أرشيف

نعمان: لن نسمح بالحرب الأهلية والنظام ينهار من الداخل بعد أن تخلى عنه حلفاؤه وحزبه والمجتمع الدولي

يعترف الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، الرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك المعارض الدكتور ياسين سعيد نعمان بصعوبة الوضع في بلاده، ويرى أن
النظام ينهار من الداخل بعد أن تخلى عنه حلفاؤه وحزبه وحتى المجتمع الدولي، ويقول في حوار مع “الخليج” اجراه الزميل صادق ناشر: إن اليمن بدأ يدخل مرحلة حرجة، في الوقت الذي حسم فيه الناس خيار عملية التسليم السلمي للسلطة من قبل هذا النظام وتنحي الرئيس صالح عن السلطة بأسرع وقت ممكن . وكشف نعمان عن تفاصيل المبادرات العديدة التي تم تقديمها من قبل طرفي الصراع والأطراف الإقليمية والدولية بشأن حل الأزمة المستفحلة في البلاد، مؤكداً أن موقف المعارضة كان على الدوام مبنياً على أساس ضمان انتقال سلس للسلطة في البلاد، وكان حلاً سلمياً وكريماً وفي الوقت نفسه أمناً، لكنه قال إن النظام لا يريد أن يستجيب لرأي العقل، بل إنه يلجأ إلى القوة لقتل الشباب، ما يحرضهم بهذا الأسلوب على رفض الإنصات للصوت العاقل . وأكد نعمان أن المعارضة لا تريد رقبة الرئيس وليثق بذلك، وأنه كان بإمكانه تجنب الدماء التي سالت في كل مكان، كما استغرب “القنبلة” التي ظل يحضر لها طوال فترة حكمه الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود، وتمنى عليه ألا يتحول من زعيم أو من قائد سياسي إلى شرطي لحماية مصالح القلة المتنفذة المحيطة به . وقال نعمان إن الثورة التي يرفع الشباب رايتها اليوم ويدفعون ثمنها غالياً لابد أن تعيد صياغة الحياة السياسية بشكل مختلف، وإن هذا التلاقح الذي تعيشه ساحات التغيير اليوم سينتج ولا شك ثقافة مختلفة عن الثقافة التي مرت بها الساحة السياسية سابقاً . وتحدث نعمان عن “القنبلة” التي يخوف بها صالح مواطنيه والغرب، وعن المبادرات الداخلية والخارجية، وأبرزها المبادرة التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى عدد من القضايا الحيوية المعتملة في الساحة اليمنية اليوم، وتالياً الحوار:
حاوره: صادق ناشر


* كيف يمكن لك أن تلخص لنا المشهد في اليمن في ظل التطورات التي تتسارع يوماً بعد آخر، بل ساعة بعد أخرى؟


– المشهد اليوم معقد وبدأ يدخل مرحلة حرجة، في الوقت الذي حسم فيه الناس خيار عملية التسليم السلمي للسلطة من قبل هذا النظام وتنحي الرئيس، وفي الوقت الذي يتورط فيه النظام بعدوان دموي على الساحات المختلفة، آخرها ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية في محافظتي تعز والحديدة، وما جرى ويجري كل يوم في صنعاء وعدن ومدن أخرى كثيرة .


من الواضح أن مناورات النظام بدأت تنكشف من خلال حديثه عن تبني مشروع سياسي، لكن بعد أن أطلقت أحزاب المعارضة مبادرتها السياسية خلال اليومين الماضين انكشف النظام عن افتقاره إلى أي مشروع سياسي غير العدوان، وهذا في تقديري خيار خطير، لكنه مهزوم.


الوضع الآن كما يبدو بمتغيراته المختلفة أشبه بالمواجهة ما بين خيار العنف الذي يتسلح به ما تبقى من النظام، وخيار الحل السلمي المتمثل في تنحي الرئيس وتسليم السلطة سلمياً لنائبه، كما اقترح اللقاء المشترك، وكما اقترحه هو نفسه من قبل، وهذا ما أجمع عليه المجتمع الدولي وكل الشركاء السياسيين الذين يرون أن هذا هو المخرج الذي يستطيع اليمن بواسطته أن يجتاز محنته.


