أرشيف

هل يحكم “صالح” بعد اليوم..؟!

بعد فترة امتدت لـ 33 عاماً، عرف الشعب طريقه، وخرج الى الشارع ثائراً، فاهتز الكرسي من تحت “صالح” لكن بندقية الأبناء وعقالات الشقيقة ومصالح الامبريالية الكبرى لا تريد لهذه الفترة ان تنتهي

تشير التواريخ إلى انقضاء 33 عاماً بالكمال والتمام على حكم “صالح” الذي صعد كرسي الحكم في مثل هذا اليوم من عام 78م خلفاً لأحمد الغشمي رابع رئيس في الشطر الشمالي منذ ثورة سبتمبر 62م وحين اعتلى السلطة كان “صالح” عسكرياً في الجيش وبرتبة رائد، لكن الشيخ عبدالله الأحمر لعب دوراً رئيسياً في صعود “صالح” الذي كان يلقلب بـ “تيس الضباط” إلى كرسي الرئاسة، وهو الذي تمنى ان يحكم اليمن ولو لأسبوع واحد فقط.

صعد “صالح” الى الحكم في فترة تعيش فيها اليمن صراعاً محتدماً بين القوى التقدمية- التي كانت متأثرة بالمد القومي القادم من مصر- وبين القوى التقليدية المدعومة من السعودية، وهو الصراع الممتد من صراع الجمهوريين والملكيين.

وفي 17 يوليو 78م لم يكن العام الواحد قد انقضى على جريمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي الذي يتهم “صالح” نفسه بالمشاركة فيها، وهي العملية التي صعدت بالغشمي الى الحكم، لكن فترة حكم الأخير لم تدم طويلاً، حيث شهدت فترته صراعاً شديداً بين شطري الشمال والجنوب انتهت بمقتل الغشمي وسالمين في عمليات اغتيال يشوبها الكثير من الغموض، ليري “صالح” فرصته المواتية للصعود قد حانت في ظل الدعم الكبير الذي حظي به من القوى القبلية المعادة لمشروع الدولة المدنية، وكذلك من نظام ال سعود الذي كان ولا يزال بمثابة العدو الأول لطموحات وتطلعات الشعب اليمني.

كان صالح بثيابه الرثة وجسده النحيل- وهو العسكري المطيع- يحلم ان يغدو الحاكم الآمر ولو لأسبوع واحد، وحين تحقق هذا الحلم في الـ 17من يوليو 78م كان الرئيس الجديد يتلذذ بالجلوس على كرسي الحكم، وعمل على ان يبلغ أعلى مراتب الاستبداد ليطول بقاؤه على كرسي الرئاسة، فكان هو القائد للجيش والوارث للعرش والحائز على سلطة الفترة الى 33 عاماً، لكن الشعب اليمني قرر ان ينهيها اليوم بثورة شعبية أبهرت العالم وال تزال.

قصة الثورة

قبل الـ 15 من يناير لم يكن اليمنيون- وهم يعيشون في كنف الهامش الديمقراطي- يمتلكون الجرأة على الخروج إلى الشارع والمطالبة صراحة بإسقاط النظام، لكن ربيع الثورة العربية والذي هبت رياحه من تونس الخضراء كان كفيلاً بغرس روح الثورة في صدور اليمنيين، والذين استشعروا واقعهم القومي وتأثرهم بقضايا أمتهم العربية التي يشاركون جميع أبنائها نفس النضال والمصير المشترك، ولهذا فقد كان هروب الطاغية بن علي في 14 يناير يمثل نقطة تحول في الوطن العربي الذي كان اليمن في مقدمة اقطاره المتأثرة بالثورة الشعبية في تونس..

يتحدث “محفوظ القاسمي” الناشط في ساحة التغيير بصنعاء من وجهة نظره ان الثورة اليمنية التي أشعلها شباب في ريعان العمر هي ثورة كرامة في المقام الأول وهو اليوم أشبه بالحق الفكري المسجل باسم فئة الشباب الذين ولدوا وعاشوا كل حياتهم تحت سلطة الفرد المستبد والمغتصب للسلطة.

