أرشيف

الثورة والنظام والدولة

حين تخرج جماهير الشعب تهتف: الشعب يريد إسقاط النظام، فإنها تعني ما تقول، الشعب يعبر عن إرادة العامة في شأنه العام إسقاط نظام جعل الشأن العام للشعب إلى شأن خاص بالرئيس وأسرته وحاشيته وهو بذلك قد خرج على الشعب، ولم يعد وكيلا له أو موظفا عنده فالشعب يريد إسقاط النظام لاسترداد حقه الأصيل من أيدي رئيس ومحاسيب اغتصبوه وحولوه من خدمة الشعب إلى تسليط عليه، وحرمانه من حقوقه الطبيعية في الحياة الحرة الكريمة.
محمد الغابري
الشعب يريد إسقاط النظام، وليس إسقاط الدولة، فالدولة ثابتة والنظام متغير والنظام جزء من الدولة، أما الدولة فهي الكل، حين يكون النظام خاصا يكون منفصلا عن الدولة، ويلحق بها أضرارا وخسائر كبرى، فيغدو النظام سرطانا إن لم يتم إسقاطه واستبداله فإنه يؤدي بالضرورة إلى انهيار الدولة، أي حلول الفوضى العامة، في حين إسقاط النظام والمحافظة على الدولة يعني الخلاص من المرض «النظام» وإعادة العافية إلى جسم الدولة ومن ثم قيام نظام جديد يعبر عن الإرادة العامة للشعب ورعاية مصالحه العامة.
في الثورتين التونسية والمصرية برزت مفاهيم تستدعي التوقف عندها، لفهمها وإدراكها خاصة من قبل العاملين في الأجهزة العامة للدولة مثل وصف أجهزة ما بأنها أجهزة النظام وأجهزة أخرى بأنها وطنية أو أجهزة الدولة.
 الجيش.. جيش الدولة أم النظام!؟
وصفت الأجهزة الأمنية في تونس ومصر بأنها أجهزة النظام ووصف الجيش في البلدين بأنه جيش وطني، جيش الدولة. فالأجهزة الأمنية وصفت بأنها أجهزة النظام: لأنها تأتمر بأمر الرئيس لتقوم بأعمال عكس واجباتها الأصلية أي أنها حين تكون أجهزة دولة، فإنها لا يمكن أن تتصادم مع الشعب، ولا يمكن أن تطيع الأوامر لترويع المواطنين واستخدام وسائل العنف معهم لأنهم في الأصل لحماية المواطنين والمحافظة على الأمن والسلم فإذا خرج الناس للاحتجاج على السلطة فإن الشرطة والأجهزة الأمنية المختلفة توفر للمواطنين الحماية، وتتعامل برفق لحماية المنشآت والممتلكات.
الأنظمة العربية حولت أجهزة الأمن من عامة وأجهزة دولة إلى خاصة، وأجهزة نظام تحمي الرئيس وأسرته وحاشيته من الشعب وتمارس القسوة والوحشية مع الشعب، الذي جاء بها لحمايته، وليس البطش به.
 الجيش الوطني جيش الدولة
الجيش التونسي أثبت أنه جيش الوطن جيش الدولة وليس جيش النظام الذي هو نظام بن علي، لذلك لم ينفذ أوامر بن علي بإطلاق النار على المتظاهرين، ذلك أن الجيش لم ينشأ لحماية الرئيس من الشعب وإنما حماية الوطن من العدوان الخارجي، ولما كان جيش الدولة التونسية فإنه وقف إلى جانب الشعب التونسي وقام بواجبات الأجهزة الأمنية في المحافظة على الأمن والسلم والحيلولة دون الفوضى، فحافظ على الدولة التونسية من الانهيار وكذلك شأن الجيش المصري، إنه جيش مصر، جيش الوطن والدولة المصرية، وليس جيش مبارك، لقد تبين للناس أن الأجهزة الأمنية لم تكن أجهزة الدولة المصرية بل أجهزة نظام مبارك، ومن ثم بذلت جهودا واسعة في حماية نظام مبارك، واستخدمت القمع للشعب المطالب برحيله لأنها ليست في خدمة الشعب بل في خدمة الرئيس.
 فـي الجمهورية اليمنية
حين تستخدم الشرطة قنابل الغاز وتطلق النار على المتظاهرين أو تترك ما يعرف بالبلطجية تعتدي على المتظاهرين فإنها شرطة نظام صالح وليست شرطة الجمهورية اليمنية، شرطة الدولة.
وحين يكلف العاملون في الأمن السياسي والأمن القومي لملاحقة المتظاهرين وربما الاعتداء عليهما واعتقال بعضهم فإنه حينئذ الأمن السياسي لنظام صالح وليس الأمن السياسي للجمهورية اليمنية لأنه حين يكون جهاز الدولة فإنه لا يتجسس على المواطنين ذلك أن أجهزة الدولة هي أصلا في خدمة الشعب والمصالح العامة للدولة وليست ضد الشعب.
مثال: يذهب رؤساء ويأتي آخرون في كثير من دول العالم وتذهب حكومات وتأتي أخرى، لكن الأجهزة والهيئات تظل أجهزة وهيئات الدولة وليست أجهزة وهيئات الرئيس ولا حكومة حزب.