آليات نقل السلطة


* أين وجه الاختلاف في آليات نقل السلطة بينكم وبين الرئيس؟


– النظام لم يقدم حتى الآن أي مبادرة حقيقية ملموسة للانتقال السلمي للسلطة عدا ما كان قد سلمه للسفير الأمريكي والاتحاد الأوروبي منذ أسبوعين، والذي اقترح فيه أن ينقل الرئيس السلطة من قبله إلى نائبه ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم عاد وسحبها، ما عدا ذلك فهو يناور بأفكار غير مترابطة ويتجه نحو استهلاك الوقت، من منظوره أن استهلاك الوقت ربما يؤدي إلى تيئيس شباب الثورة أو الناس بشكل عام من الوصول الحقيقي لتغيير النظام.


نحن كنا قد تعاطينا مع المقترح المقدم من السفير الأمريكي والاتحاد الأوروبي، وعندما تراجع النظام وأعلن بعد ذلك أنه في حل من هذه الأفكار ومن الحل الذي طرحه، واصلنا مباحثاتنا مع كثير من القوى السياسية ومع شركاننا الدوليين، واستطعنا من خلال قراءتنا للحراك السياسي بشكل عام أن نصل إلى المبادرة التي أطلقناها مطلع هذا الأسبوع، والتي تقوم على أساس الفكرة السابقة نفسها، لكن بشكل أوضح، وهو أن يتنحى الرئيس ويسلم سلطاته إلى نائبه على أن يبدأ النائب فور توليه السلطة بهيكلة الأجهزة الأمنية المختلفة والحرس الجمهوري وغيرها كمرحلة لإيجاد وضع تكون فيه عملية استكمال الانتقال مضمونة، ومن بعد ذلك يتكون مجلس وطني انتقالي وتشكل حكومة وحدة وطنية ومجلس عسكري مؤقت يضمن عملية انتقال السلطة بشكل سلس، على أن تشارك فيه كفاءات وطنية بما فيها عناصر ممن جرى مقاعدتهم قسراً بعد حرب صيف 1994 حتى تستكمل الوحدة الوطنية في هذه العملية التي أعدها عملية تاريخية، وأكدنا في المبادرة ضرورة استمرار الاعتصامات باعتبار أن هذه عملية مستمرة للناس في حالة تمت عملية انتقال السلطة وتحقيق أهداف الثورة على أن يعود الجميع إلى عملية البناء ويفكروا في مستقبل اليمن على قاعدة يتفق عليها في مقدمتها كيفية بناء الدولة المدنية الحديثة اللامركزية.


* ما الاختلاف بين مبادرتكم الحالية والمبادرة التي قدمتموها للرئيس المتمثلة بالنقاط الخمس والتي فيما بعد قبلها الرئيس؟


مبادرة النقاط الخمس كانت أفكاراً عامة، تمثلت الأولى منها في عملية حماية المعتصمين، وحماية المعتصمين لم تتم، بل جرى ضرب المعتصمين في أكثر من مناسبة، ثانياً انطلقنا مما قاله الرئيس ذات يوم إنه لن يترشح وإنه لن يورث الحكم لنجله وغير ذلك، ثالثاً ورابعاً طلبنا من الرئيس أن يقدم برنامجاً عملياً لتنفيذ هذه الخطة، ثم قلنا في النقطة الأخيرة ضرورة إشراك كافة القوى السياسية في العملية .


هذه كانت مجرد خارطة طريق، لكن ما جرى هو رفضها، ثم قالوا إنها انقلاب على الشرعية، وبذلك رفضت النقاط الخمس من قبلهم، ثم جاءوا للمناورة بعد أن تطورت الأوضاع، وبعد أن سالت الدماء في مختلف الساحات ليقولوا نحن موافقون على المبادرة، لكن الزمن كان قد تجاوز الأفكار التي طرحت فيها، وبعد أن قدم الرئيس مبادرة لنقل صلاحياته إلى النائب.