وبالتالي كان لزاماً على هؤلاء الشباب التسلح بالوعي الفكري والثوري الذي يؤهلهم للتحرر من استبداد الحاكم العسكري الذي صادر الحقوق والحريات واستأثر بالسلطة والثورة ومارس سياسة الإقصاء والإلغاء، وبسبب الإيمان المطلق بفئة الشباب وهي الفئة المعقودة آمال الأمة على نواصيها فقد كان شباب اليمن عند مستوى المسئولية، وكانوا أول من خرج إلى الشارع بثورة ظلت ولا تزال تحافظ على طابعها السلمي وترفع شعار إسقاط النظام وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

بعد ثورة تونس كان اليمن أكثر البلدان ثائراً وهو يعاني من ديكتاتورية الحاكم الفرد الذي ظل يتربع على كرسي السلطة منذ الـ 17 من يوليو 78م، وقد كان لليمنيين السبق الى الثورة، حيث شهدت الثورة اليمنية العديد من الإرهاصات التي مهدت للفعل الثوري، ولعل أهمها انتفاضة يوليو 2005 وكذلك الحراك الجنوبي الذي بدأ في 2007م كما ان حروب صعدة الستة واحتجاجات أبناء الجعاشن قد لعبت الدور نفسه في تهديد كرسي الحكم الذي اهتز بالفعل.

الفعل السياسي كان حاضراً بقوة فقد مثل التكتل المتمثل بأحزاب اللقاء المشترك تجربة فريدة على مستوى الوطن العربي، حيث يلتقي اليساري والقومي مع الإسلامي في تحالف سياسي واحد يمتلك رؤية واحدة، وكان دخول هذا التكتل الى الانتخابات الرئاسية في 2006م بمرشح واحد وبرنامج واحد أهم التحديات السياسية التي واجهت نظام “صالح” وهو الذي راهن دوماً على سياسة فرق تسد، وهذا ما يجعل المعارضة السياسية في اليمن تصنف باعتبارها ضمن أقوى القوى المعارضة في المنطقة العربية وان كانت قليلة الفعل والتأثير بسبب اعتماد الحاكم على وسائل البقاء المتمثلة بالسيطرة المطلقة على كل مقومات الدولة ابتدءاً بالجيش والمال العام والإعلام والوظيفة الحكومية وغيرها.

استطاعت المعارضة بطريقة او بأخرى ان تهشم جدار السلطة حيث عزلت الحاكم عن القبيلة التي كانت أهم القوى المدافعة عن “صالح” وكذلك استطاعت ان تجعل معظم الجيش يقف في مكانه الطبيعي في صف الشعب وبعيداً عن ولائه للحاكم الفرد، كما استطاعت المعارضة ان تجر حزب الحاكم الى ارتكاب أخطاء فادحة كانت كفيلة بانهياره من الداخل حيث قدم معظم قياداته وقواعده استقالاتهم لصالح ثورة الشعب.

لقد جاءت ثورة الشعب اليمني كنتاج طبيعي لواقع مؤلم افرزه ثلث قرن من حكم الفرد المستبد الذي عمل على تحويل البلاد الى إقطاعية صغيرة لصالح العائلة الحاكمة، ولهذا كان من الطبيعي لهذا الشعب ان يصحو وينفض عن نفسه براثن الصمت وغبار الخوف ليعيد صياغة تاريخ اليمن الناصع بثورته الشبابية الشعبية السلمية.

ضمانات البقاء

اعتلى “صالح” كرسي الرئاسة في 17 يوليو 78م وكان يومها يحمل رتبة “رائد” في جيش الشطر الشمالي من اليمن، لكن “صالح” نفسه يحمل اليوم رتبة “مشير”، وخلال حكمه فقد دخل هذا العسكري الذي صار رئيساً للبلاد في عدة حروب عسكرية كان الحظ حليفه في معظمها، ولعل اشهرها حرب صيف 94م والتي كانت سبباً في إقصاء الجيش الجنوبي بالكامل من الخدمة، وبلا شك فان سياسية الإقصاء والإلغاء هي الوسيلة التي اعتمد عليها “صالح” منذ تسلمه زمام الحكم، حيث عمد “صالح” الذي أصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن الى تسليم قيادة المناصب القيادية والعليا في الجيش الى المقربين، مع إقصاء ونفي كل من يختلف معهم، كما حدث للرائد عبدالله عبدالعالم، وقد تصل عمليات الإقصاء ضد القيادات العسكرية الى حد التصفية.

كذلك يعتمد “صالح” على المناطقية المقيتة في إدارة الجيش، وقام بتحويل الجيش الوطني الى جيش عائلي عن طريق تنصيب أبناء منطقته “سنحان” مناصب قيادة الجيش بحيث يضمن الولاء المطلق، فعمد بقيادة الحرس الجمهوري الى نجله “احمد” والأمن المركزي الى ابن أخيه “يحيى” و “طارق” لقيادة الحرس الخاص و”عمار” للأمن القومي و”محمد صالح الأحمر” لقيادة القوات الجوية وهلم جراً.