يذهب جورج بوش الجمهوري ويأتي باراك أوباما الديمقراطي والمخابرات الأمريكية تظل المخابرات الأمريكية وليست مخابرات بوش ولا أوباما، حين حاول أحد الرؤساء الأمريكيين وهو من الحزب الجمهوري التجسس على الحزب الديمقراطي كانت فضيحة تاريخية عرفت بفضيحة ووترجيت نسبة إلى الحي الذي وقعت العملية فيه، الحزب الجمهوري -الذي ينتمي إليه الرئيس- كان أول المطالبين للرئيس بالاستقالة واستقال بالفعل.
ولو لم يستقل لرفعت ضده دعوى قضائية في المحكمة العليا ومن ثم كانت ستقضي ليس بإقالته بل بمحاكمته وهكذا في دول العالم المختلفة هناك فصل بين الرئيس أو الحكومة، والأجهزة العامة للدولة يظل الجيش جيش الدولة وتظل الأمن أجهزة دولة، وتظل الوزارات المختلفة وزارات دولة وكل ما في الأمر أن هذا الرئيس أو ذاك موظف يقوم بواجبات عامة في إدارة الشئون العامة التي هي ملك للشعب ثم يدعها، وكذلك شأن الوزير الذي يأتي ويذهب وتبقى الوزارة وزارة البلاد والدولة.
 خطاب مفتوح
لو افترضنا أن الرئيس غادر السلطة طوعا أو كرها، فإن الأجهزة حينئذ ستنتقل إلى الأصل، إنها أجهزة الدولة اليمنية يمتلكها الشعب، وفي خدمته ولا يعني مغادرة الرئيس وذوي القربى للسلطة أن تلك الأجهزة سترحل معه، فالعاملون في تلك الأجهزة هم موظفون عند الدولة وليسو موظفين عند الرئيس لذلك فإن ما ينبغي أن ندركه هو التالي:
1- لا ينبغي بأي حال قيام الموظفين في الأجهزة الأمنية بقمع المظاهرات السلمية لأنها تقمع الشعب الذي هو باق، وتخرج على اختصاصاتها وتكون أجهزة نظام الرئيس وليست أجهزة دولة.
2- في حالة مغادرة الرئيس للسلطة طوعا أو كرها فإن العاملين في الأجهزة المختلفة لا ينبغي لهم التوقف عن القيام بأعمالهم مثل أجهزة الشرطة في حفظ الأمن العام والوزارات المختلفة، والمؤسسات المختلفة.
3- انتقال السلطة إلى حكومة جديدة مؤقتة، لا يعني أنه إحلال لموظفين آخرين، وأن الموظفين القائمين سيرحلون مع النظام السابق.
4- إن مجيء نظام جديد ينسجم مع الدولة ويأتي بإرادة الشعب من غير تزوير ولا زيف سيعني أنه:
> لن يطلب من الأجهزة الأمنية أو غيرها من الهيئات العمل لحساب الرئيس أو الحكومة أو حزب فجميع المواطنين عندها سواء.
> سيعاد ترتيب أوضاعها وفقا للاختصاصات والصلاحيات المخولة لها، ووفقا لمعايير الكفاءة والنزاهة وليس الانتماء لأسرة أو غيره أو منطقة وسيأتي نظام منصف وليس فيه محاباة أو محسوبية أو تسللية، بمعنى آخر سيأتي نظام بإرادة الشعب، الإرادة العامة للشعب التي جاءت بالرئيس والحكومة ستضعه تحت مجهر الرقابة الشعبية، إذا حاول أن يفسد فإن الشعب الذي جاء به سيخلعه ويحاسبه ويحاكمه ويعاقبه بواسطة القضاء العادل.
لذلك ربما تدرك هذه الأجهزة لماذا الشرطة «الإسرائيلية» تحقق مع الرئيس وتحقق مع رئيس الحكومة ومع الوزراء ثم يحالون إلى النيابة العامة فالمحكمة التي تحكم بإقالة الرئيس وتسجنه، لأنها شرطة الدولة، شرطة الشعب، وليست شرطة الرئيس ولا رئيس الحكومة، ولها اختصاصاتها فلا يعني أن تتبع وزارة ما أنها لا تحقق مع أي مسئول بمن فيهم الرئيس فذلك من اختصاصاتها.
هل اتضحت الصورة؟ ربما. ما هو مطلوب أن يدرك العاملون في الشرطة والجيش والهيئات المختلفة أنهم يعملون لدى الدولة اليمنية وليس لدى الرئيس ونظام الرئيس، ومن ثم لا يكون مطلوبا منهم الانتماء إلى حزب أو العمل ضد حزب، إنهما أكبر من ذلك، ستكون هناك معايير للرقابة وتقويم الأداء وسيكون ولاء الجميع للدولة اليمنية، للجمهورية اليمنية، وليس الولاء الشخصي ولو كان الرئيس أو رئيس الحكومة. بمعنى آخر أن إئتمار الأجهزة بأوامر قيادتها، أو بأوامر الرئيس أو الحكومة لن يكون تبعية لهم، بل تراتباً وظيفياً وأي أوامر تأتي خلافا للمصلحة العامة أو لخدمة أشخاص فإنها تقتضي عدم التنفيذ، بل من حق أي فرد يصدر له أوامر لخدمة أشخاص أيا كانوا أن يرفض الأمر وأن يبلغ جهات الرقابة بما فيها القضائية بذلك.
نقلا عن صحيفة الأهالي

زر الذهاب إلى الأعلى