هذا التسارع في التطورات لا يعطي فرصة للعودة إلى مبادرة كانت متخلفة عملياً عن مبادرة قدموها في ما بعد، وأعتقد أننا اليوم في وضع في غاية الخطورة، فالنظام ينهار من داخله ومع انهيار النظام تحدث تداعيات في جسم البلد بشكل عام، لاحظ كيف ينسحب الأمن في كثير من مختلف المحافظات والمديريات ويجري تسليم المواقع التي ينسحب منها الأمن لمجاميع مسلحة مجهولة الهوية ولا تعرف إلا بأنها احتياط للنظام، كما جرى في أبين مثلاً، الوضع الاقتصادي ينهار وهو على درجة عالية من الخطورة، الحكومة ومجلس النواب جرى تعطيلهما بالانهيارات التي حصلت فيهما، الوضع بشكل عام ينذر بمخاطر حقيقية، لذلك لم يعد هذا النظام قادراً على أن يواجه هذا الوضع المنهار، لأنه أساساً منهار من داخله، وفي الوقت نفسه لا يريد أن يقدم المشروع السياسي للحل، ما تبقى من النظام الآن يناور بالقوة وبالعنف الذي نراه ونلمسه اليوم في مختلف الساحات اليمنية.


* كيف تقيمون المبادرة التي تقدمت بها دول مجلس التعاون مؤخراً؟


– الإطار الذي اقترحته دول مجلس التعاون في اجتماعها الأخير في الرياض لحل الأزمة اليمنية عبّر عن الاهتمام الذي توليه دول المجلس لليمن وشعبها، وهو موقف مسؤول حظي بتقدير كل القوى السياسية والشعبية، ونحن بدورنا كمعارضة رحبنا بهذا الإطار الذي يلبي مطلب الشعب في الوقت الحاضر بانتقال سلمي للسلطة، ونرى أن الأوضاع المتدهورة في اليمن تتطلب جهداً إضافياً من قادة دول المجلس لتنفيذ هذا الإطار على وجه السرعة تجنباً لأي تداعيات إضافية ستؤدي لا محالة إلى انهيارات خطيرة، إننا نسجل شكرنا لأشقائنا على هذا الجهد.


* كيف تقرأون في المعارضة بشكل عام ما يقوله الرئيس إنه يجب نقل السلطة إما إلى أيد أمينة أو أن تذهب البلد إلى الفوضى؟


النظام ناور بهذا الخطاب، وهو خطاب عبثي وغير مفهوم، في الجزء الأول من الخطاب الذي كان يتحدث به الرئيس كان يقول إن هؤلاء يريدون أن يجتثوا كل شيء، المؤتمر الشعبي العام والصف الأول والصف الثاني من القيادات، ويذهب هذا الخطاب إلى الحد الذي انطلت فيه اللعبة على كثير من القوى، ثم جاء وتحدث بعد ذلك عن أنه لن يسلم السلطة إلا إلى أيد أمينة .


* نحن قلنا في مبادرتنا إن المعارضة ليست راغبة في تسلم السلطة، وكان مقترحنا أن الرئيس إذا كان جاداً وصادقاً فعليه أن يسلم السلطة لنائبه، أليس نائبه من الأيادي الأمينة؟ أليس نائبه أميناً عاماً للمؤتمر الشعبي العام؟ أليس نائبه أحد قيادات هذا النظام؟


أعتقد أن الحل والرأي الذي طرحته المعارضة كان حلاً سلمياً وكريماً وفي نفس الوقت آمناً، إن أراد النظام أن يقرأ هذه الرسالة بشكل صحيح، نحن واجهنا مشكلة مع الشباب في ساحات التغيير والحرية برفض مبادرتنا رفضاً كاملاً، بل واجهنا شتائم، لكننا تحملنا مسؤولياتنا على الأقل كأحزاب سياسية وطرحنا هذه المبادرة وقلنا من وجهة نظرنا إن هذا هو الحل الآمن، أما الشباب بعد ذلك، وهم الذين يقدمون التضحيات والدماء فلا بد أن يكون لهم رأيهم، لكن النظام لا يريد أن يستجيب لرأي العقل، بل إنه يلجأ إلى القوة لقتل الشباب، ما يحرضهم بهذا الأسلوب على رفض الإنصات للصوت العاقل .