وكي يعمل “صالح” على تجهيز العرش لولده “احمد” فقد عمل على التخلص من حليفه الأكبر اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع وادخله في ستة حروب عبثية في صعدة أنهكت خلالها القوة العسكرية التي تجرعت خسائر فادحة، لتتضح المؤامرة من خلال محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها اللواء علي محسن في صعدة، وهو ما جعل الأخير يتخذ موقفا معادياً من “صالح” خلال الثورة الشعبية ويعلن عن تأييده السلمي للثورة.

الدور السعودي- الأمريكي

كان نظام ال سعود ولا يزال هو العدو الأول للشعب اليمني فقد لعب دوراً رئيسياً في وجه ثورة 26سبتمبر 62م من خلال الدعم الكبير الذي قدمه للقوى الملكية، وحتى بعد ان نجحت الثورة رفض نظام ال سعود ان يعترف بالجمهورية الجديدة حتى تقبلها كأمر واقع واعترف بها في عام 70م، ومع ذلك استمرت المؤامرات التي يحيكها نظام ال سعود ضد الشعب اليمني وعمل على إجهاض تقدمه وتطوره وبناء دولته المدنية الحديثة، وكانت ابرز جرائم هذا النظام هي المتمثلة بالدور السعودي الكبير في عملية اغتيال الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي ومشروعه المدني الحديث، وعملت السعودية على دعم القوى التقليدية والقبلية، كما انها بنت علاقات جيدة مع “صالح” الى الحد الذي حددت له وللمشائخ رواتب شهرية مقابل الولاء المطلق، واستطاعت ان تكسب الكثير حيث عمل “صالح” على التنازل عن أراضي يمنية مليئة بالثروة لصالح نظام ال سعود الذي صادر القرار السياسي اليمني وانتهك السيادة وحول اليمن الى ما يشبه الإمارة التابعة.

وأثناء قيام الثورة الشبابية الشعبية ظل موقف ال سعود معادياً لآمال وتطلعات الشعب اليمني، حيث عملت السعودية وبكل الوسائل المتاحة على إجهاض الثورة، وقدمت المبادرة الخاصة بها والتي جاءت بغلاف خليجي بغرض التآمر على الثورة، حيث نصحت في نسختها الأولى على تنحي”صالح” ليتم تعديها خمس مرات متتالية انتهت بنقل الصلاحيات مع رفض “صالح” التوقيع على المبادرة وكسب الوقت وهو يراهن بذلك على مثل الثوار.

في الطرف المقابل كان الموقف الأمريكي يمشي متوازياً مع الموقف السعودي الساعي الى إجهاض الثورة، حيث تجد الولايات المتحدة في “صالح” التنازل عن السيادة لصالح المصالح العليا للولايات المتحدة، كما ان الأخيرة قد أنشأت ما تسميها بقوات مكافحة الإرهاب والتي يقودها أولاد “صالح” وأبناء أخيه، ولهذا ظل الموقف الأمريكي مصراً على بقاء أولاد الرئيس حتى في حالة نقل السلطة.

يرى “مانع المطري” عضو اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية ان النظام السعودي يمثل أهم التحديات التي تواجه الثورة، حيث يسعى نظام الآسرة الحاكمة في السعودية الى نقل خلافاته الداخلية بين نائف وسلطان الى اليمن عن طريق التحالفات الموالية كما ان السعودية تخشى من انتقال المد الثوري الى أراضيها نتيجة للتأثير والتأثر الكبير بين اليمن والسعودية، لهذا فإنها تعمل بكل الوسائل الى إخماد شرارة الثورة.

هذه الدلالات وغيرها تشير إلى ان الـ 17 من يوليو 2011 سيكون اليوم الذي تطوى فيه آخر صفحات “صالح” الذي يرقد في المستشفى مريضاً بعد تعرضه لمحاولة اغتيال عبر تفجير جامع النهدين في الـ3 من يونيو الماضي، حيث تشير الدلالات الى ان للانفجار ايدي خفية من داخل القصر نفسه لعبت دوراً في العملية، وبذلك يكون اقرب المقربين قد مل من حكم “صالح” تمامً كما مله الشعب المرابط على امتداد ساحات الحرية وميادين التغيير في طول البلاد وعرضها.

 

صحيفة المدينة – فخر العزب

زر الذهاب إلى الأعلى