائل يقولوا سنعود إليكم بجواب، عليهم أن يجهزوا أنفسهم ببرنامج واضح وأن يكون لديهم حكومة ظل، بحيث يكون عندهم برنامج لكل وزارة وملاحظات يطرحونها في البرلمان شهرياً عن أداء كل وزارة..
 • بالنسبة للثورة الفرنسية انسحبت على البلدان الأوروبية ويبدو أن الثورة المصرية والتونسية ستكرر نفس التجربة، هل نتأهب في اليمن لاستقبال وضع جديد
، مشهد سياسي جديد؟
 – التغيير أصبح حتمياً ولدينا وسيلتان في التغيير.. الوسيلة الصعبة والمكلفة هي الانتظار إلى حين سقوط النظام ثم تجميع الأطراف من جديد لإعادة ترتيب النظام، الوسيلة السهلة هي أن يقود النظام عملية التغيير ويكون قائد الثورة وتكون ثورة لصالح الشعب وعفا الله عما سلف.
 الرئيس أعلن عن فتح دار الرئاسة لاستقبال اليمنيين، كيف تنظر لهذه الخطوة؟
– خطوة رمزية جميلة ويحبذ لو أنها تكون متواصلة لكنها ليست آلية سليمة لمعالجة مشاكل الناس، مشاكل الناس معروفة والقرار بيدك.. حل مشاكل الناس واضمن أن قسم الشرطة يشتغل، اضمن أن المحكمة تشتغل، أن الذي يبسط على أرضية شخص يحاكم، اضمن أن الذي يتقطع يعاقب، بذلك تكون حليت 80% من مشاكل الناس، افتح دار الرئاسة من سيحضرون سيشكون من هذه الأشياء، حلها قبل ما يصلوا.
 شيء تود قوله لم أسألك عنه؟
– أنا قلت أن الرئيس عندما قدم الوعود الثلاثة أنه اختار أن يأخذ مكانه في تاريخ اليمن، وهي فرصة أخيرة لأن الشارع الآن قد تحرك. والرئيس بيده خيارات كثيرة لحل مشاكل الناس وحل مشاكل النظام السياسي ووضع البلد في بداية طريق البناء والتقدم، لكن إذا بقي مشغولاً بالقضايا اليومية، مظاهرة خرجت، حزب معارض عنده موقف، فلان قال، صحفي يضرب، لن يكون لديه المجال أن يركز على الصورة الكبرى ويبدأ بعمل الحلول التي يمكن أن تكون بداية جديدة في اليمن، أتمنى من الرئيس أن يفوض هذه الأشياء للجهات الحكومية ويركز على ما يمكن أن يقدمه لشعبه خلال السنتين القادمتين التي ستدفعنا إلى أن نطالب بإعادة تصفير العداد، ونطلب منه أن يرشح نفسه مرة أخرى، إذا استطاع أن يقوم بهذا يكون قد حقق الإنجاز التاريخي الحقيقي الذي سيفتخر به أولاده من بعده.
هذا بالنسبة للرئيس ماذا بالنسبة للحزب الحاكم؟
– الحزب الحاكم هو بيروقراطية ليس لها قرار.
 ماذا بالنسبة للمعارضة؟
– الله يعينهم على أنفسهم أولاً وعلى المهمة الصعبة جداً التي أمامهم وهي أن يستعيدوا زمام المبادرة من الشارع.
 وماذا بالنسبة للشعب؟
– الشعب انبعثت فيه الحياة ولن يستطيع أحد أن يدفنها.
 
نقلا عن صحيفة الاهالي

زر الذهاب إلى الأعلى