التغير في موقف الرئيس


* حدث تغير في موقف الرئيس عندما اجتمع باللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام حيث تمسك به رئيساً حتى نهاية ولايته الرئاسية علم ،2013 بمعنى آخر إنهم ما زالوا في نفس المربع؟


لا أريد أن أتحدث عن مسرحيات حتى لا أبدو كأنني أقلل من أهمية الناس، لكنني أعرف والجميع يعرف أنه لم يكن في يوم من الأيام لا للجنة الدائمة ولا للجنة العامة أي قرار أو موقف، القرار هو ما يتخذه الرئيس، لو أن الرئيس قد حسم رأيه في ما يخص موضوع انتقال السلطة لقالت اللجنة الدائمة واللجنة العامة بكل أريحية نحن موافقون، لذلك شخصياً لا أعول على ما يحدث في اللجنة الدائمة أو اللجنة العامة، هذا النظام مثلما صادر الدولة بشكل عام، صادر أيضاً المؤسسات التي يعتمد عليها ومن ضمنها المؤتمر الشعبي العام، ومن ذلك أيضاً مجلس النواب وغيره، علينا أن نكون واقعيين القرار اليوم هو بيد الرئيس وعليه أن يقرأ حراك الواقع وكيف تدور الأمور .


كانت النقطة التي يجري حولها الخلاف هي قضية قيادات الأمن القومي والأمن المركزي والحرس الجمهوري، وقيل يومها إن هناك استهدافاً لهم ومن حقهم أن يقولوا ذلك ومن حق الرئيس أن يقول إن الذين عينهم قادة على هذه المؤسسات يثق فيهم، طالما بقي في الحكم، لكن عليه أن يفرق بين المؤسسة كمؤسسة مملوك للدولة وبين القيادة، عندما نتحدث عن هذه المؤسسات فإننا نعتبرها ملكاً للدولة وللشعب وليس لشخص، إذاً، الرئيس لا يثق إلا بالقيادات التي عينها أياً كانوا سواء كانوا من أبنائه أو غيرهم فهذا من حقه، لكن عندما يتنحى أو يذهب، فإن هؤلاء المعاونين يصبحون جزءاً منه، أما المؤسسات فتبقى باعتبارها ملكاً للدولة .


لذلك عندما قدمنا مبادرتنا تكلمنا عن إعادة هيكلة هذه المؤسسات، الخطاب الذي من شأنه أن ينشئ مثل هذه الأفعال أو ردود الأفعال تجنبناها، وسوف نتجنبها في المعارضة، لأن هدفنا الرئيس هو إيجاد معادلة وطنية حقيقية وسياسية لإخراج البلد من هذا الوضع، لذلك عليهم أن يتخلصوا، والرئيس بدرجة رئيسة، من هذه الحمولة الثقيلة لأن الإيغال في مزيد من الدماء لن يكون في صالحه، وعليه أن يعرف إنه لن يحكم بمزيد من الدماء، المطلوب من الرئيس أن يتوجه بالشكر لهذا الشعب ويقول إلى هنا وكفى، لقد نجحنا في أشياء وأخفقنا في أشياء أخرى، وإذا كان صوت الشعب اليوم بهذا الحجم والكم الهائل قد قرر أن يصنع مستقبله وحده بعد أن خرج إلى الساحات فما على الرئيس إلا أن ينصت من دون أي مكابرة ومن دون أي ردود أفعال ومن دون أن يسمح لأي خصم له أن يضعه في المكان الخاطئ من التاريخ بسلوك الطريق الخاطئ في اللحظة الراهنة، كما أرجو ألا يسمح لمن يسميهم موالين أيضاً أن يضعوه أيضاً في المكان الخاطئ من التاريخ بإغرائه بسلوك الطريق الغلط دفاعاً عن مصالحهم غير المشروعة ويحولونه إلى شرطي لحماية هذه المصالح، عليه أن يضع نفسه هو في المكان الصحيح من التاريخ، وهو من يقرر ذلك .


* عندما يتحدث الرئيس أنه لن يسلم رقبته للمعارضة، فماذا يعني بالضبط، هل يريد ضمانات له ولأبنائه أم ماذا؟


– لا أريد أن أقول إن هذا هو هاجس القادة الذين تمتلئ صفحات حكمهم بالحروب والدماء، ولكن دعني أقول إنها من الهفوات التي يقع فيها الرئيس عندما يتحدث وهو معبأ بالموقف الذي يشحنه به المحيطون به ممن يجبرونه دوماً على الخطأ، ثم من هي المعارضة التي يتكلم عنها اليوم؟ هل هي أحزاب اللقاء المشترك؟ بالتأكيد لا، اليوم توسعت دائرة المعارضة، فقد أصبحت هناك “معارضات” لهذا النظام بعد أن خرج الناس إلى الشارع، لماذا يحاول هذا النظام بخطابه الساذج أن يحصر المعارضة فقط في اللقاء المشترك؟ دعني أقول له: “أخي الرئيس لقد كثر شاكوك وقل شاكروك وعليك أن تقرأ اللوحة السياسية بشكل أفضل” .


الحديث أنه لن يسلم رقبته فإنني أقول إنه لا أحد يطلب رقبته أبداً وليثق كل الثقة بذلك، كان بإمكانه أن يتجنب كل هذه الدماء التي سالت وألا يورطه من هم حوله، أعرف أنهم ورطوه في هذه الدماء أكثر مما يجب وعليه ألا يتورط أكثر وألا يسمح للآخرين أن يورطوه في سفك مزيد من الدماء، وعليه أن يجنب اليمن المزيد من التدهور والمزيد من الدمار، ويمكن أن يخرج رئيساً محترماً وبطلاً، لكن إذا أجبروه من خلال الخطاب الذي يطلقه البعض، وهم للأسف أصحاب مصالح ضيقة، فإنهم يحولونه من زعيم إلى شرطي لحماية مصالحهم، وهنا يقع في الخطأ، وأنا أرجو منه ألا يتحول من زعيم أو من قائد سياسي إلى شرطي لحماية مصالح هؤلاء القلة المتنفذة التي لا ترى ولا تعترف إلا بها، هذه هي نصيحتي له، وعليه أن ينظر بعين أوسع.


لدينا البديل للرئيس


* عندما يجري الحديث عن تغيير في اليمن، دائماً ما يقال ما البديل؟ والسؤال الكبير هو من البديل عن علي عبدالله صالح؟


المشكلة أنه خلال العقود الماضية وجدت قيادات استمرأت البقاء في الحكم لعقود طويلة من الزمن وبدا لها وهي تتربع على كرسي الحكم، أنها قد ملكت هذه البلدان، وأن هذه البلدان أصبحت بمثابة ضيعة تديرها كيفما شاءت، هذا الشعور خلق عند هذه الزعامات اعتقاداً أنه لا يستطيع أن يحل محلها أحد، ولم تسأل هي نفسها كيف جاءت، ومن أين جاءت؟ وماذا كانت ذات يوم؟ لو أنها أجابت عن هذه الأسئلة بأريحية وموضوعية لاستطاعت أن تكتشف أنها مثلما جاءت إلى كرسي الحكم وهي في معظم الأحوال غير معروفة من أحد، فإن في هذا البلد عشرات الآلاف ممن هم قادرون على أن يكونوا قيادات وزعماء، لكننا لا نريد أن يتكرر المشهد اليوم ونتركه للصدفة، نريد المشهد اليوم في بلدنا أن يختلف جذرياً عما كانت تعمله الصدفة في حياتنا باختيارها للقيادات والزعماء.


لذلك فإن هذه الثورة التي يرفع الشباب رايتها اليوم ويدفعون ثمنها غالياً لابد أن تعيد صياغة الحياة السياسية بشكل مختلف، ولابد أن تختط طريقاً لصياغة مفاهيم جديدة للعمل السياسي وللسلطة وللدولة، وأعتقد أن هؤلاء الشباب قادرون أكثر منا على أن يصنعوا مستقبلهم بشكل مختلف، سيكتشفون من بينهم قيادات سياسية وإدارية واقتصادية وعلمية، وهذا التلاقح الذي تعيشه ساحات التغيير اليوم سينتج ولا شك ثقافة مختلفة عن الثقافة التي مررنا بها خلال الفترة الماضية، علينا أن نعترف أن جيلنا نجح وأخطأ رغم التضحيات التي قدمها، لكنه لم يستطع أن يصنع يمناً مستقراً ومزدهراً، إذاً يجب علينا أن نخلي الطريق لهذا الجيل ولا نتعسفه ونعطيه الحق في أن يصنع مستقبله بنفسه.


* كيف تنظر إلى تخلي حلفاء الرئيس عنه في هذه اللحظات التاريخية، خاصة رجال القبائل وعلماء الدين والسفراء وحتى أعضاء في الحزب الحاكم، ما الذي دفع هؤلاء إلى التخلي عن الرئيس؟


قبل أن نتحدث عن أسباب التخلي، لابد أن نحلل طبيعة العلاقة التي كانت قائمة، وطبيعة هذا التحالف، وما نوعه؟ هل هي علاقة ولاءات من نوع ما، وما طبيعة هذه الولاءات، في رأيي أن التركيبة التي حكم بها الرئيس صالح خلال الفترة الماضية كانت ذات نمط مختلف تماماً عن التحالفات المعروفة، سواء كانت التحالفات سياسية أو غيرها، الرئيس علي عبدالله صالح حكم بنمط أو أسلوب معين من الحكم يحصل فيه كل حليف على نصيبه فوراً في نطاق نظام ريعي يغلب علي الطابع الأبوي غير المؤسسي، وهذا الأسلوب في تقديري استنفد أدواته خلال الفترة الماضية، وعندما استنفدت أدواته بدأ المظهر الخارجي لما نسميه التحالف يتداعى وبدا بالفعل ينهار.


أسباب هذا الانهيار أنه لم يقم على أساس مؤسسي وإنما قام على أساس علاقات مباشرة مع الناس باستخدام هذه الأدوات، لو أنه قام على إنتاج نظام مؤسسي حقيقي لاختلف الأمر، وهذا في تقديري يحتاج إلى تحليل أوسع وقراءة متأنية حتى لا يقع اليمن في نفس المشكلة مجدداً خلال المرحلة القادمة.


فزاعات الرئيس


* هناك ثلاث قضايا يستخدمها الرئيس لإخافة العالم الخارجي لعواقب التغيير في اليمن، الحوثيون في الشمال والانفصال في الجنوب والقاعدة، هذه أوراق أستطاع أن يستميل بها الغرب لدعمه؟


قبل أيام كنت استمع إلى مقابلة الرئيس في قناة “العربية” والتي تحدث فيها عن كون “اليمن قنبلة موقوتة”، وكنت أتمنى ألا يقول هذا، لماذا؟ لأن الرئيس حكم اليمن مدة 33 سنة ثم يتركها وهي قنبلة موقوتة، بمعنى أنه أمضى مدة 33 سنة في صناعة هذه القنبلة الموقوتة، هذا الكلام يمكن أن يقوله شخص جاء إلى الحكم حديثاً، فيقول لقد جئت لحكم اليمن وهي قنبلة موقوتة، لكن أن أقول إنها قنبلة موقوتة وأنا أغادر الحكم فهو أمر غير مفهوم، وكنت أتمنى ألا يتحدث الرئيس عن ذلك، ثم إن الرئيس يتحدث أن اليمن سيقسم إلى أربعة أقسام، والسؤال: ما الذي عمله خلال مدة 33 سنة من حكمه، بل يمكن القول خلال 20 سنة، أي بعد الوحدة وبعد حرب صيف 94 من أجل تثبيت هذه الوحدة؟.


هذه فزاعات تستخدمها الأنظمة المستبدة ليس فقط في اليمن، لكننا شاهدناها ونشاهدها في ليبيا وفي أكثر من مكان، والحكام بعد هذه العقود الطويلة من الحكم يهددون العالم بأن لديهم القاعدة والإرهاب، فأين كان هؤلاء وهم يحكمون خلال هذه الفترة كلها، لهذا أعتقد أن اليمن سيكون من دون هذا النظام أفضل، سيكون خالياً من الإرهاب، وشريكاً فاعلاً مع كل جيرانه في خلق الاستقرار في هذه المنطقة الحساسة من العالم .


* على ذكر مخاوف الغرب، لماذا تأخر الغرب في دعم الثورة الشبابية؟


من المستحيل أنك بمجرد أن تعلن الثورة يؤيدك الناس مباشرة، هذه دول لها تقاليدها ومصالحها ورؤاها، ولها قراءاتها المستقلة مختلفة عن قراءاتنا نحن، لكن دعني أقول إن هناك تفاؤلاً من خلال لقاءاتنا المستمرة مع الشركاء الدوليين بشأن ما كان يدور في اليمن منذ اليوم الأول، ولم يكن هذا التفاؤل فقط من خلال لقاءاتهم بالمعارضة والأحزاب، لكن أيضاً كانت لهم قراءاتهم عن الشباب، وكانوا ربما يعملون بطريقة تفصيلية لاستخلاص قراءة خاصة بهم عن مستقبل هذه الثورة وعن واقعها، وبالفعل عندما يتخذون قراراً يتخذونه بناءً على حجج يقتنعون بها، وهذا ما تم خلال الفترة الماضية، أي أنهم لا يعتمدون على قراءة أحادية .


وأعتقد أن ما أن يوصلوا إليه يكونون مقتنعين من أن هذا القرار الذي اتخذوه هو القرار الصحيح، وهذا الموقف يتفاوت بين الأمريكيين والأوروبيين، الأمريكيون كانوا ينظرون إلى اليمن باعتباره شريكاً في قضية الإرهاب، وكان إلى قبل أن يتحدث المسؤول الأمريكي مؤخراً ينظرون إلى الرئيس علي عبدالله صالح باعتباره العنصر الفاعل بالنسبة لهم في هذه العملية المعقدة، وهذا الوضع كان بالنسبة لهم مريحاً، الأمريكيون قالوا مؤخراً إن الشراكة التي كنا نبحث عنها أو التي أقمناها لمكافحة الإرهاب مع اليمن لم تكن تعتمد على شخص، لكنها تعتمد على منظومة سياسية متكاملة، وهي الحكومة، هذا موقف جديد، حيث نقل الموقف الأمريكي من إطاره الشخصي إلى إطاره المؤسسي، وهذا الذي كان يفترض أن يتم منذ وقت مبكر .


* أريد أن أسألك عن قضية الانشقاق الذي حصل في المؤسسة العسكرية، هل يمكن أن يكون ذلك ضمانة لحماية المعتصمين أم أن الأمر يدخل في إطار صراع داخلي؟


لا أتكلم عن انشقاق، بل عن نظام ينهار من داخله، وهذا كلام أقوله دائماً، بعد مجزرة جمعة الكرامة وما أقدم عليه النظام في ساحة التغيير بصنعاء حصلت تداعيات كبيرة داخل النظام، وأراد كثيرون أن يبرئوا أنفسهم من هذا الحل الدموي الذي لجأ إليه جزء من النظام، ولم يتوقف الموضوع فقط عند العسكريين، لكن شهدنا خروجاً من المؤتمر الشعبي العام وانسحابات من السلك الدبلوماسي ومن الحقل المدني، وهو أوسع مما حدث في الجانب العسكري، الجانب العسكري كان هو البارز، لكن عندما عبر هؤلاء القادة العسكريون عن حمايتهم للمعتصمين فقد كانوا يسجلون موقفاً وطنياً من أن هذه الدماء هم أبرياء منها، وقالوا طالما إننا عسكريون فإننا سوف نعمل على ألا تحدث هذه المجازر مجدداً بقدر ما يستطيعون، وهذا هو الموقف الذي يسجل لهم، لكن إعلام السلطة والإعلام بشكل عام تناول الأمر بصورة مختلفة، ما يعني الناس اليوم وما يعني شباب الثورة والقوى السياسية هو أن هؤلاء القادة العسكريين سجلوا موقفاً وطنياً يشكرون عليه.


لا نحسد الشباب فقد سبقونا كثيراً


* على ذكر الشباب . . هل تحسدونهم على أنهم سبقوكم كمعارضة؟


لا نحسدهم، لكن دعني أقول إنهم أكثر قدرة على قراءة واقعهم ومصالحهم ولكن لا يجب النظر إليهم كظاهرة مستقلة عن نضالات الأجيال التي سبقتهم . صحيح أدواتهم مختلفة إلى حد ما لكنهم لا يشكلون بأي حال من الأحوال قطيعة مع التاريخ وإلا فسيجدون أنفسهم يبدأون من فراغ غير مفهوم، وعليهم أن يحذروا مكر التاريخ بالانخراط فيه لا بالابتعاد عنه.


* تقصد أفضل من المعارضة؟


بكل تأكيد، المعادلة التي انطلقوا منها هي التالية أن هذه الأدوات السياسية التقليدية التي استهلكتها الأنظمة ومن ضمنها الديمقراطية المزيفة لم تعد الخيار الذي يستطيع أن يحقق مستقبلهم، هذا أمر حدث في تونس وفي مصر، فقد خرج الناس بعد أن استهلكت هذه الخيارات ليجربوا خياراتهم، وأعتقد أن خياراتهم نجحت في صناعة ثورة، لكن عليهم أن يعوا أن هذه الخيارات يجب أن تحمى على قاعدة القبول بالتنوع والقبول بالتعددية الثقافية والسياسية وخيار الديمقراطية .


* بصراحة، هل تخشون حرباً أهلية؟


أولا لماذا نسميها حرباً أهلية؟ مصطلح الحرب الأهلية مصطلح مضلل أطلقه النظام لكي يقول إن هناك طرفاً آخر سيحاربه؟ لكن من هو هذا الطرف الآخر الذي سيحاربه؟ هناك طرف أعزل ليس لديه سلاح وطرف آخر لديه كافة السلاح والقوة، هذه هي المعادلة القائمة الآن وهي لا تسمح بالحديث عن حرب أهلية كما يشيع النظام . ما يحدث اليوم هو عدوان مسلح على هذه المظاهرات السلمية وعلى الحياة السياسية بشكل عام، أما الحرب الأهلية فأعتقد أن النظام هو الذي يتكلم عنها، فلا يوجد طرف آخر يمكن أن يحاربه في اللحظة الراهنة، وعليه أن يتحمل المسؤولية عن أي حديث عن حرب أهلية في اليمن، سيكون هو الطرف الوحيد في الحرب الذي يتكلم عنها، والوضع اليوم ليس عام ،1994 الوضع اليوم عندنا مختلف، هناك ساحات تقدم التضحيات وليس عندها حتى الحجارة وقوى مسلحة تهاجمها كل يوم، ولذلك يجب ألا نجاري النظام في الحديث عن حرب أهلية.

الخليج

زر الذهاب إلى الأعلى